الساعة الجديدة.. الرمز الذي حمله الحمصيون إلى مناطق نزوحهم
في 18 من نيسان 2011 في الساعة الثانية بعد منتصف الليل توقفت عقارب الساعة الجديدة في حمص، طغى صوت الرصاص على هدوء مدينة ابن الوليد، وعلت هتافات الحماصنة الذين نفذوا اعتصامًا أرعب النظام السوري ومؤسساته الأمنية، وكان الأبرز بعد انطلاقة الثورة السورية في عدة مناطق سوريا، بينها درعا، ودمشق وريفها، والشمال السوري في حلب وإدلب.
شارك الآلاف من مدينة حمص وريفها في الاعتصام، وامتلأت ساحة الساعة الجديدة بالمتظاهرين، ونصبوا الخيام، وأقاموا الصلاة في محيطها، وهتفوا مطالبين بالحرية وإسقاط النظام السوري، والذي فرّقت قواته الاعتصام بالرصاص، ما أسفر عن عشرات الضحايا والجرحى، لم تستطع المنظمات الحقوقية تحديد عددهم حتى اليوم.
يوافق اليوم، الخميس 18 من نيسان، ذكرى المجزرة التي ارتكبتها قوات الأسد في محيط ساعة حمص الجديدة، والتي نفذها عناصر من “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري” وقوات موالية له في المدينة، بعد اقتحامهم اعتصام المتظاهرين بشكل مفاجئ، وبدأوا بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي.
مدينة حمص كانت قد شاركت بالمظاهرات المناهضة للنظام السوري، منذ الأشهر الأولى لعام 2011، “نصرة” لمحافظة درعا التي كانت السباقة في ذلك. كان جامع خالد بن الوليد النقطة الأولى لتجمع المتظاهرين، الذين مروا في نقطة تحول في “جمعة العزة”، 25 من آذار 2011، بعد توجههم إلى نادي ضباط حمص، ليعتلي شاب منهم مبنى النادي ويقدم على ركل صورة حافظ الأسد ويمزقها، في مشهد أعطى بعدًا كبيرًا للجرأة التي وصل إليها السوريون بعد أربعين عامًا من “السكوت”.
عقب 25 من آذار 2011 لم تتوقف المظاهرات في المدينة، وزادت حدتها بعد توجه النظام السوري لقتل واعتقال المتظاهرين الخارجين ضده، إلى أن جاء اعتصام ساحة الساعة، الذي اعتبر حدثًا مفصليًا في تاريخ المدينة بعد أشهر من انطلاقة الثورة، كون التطورات التي تبعته كان يتصدرها بدء النظام السوري للعمل العسكري ضد المناطق المناهضة له، بينها حي بابا عمرو وأحياء الخالدية وحمص القديمة.
بدأ النظام بعمله العسكري والأمني في المدينة، لكن ذلك لم يؤثر على المظاهرات، التي لم تتوقف بتوقيت مجزرة الساعة الجديدة، بل تحولت إلى الأحياء القديمة البارزة، وما ميزها أن المتظاهرين بنوا مجسمات للساعة في أماكن تظاهرهم في حي باب هود أولًا ومن ثم الخالدية، كونها رمزًا وهوية للمدينة تاريخيًا، وحدثًا مفصليًا في مسيرة الثورة في المدينة.
تضبط إيقاع المدينة
تعتبر ساعة حمص (الساعة الجديدة) من أبرز معالم مدينة حمص الحديثة وأشهرها، ولها مكانة كبيرة لدى الحماصنة، ونقطة علام لأهلها وللقادمين إليها، ويعود تاريخ إنشائها إلى عام 1958، من قبل المغتربة الحمصية “كرجية حداد”، التي تبرعت بالمبلغ اللازم لتشييدها.
تمثل الساعة مركز المدينة، وتتجمع في محيطها دور السينما والدوائر الحكومية، والشارعان المقابلان لها هما من أهم الشوارع في حمص، الأول يشكل صلة بين طريق حماة ومركز المدينة، والثاني شارع الدبلان أول ما يسأل عنه زائر حمص.
بنيت الساعة، الموجودة في ساحة جمال عبد الناصر، من قبل قسمين من العمال، الأول عمال بناء والثاني اختصاصيو ساعات، وكانت تعرف ساحتها قبل إنشائها بساحة شرطة السير ومن قبل ذلك كانت ثكنة فرنسية بين عامي 1945 و1947.
تحولت مع بدايات الثورة السورية، 2011، إلى نقطة لانطلاق المظاهرات، وصولًا إلى حادثة المجزرة، التي تبعها توقف المظاهرات في محيطها بشكل تام، وتحولت إلى داخل الأحياء وبين منازل المدنيين.
في الفترة الممتدة من أواخر عام 2011 حتى عام 2014 شهدت مدينة حمص عمليات عسكرية بدأتها قوات الأسد في معظم أحيائها ضد الفصائل العسكرية التي شكلها أبناء المنطقة، بعد زيادة عمليات القتل والاعتقال بحق المتظاهرين، وأسفرت عن دمار كبير في الأبنية السكنية في معظم الأحياء، إلى جانب مقتل مئات المدنيين بفعل القصف الجوي والمروحي عن طريق البراميل المتفجرة.
تحولت أحياء المدينة إلى ساحات معارك، والشوارع رصدت من الطرفين بالقناصات، بينها ساحة الساعة الجديدة، وساحة الساعة القديمة التي يتموضع إلى جانبها مبنى قيادة الشرطة، وبقي الأمر على ذلك حتى عام 2014 والذي خرج فيه مقاتلو الأحياء الحمصية إلى ريف حمص الشمالي، بعد حصار كبير فرض عليهم من جانب النظام السوري، وقصف يومي بجميع أنواع الأسلحة.
ويحيي ناشطو حمص حتى اليوم ذكرى خروجهم من المدينة بحزن على ما حل بها، وذكرى اعتصام الساعة والتي بنوا مجسمات لها أيضًا خلال مظاهراتهم التي خروجوا فيها في الشمال السوري، على مدار السنوات الماضية، مؤكدين على العمل المستمر بهدف العودة إلى حمص “عاصمة الثورة السورية”.
النظام يرمم في 2015
بعد عام من خروج مقاتلي الأحياء الحمصية إلى ريف حمص الشمالي، أعلن النظام عمله على ترميم الساعة، بعد تعرضها لـ”التخريب من قبل الإرهابيين”، بحسب روايته.
ونقلت وكالة “سانا”، في نيسان 2015، عن حسان علوش، المتبرع بعمليات الترميم، قوله إن الترميم تم للساعة من الداخل والخارج، واستقدمت ساعة جديدة من سويسرا بكلفة تقديرية تصل إلى 45 ألف دولار، كون الساعة القديمة معطلة كليًا.
وكانت الساعة الجديدة قد تعطلت بين عامي 1978 و 1988 بسبب عدم توفر الخبراء القادرين على إصلاحها إلى أن تمكن الساعاتي عبد الله كيشي (أشهر ساعاتي في حمص)، وهو من عائلة اشتهرت بإصلاح الساعات، حيث استبدل الإضاءة النيونية النافرة بإضاءة داخلية، وأضاف لها جهاز جرس أوتوماتيكي مبرمج بحيث تدق الساعة كل ربع ونصف ساعة وعلى رأس الساعة.
الساعة القديمة الأكثر شعبية
“الساعة الجديدة” ليست الوحيدة في حمص، بل يصلها شارع القوتلي إلى نظيرتها الساعة القديمة، والتي تعتبر أكثر شعبية في المدينة، نظرًا لموقعها المتربع على عقدة جغرافية.
أنشئت الساعة القديمة في عام 1924 من قبل الفرنسيين، أي قبل 30 عامًا من “الجديدة”، بواسطة الساعاتي عبد الله كيشي، الذي حفر اسمه عليها.
وتختلف الساعة القديمة عن الجديدة بأنها مصنوعة من النحاس، وكانت مركز مدينة حمص القديمة.
وتتوسط منطقة الأسواق الأثرية، وأنشئ إلى جانبها كراج “حماة” لأنها كانت على طريق “حماة” ثم سينما “الفردوس” إلى الشمال منها (مكان بناء السيتي سنتر حاليًا).
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :