تأثير “قانون بوسمان”.. كرة القدم ليست للفقراء

camera iconاللاعب البلجيكي جان مارك بوسمان يجلس على علم الاتحاد الأوروبي وعلى جانبه كرة ( imago sportfotodienst)

tag icon ع ع ع

“ما زلت أنتظر أن يقول الآخرون شكرًا لك: رونالدو، زيدان، بيكهام… جميعهم”، هكذا قال اللاعب السابق جان جاك بوسمان في لقاء مع صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، في كانون الأول 2015.

ولكن لماذا يريد لاعب مغمور في تسعينيات القرن الماضي من رونالدو وزيدان، اللاعبين المشهورين، شكره، ومن هو جان جاك بوسمان، هل كان أسطورة في كرة القدم؟ وماذا غير فيه؟

لم يكن بوسمان لاعبًا مشهورًا، لم يحقق كأس العالم، ولم يحقق دوري الأبطال، بل كان لاعبًا مغمورًا، اسمه الأول غير معروف بعكس اسمه الثاني، الذي اشتهر عندما سمي أحد أشهر قوانين كرة القدم باسمه (قانون بوسمان).

بوسمان فتح بابًا جدليًا في عالم كرة القدم، وخلق تأثيرًا مستدامًا على الأندية واللعبة والمالكين واللاعبين أنفسهم، فهو سلم السلطة للاعب، كما يقول السير أليكس فيرغسون، المدرب السابق لمانشستر يونايتد.

كيف بدأت قضية بوسمان بالتفاعل؟

لمعرفة قضية بوسمان يجب النظر إلى القوانين التي تخضع لها كرة القدم، في ذلك الحين، أي ما قبل عام 1995، إذ كانت عملية انتقال لاعب من نادٍ إلى آخر تحتاج إلى وجود اتفاق بين الطرفين مع حق النادي الأول الطلب من النادي الثاني المال للتخلي عن لاعبه، حتى وإن كان عقده منتهيًا.

القوانين في تلك الحقبة كانت تفرض قيودًا خاصة على اللاعبين الأجانب، إذ لم يكن بإمكان الفريق إشراك أكثر من ثلاثة لاعبين أجانب في المباراة، بالإضافة إلى اثنين على مقاعد البدلاء.

وكان بإمكان أي فريق شراء أي عدد من اللاعبين الأجانب دون إمكانية استدعاء أكثر من خمسة للمباراة الواحدة.

هذه المعضلة وقفت في وجه بوسمان حينما طالب فريقه لييج بالدوري البلجيكي الانتقال إلى فريق دنكيرك الفرنسي، بعد انتهاء عقده، لكن مطالب النادي بالحصول على مقابل مادي للتخلي عنه حالت دون إتمام الصفقة.

ومع إصرار الفريق البلجيكي على عدم السماح لبوسمان بالرحيل، وتخفيض أجره وإجباره على اللعب مع الفريق الاحتياطي وفريق الشباب، رفع لاعب خط الوسط قضية استمرت خمس سنوات.

يتذكر بوسمان في مقابلة مع صحيفة “الجارديان” الأحوال التي مر فيها بقوله، “كنت محتجزًا في ناديي، كنت في نهاية عقدي، عرضوا علي عقدًا جديدًا قيمته أقل من العقد السابق بأربعة أضعاف، وكانوا يطالبون عند بيعي بأربعة أضعاف السعر الذي دفعوه لانتقالي، بمعنى آخر: ظنوا أني قد أصبحت أفضل أربع مرات إذا أردت المغادرة، وأسوأ بأربع مرات إذا أردت التوقيع واللعب معهم”.

لم يتوقع بوسمان ومحاميه، جان لويس دوبون، أن قضيته ستغير مجرى تاريخ كرة القدم وأن اسمه سيصبح أشهر من نار على علم في عالم الكرة رغم ضعف إمكانياته الكروية.

بوسمان توجه إلى محكمة العدل الأوروبية وادعى أنه كمواطن أوروبي يجب أن يتمتع بحرية التنقل بين دول الاتحاد الأوروبي للبحث عن عمل، وطالب بتغيير نظام الانتقالات المعتمد ليسمح للاعبين المنتهية عقودهم الانتقال إلى أندية أخرى.

وفي 15 من كانون الأول من عام 1995، أقرت المحكمة حكمًا لصالح بوسمان ضم نقطتين،

الأولى:

لم يعد مسموحًا أن تطلب الأندية مقابلًا ماليًا للتخلي عن لاعبيها المنتهية عقودهم، والراغبين بالانتقال إلى نادٍ آخر يتبع للاتحاد الأوروبي، ومنح اللاعبين الحق في التفاوض مع أي نادٍ قبل ستة أشهر أو أقل على نهاية عقدهم مع ناديهم القديم.

النقطة الثانية:

أصبح بإمكان الأندية الأوروبية الاعتماد على عدد غير محدود من اللاعبين المنتمين لدول الاتحاد الأوروبي، أي أن صفة اللاعب الأجنبي سقطت عن أي لاعب يحمل جواز سفر دولة أوروبية منضمة للاتحاد.

تأثير “قانون بوسمان”

سمح حكم القضاء لصالح بوسمان بتغيير الحال بالنسبة للاعبي كرة القدم، وأيضًا بالنسبة للأندية، إذ أعطى المجال بمغادرة اللاعب للنادي بشكل مجاني بمجرد انتهاء عقده، ما يعني أنه صار للاعب نفوذ للمطالبة برواتب ضخمة حين تجديد العقد والمطالبة بالمزيد من الأموال من الأندية التي تخشى فقدان اللاعب بشكل مجاني، وهذه هي السلطة التي يقصدها السير أليكس فيرغسون.

لم يعِ بوسمان ما سيحدث بعد اتخاذ القرار، وبحسب تصريحه لـ”الجارديان“، في 12 من كانون الأول 2015، فما يجري الآن هو أن “25 من الأندية الثرية، أو الأندية الأكثر ثراءً، تشتري اللاعبين مقابل مبالغ فلكية والنوادي الأصغر لا تستطيع الشراء بتلك الأسعار”، مضيفًا، “أندية تذهب إلى أبعد وأبعد عن البقية، ما يعمق الفجوة بين الكبير والصغير”، مشيرًا إلى أن ذلك لم يكن الهدف من قضيته.

للقانون، بشكل عام، سلبيات وإيجابيات، إذ غير “حكم بوسمان” ميزان القوى بين الأندية واللاعبين لمصلحة اللاعبين، كما استفادت الأندية الصغيرة من القرار ولكن الأندية الكبيرة استحوذت على الصفقات الأفضل، لتفتح ساحة صراع بين تلك الأندية.

لعل أبرز تأثيرات “الحكم” هو إنهاء عقود “العبودية” الموقعة بين اللاعب والنادي، والاحتكار المفروض من الأندية، نسبيًا، إذ تلتف الأندية اليوم على تلك القوانين من خلال فرض بند “كسر العقد” ضمن تكلفة مالية محددة تفوق سعر اللاعب الحقيقي، وعلى سبيل المثال فإن لاعب ريال مدريد بنزيما، تصل قيمة كسر عقده إلى مليار دولار، وهي أغلى قيمة للاعب في تاريخ كرة القدم.

وأدى “الحكم” إلى ارتفاع رواتب اللاعبين بشكل جنوني، فارتفعت من 110 آلاف جنيه إسترليني سنويًا (بشكل وسطي) إلى مليونين وما يزيد عام 2015، ولا تزال معضلة الرواتب موجودة مع ازديادها بسبب التضخم الذي تشهده سوق كرة القدم.

وارتفعت وتيرة الانتقالات في أوروبا، وأصبحت خيارات اللاعبين الأوروبيين أكبر، بعد أن أتيح لهم اللعب في أي دوري أوروبي دون اعتبارهم كأجانب.

وبحسب موقع “جول”، فإنه منذ تنفيذ “حكم بوسمان” موسم 1995-1996 حتى موسم 2005-2006 ارتفع عدد اللاعبين الأجانب في الدوريات الخمسة الكبرى من 463 لاعبًا إلى 998، وما زال الرقم بارتفاع حتى يومنا الحالي.

وأعطى القانون فرصة أكبر للأندية لاستقطاب لاعبين من خارج أوروبا، بعد أن أصبحوا يتمتعون بأربعة مقاعد شاغرة.

وحوّل القانون أندية كرة القدم إلى شركات ربحية، بسبب تحرر السوق الكروية اقتصاديًا، وصارت الأندية القوية ماديًا قادرة على انتداب أفضل اللاعبين والتطور رياضيًا، وهذا كان في صالح الدوريات القوية ماديًا قبل إصدار القانون.

وارتفعت حقوق النقل والإعلانات وحقوق الرعاية، واستقطبت كرة القدم الأوروبية المستثمرين من كل أصقاع الأرض.

ولكن هذا القانون كان له أثر سلبي بسبب ارتفاع قيم الصفقات والرواتب الذي أثر على الأندية الفقيرة، لا سيما متوسطة الدخل التي لم يعد بإمكانها الحفاظ على مواهبها، وهذا ما يحدث اليوم مع أياكس أمستردام الذي يعتبر واحدًا من أكبر مزودي الأندية الكبيرة بالمواهب.

وحرم القانون بعض الأندية المتوسطة الدخل من القروض البنكية الكبيرة، التي تمنح للأندية القوية ماديًا ولا تمنح للمتوسطة، بسبب عدم توفيرها للضمانات الكافية، كما دفع ذلك لأزمات كبيرة في بعض أندية أفلست، كلاتسيو الإيطالي، وفالنسيا الإسباني الذي كان قريبًا من إعلان إفلاسه.

وأثر القانون نسبيًا على اللاعبين المحليين، إذ لم تعد الأندية مجبرة على الاعتماد على اللاعبين المحليين مع فتح الباب أمام استقطاب الأجانب، ولكن هناك أندية كبيرة كريال مدريد عاد للاعتماد على اللاعبين المحليين فيما عرف بـ “أسبنة النادي” خلال السنوات الأخيرة مع بقاء اعتماده على لاعبين أوروبيين من طراز عالٍ وهذا التوجه بات متذبذبًا ومرتبطًا بقوة وقدرة الفريق على المنافسة.

وأدى القانون إلى تراجع بعض الدوريات الكبرى وظهور وازدياد قوة أخرى، فارتفع شأن الدوريين الإسباني والإنجليزي بينما تراجعت الدوريات الهولندية والفرنسية والإيطالية، بسبب الأزمات المالية ومشاكل التضخم.

واحتكرت ثلاثة أو أربعة أندية أفضل لاعبي العالم كبرشلونة وريال مدريد وبايرن ميونخ، بسبب غناها، بينما شهدت الأندية المتوسطة موجات نزوح لمواهبها إلى تلك الأندية.

وبدورها أثرت كل تلك الأسباب، سواء كانت سلبية أم إيجابية، على المتابع العادي الذي يضطر اليوم إلى دفع مبالغ لمشاهدة أو الاستفادة من المنتوج الكروي بسبب حصر حقوق البث للبطولات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة