هل يجب التحقيق في عمل لجنة التحقيق الخاصة بسوريا؟

tag icon ع ع ع

منصور العمري

أصدرت “لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا” تقريرها الأخير المكون من 21 صفحة في 11 من أيلول/سبتمبر 2019، ولخصته في صحفة واحدة نشرتها في موقعها.

عادة يتداول الإعلام الملخصات الصحفية، دون أن يطلع على التقارير الكاملة الطويلة، وهو ما يجعل الملخصات الصحفية المصدر الرئيسي للخبر المتداول إعلاميًا، مهما احتوى التقرير المطول من تفاصيل وشروح قد لا يقرؤها أحد.

في ملخصها الناري الذي اتهمت فيه الأمم المتحدة الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد داعش بالتسبب بنزوح آلاف المدنيين وتدمير واسع النطاق للبلدات والقرى، وبرّأت النظام من خرق اتفاق التهدئة، وتناست جريمة التعذيب الممنهج المستمرة، لم تنبس اللجنة ببنت شفة حول حرق الأرض والبشر الذي ارتكبه الطيران الروسي والسوري في الفترة التي غطاها التقرير.

جاء في الملخص:

“رغم الاتفاق الحاصل بين روسيا وتركيا في أيلول/سبتمبر 2018 لإحداث منطقة مجردة من السلاح في إدلب، هاجم إرهابيو هيئة تحرير الشام المواقع العسكرية للقوات الموالية للحكومة وأطلقوا صواريخ بشكل عشوائي باتجاه المواقع الخاضعة لسيطرة الحكومة”.

تشير هذه الفقرة إلى أن هيئة تحرير الشام هي من خرق الاتفاق وليس النظام السوري.

وفي تتمة الفقرة:

 “وأطلقوا صواريخ بشكل عشوائي باتجاه المواقع الخاضعة لسيطرة الحكومة، ما أدى إلى قتل وتشويه العشرات من المدنيين في ريف حلب وحماة ومناطق أخرى”.

تحدثت اللجنة عن جرائم هيئة تحرير الشام في إطلاق الصواريخ العشوائية وقتل وإصابة عشرات المدنيين، ولكنها لم تُشر إلى القصف العشوائي الذي ارتكبه النظام السوري وقواته الموالية، والقصف الذي استهدف المشافي وغيرها من المنشآت المدنية، والذي وثقته منظمة العفو الدولية، إذ قالت إن “ما لا يقل عن ثماني هجمات استهدفت المستشفيات وبنك الدم ووحدة سيارات إسعاف، وعمال الإنقاذ، في إدلب في الأشهر الأخيرة. يظهر بحثنا أن قصف المرافق الطبية، الذي يعتبر في حد ذاته جريمة حرب، أصبح جزءًا من نمط تعتمده السلطات السورية لمهاجمة السكان المدنيين بشكل ممنهج، ما يعد أيضًا جريمة ضد الإنسانية”.

جاء أيضًا في الفقرة التالية من ملخص اللجنة:

“كما أن الهجمات الجوية والبرية التي شنتها القوات الموالية للحكومة لطرد إرهابيي هيئة تحرير الشام والجماعات المسلحة التابعة لها من إدلب وشمال حماة واللاذقية وغرب حلب تصاعدت بشكل مثير”.

تشير هذه الفقرة إلى أن القوات الموالية للحكومة تحارب فقط هيئة تحرير الشام، وأن هذه القوات تحارب الإرهابيين فقط، وهي رواية النظام السوري المجرم.

وفي تتمة الفقرة:

“ما أدى إلى تدمير البنى التحتية الضرورية لبقاء السكان المدنيين، بما في ذلك المستشفيات والأسواق والمرافق التعليمية والموارد الزراعية، وإجبار ما يناهز نصف مليون مدني على الفرار”.

إذًا في هذه الفقرة لا تذكر اللجنة أن النظام السوري يقتل المدنيين ويرتكب القصف العشوائي، بل كان يشن الهجمات لطرد إرهابيي الهيئة، وأدى ذلك إلى تدمير البنى التحتية. لم يشر الملخص إلى أن النظام السوري قتل المدنيين، رغم أنه أشار إلى أن هيئة تحرير الشام قتلت مدنيين.

أما بالنسبة لمئات آلاف المعتقلين والمختفين، فاختصر الملخص هذه المجزرة المستمرة بـ

“إن محنة المعتقلين بصورة غير قانونية والمفقودين والمختفين قسرًا لا ينبغي أن يطالها النسيان”.

لم تذكر اللجنة التعذيب الرهيب والظروف غير الإنسانية التي يعانيها المعتقلون، والتي تودي بحياة عشرات يوميًا، رغم تداول تقارير مثبتة عن استمرار هذه الجريمة الفظيعة، وهي أكبر وأبشع جريمة يرتكبها النظام السوري بشكل ممنهج، وتعتبر إحدى أكثر جرائم الأسد اكتمالًا، والتي تدينه وقد تكون السبب الوحيد يومًا ما لمحاكمة الأسد ومجرميه.

تحدثت اللجنة في الملخص عن معاناة المدنيين في مناطق سيطرة النظام:

“لا يزال توفير الخدمات في درعا، ودوما، والغوطة الشرقية، غير فعال، حيث يُحرم مئات الآلاف من المدنيين من الوصول إلى المياه والكهرباء والتعليم على نحو ملائم”.

لم تذكر اللجنة أن من الأسباب الرئيسية لحرمان المدنيين من الخدمات هو تلاعب نظام الأسد وسيطرته على المساعدات المقدمة من دول العالم عبر الأمم المتحدة، الذي وثقته عدة منظمات من بينها “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها: “نظام مغشوش، سياسات الحكومة السورية لاستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار“. عدم ذكر تورط النظام في هذه الممارسات، يأتي في إطار سياسة الأمم المتحدة بالتنازل أمام نظام الأسد، ويسهم في تورية أخطاء الأمم المتحدة وتهاونها الفادح أمام نظام الأسد، والذي أوصلها إلى تمويل قوات موالية للأسد ترتكب جرائم حرب، وتمويل مؤسسات عسكرية وأمنية تابعة للأسد ترتكب أفظع الجرائم.

كما لم تتحدث اللجنة عن مصادرة أموال وممتلكات السوريين بشكل غير قانوني.

ألا يوجد رقيب على هذه اللجنة ونتاجها؟ أليس ما تقوم به من نشر رواية أكبر إرهابيي ومجرمي العصر بشار الأسد، وتغاضيها عن جرائم كبرى، هو إهدار لرصيد كل من عمل في الأمم المتحدة منذ نشأتها، وبذل الجهود لجعلها منبرًا محايدًا. ألا تقوض هذه الأفعال مصداقية الأمم المتحدة، بل وتعرضها للاتهام بالدعم الإعلامي لكبار مجرمي التاريخ، والتغطية على جرائمهم؟

استمرار هذه اللجنة بتقديم هذا النوع من النتاج، قد يودي بمصداقية أعضائها ورئيسها، وقد تضطر الأمم المتحدة وداعمو هذه اللجنة إلى تشكيل مجلس رقابي على نتاجها، والتحقيق في عمل لجنة التحقيق، لكشف الأسباب وراء هذه الأخطاء ذات النتائج الفادحة.

لا يكفي إصدار تقارير عن أخطاء الأمم المتحدة التي وصلت إلى تمويل المجرمين في سوريا، فمع تجاهل الأمم المتحدة لهذه التقارير واستمرارها بسياسة “الطوبزة” أمام نظام الأسد، اضطرارًا أم استمتاعًا، يتحتم التحرك حيال هذه المهزلة. على الدول الممولة لعمل الأمم المتحدة في سوريا الأسد وقف تمويلها فورًا، ورسم سياسة تمويلية جديدة تمنع دعم جرائم الحرب، وتخضع لرقابة الدول الممولة، التي تشارك في تحمل مسؤولية هذه المهزلة إن لم توجد حلولًا لها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة