القابض على عقله كالقابض على الجمر

tag icon ع ع ع

محمد رشدي شربجي

بعد أخذ ورد، هاتف دونالد ترامب خليفة حفتر مشجعًا إياه على المضي قدمًا في معركته ضد الحكومة الشرعية في طرابلس التي تدعمها الولايات المتحدة. كانت الولايات المتحدة قد طالبت سابقًا في بيان منفصل حفتر بوقف الهجوم، ثم عطلت، بالتشارك مع روسيا، بيانًا في مجلس الأمن يدعو حفتر لذلك.

وبالمحصلة فإن حفتر يحظى بدعم دولي من الشرق والغرب على السواء، من العالم الديمقراطي وغير الديمقراطي بذات الوقت، وهو ما يتيح لنا القول –أو يجبرنا عليه بالحقيقة- أن هناك اتفاقًا عالميًا على إبقائنا تحت حكم البسطار العسكري، وأن أكثر ما يخافه العالم هو أن يتحرر المسلمون في هذه البقعة من العالم ويحكموا أنفسهم بأنفسهم.

يمكن القول أيضًا إن العالم يتساهل مع الانتهاكات -إن لم يكن يشجعها- إذا كان ضحاياها من الإسلاميين أو أوساطهم الاجتماعية، وبكل تأكيد فإن انتهاكات الإسلاميين، وهي كثيرة، تحظى بضجة عالمية أكثر من مثيلاتها التي يرتكبها علمانيون. ويكفي أن ننظر كيف اكتفى العالم بالصمت حين أبيد مسلمون في سوريا بالغاز، في حين هرع لإنقاذ -وهو جهد مشكور طبعًا- الكرد والإيزيديين عندما اقترب منهم الدواعش. حتى السنة الذين قتلهم الدواعش (عشيرة الشعيطات مثلًا) تركهم العالم لمصيرهم. والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.

ولكن هل هذه هي الحقيقة فقط؟ لا طبعًا، قد يكون جزء كبير منها كذلك، ولكن ليست الأمور بهذه السوداوية، لماذا لا نقول مثلًا إننا نحترف بسذاجة تكرار أخطائنا، وإننا نقع كل مرة بذات الفخ، لماذا لا نقول إننا لم نترك للعالم غير هذا الحل أساسًا، وإن اختلاف قوى الثورة وتشرذمها وفشلها في إنجاز حكم مستقر جعل العالم -وفي كثير من الأحيان جماهير الثورة ذاتها- يفضل حاكمًا عسكريًا قويًا ولو كان ديكتاتورًا. لماذا نشتم الغرب كل مرة وهو قد حذرنا بالصوت العالي مرات ومرات من أنه لن يسمح بوصول جهاديين إلى رأس السلطة وأنه لو كان الخيار بين العسكر والإسلاميين فسيختار العسكر بلا تردد. لماذا لا نرى أن هناك تيارًا قويًا في الغرب داعمًا للمسار الديمقراطي في بلادنا وأنهم ليسوا كتلة واحدة؟

هل هذا شيء أخلاقي؟ لا طبعًا، أليس من حق الإسلاميين المشاركة والوصول للسلطة؟ بالتأكيد، أليست عبارة “لا عسكر ولا إخوان” عبارة عنصرية إقصائية وستؤدي بالنهاية لتحالف الليبراليين مع العسكر؟ طبعًا. ولكن ما الحل إذًا ونحن الحلقة الأضعف!

إذا كنت سيئ الحظ وتعيش في منطقة منكوبة أو كنت من العالم العربي -سيئ الحظ بالضرورة- فسيقدم لك العالم كل يوم ألف دافع لتفقد عقلك وتجن وتتمنى خراب الكرة الأرضية وفناءها. أن تؤمن بالعدم وتسعى إليه. العكس أشبه بالاستحالة، القابض على عقله كالقابض على الجمر هذه الأيام.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة