درعا.. مقابر جماعية تحت أنقاض “قلعة أبو عبدو”

camera iconمنزل مدمر في بصر الحرير بريف درعا جراء القصف الجوي - 2018 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

يعود اسم بلدة قرفة في ريف درعا إلى الواجهة من جديد، البلدة التي تميزت بأهمية خاصة طوال السنوات التي سبقت اندلاع الثورة السورية في عام 2011، رغم أنها ليست من كبرى بلدات المحافظة، ولا تحظى بموقع استراتيجي يميزها عن غيرها، لكنها مسقط رأس رستم غزالة، إحدى أبرز الشخصيات الأمنية في نظامي الأسد الأب والابن، والذي استطاع تحويلها إلى “قلعة أبو عبدو” كما كان يلقبها دائمًا.

شيد رستم غزالة في بلدة قرفة قصرًا لا تخطئه عين من يدخل إليها، ودفع بنسبة كبيرة من شبابها للالتحاق بالخدمة في صفوف الجيش والقوات الأمنية، حتى باتت ذات النسبة الأكبر بعدد الضباط، مقارنة ببقية مدن وبلدات محافظة درعا.

عودة اسم البلدة حاليًا إلى الواجهة لا يرتبط باتفاق التسوية الخاص بمحافظة درعا أو بالتطورات الأمنية التي تعيشها من عمليات اغتيال واعتقالات تطال شخصيات محددة، بل بالمجزرة الجماعية التي تم الكشف عنها، في الأيام الماضية، خلال عملية رفع أنقاض منزل مدمر يعود للمعتقل في سجون النظام السوري، حسين الصالح.

وكان رستم غزالة والقوات التابعة له في قرفة قد نفذوا في السنوات الأولى من الثورة السورية عدة عمليات إعدام ميداني، خاصة في الفترة بين عامي 2013 و2014، والتي شهدت انشقاق عدد من أهالي البلدة عن جيش النظام السوري وانضمامهم إلى فصائل المعارضة، التي كانت تحكم سيطرتها على مناطق واسعة في الجنوب السوري.

وعدا عن عمليات الإعدام الميداني شهدت البلدة عمليات اعتقال في منتصف عام 2014، في أثناء إطلاق فصائل المعارضة معركة للسيطرة على البلدة وقطع الأوتوستراد الدولي، إلى جانب عشرات المختفين قسريًا والذين لا يعرف مصيرهم حتى اليوم، بعد تغييبهم في السجون التي كانت تتبع لغزالة في قرفة، وهي سجون أسسها غزالة في منازل معتقلي البلدة، ودُمرت في وقت لاحق من عام 2014 إلى جانب “قصر أبو عبدو”.

ينحدر رستم غزالة من قرية قرفة في درعا، ويعتبر من أكثر المقربين من النظام السوري، إذ تقلد عدة مناصب أمنية وعسكرية في دمشق وحلب وبيروت، في أثناء وجود الجيش السوري في لبنان، وكان آخر هذه المناصب تعيينه رئيسًا لفرع الأمن العسكري في ريف دمشق، ومن ثم رئيس إدارة الأمن السياسي في سوريا.

توفي في مشفى الشامي بالعاصمة دمشق، في نيسان 2015، بعد خلاف حاد نشب بينه وبين اللواء رفيق شحادة (رئيس الأمن العسكري سابقًا)، أدى إلى ضرب غزالة في مكتب شحادة بشكل عنيف.

مقبرة لثمانية أشخاص

يقول قتيبة الحاج علي، وهو صحفي ينحدر من مدينة درعا، إن عائلة حسين الصالح، أحد أبناء قرفة المعتقلين لدى النظام السوري، عملت على رفع أنقاض المنزل وإعادة بنائه، وخلال إزالة الأنقاض تفاجأت بهياكل عظمية لثمانية أشخاص، لم تعرف هويتهم بسبب التحلل الكامل للجثث.

ويضيف الصحفي لعنب بلدي، وهو مطلع على تفاصيل الحادثة، أن منزل الصالح، هو أحد ثلاثة منازل كانت قوات رستم غزالة قد اتخذتها كسجون خاصة لها في بلدة قرفة، مرجحًا أن “المنازل قد تم تفجيرها والمعتقلون ما زالوا فيها”.

وعلى خلفية الحادثة التي هزّت البلدة، طالب عدد من الأهالي برفع أنقاض جميع المنازل التي تم تدميرها في أواخر عام 2014، وبحسب الحاج علي طالبوا أيضًا بإعادة فتح ملف المعتقلين والمفقودين.

وأوضح أن فرع “المخابرات الجوية” تدخل بعد كشف الجثث، وأوقف الحفر ورفع الأنقاض، بشكل كامل، بينما سحب الهياكل العظمية، وبرر ذلك بنيته إجراء فحوص DNA للتعرف إلى هويات أصحابها.

وكانت قوات الأسد قد اعتقلت العشرات من أبناء بلدة قرفة منذ اندلاع الثورة، وبحسب إحصائيات محلية، يُقدر عدد المعتقلين بأكثر من 170 معتقلًا، ما زال مصير معظمهم مجهولًا، في الوقت الذي قُتل 14 معتقلًا تحت التعذيب في سجون قوات الأسد، بين هؤلاء المعتقلين أعداد من الضباط المنشقين.

“القرداحة تسقط وقرفة لا تسقط”

رغم الصورة النمطية التي تعرف بها بلدة قرفة بأنها “قلعة رستم غزالة” الرجل الأمني الأبرز في سوريا، لم يمنعها ذلك من الانضمام إلى ركب المظاهرات الشعبية مطلع عام 2011، إذ شهدت خروج مظاهرات مناهضة للنظام السوري، وإلى جانبها انشق العشرات من أبنائها والتحقوا بصفوف فصائل المعارضة.

جوبهت “الثورة الشعبية” في بلدة قرفة بحملة أمنية مشددة، قُتل واعتقل إثرها المئات من الأهالي، لا سيما ذوي المنشقين عن قوات الأسد، وأُحرقت العشرات من المنازل.

واستطاعت قوات الأسد بقيادة غزالة إيقاف تمدد فصائل المعارضة نحو البلدة والسيطرة عليها في أكثر من مرة، وبعد نجاحه في حملته نُقل عنه قوله إن “القرداحة تسقط، وقرفة لا تسقط” (القرداحة مسقط رأس بشار الأسد)، والذي يظن الكثيرون أنها الجملة التي وضعت حدًا لحياته في نيسان 2015، في ظروف غامضة لم تُعرف تفاصيلها الكاملة، إلا أن المؤكد فيها أن رد فعل نظام الأسد بعد مقتله توحي بأنه لم يكن حزينًا على خسارة أحد أبرز قياداته الأمنية.

بعد موت غزالة تفككت القوات التي كانت تتبع له في البلدة، وأعادت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري سلطتها الأمنية من جديد بينها “المخابرات الجوية” و”الأمن العسكري”، لتصبح كباقي المناطق في محافظة درعا، والتي دخلت باتفاق تسوية مع النظام السوري وروسيا في آب 2018.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة