مزارعو حمص في مواجهة انخفاض منسوب المياه الجوفية

camera iconحفار آبار في ريف إدلب الشمالي 17 كانون الثاني 2018 (مكتب رعاية الطفولة والامومة وذوي الاحتياجات الخاصة بريف ادلب الشمالي على فيس بوك)

tag icon ع ع ع

حمص – عروة المنذر

يعد انخفاض منسوب المياه الجوفية من أهم المخاطر التي تنذر بكارثة تهدد الإنتاج الزراعي في سوريا في المستقبل القريب، وتظهر المشكلة في ريف حمص الشمالي، حيث بدأ المزارعون في المنطقة يتحسسون الخطر.

انخفض منسوب المياه الجوفية هذا العام إلى ما دون 100 متر وجفت أغلبية الآبار في المنطقة، ما جعل مساحات واسعة خارج الزراعات المروية للعام المقبل.

وتعود جذور المشكلة إلى أكثر من 20 عامًا، وتحديدًا مع بداية العمل على توسع حمص في الوعر الجديد والبدء ببناء الأبراج السكنية، فقبل البدء بأبراج الوعر كان أعمق بئر في الريف الحمصي لا يتجاوز الـ 20 مترًا.

لكن مع بداية حفر الأساسات للأبراج بدأت المياه بالتدفق إليها، فأوقفت أعمال البناء وقامت شركات البناء باستصدار موافقة بضخ الإسمنت في التربة لوقف تدفق المياه، ما شكل حاجزًا إسمنتيًا بين ريف حمص الشمالي وبحيرة قطينة، المسطح المائي الذي يغذي المنطقة جوفيًا، بحسب ما قال مهندس موظف في إدارة حوض العاصي التابعة لوزارة الموارد المائية في سوريا، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.

الحفر الجائر

لطالما كان استصدار رخصة لحفر بئر من أصعب المعاملات في محافظة حمص، فإدارة حوض العاصي كانت قد أوقفت رخص الحفر بشكل شبه كامل سوى باستثناءات منحت للمتنفذين، ومع خروج المنطقة عن سيطرة قوات النظام بدأ المزارعون بحفر الآبار وانخفضت تكاليف الحفر إلى أقل من 1500 ليرة للمتر الواحد، ما أدى إلى حفر ما لا يقل عن 3000 بئر على مستوى المنطقة، بحسب ما قال “أبو ثائر”، صاحب إحدى الحفارات لعنب بلدي.

مع دخول قوات النظام وفرض سيطرتها على المنطقة، في أيار 2018، لم تتوقف عمليات الحفر ولم يتغير في الأمر سوى ارتفاع تكلفة الحفر إلى أكثر من 9000 ليرة للمتر الواحد.

ويشير “أبو ثائر” إلى أن الحفارات لم تتوقف عن العمل حتى بعد اتفاق المصالحة، وكل ما تغير أن مفارز الأمن والشرطة والبلدية تريد حصتها، فتكلفة المتر 1500 وحصة الأمن وتوابعه 7500 ليرة لكل متر.

المهندس الموظف في إدارة حوض العاصي أكد لعنب بلدي أن الحفر الجائر يهدد المنطقة بشكل حقيقي، والمديرية والبلديات متوقفة عن منح الرخص بشكل كامل، لكن الانفلات الأمني يحول دون وضع ضوابط لموضوع الحفر.

غياب مياه الري منذ أكثر من 10 سنوات

قبل عام 2011، بدأت مياه الري تغيب شيئًا فشيئًا عن ريف حمص الشمالي، وقبل ذلك كانت مقننة بشكل كبير بحجة عدم زراعة المنطقة بالمحاصيل الاستراتيجية المروية مثل الشمندر السكري والقطن.

لكن توقف المنطقة عن زراعة هذه المحاصيل بالأساس هو بسبب تقنين “عدادين الري” (نظام ساعات لتوزيع المياه) على المزارعين، فكان المزارع يقوم بتوقيع العقد مع الجمعية الفلاحية لزراعة موسمه من الشمندر أو القطن وتخفض عليه ساعات الري ما يؤدي إلى خسارات فادحة.

“أبو خليل”، من مزارعي قرية الغنطو، قال لعنب بلدي، “قبل عام 2011 قطعت مياه الري عن المنطقة بشكل شبه كامل بحجة عدم إقبال المزارعين على توقيع عقود زراعية مع الجمعية الفلاحية، وطبعًا السبب هو أن مياه الري التي كانت ترسلها الدولة غير كافية لري المحاصيل، وقد دفع ذلك المزارعين إلى عدم توقيع العقود لأن المياه غير كافية”.

ويعد غياب مشروع الري عن المنطقة أحد أهم الأسباب لانخفاض منسوب المياه الجوفية، فكميات كبيرة من مياه الري تتسرب إلى باطن الأرض وتغذي الآبار، ومن الطبيعي انخفاض منسوب الآبار الى هذه الدرجة، والأمطار الموسمية غير كفيلة برفع منسوب المياه الجوفية الى المستوى الذي كانت عليه.

الآبار الارتوازية حل ومشكلة أخرى

انخفاض منسوب المياه الجوفية دفع المزارعين المقتدرين ماديًا للتفكير جديًا بحفر آبار ارتوازية، رغم ارتفاع تكلفتها ومنعها بشكل كامل، فهذا النوع من الآبار يدخل ضمن اتفاقيات دولية للمحافظة على الأمن المائي بين الدول، واستصدار رخصة حفر بئر كانت تتطلب توصية من رئيس الجمهورية قبل عام 2011.

مع بدء الثورة لم يكن الوضع بهذا السوء الذي هو عليه الآن، ولم يفكر المزارعون بالحفر إلى أعماق تصل إلى 450 مترًا، لكن مع تفاقم المشكلة قام بعض المزارعين بتقديم الرشاوى وحفر آبار ارتوازية رغم ارتفاع تكلفة حفرها لتتجاوز حاجز 11 مليون ليرة، وسط صعوبة استخراج المياه التي تتوقف عند مستوى 180 مترًا تقريبًا.

لكن حفر البئر الارتوازي يضر بالآبار السطحية المحيطة به، ما أدى إلى ظهور مشكلة جديدة بين المزارعين.

“أبو أحمد” من مزارعي مدينة الرستن قال لعنب بلدي، “أحد جيراني حفر بئرًا ارتوازيًا وبمجرد الانتهاء من حفر البئر كاد البئر لدي أن يجف، كما كل الآبار المجاورة”.

“المزارع الذي حفر البئر يمتلك أكثر من 80 دونمًا وحفر البئر ضروري بالنسبة له”، يقول المزراع، متسائلًا “لكن هل يعقل أن أقوم بحفر بئر تكلفته عشرة ملايين لري خمسة دونمات؟”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة