ثامر السبهان.. رجل السعودية “الجامح” يتحرك في سوريا دون بروتوكول

camera iconوزير الدولة السعودي ثامر السبهان (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عودة

تتخطى مهام وزير الدولة السعودي، ثامر السبهان، شؤون الخليج كما هي موكلة إليه، وتتجاوز ذلك إلى العراق ولبنان وسوريا التي خرج فيها مؤخرًا من المنطقة الشرقية، الخاضعة لسيطرة قوات كردية، ضمن زيارة أجراها مع نائب وزير الخارجية الأمريكي، جويل رابيون، والسفير الأمريكي، ويليام روباك، التقى فيها عددًا من شيوخ ووجهاء وإداريين من قبائل ومجالس محافظة دير الزور.

الزيارة لها أهمية بناءً على عدة محددات، إذ تأتي بعد أشهر من إعلان القضاء الكامل على تنظيم “الدولة الإسلامية” شرقي سوريا، والحديث عن مستقبل المنطقة الشرقية التي تمسك بها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتديرها أمريكا، وتترافق مع التحركات التركية لإقامة منطقة آمنة على الحدود الفاصلة مع سوريا، كخطوة لحفظ الأمن القومي لها وإبعاد أي تهديد له.

كما جاءت الزيارة مع توتر تعيشه المنطقة الشرقية بين بعض العشائر و”قسد”، وزادت حدته في مدينة الشحيل بريف دير الزور، والتي شهدت خروج مظاهرات طالبت التحالف الدولي بوقف انتهاكات القوات الكردية، والتي تعدت الاعتقالات، ووصلت إلى مقتل شبان بتهمة الانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية”.

منذ مطلع أحداث الثورة السورية اتخذت السعودية موقفًا واضحًا بدعم المعارضة السورية والثورة، التي خرج فيها ملايين السوريين ضد نظام حكم الأسد في سوريا، ومع مرور السنوات لم تغير من موقفها على العلن، بعيدًا عما ترسمه تحت الطاولة، والذي ربما يكون “ثامر السبهان” المهندس له، وهو الرجل الذي يتخطى الحدود ويكسرها دون بروتوكول يرتبط بعمله الدبلوماسي ذي الخلفيات الأمنية والعسكرية.

دبلوماسي خلفياته أمنية.. من عميد إلى سفير فوزير

ولد السبهان في الرياض عام 1967، وفي شهر تشرين الأول 2016، أسند له منصب وزير الدولة لشؤون الخليج بمرتبة وزير، وهو منصب جديد استُحدث مؤخرًا بناء على تعليمات من الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد أن كان سفيرًا للسعودية في العراق، وقبلها بمنصب الملحق العسكري السعودي في لبنان برتبة “عميد ركن”، بعد عمله كمساعد لقائد مجموعة الشرطة العسكرية الخاصة للأمن والحماية بوزارة الدفاع السعودية.

لم ينحصر عمل السبهان ضمن الأروقة السعودية فقط، سواء الدبلوماسية أو العسكرية والأمنية، بل عمل كضابط أمن وحماية لعدد من وزراء الدفاع، بينهم وزير الدفاع الأمريكي، ديك تشيني، ووزير الدفاع البريطاني، توم كينج، ورئيس أركان القوات المشتركة في الولايات المتحدة الأمريكية، الفريق أول كولن باول.

حتى عام 2015 بقيت شخصية السبهان ضمن الإطار العسكري والأمني كضابط برتبة “عميد ركن”، والتي توقف عندها، لتنقله السعودية إلى العمل الدبلوماسي، وكانت بداياته في العراق، كشخصية مكلفة بإعادة العلاقات المقطوعة منذ حرب الخليج في عام 1990، لكن الواقع كان مخالفًا لذلك، إذ اتضحت أهدافه التي رسمتها له السعودية في العراق بمجابهة التوسع الإيراني، وهو ما يفسر مهاجمته لـ “الحشد الشعبي”، بعد بدء عمله في بغداد.

وانتقد السبهان خلال وجوده في العراق “الحشد الشعبي”، وقال إنه “غير مقبول” من قبل العرب السنة والكرد، فتعالت الأصوات المنادية بطرده من العراق بدعوى تدخله بالشأن العراقي.

بعد أقل من عام من وجوده فيها، غادر السبهان العراق دون تسمية بديل له، الأمر الذي أدى إلى تراجع مستوى تمثيل السعودية في العراق إلى قائم بالأعمال حتى الآن، لكن ذلك لم يؤثر على نشاط السبهان، إذ استمرت زياراته إلى العراق، وكان آخرها إلى كردستان العراق، 12 من حزيران 2019، في أثناء مشاركته بمراسم تنصيب رئيس الإقليم، نيجرفان بارزاني، ونشر صورًا له عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، يظهر فيها بزيه المعتاد بالعباءة والشماخ، كما نشر صورًا له من العاصمة بغداد، في نيسان 2019، وعنونها بـ “من بغداد محبة لا تنتهي (…) طعم العروبة الأصيل”.

طابع عشائري قبَلي

يعود السبهان بأصوله لعشيرة شمر، وهو من أسرة لها ثقل تاريخي وسياسي كبير، بالإضافة إلى ثقلها الاجتماعي في المملكة العربية السعودية، وتربطه علاقات طيبة مع عشائر العراق والمنطقة الشرقية لسوريا، وهو ما تعمل عليه السعودية، وتحاول اللعب عليه في الفترة الحالية.

ويعتبر جبل شمر في منطقة حائل شرقي الجزيرة العربية الموطن الأصلي لعشائر شمر، المنتشرة اليوم في السعودية والكويت والعراق وسوريا والأردن.

في الزيارة الأخيرة التي أجراها السبهان إلى المنطقة الشرقية لم يكن مرتديًا زيه المعتاد (العباءة والشماخ)، وظهر إلى جانبه عدد من شيوخ ووجهاء العشائر في دير الزور وريفها، الأمر الذي يعطي مؤشرًا على نية السعودية كسب العشائر في شرق سوريا، وتفعيل دورهم بالمستقبل الجديد للمنطقة، خاصةً بعد التوتر الذي ظهر إثر إعلان إنهاء نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتوجه الحديث لمرحلة الاستقرار بعد القضاء على “الإرهاب”.

ويبدو أن السبهان يسير في الدور المحدد له بدقة، والذي لا يقتصر على تقديم العشائر العربية شرقي سوريا إلى واجهة الإدارة في المنطقة، بل للعمل أيضًا على مواجهة التمدد الإيراني، بمساعدة أمريكية، كما هو الحال في العراق، وهي السياسة التي تعمل عليها الرياض وتحاول تصديرها بواسطة السبهان، وزير الشؤون العراقية والسورية واللبنانية بمقدار أكبر من الشؤون الخليجية.

كما يبدو أن السعودية تنوي وضع قدم لها في سوريا، وخاصةً في المنطقة الشرقية، التي تشهد سباقًا للاستحواذ عليها، من قبل النظام السوري وروسيا وتركيا، التي تصطدم بسياستها معها، وتدفع حاليًا لإقامة منطقة آمنة على حدودها، تبعد خطر “الإرهاب” وتعزز أمنها القومي من خلالها.

زيارة السبهان إلى شرقي سوريا ليست الأولى بل سبقتها واحدة، في تشرين الأول 2017، إلى مدينة الرقة بعد السيطرة الكاملة عليها من يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وكانت حينها برفقة مبعوث الرئيس الأمريكي في التحالف الدولي، بريت ماكغورك، في بلدة عين عيسى.

وذكرت صحيفة “عكاظ” السعودية، آنذاك، أن زيارة السبهان كانت للوقوف على الأوضاع في المدينة، وتأتي في إطار التفاهم السعودي- الأمريكي حول إعادة الأمن والاستقرار إلى الرقة، بعد مناقشة الرياض وواشنطن إعادة الإعمار.

في حين قال اللواء السعودي المتقاعد، أنور عشقي، في مقابلة مع موقع “الخليج الجديد” إن القصد من الزيارة أساسًا هو التحضير لما بعد إحلال السلام في سوريا، مشيرًا إلى أن “المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج تريد أن تسهم في إعادة إعمار سوريا، وخصوصاً مدينة الرقة”.

وأضاف عشقي، القريب من دوائر صنع القرار في الرياض، أن الزيارة جاءت بالتنسيق مع الأمريكيين، وبمرافقة جنرال أمريكي، و”يبدو أنهم أبلغوا السوريين بخصوص الزيارة”، مشيرًا إلى أنه لم يصدر أي تصريح من “الحكومة السورية” حول أن الزيارة تشكل استفزازًا، بحسب قوله.

“الرجل الوفي”.. التحرك في لبنان

ينشط السبهان عبر حسابه الشخصي في “تويتر” بشكل كبير إلى جانب تحركه على الأرض، وباتت تغريداته المنتظمة وسيلة لتوضيح المواقف السعودية وإرسال الرسائل من خلالها، خاصةً أنه الرجل الوفي لسلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، والذي كتب تغريدة له، في تشرين الأول 2018، قال فيها، “محمد بن سلمان، إذا تحدث وضع النقاط على الحروف ويثبت يومًا بعد آخر أنه قائد أمة إسلامية وعربية، وهمه الارتقاء بهذه الأمة، فهنيئًا لنا به قائدًا في ظل سيدي خادم الحرمين (…) أدام الله عزّ المملكة قيادة وشعبًا”.

أدوار السبهان لم تقف عند العراق وسوريا، بل امتدت إلى لبنان، التي دخل ساحتها السياسية في عام 2016 ضمن زيارة جاءت دعمًا لخطوة رئيس الوزراء، سعد الحريري، في ذلك الوقت والتي قضت بتبني ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وأزالت جليد عشرة أشهر من التوتر بين لبنان والمملكة على خلفية مواقف “حزب الله” اللبناني.

وهاجم السبهان، في أيلول 2017، عبر صفحته على “تويتر” “حزب الله” اللبناني بألفاظ لاذعة، وحذر من أن لبنان سيدفع ثمن ممارساته. وبعد أن استقال رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، غرد السبهان قائلًا، “لبنان بعد الاستقالة لن يكون أبدًا كما قبلها”.

السبهان أضاف في تغريدته، “لن نقبل أن يكون لبنان بأي حال، منصة لانطلاق الإرهاب إلى دولنا وبيد قادته أن يكون دولة إرهاب أو سلام”.

في المناطق الثلاث التي دار الحديث حولها سابقًا يمكن اعتبار السبهان رجل الدبلوماسية السعودية الذي يُحسن إيصال رسائل بلاده، وهو ليس متخفيًا أو متواريًا عن الأنظار بل رجلًا “جامحًا” للسعودية لا تقل خبراته الأمنية والعسكرية عن السياسية منها، وهو مكلف بمهمة مواجهة النفوذ الإيراني من جهة، وتثبيت أقدام بلاده في مناطق الصدامات من جهة أخرى، بانتظار تصريحاته الخاصة بسوريا في الأيام المقبلة، ولا شيء يمنعه من ذلك، فالوضع في سوريا لا يختلف عن العراق أو لبنان التي أوصل رسائل بلاده بخصوصها على الملأ بتغريدات لا تزال محفوظة عبر حسابه حتى اليوم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة