منطقة صناعية ومركز انطلاق البولمان

القابون.. ملف تنظيمي معقّد يُطبخ على نار هادئة

camera iconمشهد علوي من حي القابون شرقي العاصمة السورية دمشق- 2017 (المصور فادي الصيرفي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد حمص

أعلنت حكومة النظام السوري في أكثر من مرة عن نيتها نقل مركز انطلاق البولمان من مركزه المؤقت الحالي (أوتوستراد العدوي) إلى مركز مؤقت آخر في حي القابون، إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق.

تعتزم محافظة دمشق إنشاء مركز انطلاق البولمان المؤقت بالقرب من شركة “سيرونيكس”، ضمن المنطقة الصناعية في القابون، التي تعتريها إشكالية تنظيمية لم تنتهِ بعد، إذ تخوض المحافظة معتركًا مع صناعيي المنطقة الذين يرفضون مغادرتها بعدما أدخلت المحافظة المنطقة في مخططاتها الجديدة.

وفي الوقت ذاته استثمرت حكومة النظام المعارك التي دارت في الأحياء الغربية لدمشق، لتبدأ بالتمهيد لمخططها التنظيمي من خلال تفجير وهدم الأبنية في الأحياء الداخلة ضمنه.

المركز الدائم للبولمان تحت استملاك ملحوظ

نقلت صحيفة “تشرين” الحكومية، في 20 من نيسان الحالي، عن عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق، باسل ميهوب، أن الغاية من إطلاق المركز جمع البولمانات وتنظيم عمل شركات النقل، حتى مطلع أيار المقبل.

ولحظت (وضعت تحت لحظ الاستملاك) محافظة دمشق 200 دونم بالقرب من إدارة المركبات العامة، والواقعة في مثلث يتوسط مدن وبلدات عربين وحرستا ومديرة، بعد دراسة تنظيم منطقة القابون الصناعية، الذي وضعته وزارة الأشغال العامة بتكليف من مجلس الوزراء في تموز من العام الماضي.

والاستملاك الملحوظ أو لحظ الاستملاك، هي مخططات احترازية تخطيطية مستقبلة، قد يتم العمل عليها أو لا، وهي ليست مستملكة فعليًا، أي لم تجرِ عملية الاستملاك بشكل كامل ولم يتم تعويض أصحابها، ولم يصدر فيها مرسوم.
وأخذت المحافظة مساحة تسعة دونمات ليكون المركز المؤقت للكراج فيها، لحين الانتهاء من دراسة المخطط التنظيمي لمنطقة القابون الصناعية، الذي يتضمن إقامة كراج دائم بدمشق بمساحة 200 دونم، وفق ميهوب.

وبوضع المركز الدائم تحت الاستملاك الملحوظ، لا يبدو أن تنفيذ المشروع سيكون خلال مدة زمنية قريبة، على الرغم من الصفة المؤقتة التي يحملها الكراج بالقرب من “سيرونيكس”، حيث وضعت محافظة دمشق، غرفًا مسبقة الصنع لتوزيعها على شركات النقل، بينما لا تزال المحافظة تعمل على الإنارة والتزفيت والصرف الصحي ورسم مداخل ومخارج الكراج.

أزمة المنطقة الصناعية وكراجات القابون واحدة

الأرض المؤقتة لكراج القابون هي ضمن المنطقة الصناعية الداخلة في صراع المحافظة والصناعيين أصحاب المعامل، على الرغم من جهود حكومة النظام متمثلة بأعلى سلطة فيها، رئيس مجلس الوزراء، عماد خميس، الذي دخل في وساطة مع صناعيي القابون لحل إشكالية رفض صناعيي المنطقة الانتقال إلى مدينة عدرا الصناعية بريف دمشق الشرقي.

وفي لقاء جمع خميس مع صناعيي القابون، في شهر كانون الأول من العام الماضي، لوضع حلول تراعي الحفاظ على الملكيات العامة والخاصة لأصحاب المنشآت والمستأجرين، كُلفت غرفة صناعة دمشق وريفها بتصنيف المعامل والمنشآت الموجودة في المنطقة إلى ثلاثة تصنيفات، أولها معامل جاهزة للعمل والإقلاع في الإنتاج، وثانيها المعامل المدمرة بشكل جزئي ويرغب أصحابها في ترميمها والعودة للعمل، والتصنيف الثالث المعامل المدمرة بشكل كامل والتي يرغب أصحابها في إعادة إعمارها، ليتم تشكيل فريق عمل بإشراف رئيس مجلس الوزراء لدراسة واقع هذه المنشآت وتأمين آلية عمل بديلة لكل الراغبين في العمل.

وشكل رئيس مجلس الوزراء مع الجهات المختصة فريقًا هندسيًا مشتركًا بالتعاون مع هيئة التخطيط الإقليمي للخروج برؤية تنظيمية للمنطقة تراعي النواحي الاستثمارية والجمالية فيها.

ولكن لا تزال المنطقة الصناعية في القابون خارج إطار الاستثمار، ولم تُشغل فيها المصانع كما لم تُجرَ فيها عمليات إعادة تأهيل وبناء للمنشآت المتضررة، وفق معلومات عنب بلدي.

ويرتبط مركز انطلاق البولمان في القابون بالمنطقة الصناعية، كونه أرضًا تابعة لها تنظيميًا، ويرتبط بتطورات الوضع فيها.

الجامع الكبير والقهوة آخر ما تبقى من القابون

عقب سيطرتها على حي القابون في أيار من عام 2017، عملت حكومة النظام على تهيئة المنطقة لمخططات تنظيمية، إضافة إلى مناطق أخرى في محيط دمشق، من خلال تفجير وإزالة الأبنية في الحي، ومنها أبنية طابقية يصل ارتفاعها إلى 12 طابقًا.

وأزالت الحكومة حي البعلة شمالي القابون ووصلت عمليات الإزالة إلى وسطه، ووفق ما قال فادي الصيرفي، عضو المكتب الإعلامي في حي القابون السابق لعنب بلدي، فإن المنطقة المحيطة بالجامع الكبير وباتجاه دمشق هي التي نجت من عمليات الإزالة، بينما أزالت المحافظة ما تبقى من الحي باتجاه الشمال (مزارع حرستا) وباتجاه الشمال الغربي وصولًا إلى حي تشرين الواقع بين حيي برزة والقابون.

وأشار الصيرفي إلى أنه في بادئ الأمر طلبت حكومة النظام من المتبقين من أهالي القابون إخلاء منازلهم، قبل أن يتجمعوا وسط الحي خلال عمليات الإزالة الممنهجة التي اتبعتها الحكومة.

ويعود الإعلان الأخير لقوات الأسد عن قيام وحدات الهندسة الخاصة بها بإجراء عمليات تفجير في القابون، إلى 24 من نيسان الحالي، وتكرر الإعلان عن مثل هذه التفجيرات ثلاث مرات في نيسان، وست مرات في شهر آذار الماضي، فضلًا عن تفجيرات مشابهة تمت منذ سيطرة قوات الأسد على الحي.

القابون ضمن مصورات الحكومة التنظيمية

تمثل عمليات الهدم والإزالة في القابون خطوة سابقة للمصورات التنظيمية لمناطق “السكن العشوائي” التي أقرتها حكومة النظام وبدأت العمل عليها.

وفي تموز من 2018، كلف مجلس الوزراء برئاسة عماد خميس، وزارة الأشغال العامة والإسكان بإنجاز مخططات تنظيمية جديدة لمناطق جوبر وبرزة والقابون ومخيم اليرموك، ومدد العمل بقرار تشكيل لجنة إعادة الإعمار، حتى تموز المقبل من العام الحالي.

وبدأت محافظة دمشق بإعداد دراسات لمصورات تنظيمية لمناطق “السكن العشوائي” تشمل جوبر وبرزة والقابون والتضامن ودف الشوك وحي الزهور، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، في 14 من تشرين الأول الماضي، عن عضو المكتب التنفيذي لشؤون التخطيط والموازنة في محافظة دمشق، فيصل سرور.

ووفق ما نقلت “سانا” عن سرور، فإن الدراسة تشمل أربع مناطق إلى جانب منطقة “المزة 86″، وتضم الدراسة الأولى مناطق جوبر والقابون وانتهت مطلع العام الحالي، بينما تشمل الدراسة الثانية مناطق التضامن ودف الشوك وحي الزهور، وستبدأ في بداية 2019.

وتضم المنطقة الثالثة دمر وحي الورود والربوة، وتبدأ دراستها مطلع عام 2020 على أن تنتهي بنهايته، وتشمل المنطقة الرابعة سفح قاسيون والمنطقة المستملكة في بلدة معربا والتابعة لمحافظة دمشق، وتبدأ دراستها مطلع عام 2020 وتنتهي في آخره.

وفي بداية عام 2023 يبدأ إعداد دراسة المخطط التنظيمي لمنطقة استملاك المعضمية، وتشمل منطقة خلف مطار المزة حتى حدود محافظة ريف دمشق، وفق الوكالة.

وقال سرور إنه بعد إنجاز تلك المخططات التنظيمية لـ “العشوائيات ” المذكورة، سيتم عرضها على مجلس المحافظة للتصويت والتصديق عليها، وبعدها يفتح الباب للاعتراضات ثم تعرض على وزارة الإدارة المحلية والبيئة للتصديق عليها، موضحًا أن الهدف من هذه الدراسات هو وضع القواعد والأسس التنظيمية لكل منطقة لمعرفة كيفية العمل مستقبلًا.

وفي حديث سابق مع عنب بلدي، قال المهندس المعماري الاستشاري مظهر الشربجي، والذي كان يشغل رئيس شعبة المهندسين بريف دمشق، إنه ليس بالضرورة أن يكون الإعلان عن الدراسات هو للمباشرة بتنفيذ تلك المصورات، وإنما قد يكون على سبيل الإشاعة أو “جس النبض”، ففي حال لم يكن هناك رد فعل كبير على هذا الإعلان، تشرع الحكومة بالعمل على تلك المصورات.

عمليًا، تعمل حكومة النظام على تهيئة المناطق التي أخضعتها لسيطرتها مؤخرًا في ضواحي دمشق العاصمة وأريافها لمرحلة إعادة الإعمار، من خلال قوننة البيئة الاستثمارية فيها وتحضيرها للمستقبل، وليس بالضرورة أن تنجز الحكومة القرارات التي تعلن عنها، وهذا ما ينطبق على حي القابون ومنطقة القابون الصناعية وكراج البولمان، إذ تخضع تلك المناطق لذات عمليات التأهيل المتبعة مع بقية المناطق.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة