رسائل “الهدية السورية” التي قدمتها روسيا لإسرائيل
عنب بلدي – ضياء عودة
أثبتت روسيا بتسليم رفات الجندي الإسرائيلي، زيخاريا باومل، الذي فقد في حرب 1982، وكان مدفونًا في سوريا أنها “الآمر الناهي” والمتحكم الأول في القرار السوري، بعيدًا عن النظام، الذي بدا كأداة ليس بمقدورها اتخاذ أي قرار سيادي، وهو أمر ليس بجديد منذ التدخل العسكري في عام 2015، لكن ما تشهده الساحة حاليًا أكثر وقعًا مما سبق كونه لا يعني سوريا فحسب بل لبنان وفلسطين.
من الواضح أن الصفقة التي جرت بتسليم الرفات لإسرائيل شكلت صفعة وإهانة كبيرة لـ “جماهير المقاومة والممانعة”، فزيخاريا باومل قتل السوريين والفلسطينيين واللبنانيين في آن معًا، في معركة السلطان يعقوب 1982، وتسلمت تل أبيب جثته بعد 37 عامًا بعلم الطرف الأبرز في “حلف المقاومة والممانعة”، النظام السوري برأسه بشار الأسد، والذي لم يجد أي مخرج مناسب لهذا الأمر إلا بتصريحات مقتضبة لوزير إعلامه، عماد سارة.
الاستفادة المباشرة والواضحة لتسليم رفات الجندي الإسرائيلي ارتبطت بأنها جاءت قبل أيام من بدء الانتخابات الإسرائيلية، التي يسعى من خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جاهدًا لكسب أكبر عدد من الأصوات لصالحه، بمعنى أنها هدية كبيرة للأخير وضعت في جيبه إلى جانب الهدية الأبرز التي قدمها له الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بقرار الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل.
لكن النقطة الأبرز غير الواضحة هي الاستفادة غير المباشرة سواء لروسيا أو إيران من تسليم جثة الجندي، والتي قد تتضح في الأيام المقبلة، خاصةً أن الإعلان عن الصفقة تزامن مع حديث روسيا بشأن مصير بشار الأسد وعمليات التنسيق مع إسرائيل في سوريا، لمنع أي تصادم عسكري في أثناء الهجمات ضد المواقع العسكرية في سوريا، فضلًا عن أنها جاءت عقب القرار الأمريكي بشأن الجولان، وهو أمر لا يمكن فصله في الوضع الحالي.
من هو صاحب الرفاتفي 11 من حزيران فقد خمسة جنود إسرائيليين في معركة السلطان يعقوب بين القوات الإسرائيلية والسورية في سهل البقاع اللبناني، وبعد سنوات أُعيد اثنان من الجنود الأسرى أحياء في تبادل للأسرى مع سوريا و” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. بقي الرقيب باومل واثنان من الرقباء الآخرين يهودا كاتز ووزفي فيلدمان مجهولي المصير، رغم الجهود التي بذلتها السلطات الإسرائيلية لتحديد مكانهم، وتضاربت التقارير بشأنهما في السنوات الماضية، إلى أن ذكرت الصحافة الإسرائيلية، عام 2018، أنه يعتقد أن جثثهم دُفنت في مخيم اليرموك جنوب دمشق، الذي استعادته قوات الأسد، في أيار 2018. |
المفاوضات لم تنقطع
لم تكن رفات الجندي باومل الهدية “الثمينة” الأولى التي يقدمها بوتين لنتنياهو، بل سبقتها عدة هدايا، منها في أيار عام 2016، إذ أعادت روسيا دبابة إسرائيليّة أعطبت خلال معركة السلطان يعقوب، جميعها من سوريا، واستنادًا إلى واقع المنطقة العام فهي ليست مجانية بل لها مقابل، ولا سيما أن احتفال تسليم جثة الجندي الإسرائيلي والهالة الكبيرة الخاصة به، الذي أقامه الرئيس الروس، فلاديمير بوتين، في مقر وزارة الدفاع الروسية ليس عن عبث ومجانيًا، بل له أبعاد وأسرار قد تظهر تبعاتها لاحقًا.
والأمر محل النقاش، هو التأكيد الروسي على أن “الجيش السوري” هو من ساعد في استخراج رفات باومل، وكان مشاركًا إلى جانب القوات الخاصة الروسية في العملية التي أجريت في مخيم اليرموك، وهو الأمر الذي لم يقنع الشارع السوري المعارض والموالي للنظام السوري، بمعنى أن الصفقة تمت بعلم الأسد وبموافقته، رغم أنها غير مهمة بحسب الواقع الدولي العام.
وفي اجتماعه مع نتنياهو، 4 من نيسان الحالي، قال بوتين، “كما تعلمون، عثرت قواتنا مع القوات السورية على جثة الجندي وقد فعلنا ذلك حتى تتمكن أسرته من وضع إكليل من الزهور على قبره”، مضيفًا أن الأمر لم يكن بهذه البساطة، في حين شكر نتنياهو الرئيس الروسي، وقال، “أشكرك يا صديقي على ما فعلته”.
ويقول الأكاديمي والباحث السوري، طلال مصطفى، في حديث لعنب بلدي، إن الإعلان الإسرائيلي عن وصول جثة باومل وإجراء مراسم دفنه يؤكد أن المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والنظام السوري لم تنقطع طيلة السنوات الأخيرة، من تسليمها الدبابة الإسرائيلية التي قتل بها هذا الجندي إلى تسليم ساعة الجاسوس الإسرائيلي كوهين، وصفقات أخرى على رأسها تسليم جثث الجنود المتبقية حيث يتم فحص الحمض النووي لهم في إسرائيل.
ويعتقد الباحث أن النظام السوري حصل مقابل تسليم الجثة على وصوله إلى الحدود السورية- الإسرائيلية في الجنوب بشكل عام، وفي القنيطرة بشكل خاص، من خلال الرعاية الروسية وما سمي بالمصالحات، أي أن الثمن كان بسط سيطرة قوات الأسد على الجنوب السوري (القنيطرة، درعا).
وكان النظام السوري عاد إلى منطقة الحدود مع الجولان المحتل من قبل إسرائيل، في تموز 2018، بعد سبع سنوات من انسحابه لصالح فصائل المعارضة، التي احتفظت بمساحات واسعة من محافظة القنيطرة في السنوات الماضية، إلى أن توصلت لاتفاق رعته روسيا بعد تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي.
وجاء الاتفاق، حينها، بعد سيطرة قوات الأسد على مساحات واسعة في الريف الغربي لدرعا، بموجب اتفاقيات “مصالحة” توغلت من خلالها ودخلت الحدود الإدارية للقنيطرة، بالتزامن مع قصف جوي من الطيران الروسي، الذي استخدم أجواء الجولان المحتل في طلعاته.
توقيت التسليم.. رسائل سياسية
مع الأهمية الكبيرة والخاصة بصفقة تسليم الجندي، يعتبر التوقيت الذي جاءت فيها أكثر أهمية، فمن ناحية أولى تتزامن مع قرب الانتخابات الإسرائيلية، بينما جاءت بعد قرار اعتراف ترامب بالجولان كأرض إسرائيلية، ويأتي تسليم الجثة أيضًا في وقت يشتد فيه التوتر بين إيران وإسرائيل، التي تستمر بضرباتها الجوية على المواقع العسكرية في سوريا حتى اليوم.
ولم تقتصر مراسم الاحتفال في وزارة الدفاع الروسية على تسليم رفات الجندي الإسرائيلي، بل أجري ضمن كواليسها اجتماع بين مسؤولين عسكريين وأمنيين روس وإسرائيليين ناقشوا صفقة تسليم منظومة “s-300″، وتطرقوا إلى موضوع التنسيق بينهما بشأن الضربات المقبلة ضد المواقع العسكرية في سوريا، وضرورة إعطاء إسرائيل فترة إخطار أطول لروسيا قبل البدء بأي هجمات.
ويرى الباحث طلال مصطفى أن الإعلان الروسي عن قيام موسكو بالدور الرئيس في تسليم جثة الجندي الإسرائيلي نوع من استرضاء اللوبي الصهيوني في روسيا عن بوتين، وللقول ليس فقط ترامب بقراره بضم الجولان لإسرائيل هو الحريص على أمن إسرائيل بل أيضًا بوتين وهذا هو الدليل على ذلك.
ويأتي الإعلان أيضًا، بحسب الباحث، لطمأنة إسرائيل بأن الأسد الابن كما والده، “هو خير من يكون الحارس الأمين لحدود إسرائيل”، وبالتالي عليها العمل على بقاء الأسد الابن في الحكم، وضمن هذا السياق يأتي التصريح الروسي أن مسألة بقاء الأسد في الحكم أصبحت من الماضي.
وبالتزامن مع اللقاء الروسي- الإسرائيلي في موسكو، كانت الخارجية الروسية قد أكدت أن مصير بشار الأسد، لا تجري مناقشته في المفاوضات الخاصة بسوريا، معتبرة أن هذه القضية “صفحة مطوية”.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية، ماريا زاخاروفا، في حديث لإذاعة “صدى موسكو” الروسية، “لا، هذا الأمر ليس موضوعًا للتفاوض، ومسألة رحيل الأسد باب مغلق بل سبق وطوى الجميع هذه الصفحة”.
وبالإضافة إلى ما سبق، يرى الباحث أن صفقة التسليم رسالة من الحكومة الإسرائيلية إلى المواطنين الإسرائيليين، أن “المواطن الإسرائيلي مقدس ولا يمكن للحكومات الإسرائيلية التخلي عنه”، وما عودة جثمان جندي إسرائيلي بعد 37 سنة من الفقدان إلا دليل ذلك، مقابل ما يحصل للمواطنين السوريين من قبل نظام الأسد.
إيران مستهدفة
منذ عام 2015 تقود روسيا تحالفًا عسكريًا مؤيدًا للأسد في سوريا، وتشكل القوات الإيرانية جزءًا منه، ومع ذلك تحتفظ إسرائيل أيضًا بقناة لإزالة النزاعات مع روسيا لتجنب الاشتباكات غير المقصودة بين سلاحها الجوي والقوات الجوية الروسية، وكلاهما نشط في الأجواء السورية.
لم يقتصر توقيت صفقة تسليم الرفات على ما تم ذكره سابقًا، بل جاء بعد تزايد الحضور الإيراني في سوريا، مؤخرًا، سواء بالاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها مع حكومة النظام السوري، أو الزيارات المتبادلة التي قام بها الطرفان (النظام، إيران) بينها زيارة الأسد لطهران، آذار الماضي، ولقاء المرشد الأعلى، علي خامنئي، ورئيس البلاد، حسن روحاني، بالإضافة إلى قائد “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني.
ومن الطبيعي أن يرد بوتين أمام المجتمع الدولي أنه الحاكم في سوريا وأن ما يفعله الأسد لا يمثل الإرادة الروسية، وبالتالي فإن صفقة تسليم باومل لها شق أساسي مرتبط بالوجود الإيراني في سوريا، والحرب الخفية أو ما يسمى بحرب الظل بين إسرائيل وإيران.
وهي أيضًا مؤشر عن عمق التنسيق الروسي مع النظام، بحسب الباحث، الذي يوضح أن الخطوة التي أقدمت عليها روسيا هي رسالة لإيران على عدم تعويلها على النظام السوري فيما يسمى محور المقاومة والممانعة الإيراني ضد إسرائيل، بل هو من المحور الروسي في المنطقة.
منطق ضيق للسياسة
بالانتقال إلى الطرف السوري من الصفقة والذي يشغله نظام الأسد، لم يعترف بدخوله بصفقة التسليم رغم التأكيدات الروسية على عمل قواته إلى جانب القوات الخاصة الروسية، واقتصر تعليقه غير الرسمي على تصريحات لوزير الإعلام، عماد سارة، نفى فيها علم نظامه بتسليم الجندي الإسرائيلي، وربط الأمر بـ “الجماعات الإرهابية”، في مشهد أثبت تعاطيه الضيق مع السياسة.
ويقول الباحث طلال مصطفى إن ما يسمى بالسيادة السورية للنظام السوري، “وهم من أوهامه أو عبارة عن دعايات إعلامية توجه للمواطنين السوريين للتضليل السياسي”.
ويضيف أن الدليل على ذلك تضارب التصريحات السياسية للنظام السوري، ففي اليوم الأول لإعلان إسرائيل عن وصول جثة الجندي الإسرائيلي وكعادته اتهم المنظمات الإرهابية في سوريا بالوقوف وراء تلك الصفقة، ليحضر الإعلان الروسي عن دور موسكو بالتنسيق مع نظام الأسد ويكون صفعة له، ثم ليعود وزير الإعلام، عماد سارة، ليعلن عدم علم نظامه بصفقة تسليم الجثة، وهنا يمكن وصف موقف النظام بالمقولة الشعبية “إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم”، بحسب تعبير الباحث.
ويوضح أنه وفي حال كان النظام لا يعلم بالصفقة –وهذا مستبعد- فذلك يدل على عدم وجود سيادة حقيقية على القرار السياسي على كل حال، أي أصبح مرتهنًا للروس، وإذا كان على علم وقد نسق مع الروس على أعلى المستويات -وهو أقرب إلى الحقيقة- فهو دليل آخر على “لا وطنية هذا النظام من 1970 حتى الآن”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :