حروب الآخرين في سوريا

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

الأمريكيون والروس يتحاربون على النفوذ والثروات والجغرافيا السورية، ويوظفون فيها ابتكاراتهم الحربية ونظرياتهم القتالية، فإذا كان مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي قد اكتشف أيام بوش الأب أن الحرب الطائفية هي قنبلة نووية يستطيع استخدامها ببساطة وبلا تكاليف تذكر، فإن الروس اكتشفوا في سوريا أن قصف المستشفيات والمدارس والأسواق هي قنبلة نووية أسرع أثرًا، ونتائجها لا تحتاج إلى الانتظار. فتهجير مدينة وإخلاؤها من أهلها لا يحتاج إلى أكثر من شهر بعد تدمير الأسواق والمستشفيات والمدارس، ولا حاجة لطبخة الإشاعات والبيانات الطائفية وانتظار نضوجها.

أما الأتراك وحزب العمال الكردستاني (البي كي كي) فقد اكتشفوا أن حروبهم على الأراضي السورية أرخص لهم وأقل انعكاسًا على ناسهم وجمهورهم، فنقلوا حربهم الداخلية من تركيا إلى سوريا، وهم يتحاربون على الشمال السوري وعلى النفوذ فيه.

والإيرانيون والإسرائيليون حصروا حربهم في الصراع على الجنوب السوري والتحكم بدمشق، بالإضافة إلى حروب إيران المتعددة في سوريا فهي ضد الدول الخليجية، وضد الأتراك، وضد الكرد وضد السوريين أولًا.

والسعوديون والإماراتيون يتنازعون مع القطريين في سوريا، ويتقاسمون التنظيمات المتطرفة ويغذونها بالمال والسلاح ردًا على سوء تفاهم بين أمرائهم أو ولاة عهودهم، الذين يتعاملون مع السوريين ومصيرهم مثلما يتعامل القصاب مع ذبائحه.

النصرة وداعش يتحاربون مع الأمريكيين ويعتبرون خسائرهم في العراق وفي أفغانستان ماضيًا مخزيًا لهم ولمشايخهم، ويجب الانتقام عبر حروبهم الدينية المتطرفة في سوريا.

لبنان يرسل “حزب الله”، مندوبه في الحروب السورية، وحامل رسائله الانتقامية، بالإضافة إلى انخراطه العلني في صفوف الحرس الثوري الإيراني.

الأردن يخاف من انتشار التنظيمات الجهادية في أراضيه فظل ينفخ على النار لتشتد في سوريا، لكي تلتهي الأطراف الإيرانية والداعشية، ولتحترق بعيدًا عن حدوده وعن أراضيه.

مقاتلو الشيشان والطاجيك والأوزبك يستذكرون خسائر شعوبهم مع الروس، وجاؤوا إلى سوريا للانتقام منهم في أراضي الجزيرة وفي إدلب وفي حماة.

وكذلك الأرمن، يتذكرون مذابح الأتراك ضدهم وينخرطون في نزاع مع النفوذ التركي في حرب غير مباشرة، ويدعم مقاتلوهم القوميون النظام وحلفائه الروس والإيرانيين.

العراقيون يتذكرون صدام حسين وينخرطون في الصراع مع الأطراف المتناحرة، فرجال مخابرات صدام وضباط حرسه الجمهوري السابقون، انخرطوا في داعش والنصرة، أما رجال الميليشيات الطائفية العراقية فقد انخرطوا في الحرس الثوري الإيراني المرابط في سوريا.

المتطرفون التوانسة والجزائريون تذكروا الاستعمار الفرنسي ومساندة الأوربيين لأنظمة الحكم العسكرية في بلدانهم، وانخرطوا في الصراع أيضًا على شكل تنظيمات جهادية متطرفة، وتبعهم الليبيون الذين انتصروا على نظام القذافي وانطلقوا يستثمرون فائض القوة الذي يشعرون به، وانضموا إلى داعش. والفاشلون من أبناء المهاجرين المغاربة في أوروبا أيضًا انضموا إلى داعش لبناء دولة طوباوية تنتصر على العالم بالجَلد وبقطع رؤوس الناس بسبب وبغير سبب.

أما الصينيون، وبرغم استعمالهم المتعدد للفيتو لصالح الروس ونظام الأسد، فإنهم لم ينخرطوا مباشرة في القتال، ويتصرفون مثل تاجر حديث الثراء لا تهمه الرغبات العاطفية والحماس المتأجج بين الأطراف، فمهما كان المنتصر في سوريا فهو مضطر لدفع فواتير الحرب والبناء والإعمار التي تستهلك بضائعها.

هذه مجرد إحصائيات متواضعة، وحصر للمتقاتلين في سوريا وبالدم السوري، والذين أصبحوا هم سادة المكان بعد إنهاك الشعب السوري وتمزيقه.

ولكن هذه الأيام الأتراك وحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) قد يصلون إلى صيغة أمريكية في الفصل بين الطرفين ووقف الحرب المتبادلة بينهم في سوريا، ولعل رسالة عبد الله أوجلان الأخيرة من سجنه في تركيا لـ “قوات سوريا الديمقراطية” وتوصيته لها بضرورة التفهم لما يقلق تركيا، تعد أبرز إشارة على هذا التحول.

والأهم  هو أن الروس والأمريكيين سيجلسون  نهاية هذا الشهر على المقايضة في تل أبيب ولتنظيم الحصص المخصصة للأطراف الخارجية الأخرى في الحرب، وقد اتفقوا على التراضي في سوريا وفي فنزويلا التي استثمرت فيها روسيا أكثر من خمسة وعشرين مليار دولار وصارت تتبخر بعد المظاهرات المدعومة من الأمريكيين فيها، وقد هبطت قيمة العملة الفنزويلية إلى العشر، وهاجر مئات ألوف السكان منها إلى الدول المجاورة وخاصة إلى كولومبيا، وكان بودّ الروس أن يقايضوا سوريا على أوكرانيا والاعتراف لهم بضم جزيرة القرم، لكن نصف حل خير من لا شيء، خاصة وأن الأمريكيين والأوربيين تجاهلوا كل مطالبات روسيا بالتفاوض في سوريا، طوال السنوات السابقة، ما كان يغيظ الروس ويورطهم بالمزيد من الجرائم في سوريا.

ولعل الإعلان عن الاجتماع المقبل بين الأطراف الثلاثة يُعد أنصع رؤية للدخان الأبيض بين المتفاوضين على شيء حقيقي في سوريا. ولم تتبين بعد ماهية التفاهمات تمامًا، غير ما يروج من توقعات مثل إخراج إيران من سوريا مقابل إبقاء بشار الأسد وشبيحته في الحكم، والتعهد بعدم محاكمتهم أو ملاحقتهم على ما ارتكبوه بحق السوريين. وثمة إشاعات تقول إن الأمريكيين لن ينصاعوا للضغوط الروسية والإسرائيلية من أجل ترشيح بشار الأسد إلى جائزة نوبل للسلام بعد وقف الحرب، وذلك احترامًا للضحايا السوريين ولأهاليهم المعذبين والمهجرين!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة