كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ ولماذا؟

tag icon ع ع ع

سؤال طرحه أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس الأمريكي، زولتان باراني، وقدم في كتاب يعتبر دراسة تحليلية ردًا واقعيًا مهمًا عليه.

تناول هذا الكتاب مفهوم الجيش وعلاقته بالمجتمع وبالفئة الحاكمة والعوامل المؤثرة في تحركاته وتصرفاته مع تقديم أمثلة قديمة ومعاصرة تقيّم ما فعلته جيوش عدة دول مختلفة حول العالم.

مع كل ما تحمله الأنظمة المستبدة من مساوئ ومضار لشعوبها، تحثها وتدفعها إلى الثورة، تبقى جيوشها الوطنية في كفة أخرى فخيارها لا ينبع من احتياجات العامة ولا من طلبات الأنظمة وإنما يتعلق بعدة عومل، حصر الكاتب أهمها بستة:

التماسك الداخلي للقوات المسلحة: فهو الذي يضمن تصرفها ككتلة موحدة دون التأثر بالانشقاقات، وتلعب التباينات العرقية والدينية والقبلية والمناطقية دورًا مهمًا فيه عند اندلاع الثورات وتصاعد الحساسيات بين تلك الأطراف.

وقد عمدت بعض الدول لمعالجة هذه الظاهرة عن طريق إما فرز المجندين لأماكن بعيدة عن مناطقهم، أو إغلاق باب الخدمة العسكرية في وجه مجموعات معينة من الشعب.

الجنود المحترفون في مقابل المجندين إلزاميًا: إذ إن قرار الانضمام للجيش يعني القبول بأحكامه طوعًا. فالمجندون إلزاميًا أكثر عرضة للانشقاق والميل نحو الثورات.

معاملة النظام للجيش: من حيث الرفاهية والناحية المادية، ومن حيث العناية بتسليحه ومتطلباته الدائمة وحتى السماح له بالاشتراك في الاقتصاد الوطني لإرضاء كبار ضباطه.

وكذلك مدى ملاءمة المهام الموكلة إليه فهو موجود للدفاع عن الوطن من المخاطر الخارجية، وأمره بتنفيذ مهام الشرطة المدنية سيفقده احترام القادة وولاءهم سريعًا.

رؤية قادة الجيش لشرعية النظام: ومفهوم الشرعية مهم لأن الثورة تندلع حينما يفقد النظام شرعيته بأعين مواطنيه.

حجم وتكوين المظاهرات وطبيعتها: هل هي سلمية أم عسكرية؟ هل تضم أطفالًا أم كلها شباب؟ هل تضم كل فئات الشعب؟

احتمالات التدخل الخارجي: وقد يكون هذا هو العامل الأساسي، مع طبيعة العلاقات بين النظام الحاكم والدول الأجنبية المانحة للمساعدات الاقتصادية والعسكرية والمواقف التي قد تتخذها.

بعد عرض الكاتب لتلك العوامل عمد إلى تقديم أمثلة أسقطها عليها بهدف استخدامها لفهم كل حالة مقدمة، كالثورة الإيرانية عام 1979، وثورة بورما عام 1988 و2007، والصين وأوروبا الشرقية عام 1989، ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2011.

وفي تحليله لحراك “الربيع العربي” رصد الكاتب ثلاثة توجهات للجيوش العربية: الوقوف مع الثورة، مع مثالي تونس ومصر:

إذ دعم الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، القوات الأمنية على حساب الجيش الذي أبعده عن السياسة، إضافة إلى الانتشار السريع للمظاهرات وسلميتها، مع تأثر كبار الضباط بنظرائهم من الدول الغربية.

وفي مصر، انهارت شرعية الحاكم بعد حادثة الجمل في ميدان التحرير، وكان الجيش يشهد تراجعًا بالدعم المالي والاهتمام العام، وكان رافضًا لجمال مبارك، الذي أخطأ والده بدعم قوات الأمن، مع تأثر الضباط بنظرائهم الغربيين، وسط الانتشار السريع للمظاهرات.

التوجه الثاني هو الانقسام على دعم الثورة، ومثاله ليبيا واليمن: الجيش فيهما بعيد عن المؤسسية والمهنية، وبداخلهما منظمات شبه عسكرية شكلت انقسامًا داخليًا، ولم تنل العناية اللازمة، ما ترك الحس والولاء القبلي عاليًا لدى قواتها، التي لم تحظ بتقدير مجتمعي كبير.

والثالث هو الحفاظ على الوضع القائم كحال البحرين: حيث حملت ثورتها طابعًا طائفيًا واضحًا، ويحظى جيشها السني برعاية جيدة، كان التدخل الخارجي داعمًا لممارساته.

سوريا: كان للقيادة وعي وإدراك بالمخاطر مع استعداد آل الأسد للثورة طيلة حياتهم، وتمكنهم من باستقطاب نخبة أصحاب المال والأعمال من السنة عن طريق منحهم مزايا وفرصًا لإثراء أنفسهم.

وسيطرت الطائفة العلوية على الجيش منذ عام 1955، وحملت المناصب الحساسة فيه، وعلى قيادة الأجهزة شبه العسكرية، مع اعتبارها بقاء الأسد كتحدٍ وجودي.

الملكيات العربية: تجنبت المظاهرات العامة عبر أساليب مرنة دون استخدام العنف وهناك احترام كبير للجيوش ومعاملة حسنة من الأنظمة.

صدر الكتاب عام 2016 باللغة الإنكليزية، ونُشر بترجمة عبد الرحمن عياش عام 2017، من قبل الشبكة العربية للأبحاث والنشر.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة