إدلب وطرقات الموت!

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

منذ الثمانينيات وإدلب على قائمة الاستهداف من قبل نظام الأسد، فبراميل اليوم استمرار لمذابح جسر الشغور وإدلب عام 1980، وحسب قناة العالم الإيرانية فإن اللواء الركن ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة (السورية- الإيرانية) يدير عملية قصف مدنيي إدلب وتهجيرهم لفتح الطرقات المارة قربها.

وبالرغم من أن نظام حافظ الأسد منع مرور أوتوستراد حلب دمشق (م5) من مدينة إدلب وكذلك طريق حلب اللاذقية (م4) انتقامًا من أهلها الذين رموا (الأب القائد) بالبندورة في أول زيارة قام بها للمدينة، لكنّ أهل إدلب ونازحيها يجدون أنفسهم اليوم تحت الموت بسبب هذين الطريقين اللذين لا يمران بها، وتتفاوض على فتحهما روسيا وتركيا وإيران والنظام الأسدي.

ومنذ سبعين يومًا لم تنقطع القذائف المدفعية ولا الصواريخ ولا غارات الطيران على إدلب وريفها الجنوبي، وقد تم ترحيل أكثر من ثلاثمئة ألف من المدنيين باتجاه الشمال، واستعاد النظام استعمال سلاح البراميل المتفجرة برعاية روسيا الشغوفة بقصف المستشفيات والمدارس، وقد أوردت صحيفة عنب بلدي تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر يوم الأربعاء 8 من أيار، والذي يرصد (أكثر من ألف غارة جوية من الروس والنظام على إدلب منذ 26 من نيسان الماضي وسقوط 188 برميلًا متفجًرا واستهداف أكثر من ثمانين هدفًا حيويًا مثل المستشفيات والمدارس..).

فالروس يسجلون حضورهم الدولي اليوم بقوتهم النووية، وبحق الفيتو، وكذلك بقصف المستشفيات والمدارس والأسواق، ويعتبرون السلاح الأخير هو الأجدى في دعم نظام الأسد وفي قتل وتهجير السوريين. ولم تنفع كل الاحتجاجات الدولية والشعبية على هذا القصف، ولا حتى تنديدات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، بوحشية التدمير.

القصف تفاقم بعد فشل مؤتمر أستانة الروسي في إيجاد مخرج لحل سياسي بدءًا من تشكيل اللجنة الدستورية، وانتهاء بضمانات استمرار بشار الأسد وما يشكله من أهمية لاستمرار الاحتلالين الإيراني والروسي، الضامنين لمؤتمر أستانة مع تركيا، فالأتراك دخلوا المفاوضات وهم يسيطرون على عفرين والباب ويريدون توسعة سيطرتهم حتى فتح طريق حلب غازي عنتاب المهدد من قبل ما يدعى بقوات سورية الديمقراطية، وبالتالي تمتد الطرقات باتجاه دمشق واللاذقية.

النظام يريد فتح “م5″ لوصل دمشق بحلب، و”م4” لوصلها باللاذقية وبالميناء البحري هناك، والذي أصبح ميناء إيرانيًا سوريًا، والروس يريدون وصله مع قواعدهم العسكرية وأهمها حميميم وميناء طرطوس العسكري الذي تحتله القوات الروسية، وميناء طرطوس المدني الذي يستثمره أحد حيتان الاقتصاد الروسي والمقرب من بوتين شخصيًا مثل قرب رامي مخلوف من بشار الأسد.

أما إيران فتريد فتح هذه الطرقات من أجل مشروعها (الإمبراطوري!) بين طهران ودمشق وبيروت ومينائها الذي استولت عليه في اللاذقية بعد زيارة بشار الأسد الأخيرة لطهران.

وقد رصد عدد من الناشطين في دير الزور دخول أول قافلة إيرانية من معبر القائم في البوكمال خلال الأسبوع الماضي مؤلفة من عشرين حافلة تقل حجاجًا إيرانيين جاؤوا من طهران الى دمشق، فطريق التنف أغلقته القوات الأمريكية، وفتح الحشد الشعبي العراقي الإيراني هذا المنفذ ليدشنوا الطريق (الإمبراطوري) الإيراني باتجاه الطرقات الممتدة من حلب “م5” و”م4″، وليعبر الحجاج الإيرانيون على دماء السوريين الذين قتلهم قاسم سليماني وميليشياته.

مسلسل القتل الذي يدور في إدلب وريفها أعاد شهية الروس والإيرانيين للقتل والانتقام من فشلهم في فرض نظام الأسد إلى الأبد، كما لا يزالون يحلمون، رغم إرادة السوريين، ورغم إرادة المجتمع الدولي، وهم غير آبهين بضحايا القصف من السوريين ولا بتهجيرهم، بل يضغطون على المدنيين البالغ تعدادهم نحو ثلاثة ملايين لمحاولة تهجيرهم باتجاه تركيا استكمالًا للهندسة الديموغرافية لسوريا والتي يسميها النظام ببناء سوريا المنسجمة.

أما في حال فشل هذا التهجير باتجاه تركيا فإنهم يضغطون لتهجير السكان إلى مناطق شرق الفرات كمحاولة للضغط على الأمريكيين، ووكلائهم من البي كي كي في قوات سوريا الديمقراطية الذين يسيطرون على المنطقة، رغم أن هذا التهجير بحد ذاته يعد من الجرائم ضد الإنسانية.

وبالنسبة لقوات تحرير الشام التي تستولي على إدلب  فإنها أيضًا غير آبهة بهذا التهجير ولا بمعاناة الناس، فهي تسعى لبناء دولة على قياسها المحير بين المافيا والدولة الدينية، ولا يهمها رغبات الناس ولا تطلعاتهم للحياة الحرة الآمنة، فـ “أخوة المنهج” يعدون أنفسهم وكلاء حصريين لبناء الدولة/المافيا وهم لن يفرطوا بقواتهم عند اشتداد المعارك، ولن يدافعوا عن الناس لأنهم يحسبون حساب استمرارهم وحدهم، وتجليهم لاحقًا بأشكال أخرى أكثر خداعًا وإرهابًا للناس، وهذا ما قامت به داعش خلال سيرتها المافيوية التي احتقرت الناس واعتبرتهم مجرد كفار يستحقون الموت والدمار.

ترافق القصف المستمر على إدلب وريفها، من قبل الطائرات الروسية ومن قبل طائرات النظام مع خبر احتراق طائرة روسية، يوم الأحد 5 من أيار، في أحد مطارات روسيا، وتسبب بقتل 41 مدنيًا من أصل 87 مسافرًا، وتداولت وكالات الأنباء ومنها البي بي سي البريطانية، فيديو تسمع فيه ضحكات مسؤولين روس وهم يتفرجون من أحد أبراج المراقبة على الطائرة المحترقة، غير آبهين بالمأساة التي تحدث أمامهم ومع أبناء بلدهم، فهل سيكون شعور الضباط الروس في حميميم أقل وحشية وهم يتفرجون على الحرائق المندلعة من قصف المستشفيات والمدارس والأسواق في إدلب؟

اليوم وبعد أكثر من سبعين يومًا من القصف المتواصل، من يوقف هذه المقتلة المستمرة من قبل المحتلين ومن قبل نظام الأسد رغم كل المناشدات الدولية؟ وهل فتح طريق يمرّ قرب إدلب يحتاج إلى كل هذه الجرائم لو تم إيجاد حلّ سياسي عادل ويحترم إرادة السوريين؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة