ماذا نعرف عن الشخصية المعادية للمجتمع

الشخصية المعادية للمجتمع
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

عادة ما يراعي الأشخاص الأسوياء عادات وتقاليد مجتمعاتهم بنسبة كبيرة، ويحترمون حقوق الآخرين، إما لوازع ديني، أو لضوابط تربوية وإنسانية، ولكن هناك بعض الأشخاص قد لا يكترثون للأعراف والمعايير الاجتماعية السائدة والمقبولة، ويفتقرون للحس الأخلاقي والضمير الحي، ويستخفون بحقوق الآخرين وينتهكونها، وقد يكون لدى هؤلاء اضطراب شخصية يسمى  “الشخصية المعادية للمجتمع”.

ما المقصود بالشخصية المعادية للمجتمع

اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع Antisocial personality أو الاعتلال النفْسيّ Psychopathy، هو اضطراب سلوكي مزمن، يتصف بثلاث صفات رئيسية: نقص التعاطف وموت الضمير، والاندفاعية والتهور نتيجة عدم القدرة على ضبط الذات، والانتهازية والسلوك الاستغلالي.

ونجد الأشخاص المصابين بهذا النوع من اضطراب الشخصية لا يهتمون بالمرجعيات الصحيحة والخاطئة للأمور، فهم يميلون إلى إلحاق الأضرار بالممتلكات وتدميرها، والمضايقة والإزعاج، والسرقة أو الانخراط في انشغالات أخرى غير قانونية.

كما أنهم يتجاهلون رغبات ومشاعر وحقوق الآخرين، وهم يلجؤون إلى الكذب والخداع والمناورة من أجل الربح أو المتعة، مثل الحصول على الأموال، أو الفوز بامتيازات ومكاسب جنسية أو مادية، كما أنهم يتصرفون بصورة اندفاعية دون التخطيط المسبق لخطواتهم وما يمكن أن تؤول إليه من نتائج.

ولا تهدف أفعالهم وممارساتهم سوى إلى الإشباع الفوري لاحتياجاتهم دون التفكير مسبقًا ودون أي اعتبار لعواقب أفعالهم، سواء عليهم شخصيًا أو على الآخرين، وهم عديمو المسؤولية، يقضون فترات طويلة جدًا ومتواصلة دون عمل، إذ يرفضون فرص العمل، أو يتركون عملهم قبل ترتيب عمل بديل، وغالبًا ما يتغيبون عن عملهم.

كذلك فإنهم يتورطون في الديون، وعند وضعهم في مواجهة أفعالهم وعواقبها على الآخرين فإنهم لا يبالون ولا يُبدون أي أسف أو ندم، بل يلقون باللوم والمسؤولية على ضحاياهم أو على أقربائهم فيتهمونهم بالغباء وقلة الحيلة.

كما يتميز هؤلاء بقيادة السيارات بصورة متهورة والتورط بحوادث السير، وتناول الكحول، وتعاطي المخدرات، والتعامل بعنف وعدوانية مع الغرباء والأقرباء، كل ذلك يجعلهم فاشلين في تكوين علاقات أسرية سليمة أو تأدية واجباتهم في العمل أو الدراسة.

ورغم ما سبق، قد يكون المصابون باضطراب الشخصية هذا أشخاصًا جذابين، وأذكياء، ومبدعين، ويهتمون بمظهرهم، ويتصفون بواجهة براقة، وقادرين على الإقناع، ويحبون ويعشقون الظهور، والقيادة والزعامة، ويتقنون الخداع وعقد الصفقات، ويكسبون بغض النظر عن وسائل الكسب والنجاح، فهم يزوّرون، ويتحايلون على القانون، ويحبكون كذبهم فيصدقهم الناس.

لكن التصرفات المستمرة والمتكررة لهؤلاء من شأنها أن تؤدي في نهاية الأمر، في الكثير من الحالات، إلى اعتقالهم والزج بهم في السجون، فنجد لهؤلاء تاريخًا إجراميًا ومشاكل قانونية.

ما أسباب الإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟

يلاحظ أن اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أكثر انتشارًا بين أبناء الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الفقيرة، ولكن كغيره من اضطرابات الشخصية فإنه يحدث نتيجة مزيج من العوامل الوراثية والبيئية.

فهو يشاهد بدرجة أعلى لدى الأبناء المولودين لأبوين لديهم هذا الاضطراب، كما أن نسبة انتشار اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع بين الرجال تفوق نسبة انتشاره بين النساء ( 3% من الرجال مقابل 1% من النساء).

كذلك فإن نشوء الشخص في مجتمع سلطوي قهري تسود فيه الاحباطات الاجتماعية، والتنافسية غير الشريفة، والإعلاء من قيم النجاح المفرط، وحق القوة، بصرف النظر عن وسائل النجاح والنجومية.

كما أن التعرض للإساءة أو الإهمال، وفقد الاستقرار أو الفوضى أو العنف في الحياة الأسرية، في أثناء مرحلة الطفولة، كل ذلك يزيد أيضًا من احتمال الإصابة.

ويفسر ذلك بأن الأحداث المؤلمة يمكن أن تؤدي إلى إعاقة نمو الجهاز العصبي المركزي بشكل طبيعي، والذي بدوره يمكن أن يتسبب في إفراز الهرمونات التي يمكنها أن تغير الأنماط الطبيعية للنمو، فعلى سبيل المثال، المجرمون الذين ارتكبوا جرائم عنف لديهم مستويات أعلى من هرمون التستوستيرون مقارنة بالشخص الطبيعي، ويتصدى الكورتيزول لتأثير هرمون التستوستيرون ما يسهل السيطرة المعرفية على الميول الاندفاعية.

وقد تبين أن انخفاض مستويات هرمون السيروتونين قد تترافق مع اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، كذلك وجد أيضًا أن انخفاض وظيفة هرمون السيروتونين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاندفاعية والعدوانية من خلال عدد من النماذج التجريبية.

وأخيرًا فإن هناك ارتباطًا بين إصابات الدماغ الرضية والسلوكيات المعادية للمجتمع، وخاصة عند حدوث أذيات بالقشرة الأمامية الجبهية.

كيف يشخص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟

تعود بدايات هذا الاضطراب، عادة، إلى سن الطفولة، أو إلى المراحل المبكرة من سن المراهقة، ويستمر حتى سن البلوغ، ويشخص اضطراب الشخصية فقط من سن 18 عامًا وما فوق، وفق ما يلي:

  • هناك أنماط منتشرة للاستخفاف بحقوق الآخرين وانتهاكها تظهر منذ سن 15 عامًا، ويُستدل عليها بثلاثة أو أكثر مما يلي:
  1. الفشل في الامتثال للمعايير الاجتماعية مع احترام السلوكيات القانونية، ويتبين ذلك بارتكاب المريض لكثير من الأعمال التي تؤدي لاعتقاله عدة مرات.
  2. الخداع، ويتبين ذلك من خلال الكذب مرارًا، واستخدام الأسماء المستعارة، أو بخداع الآخرين من أجل الربح أو المتعة الشخصية.
  3. الاندفاعية أو الفشل في التخطيط للمستقبل.
  4. الانفعالية والعدوانية، التي تظهر من خلال المشاجرات أو الاعتداءات الجسدية المتكررة.
  5. الاستخفاف بسلامة نفسه أو سلامة الآخرين.
  6. عدم تحمل المسؤولية باستمرار، ويتبين ذلك من خلال الفشل المتكرر في الحفاظ على سلوكيات العمل أو الوفاء بالالتزامات المادية.
  7. الافتقار إلى الإحساس بالندم، كما يتضح بكون الشخص غير مبالٍ بالألم أو يبرر وجوده، وسوء المعاملة، أو سرقة الآخرين.
  • لا يقل عمر الشخص عن 18 عامًا على الأقل.
  • وجود دليل على الإصابة باضطرابات السلوك قبل عمر 15 عامًا.
  • ظهور السلوكيات المعادية للمجتمع ليس محصورًا في أثناء فترة الفصام أو نوبات الهوس.

كيف يتم علاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟

حتى اليوم، لا يوجد إجماع على خطة استشفاء محددة لاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، ولكن من المتفق عليه أن العلاج شديد الصعوبة، لأن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب يرفضون العلاج تمامًا ويعتقدون أنهم لا يحتاجون إليه، ولأن هذا الاضطراب هو طريقة حياة أكثر من كونه مرضًا فغالبًا ما يحتاج العلاج لملازمة واهتمام لفترات طويلة، ويتضمن العلاج:

العلاج النفسي:

هو أهم طرق العلاج في هذه الحالة، وهو بشكل عام يتم من خلال التحدث عن المشكلة مع متخصص في العلاج النفسي، وينقسم لعدة أنواع منها العلاج المعرفي السلوكي حيث يهدف لاكتشاف الأفكار والسلوكيات الخاطئة واستبدال أخرى صحية بها، والعلاج المعرفي الذي يقوم على أساس توعية الفرد بكل ما يتعلق بالمرض ومن ضمنها سبل العلاج و التعايش مع الحالة.

العلاج الدوائي:

لا توجد أدوية معينة خاصة بهذه الحالة، ولكن بعض مجموعات الأدوية العامة قد تفيد في علاج الأعراض المرافقة، مثل مضادات الاكتئاب لتحسين الحالة المزاجية والتخلص من الغضب واللامبالاة، ومثبتات المزاج التي تساعد على الحماية من التغيرات الحادة في الحالة النفسية وتقليل نبرة التوتر والعدوانية، وأيضًا مضادات القلق ومضادات الذهان.

كيف يجب التعامل مع المصاب بهذا الاضطراب؟

يجب أن يدرك المحيطون أن العقاب لا يحسّن من سلوك هذه الشخصية، بل يطَور مهاراته في المكر والتلاعب بالآخرين، ولذا يجب تعريفه أن أساليبه في التحايل مكشوفة، كي لا يظن أن في استطاعته التحايل على الآخرين.

ويجب ترك مسافة فاصلة من دون أن يصل الأمر إلى الهجر والقطيعة التامة، وربما يضطر المجتمع إلى التعامل مع هذا الاضطراب بواسطة أجهزة فرض القوانين وتطبيقها (الشرطة والمحاكم) في غياب العلاج الفعال، وخاصة من خلال الإدانات الجنائية، الإبعاد أو السجن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة