برامج النظام والثورة.. حالة إبداعية أم استنساخ إقليمي؟
عنب بلدي – يامن مغربي
حاول كل طرف من أطراف الصراع السوري إثبات وجهة نظره، ونقل الواقع كما يراه، لتنشأ حالة من توسع الإعلام المحلي، الذي كان النظام يسيطر عليه لـنصف قرن، واقتصر قبل عام 2011 على بعض محطات الراديو والمجلات الترفيهية أو الفنية، وبعض الصحف المقربة للغاية من النظام، والتي تتبع لرجال أعمال يعملون تحت سقفه.
مع تأسيس عشرات المواقع والصحف والإذاعات وقنوات التلفاز السورية، المختلفة التوجه والتمويل، أنتجت وسائل المعارضة والنظام، برامج مختلفة عن السائد، إلا أن معظمها جاء مستنسخًا من برامج لبنانية أو مصرية.
الثورة أسهمت بمناخ إعلامي جديد
يقول الصحفي السوري نبيل محمد، الذي عمل في مواقع مستقلة وأعد برامج لتلفزيونات سورية، إن الثورة أسهمت بتحرير شريحة واسعة من الناس على الصعيد الفكري، وخروجهم من نطاق السيطرة المخابراتية، وحصل البعض على فرصة للعمل والإنتاج، وهذا بالتأكيد أسهم بتحرير جزء من المحتوى من القيود الكلاسيكية السورية، وأتاح للبعض العمل دون المعايير القديمة.
وهذا ما أدى إلى أن يكون للثورة دور بإنتاج البرامج، كما دورها الاجتماعي والإنساني، رغم استمرار هذه القيود في بعض البرامج الأخرى، بحكم استمرار العقلية القديمة.
يرى نبيل محمد في هذا الانفتاح أنه “أتاح على الأقل فرصًا لوجوه جديدة، بغض النظر عن نجاح التجربة من عدمها، ولا يمكننا إلا أن ننسب كل ما سبق للثورة والتغيير، الذي أسهم بوجود محتوى جديد ومختلف”.
تغيير من بيروت.. لماذا؟
أنتجت قناة “لنا”، المملوكة من رجل الأعمال المقرب من النظام السوري سامر الفوز عددًا من البرامج الفنية، التي أطلقتها في الأشهر الماضية، ومنها برنامج “قصة حلم” مع الإعلامية رابعة الزيات، وبرنامج “فيه أمل” الذي تقدمه الفنانة أمل عرفة، وهو برنامج حواري مشابه لبرنامج الزيات، وبرنامج “سيبيا” للفنان أيمن زيدان.
كما أطلقت مؤخرًا برنامج “عنا شو” وهو من تقديم لاعب كرة السلة السابق عمر حسينو، ويستضيف فيه شخصيات فنية، ويشابه في طريقته البرامج اللبنانية، إلى جانب برنامج “أكلناها” ويقدمه الفنان باسم ياخور.
معظم هذه البرامج يتم تصويرها في العاصمة اللبنانية بيروت، ويقول نبيل محمد إن اختيار بيروت يأتي نتيجة لعدد من العوامل، أهمها تطور الكوادر الفنية في بيروت، ما يجعلها مقصدًا لتصوير البرامج التي تعرض على قنوات النظام.
إضافةً إلى وجود عدد كبير من الاستديوهات الأكثر تطورًا من نظيرتها السورية، وخبرة الكوادر اللبنانية في إنتاج البرامج الفنية والترفيهية تحديدًا، نظرًا للجوء عدد كبير من القنوات التلفزيونية في وقت سابق لافتتاح مكاتب لها في بيروت، وعلى رأسها قناة “MBC” السعودية، عدا عن وجود عدد كبير من المقدمين والفنانين في بيروت بشكل دائم بطبيعة الحال وهذا ما يجعل حركتهم أسهل.
برامج المعارضة والنظام.. الفارق ليس كبيرًا
مع خروج العديد من الكوادر الإعلامية السورية من سطوة “بروباغاندا” الإعلام الرسمي، ونشوء ما عرف بالـ”إعلام البديل”، استفادت وسائل الإعلام الجديدة من الحرية الممنوحة لها، برغم وجود نوع مختلف من الرقابة، وهذا ما يؤكده محمد بقوله، “صحيح أن هناك حرية أكبر وإبداعًا أكثر، بغض النظر عن نجاح هذه التجارب الإعلامية، إلا أنه على الأقل ليس هناك من يحمل عصا وراء ظهر الإعلامي”.
ويشير إلى أن للثورة دورًا كبيرًا في اختلاف نوعية البرامج المقدمة للجمهور السوري، مع محاولة تسليط الضوء على قطاع إنساني واجتماعي كامل كان مهملًا، إذ نسمع اليوم أصواتًا مختلفة، مع برامج أكثر انفتاحًا بقضايا معينة.
ولا يرى محمد، رغم ذلك، أن الإنتاجات البرامجية الجديدة لقنوات تتبع في توجهاتها للنظام السوري، تختلف بشكل فعلي عن سنوات ما قبل الثورة، فاستمرت السياسات الإعلامية السابقة، “كنا نشاهد برنامجًا واحدًا يمجد القائد، أصبحت أضعافًا، صارت هناك حالة من الكثافة وحالة من ادعاء التحرر الإعلامي وهو أسوأ من عدم وجوده كليًا، بسبب سطحيته وسذاجته، دون أن يحمل أي قيمة حقيقية”.
“أثرت الثورة بتحويل المحتوى الإعلامي الموالي للنظام، إلى محتوى أكثر عنفًا، وسط محاولة الاعتماد على نجومية بعض الممثلين، ومن الصعب تقبل هذا المحتوى”، حسب قول محمد.
حاولت محطات التلفزة المعارضة للنظام، تقديم برامج أكثر تنوعًا وجرأة وتحررًا من الإعلام السوري الرسمي، أو حتى من المحطات التلفزيونية الرديفة له، سواء كانت تلك البرامج ترفيهية أو اجتماعية أو حتى سياسية.
لكن هذه البرامج، اصطدمت بعقليات قديمة، تدير المؤسسات الإعلامية، ويؤكد نبيل محمد أن بعض البرامج التي أنتجتها المعارضة حاولت معالجة بعض السياقات، إلا أنها تحتاج لوقت طويل لتنجح كما يفترض، هناك شيء متأصل من شكل الأداء الإعلامي، ولم يتغير بعد بشكل كامل، مع وجود محاولات لتغييره بالتأكيد.
“هل نحن قادرون؟ لا نحن نحتاج لأجيال جديدة، لكن هناك وجوه جديدة، وهذا جيد”، يقول محمد، الذي لا ينفي أن هناك بعض البرامج التي تقدمها المعارضة أسوأ مما يقدمه النظام، وتعتبر مغامرات فاشلة، سواء على المستوى الفني أو التقني.
برامج المعارضة.. هل هي حرة فعلًا؟
حاولت بعض البرامج التلفزيونية التي أنتجتها القنوات المحسوبة على المعارضة تقديم نفَس جديد، ومناقشة موضوعات سياسية واجتماعية كانت محظورة فيما مضى.
وعن هذه النقطة يقول محمد إن هذه التجارب “لم تحظَ بالنجاح الفعلي لأن وسط الحرية ما زال جديدًا، وإذا اعتبرنا أننا تحررنا من القيود السابقة إلا أننا نحتاج للوقت، عدا عن وجود ضعف فني، وتقني، إضافةً لوجود حالة انتقامية من منتج النظام، فهناك على سبيل المثال عشرات البرامج التي تسخر من النظام فقط، دون أن تقدم أي شيء جديد”.
هذه السخرية مطلوبة لفترة معينة ومكان محدد، لا أن تصبح حالة عامة وتبقى ضعيفة لا تستطيع علاج الواقع كما هو. ويلفت محمد إلى أن هذا النمط رغم أنه خرج عن سيطرة النظام إلا أنه تابع للممولين أيضًا والمؤسسات السياسية التي تقدم له الدعم، ويحتاج الكثير من الوقت لخلق حالة إبداعية.
ولا يعوّل الصحفي الشاب على المؤسسات لنجاح البرامج الجديدة، بقدر ما يكون التعويل على الأشخاص بحد ذاتهم، على شخص ما قادر أن يحصل على تمويل لعمل مميز، سواء من شركة أو من إدارة، موضحًا “لا نملك مؤسسات كبرى للإنتاج ولا حتى على الصعيد الأكاديمي، ومضطرون للأسف لانتظار الاستثناء لا القاعدة، القاعدة غير قادرة على الإنتاج في هذه الظروف”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :