tag icon ع ع ع

مراد عبد الجليل | حباء شحادة | أحمد جمال

“عمو أنا عايشة.. أنا عايشة.. ساعدني”، حُفرت تلك الجملة في ذاكرة محمد شمير، أحد متطوعي “الدفاع المدني” في ريف حمص، لتوثّق اللحظة الأكثر تأثيرًا في حياته، اللحظة التي جعلته من “الباحثين عن الحياة بين الركام”.

استطاع محمد أن ينقذ طفلة كادت أن تضاف إلى آلاف الأطفال من قتلى الحرب، بعد أن انتشلها من تحت ركام الشارع، إثر قصف بالبراميل المتفجرة استهدف سوقًا شعبيًا في مدينة الرستن، حين كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة.

يروي شمير لموقع “الدفاع المدني السوري” الرسمي تفاصيل تلك الحادثة، ليوثّقها الموقع بدوره بين عشرات القصص، والتي تضاف إلى آلاف الحوادث التي تشهد على تضحيات متطوعي فريق إنقاذ غير حكومي كاد أن ينال جائزة “نوبل للسلام”.

شمير هو واحد من نحو ثلاثة آلاف متطوع لبسوا خوذًا بيضاء وانضموا إلى صفوف “الدفاع المدني” في مناطق السيطرة المعارضة، فيما لا يزال 2891 منهم يعملون في الشمال السوري، ويؤدون مهام مختلفة على رأسها إنقاذ أرواح المدنيين، تحت راية “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا”.

ويخوض هؤلاء المتطوعون اليوم معركتين، الأولى تحت نيران طائرات ومدافع النظام في سبيل حماية الأهالي، وأخرى ضدّ حملة إعلامية يسوّقها النظام لشيطنتهم.

ترصد عنب بلدي في هذا الملف واقع منظمة “الدفاع المدني السوري” منذ البدايات، وتسلط الضوء على مراحل تطورها والمناطق التي انتشرت بها، والأسباب الخفية وراء محاولات روسيا والنظام تشويه صورتها، إلى جانب الحديث عن النظرة المستقبلية للمنظمة في ظل عدم وجود بوادر حل سياسي قريب.

عناصر من الدفاع المدني يحاولون إنقاذ المدنيين في معرة النعمان جراء قصف الطيران- 26 أيار 2019 (الدفاع المدني فيس بوك)

حرب على “الخوذ البيضاء”..

الأسد يستهدف الشاهد

خلال السنوات الماضية، وسم النظام السوري منظمة “الخوذ البيضاء” بـ “الإرهابية” مرارًا، ووصل العداء لمتطوعي “الدفاع المدني السوري” إلى التهديد بالتصفية من قبل رئيس النظام، بشار الأسد، الذي خيّرهم في حديث لوسائل إعلام روسية، في 26 من تموز 2018، بين المصالحة أو القتل واصفًا إياهم بالغطاء “للإرهابيين من جبهة النصرة”.

روسيا أيضًا شاركت بتلفيق الاتهامات بحق المنظمة، معتبرةً أن متطوعيها يقومون بـ “مسرحيات مدفوعة” من الخارج وخاصة فيما يتعلق بالهجمات الكيماوية، ومدعيةً ارتباطهم بـ “تنظيم الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، وتلقي أموال من الخارج للقيام بأعمال استفزازية.

كما طالبت روسيا المجتمع الدولي بإخراج عناصر الدفاع المدني السوري من إدلب وعموم سوريا، لأنهم “مصدر تهديد”، وجاء ذلك خلال اجتماع مغلق لمجلس الأمن، في 11 من تشرين الأول 2018، بحضور عدد من الدول الغربية، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

ووفق ما نقلت وكالة “فرانس برس” الفرنسية عن مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة حينها، فإن المندوب الروسي لدى مجلس الأمن قال إن “الإرهابيين (يقصد الخوذ االبيضاء) يجب أن يغادروا، لأن إبقاءهم في المجتمع ليس فكرة جيدة”، وأضاف، “أخرجوهم من المناطق التي يوجدون فيها، وخاصة من إدلب”.

لكن الدعوة الروسية لاقت إدانات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، الذين وصفوا الاتهامات الروسية بـ “الفاضحة والخاطئة والسخيفة”، معتبرين أن “الخوذ البيضاء هي جزء من منظمات إنسانية، وروسيا تُواصل نشر معلومات خاطئة عنها”.

إخفاء الشاهد

مدير منظمة الدفاع المدني، رائد الصالح، اعتبر أن الدفاع المدني هو الشاهد على جرائم الأسد وروسيا بحق الشعب السوري، لذلك يحاولون إخفاء الجريمة بإخفاء الشاهد.

وقال الصالح في حديث إلى عنب بلدي، إن “الدفاع المدني كمؤسسة لديها انتشار واسع في سوريا، وهي المستجيب الأول لكل الكوارث الإنسانية، لذلك روسيا تعمل على تشويه سمعته بسبب أنه الشاهد الأول والشاهد الرئيسي على الجرائم التي ترتكبها مع النظام”.

وأضاف الصالح، “هم لا يستطيعون إخفاء الجريمة، لذلك يعملون على تشويه سمعتنا ليقتلوا الشاهد على ارتكاب جرائمهم في سوريا”.

ويرى منسق القطاع الصحي لدى اتحاد منظمات الرعاية والإغاثة الطبية (UOSSM)، ضياء الدين الزامل، أن النظام وروسيا يعملان على شيطنة “الخوذ البيضاء” وتصويرها بأنها جهة كاذبة وغير مهنية، لأن رسالتهم قائمة على كشف الجرائم، بينما تقوم رواية النظام وحليفته على القتل والتهجير.

ملف الكيماوي هو دليل على ذلك، بحسب الزامل، إذ يعتبر من أبرز الملفات التي وثقها الدفاع المدني خلال عمله بمهنية واحترافية عالية ووفق المعايير الدولية، ليكون “ورقة ضد النظام وروسيا في حال تم إنشاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب مستقبلًا”.

وكانت روسيا والنظام جلبا 12 مدنيًا كشهود عيان من الغوطة الشرقية، بعد سيطرة قوات الأسد عليها، إلى مقر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي في 26 من نيسان 2018، لدعم مزاعم عدم شن النظام هجومه الكيماوي على مدينة دوما، لكن معظم الدول الغربية نددت حينها بما اعتُبر “مهزلة فاضحة ومسرحية”.

عناصر من الدفاع المدني في سوريا (رويترز)

أخطاء تصنع الخبرة

قدم متطوعو الدفاع المدني خلال السنوات الماضية عملًا استثنائيًا في سوريا جعلهم يكتسبون ثقة واحترام الكثير من السوريين، لكنها كغيرها من المنظمات تعرضت إلى بعض المصاعب وبعض الأخطاء التي يمكن تجاوزها مع اكتساب الخبرة، بحسب ما قال مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، سلام الكواكبي.

واعتبر الكواكبي أن “المنظمة، إنسانيًا ومهنيًا، أدت دورًا جبارًا لا يمكن أبدًا الانتقاص منه إلا لمن يبحث عن اختلاق الأكاذيب والاتهامات المنحرفة بالتعاون مع المجموعات الإرهابية، لكن بالمقابل فكأي جسم ناشئ، تعرضت إلى بعض الهنّات التي ستساعد الخبرة على تجاوزها، وأن الاندفاع كما الحماس الموجودين لدى أفرادها، قادران على تجاوز ضعف الخبرة”.

أما سر نجاح المنظمة ومكمن قوتها فهو في الرسالة والقضية التي آمن بها عناصر الدفاع المدني، بحسب الزامل، وتجسدت في إنقاذ أرواح الآلاف من المدنيين، وتأسيس منظومة متكاملة تشمل هيكلية توضح دور كل شخص من المسعف وعامل الإنقاذ إلى الإعلام والتخطيط والاستراتيجية.

لكن الزامل اعتبر أن الظهور الإعلامي لعناصر المنظمة كان سيفًا ذا حدين، فإضافة إلى أن التوثيق الإعلامي أظهر الإجرام بشكل كبير ووثق آلة القتل وأوصل ما يعانيه السوريون في مناطق المعارضة إلى العالم، إلا أنه في نفس الوقت سلط الأضواء المعادية لهم من قبل روسيا والنظام وأظهر العداء لهم لأنه كشف إجرامهما، قائلًا “الإعلام كان نقطة قوة ونقطة نجاح، وبنفس الوقت كان نقطة استعداء كبيرة للنظام وللروس”.

تضم منظمة “الدفاع المدني السوري”، متطوعين سوريين من شرائح مختلفة، يقوم عملهم على إنقاذ أكبر عدد من الأرواح في أقصر وقت، إذ تتعهد المنظمة بخدمة الشعب السوري وتصف نفسها بالحيادية وعدم الانحياز، وعدم الولاء لأي حزب أو جماعة سياسية.

تعمل “الخوذ البيضاء” (لقب متطوعي الدفاع المدني) وفقًا للقانون الدولي الإنساني، ضمن البرتوكول الأول في “المادة 61″، في اتفاقيات جنيف لعام 1949، إلى جانب تعهدها بتوفير الخدمات الواردة في المادة الخامسة بحماية السكان المدنيين من الأخطار الناجمة عن الأعمال العدائية والكوارث الأخرى، والإسراع في عملية التعافي من الآثار المباشرة لتلك الأعمال، بحسب الموقع الرسمي للمنظمة.

ويشمل عملها إنذار السكان المدنيين من الضربات والأخطار والبحث والإنقاذ في المناطق الحضرية وإخلاء السكان من المناطق التي يقترب منها الصراع، إلى جانب توفير الخدمات الطبية ومنها الإسعافات الأولية في لحظة الإصابة، وتوفير خدمات الإطفاء وإدارة ملاجئ الطوارئ.

كما يعمل الفريق على التحقق من المناطق الخطرة ووضع علامات تحذيرية حولها، كالألغام وغيرها، ويوفر المؤونة والإصلاح الطارئ للمرافق العامة الأساسية، وإزالة التلوث وتدابير الحماية ذات الصلة، والمساعدة في الحفاظ على الأشياء الضرورية للنجاة، والمساعدة الطارئة في إعادة النظام العام والحفاظ عليه في المناطق المتضررة، إضافة لعمله في الدفن الطارئ للموتى.

التأسيس

أُسس “الدفاع المدني السوري” عبر مجموعات متفرقة من الشبان المتطوعين في أواخر عام 2012، ومطلع عام 2013، وذلك بالبحث عن المدنيين العالقين تحت الأنقاض وإنقاذهم وإسعافهم جراء تصعيد النظام السوري تجاه الأحياء السكنية بالقصف الصاروخي والجوي، لتبدأ تلك المجموعات بتنظيم نفسها ضمن مراكز تطوعية سريعة، وكان أول تلك المراكز في دوما بريف دمشق ومركزي حلب وريفها.

وبحسب الصفحة التعريفية في الموقع الرسمي للمنظمة، تواصلت تلك المجموعات مع بعضها لاشتراكها بذات العمل والمهمة، بعد أن بدأت تطور نفسها وتزداد حالات التطوع في صفوفها وبدأت تعمل على صقل عملها بالتدريب المناسب والبحث عن المعدات اللازمة لعملها مع توسع بقعة القصف والدمار في معظم المناطق السورية.

الانتشار

أجرت مجموعة المتطوعين أولى دوراتها التدريبية في تركيا في شهر آذار 2013، بحضور 25 فردًا من فريقها، بعد أن تواصلت مع إحدى المنظمات الإغاثية المتخصصة في دعم المجتمع المدني، في خطوة لصقل المهارات والحصول على الأدوات الخاصة بعملها.

وعقد “الدفاع المدني” أول لقاءاته السنوية في عام 2014، بحضور ممثليه على مستوى المناطق السورية، ليعلن في ذلك الوقت تشكيل منظمة واحدة بشكل رسمي برسالة مشتركة وقيادة موحدة بإطار وطني وضمن القانون الدولي الإنساني، الذي يعرّف ويؤطّر مهمة عمل المنظمة بشكل قانوني بعيدًا عن الانتماءات السياسية أو الدينية، ووصل عدد مراكز المنظمة في الوقت الحالي إلى 120 مركزًا وأكثر من 3200 متطوع.

خسرت المنظمة من متطوعيها 262 فردًا في أثناء عمليات الإنقاذ، وفي إحصائياته الرسمية، يقول “الدفاع المدني” إنه أنقذ حياة أكثر من 62000 شخص في المناطق السورية ولا يزال العدد في ازدياد بشكل يومي، وفق الموقع الرسمي للمنظمة.

وينتشر “الدفاع المدني” بمراكز تطوعية ضمن مناطق المعارضة السورية، ولا يوجد له انتشار في مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، ويمنع دخوله إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

ومنذ بداية عمله حتى الآن حصلت “الخوذ البيضاء” على 23 جائزة من جهات مختلفة حول العالم، وترشّحت لجائزة “نوبل للسلام” ثلاث مرات، حسب إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من فريق “الدفاع المدني السوري”.

عناصر من الدفاع المدني بعد مقتل ثلاثة عناصر في الغوطة الشرقية- 21 من تشرين الثاني 2017 (EPA Mohammed Badra)

مراكز الدفاع المدني.. الهدف الأول في المعارك

في بداية كل عمل عسكري كانت تشنه قوات الأسد ضد مناطق المعارضة، خلال السنوات الماضية للحرب، كانت مراكز وكوادر منظمة الدفاع المدني والمراكز الطبية الهدف الأول والمباشر لطائرات النظام وسلاح الجو الروسي بدءًا من حلب وريفي إدلب وحماة وحمص، وصولًا إلى الغوطة الشرقية والجنوب السوري.

قصف بشتى أنواع الأسلحة، مدفعي وصاروخي وبراميل متفجرة، كان وراء مقتل وإصابة المئات من عناصر الخوذ البيضاء، إلى جانب تدمير عشرات المراكز في مختلف المناطق، الأمر الذي اعتبرته تقارير حقوقية، ومنها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها 2016، بأنه استهداف ممنهج وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وبحسب إحصائية للشبكة السورية لحقوق الإنسان في أيار 2016 فإن 66 هجومًا، منذ تأسيس الدفاع المدني وحتى 30 من نيسان 2016، استهدف ما بين مركز تابع للدفاع المدني وسيارات خدمية تابعة للفريق، 62 من الهجمات كان النظام السوري مسؤولًا عنها، وثلاث هجمات لروسيا، وهجوم لم يتم تحديد الجهة المنفذة.

كما وثقت الشبكة 243 حادثة اعتداء على المراكز الحيوية للدفاع المدني والهلال الأحمر في سوريا في 2017، و198 حادثة اعتداء على منشآت الفريقين خلال عام 2018.

ويعود سبب الاستهداف المباشر وجعل الخوذ البيضاء هدفًا دائمًا لهجوم قوات الأسد والطائرات الروسية، إلى محاولة إخفاء الشاهد على استهداف المدنيين بمختلف أنواع القصف، خاصة وأن عمل عناصر المنظمة يثبت عكس رواية النظام التي تقول إنها تستهدف ما تصفها بـ”الجماعات الإرهابية” و”مواقع المسلحين”، في حين يفند عناصر الدفاع المدني تلك الرواية من خلال مقاطع فيديو وهم “ينتشلون الجرحى من تحت الأنقاض، ويدفنون القتلى، ويطفئون الحرائق، ويجرون عمليات بحث وإنقاذ تفوق العد، كانوا شهودًا على عديد من فظائع هذا الصراع” بحسب ما وصفتهم منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تموز 2018.

واتبع النظام وروسيا سياسية الضربة المزدوجة في استهداف مراكز الدفاع المدني، بحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان في أيار 2016، وتقوم على مبدأ إعادة قصف الموقع المستهدف ذاته بعد مضي عدة دقائق بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية في صفوف عناصر الدفاع المدني.

ويعتبر استهداف المراكز الحيوية في مناطق المعارضة ومراكز الدفاع المدني انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني الذي يفرض على الأطراف المتنازعة التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، بموجب المواد “27” و”47″ من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة “46” من لائحة اتفاقية لاهاي الرابعة، والمادة “48” من البروتوكول الإضافي الأول، والتي تؤكد على تجنب استهداف المواقع المدنية والمراكز الحيوية.

كما يعد القصف انتهاكًا للمواد 52 و52 و54 و55 و56 من البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، إضافة إلى خرق قوات الأسد والطيران الروسي قرار مجلس الأمن رقم 2139 الصادر في 22 من شباط 2014، والذي طلب من جميع الأطراف التوقف عن الهجمات التي تشنها ضد المدنيين والقصف العشوائي والتمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وحظر الهجمات العشوائية والموجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية.

 من يموّل “الدفاع المدني السوري”

حصل المتطوعون الذين أنشؤوا الدفاع المدني على اهتمام المنظمات الإغاثية والإنسانية منذ بدء عملهم وسعيهم للحصول على التدريب والرعاية، خاصة مع تفاقم الحاجات الإنسانية مع تقدم سنوات الصراع السوري وشراسة الحملة التي شنها النظام السوري على المناطق المعارضة بالقصف العشوائي للمراكز المدنية والمستهدف للمراكز الحيوية.

توجه التبرعات، حسبما يذكر موقع المنظمة الرسمي، المسمى “الخوذ البيضاء” (ادعموا أبطال سوريا)، إلى “المساهمة في مساعدة المتطوعين المصابين للوقوف على أقدامهم مجددًا، وإعانة العائلات التي فقدت أحد أفرادها أثناء تأديتهم لواجبهم في إنقاذ الأرواح، وتبديل المعدات التي دمرها القصف”.

ذكرت منظمة ” The Syria Campaign”، وهي منظمة مستقلة مسجلة في الولايات المتحدة تدير جمع التبرعات لدعم “الخوذ البيضاء”، عبر موقعها الإلكتروني، أن 238372 شخصًا بادروا بتقديم التبرعات.

وتسهم منظمة “MayDay Rescue” (ماي داي ريسكيو)، في جمع التبرعات العالمية لصالح الدفاع المدني منذ عام 2014، حسبما ذكرت عبر موقعها الرسمي، وهي مؤسسة غير ربحية مرخصة في هولندا متخصصة في تدريب وإعداد ومساعدة متطوعي الاستجابة الأولية في مناطق الصراع والزعزعة والكوارث، مؤسسها الضابط البريطاني السابق والتابع للأمم المتحدة جايمس لو ميسورير.

وتصل التبرعات الأمريكية عبر منظمة “Chemonics” (كيمونيكس) الدولية، وهي شركة تعمل بالتوازي مع العديد من المتبرعين والقطاع الخاص لإدارة المشاريع في الدول النامية وتعمل بشكل رئيسي على عقود من وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية (USAID)، وفق ما جاء في موقعها الرسمي.

وقدرت منظمة “ماي داي ريسكيو” التبرعات الواصلة ما بين عامي 2014 و2018 بـ 127 مليون دولار، منها 19 مليون دولار من أطراف خاصة، وفق ما نقل موقع “وزارة الشؤون الخارجية الهولندية”.

وأسهمت كذلك كل من حكومات كندا والدنمارك وألمانيا واليابان وهولندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة وبريطانيا وقطر في دعم “الخوذ البيضاء”.

فرق الدفاع المدني تحاول إسعاف مصابين في معرة النعمان بريف إدلب - 26 أيار 2019 (الدفاع المدني)

فرق الدفاع المدني تحاول إسعاف مصابين في معرة النعمان بريف إدلب – 26 أيار 2019 (الدفاع المدني)

رائد الصالح

رجل الدفاع المدني في المحافل الدولية

“لست سياسيًا ولا دبلوماسيًا، وإنما أنا مجرد عامل بحث وإنقاذ، لذا اعذروني لصراحتي فيما أقوله فمأساة شعبي لا تحتمل مواربة في طرحها”، بهذه الكلمات قدّم رائد الصالح نفسه في جلسة لمجلس الأمن عام 2015 تحدث خلالها عن عمل الدفاع المدني.

وكان الصالح قد شارك قبل تلك الجلسة بعامين في تأسيس الدفاع المدني في إدلب، قبل أن يُعيّن مديرًا للمنظمة في المحافظة، وفي العام 2013 انتُخب مديرًا للدفاع المدني في سوريا، وتسلّم أول جائزة عربية تحصل عليها المنظمة من دولة الإمارات العربية المتحدة.

حضر الصالح في محافل دولية وبين سياسيين حول العالم للحديث عن قضية السوريين، واستمر في الحديث باسم “الدفاع المدني” في جميع المقابلات الصحفية التي تلت حصول فيلم “الخوذ البيضاء”على جائزة “أوسكار” عام 2017، وعبّر مرارًا عن معاناة السوريين في ظل القصف والتعرّض الدائم للخطر، وإسهامات الدفاع المدني في إنقاذهم “بحيادية ودون تمييز على أساس الطائفة أو المنطقة”.

اختارته مجلة “التايم” الأمريكية ليكون ضمن قائمتها السنوية في عام 2017، لأكثر “100 شخصية” تأثيرًا في العالم، بين شخصيات من عالم السياسة والأعمال والفن والرياضة، إذ ضمّ التصنيف ثلاث شخصيات عربية إلى جانب الصالح، الذي أًدرج اسمه في قائمة “الأيقونات”.

علق الصالح على اختياره في قائمة المجلة الأمريكية، بالقول، “فخورون بأن نكون ضمن أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم، وهذا بفضل عمل جماعي لما يزيد على 3300 متطوع، يعملون بأصعب الظروف وأحلكها ويضحون بحياتهم لإنقاذ الإنسان على اختلاف انتمائه الطائفي أو العرقي.. لإنقاذ الحياة من بين ركام الموت الذي تسببه الحرب في سورية”.

وتابع، “نيلنا اللقب يسهم في إيصال صوت معاناة الشعب السوري إلى العالم، وهنا بدوري أدعو كل القوى الدولية والعالمية للتضامن والضغط لإنهاء الحرب ومعاناة الشعب السوري”.

التقى رائد الصالح بالسفيرة الأمريكية، نيكي هايلي، في مجلس الأمن بمدينة نيويورك الأمريكية في نيسان عام 2017، في أول لقاء يجمع هايلي مع شخصية سورية، لتجد فيه الشخصية الأقرب للمدنيين السوريين، وتركز اللقاء على ضرورة الوقف الفوري للعنف ضد المدنيين من أجل أن يعود السوريون إلى حياتهم الطبيعية ويتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم، كما أكّدا على وجوب الإنهاء الفوري لكل عمليات الحصار.

وينحدر رائد الصالح (35 عامًا) من مدينة جسر الشغور في ريف إدلب، وكان قد غادرها إلى مخيمات إدلب القريبة من الحدود السورية، وهو متزوج ولديه أطفال وعمل سابقًا في التجارة قبل بدء الثورة السورية.

المتطوع في الدفاع المدني السوري رائد الصالح 2018 (صفحة الدفاع المدني على فيسبوك)

“الخوذ البيضاء”.. نواة لدفاع مدني يحمي كل السوريين

نشأت “الخوذ البيضاء” استجابة لحاجة المدنيين ضمن سوريا مع استعار العنف والتعرض للحصار الذي منع وصول الفرق الإغاثية والإنسانية للمساعدة، إلا أنها تحولت إلى منظمة ترقى للمعايير العالمية سريعًا، وتحمل “رؤية وهدفًا لتكون جزءًا فاعلًا في المجتمع السوري بكل نشاطاته” حسبما قال مديرها رائد الصالح لعنب بلدي.

إلا أن تلك الأهداف رهن لطريقة الخروج من الوضع الحالي في سوريا، حسبما قال سلام الكواكبي، مدير “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في باريس، لعنب بلدي.

في حال توفر حل سياسي ضامن لحقوق الإنسان والعدالة، فسيكون من المنطقي جدًا أن تمثل المنظمة نواة أساسية لإنشاء الدفاع المدني المهني الحقيقي في سوريا، وبالمقابل، إن انتصر الاستبداد بأشكاله المختلفة، على حد تعبير الكواكبي، ستقع المنظمة كغيرها من قوى الثورة المدنية كضحية، وسيتعامل معها النظام كأي مجموعة يعتبرها معادية له.

النظام يعادي المنظمة

يتعرض “الدفاع المدني” لحملة تشويه شديدة من قبل النظام السوري وحليفته روسيا، إضافة إلى العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا وفي بعض الدول العربية، من قبل “الفئات التي تدّعي انتماءها للتيار القومي”، حسبما قال الكواكبي، و”ما دام نشاط المنظمة سيستمر، فحملات التشويه لن تتوقف”.

ورأى الكواكبي أن تأثر المنظمة مرتبط بمدى تأثير هذه الحملات الكاذبة على الدول التي ما زالت تؤمن برسالة المنظمة وتؤمّن لها المساعدات والتمويل، وأضاف أن هذا “غير وارد في المرحلة الحالية، إذ إن استقالة المجتمع الدولي من مساعدة السوريين تدفع القيادات السياسية إلى التخفّي خلف العمل المدني السوري بمساعدات غير كافية ولكنها تحافظ على استمراريته”.

وشهدت المنظمة تفاعلًا دوليًا مستمرًا، سواءً كان من خلال الدعم المادي أو المعنوي، فرغم إيقاف الحكومة الأمريكية عام 2018 لتبرعاتها التي بلغت قيمتها 200 مليون دولار الموجهة لجهود الإنعاش في سوريا، إلا أنها حررت مبلغ 6.6 مليون دولار لصالح المنظمة، مع تقديمها لما يزيد على 33 مليون دولار خلال السنوات السابقة لصالحها، أتبعتها بمبلغ 5 ملايين دولار العام الحالي.

كما انخرطت عدة دول في إنقاذ 422 من أفراد الدفاع المدني وعائلاتهم من جنوب سوريا مع إحكام النظام السوري لقبضته على المنطقة عام 2018، وتعهدت كلٌ من بريطانيا وألمانيا وكندا باستقبالهم.

واستنكرت الحكومات الغربية حملة التشويه التي واجهتها المنظمة، وقالت وزيرة الشؤون الخارجية الكندية، كريتسيا فرلاند، في حوار مع صحيفة “الغلوبال آند ميل” نشر في 2 من حزيران الحالي، إن التهم التي يواجهها الدفاع المدني تمثل “وسام شرف” لأفراده.

عناصر من الدفاع المدني يحاولون إنقاذ المدنيين في معرة النعمان جراء قصف الطيران- 26 من أيار 2019 (الدفاع المدني فيس بوك)

آفاق التوسع إلى شرقي سوريا

تنوي “الدفاع المدني” التوسع في مهامها إلى مناطق لم تعمل بها سابقًا ومنها شرقي سوريا، حسبما قاله الصالح لعنب بلدي، مفصحًا عن جهود للتواصل مع الجهات المختصة شرق الفرات.

واستشهد الصالح بالحاجة لتوسع المنظمة إلى منطقة شرقي سوريا والبادية، بحجم الحرائق التي يتعرض لها المزارعون “دون استجابة من فرق مختصة”، وكانت الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا قد أعلنت في 30 من أيار الماضي، أن 25 ألف هكتار من محاصيل القمح والشعير قد احترقت بالكامل في المنطقة.

الكواكبي اعتبر أن امتداد المنظمة إلى شرقي سوريا في ظل سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على المنطقة سيكون “صعبًا”، إذ إن السلطات الكردية “تعتبر الدفاع المدني منظمة قريبة من المنظمات الإسلامية المتطرفة ولو لم تعلن عن ذلك”.

إضافة إلى أنها تملك مجموعات عمل إسعافي خاصة بها، تنفذ مهام مشابهة لمهام المنظمة، لذا لن تفتح باب مشاركة “الخوذ البيضاء” في هذا المجال، حسب رأيه.

الغد المنتظر في سوريا

يرى المنسق الصحي لدى اتحاد منظمات الرعاية والإغاثة الطبية (UOSSM)، ضياء الدين الزامل، أن الدفاع المدني يُفترض أن يكون مؤسسة حكومية، لكن فشل حكومات المعارضة السابقة دعا المؤسسة إلى النأي بنفسها عن ذلك المسار.

وأعرب عن أمله أن تنضم المنظمة مستقبلًا إلى جهة مركزية، لا يشترط أن تكون حكومية وإنما إدارة تنفيذية، لأن الرسالة التي تحملها يجب أن تكون على مستوى البلد كلها وليس على مستوى منظمة أو مؤسسة خارج سياق الحكومة.

ومن جانبه قال مدير المنظمة، رائد الصالح، إن الدفاع المدني ليس منظمة ولكنه جزء من الشعب السوري وسيبقى مرتبطًا بسوريا ولن يغادرها أبدًا.

وتتعهد “الخوذ البيضاء” في موقعها الإلكتروني أن مستقبل سوريا الذي يحمل السلام والاستقرار سيشهد على التزام متطوعيها بالشروع في مهمة إعادة بناء سوريا، “كأمة مستقرة ومزدهرة ومحبة للسلام والتي يمكن فيها تحقيق تطلعات الشعب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.

English version of the article

مقالات متعلقة