الأمم المتحدة تستهلّ دستور السوريين بانتهاك أبسط حقوقهم

tag icon ع ع ع

منصور العمري

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة إنشاء اللجنة الدستورية السورية، سعيدًا بما حققه في مناسبة عالمية، هي اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفخورًا بمبعوثه.

عملت الأمم المتحدة بسرية على تشكيل هذه اللجنة، تاركة السوريين والإعلام السوري يجري خلف التسريبات والإشاعات، بما يتناقض مع مبادئ الأمم المتحدة المعلنة في احترام حقوق الشعوب بتلقي المعلومات، ومنتهكة المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكلِّ شخص حق التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.

لم توضح الأمم المتحدة حتى سبب اتباعها هذا الأسلوب الذي ينتهك حقوقًا أساسية للشعب السوري، من بينها حق الوصول إلى المعلومة وحق المعرفة، وأي معرفة؟ من سيضع دستورهم!

في انتهاك واضح لهذا الحق الأساسي عملت الأمم المتحدة على تشكيل “لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة” على حد زعمها.

كيف يمكن الثقة بدستور استهل تأسيسه بانتهاك أهم حقوق السوريين!

مصداقية اللجنة

ثلث اللجنة يمثل نظام الأسد الذي قتل مئات آلاف السوريين وهجر ملايين منهم، ولا يزال مستمرًا في جرائمه التي لا حصر لها، كالبراميل والقتل تحت التعذيب، ولا يزال يعتقل عشرات الآلاف في ظروف غير إنسانية. رغم ذلك ينكر هذا النظام ارتكابه أي جريمة، أو احتجازه أي معتقل سياسي.

شمولية اللجنة

لم تشمل المكون الذي يحكم نحو ثلث سوريا، وهي “الإدارة الذاتية” الكردية والقوى والتنظيمات السياسية في شمالي وشرقي سوريا. عدا عن أن الرأي العام السوري بشقيه عبّر عن رفضه لهذه اللجنة.

هو حل على طريقة الأمم المتحدة، سيثبت بشار الأسد الرئيس الأكثر إجرامًا لهذا القرن، وسيقدم ما تبقى من الشعب السوري هدية لهذا المفترس كي يجهز على من تبقى من معارضيه، ليستمر الأسد في جرائمه التي ارتكبها باسم الدستور و”بضمانات دولية” وعلى مرأى من العالم كله.

الأمم المتحدة ليست المثل الأعلى والمرجع القانوني الفقهي الأول، فأداؤها في سوريا أكبر مثال على تنازلها المشين وتجاوزها القوانين الدولية ذاتها. تجاوزت فضائحها في سوريا حد الأخطاء ووصلت إلى التواطؤ. المرجع الأول والمبدأ الرئيسي هو إرادة الشعوب لا جلاديها.

المعادلة بسيطة جدًا، لو كانت الأمم المتحدة تكترث بدماء السوريين وتطلعات الشعوب لكنا اليوم في مكان آخر، ليس فيه بشار الأسد وعلي مملوك وجميل الحسن وغيرهم من شياطين الأرض. أولويات الأمم المتحدة هي أولويات مكوناتها. الاتحاد الأوروبي يريد إنهاء أزمة اللاجئين كأولوية. الولايات المتحدة وحتى اليوم استراتيجيتها الصريحة هي أمن حلفائها والضغط على إيران. لا ينفي هذا كمّ الجهود والأموال التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على المستوى الحكومي والمنظمات غير الحكومية للسوريين، رغم أن النسبة الأكبر من الأموال المقدمة من الجانب الحكومي لـ “الشعب السوري” تنتهي عند الأسد عبر الأمم المتحدة، في مفارقة عجيبة، حيث تفرض هذه الدول العقوبات على نظام الأسد وبالمقابل تقدم له المليارات عبر الأمم المتحدة.

الدستور الوحيد الذي قد أعترف به شخصيًا، هو من يضعه خبراء مستقلون وطنيون بالاستعانة بالخبرات الدولية، لا ممثلون عن أنظمة مجرمة أو عن دول ذات مصلحة تتعارض مع المصلحة السورية العليا، لنستطيع بناء دستور وطني لجميع السوريين، يحميهم ويبني علاقاتهم على أسس إنسانية عادلة تحترم القانون وتطبقه.

يجب على هؤلاء الخبراء أن يخضعوا لورشة تثقيف بجرائم الدولة السورية، وبعدها يضعون الدستور بناء على ما شاهدوه لحماية هذا الشعب من تكرار الإبادة التي تعرض لها.

تجربة لبنان ليست ببعيدة، حيث أعيد تصميم حكم البلد طائفيًا، وهو ما يغرقه اليوم في هذه النزاعات وحوله إلى مقاطعات ولاء لدول عديدة، وحول مواطنيه إلى أرقام في كتل طائفية غير وطنية.

شرط استفتاء الشعب السوري على الدستور الجديد

لا يجب أن نستخف بخطورة هذه اللجنة، والاكتفاء بالقول إنه لن ينتج عنها شيء، أو أنهم لن يتفقوا، وسينسحب عدد من أعضائها، وأنه في النهاية هناك استفتاء سيضع النقاط على الحروف. ففي الوقت الذي استطاعت الأمم المتحدة تشكيل هذه اللجنة التي يرفضها السوريون، من خلال الضغط العسكري والصفقات الدولية، قد تكون قادرة على ادعاء إجراء انتخابات “شفافة” يوافق فيها السوريون على الدستور، أو اعتماد دستور مؤقت ريثما تسمح الظروف بإجراء استفتاء شفاف.

يجب ألا نقع ضحية مرة أخرى لنظام ديكتاتوري مجرم، ولتهويمات الأمم المتحدة، مستغلة جوع السوريين وخوفهم من الموت في أي لحظة، واضطرارهم للموافقة على أي شيء رغبة منهم في إنهاء مأساتهم.

الدستور الوحيد الذي سيحمي السوريين، هو الدستور الذي يدونه قلم نبيل شربجي، وتجده مي سكاف عظيمًا، ويطور موقعه الإلكتروني باسل خرطبيل، ويصور اجتماعات تشكيله باسل شحادة، وينتقده أكرم رسلان بكاريكاتيره، ويبتسم بالرضا له أيهم غزول، وتهتف له فدوى سليمان، ويغني له الساروت، ويناقشه يوسف الحاج علي، ويفنده عبد العزيز الخيّر، ويترجمه مشعل التمو، ويحميه أبو الفرات.

نحن أمام خيارين، إما مسار دستوري يحترم حقوق الشعوب الأساسية ويحميها، أو مسار الأمم المتحدة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة