tag icon ع ع ع

محمد حمص | ضياء عودة | نور عبد النور

1500 مدني سقطوا على أرض الغوطة بين شهري شباط وآذار عام 2018، قبل أن تسقط كامل أرضهم بيد من كان يحاصرها، لتخسر الثورة السورية بذلك كبرى قلاعها وآخر حصونها المنيعة.

أخذ النظام السوري أغلب مساحة الغوطة بقوة السلاح، وعلى دماء مدنيين كانوا يختبئون طوال فترة الحملة العسكرية الأخيرة في ملاجئ تحت الأرض، بينما سُلّمت المساحة التي لم تسقط عسكريًا باتفاق وقّع بين الجانب الروسي وفصائل “فيلق الرحمن”، و”جيش الإسلام” و”حركة أحرار الشام” العاملة في المنطقة.

عقب الاتفاق فرغت الغوطة الشرقية من جميع سكانها الناجين، منهم من حملته حافلات التهجير إلى الشمال السوري، ومنهم من غُيب في المعتقلات، أما القسم الأكبر فوصلوا إلى مراكز الإيواء في مناطق سيطرة النظام، ليعود أغلبهم فيما بعد إلى أرض الغوطة مرة أخرى.

ترصد عنب بلدي في هذا الملف الوضع الراهن في الغوطة وحال أهلها بعد عام على سيطرة النظام وحليفه الروسي على المنطقة، وتحاول الوقوف على الوضع الخدمي والاجتماعي والديموغرافي والعسكري الذي تبدل بشكل كبير بتبدل الوضع العسكري.

الغوطة.. أنقاض يحكمها العسكر

تعيش الغوطة اليوم حالة شبيهة لحالة الحصار التي عاشتها ما بين عامي 2013 و2018، على المستويات الخدمية والإغاثية والأمنية، ولكن مع فارق أن الغذاء متوفر.

فمع عشرات الإعلانات عن عودة الكهرباء إلى مناطق شرق العاصمة بالإضافة لعودة المياه والاتصالات، ما زالت احتياجات المدنيين غير مغطاة من تلك الخدمات التي أعلنت عنها حكومة النظام مرارًا.

وتحدثت عنب بلدي إلى خمسة مصادر أهلية من سكان الغوطة الشرقية الذين عادوا إليها، رفضوا جميعهم كشف أسمائهم خوفًا من ملاحقة النظام، ووصفوا الوضع الخدمي بـ “المزري”، لا سيما فيما يتعلق بوضع المياه والكهرباء.

ووفق المصادر الخمسة، فإن الكهرباء تنقطع لخمس ساعات متواصلة وتأتي لساعة واحدة فقط لتعاود الانقطاع مجددًا، أما المياه فتصل إلى المنازل ساعة واحدة يوميًا، ويعتمد الأهالي على الغطاسات والآبار الارتوازية التي حفروها خلال أيام الحصار في السنوات الماضية للحصول على المياه.

كما افتقدت بعض مناطق الغوطة الكثير من الخدمات التي كانت في مقدمة أولويات المنظمات قبيل سيطرة قوات النظام على المنطقة، بينما تدخل المواد الغذائية اليوم دون التلاعب بأسعارها على خلاف ما كان يحدث في السابق.

في الوقت ذاته تعيش بلدات ومدن ضمن المنطقة أوضاعًا خدمية أفضل من بلدات أخرى، حيث وصلت الكهرباء إلى مدن وبلدات المليحة وجسرين وحمورية وسقبا وزملكا وعين ترما وكفربطنا، بينما لم تصل إلى بلدتي مسرابا ومديرا ونحو 70% من مدينة دوما بالإضافة لضواحيها (الريحان والشيفونية)، بحسب تقاطع المصادر.

وتعيش منطقة المرج حالة مشابهة من قصور الخدمات ونقصها في بعض المناطق، وانعدامها في مناطق أخرى.

ساحة مدينة دوما بالغوطة الشرقية-29-12-2018 (سبوتنيك)

حواجز أمنية تقطّع المنطقة

تنتشر الحواجز الأمنية في مدن وبلدات الغوطة الشرقية وفي محيطها، ابتداءً من مدخلها الجنوبي الغربي على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدن وبلدات المرج، والذي يحاذي طريق مطار دمشق الدولي، ومدخل بلدة المليحة الممتد من أراضي جرمانا الزراعية.

ويتمركز عند المدخلين حاجزان رئيسيان مهمتها التفتيش والتدقيق الأمنيين، ومن المليحة جنوب القطاع الأوسط إلى جسرين مدخل القطاع يوجد حاجز آخر وفق المصادر المحلية.

وفي بلدات القطاع الأوسط، قطعت قوات الأسد مداخل مدن وبلدات المنطقة بحواجز، وقطعت تلك البلدات إلى أجزاء بحواجز أخرى.

وعلى امتداد الطريق الواصل من بلدة جسرين إلى مدينة حمورية، نصبت قوات الأسد أربعة حواجز رئيسية، تتوزع في مدخل جسرين ومدخل مدينة كفربطنا من جهة جسرين، ومدخل مدينة سقبا من جهة كفربطنا، ومدخل حمورية من جهة سقبا.

كما نُصبت نحو ثلاثة حواجز على الطريق الواصل بين بلدة بيت سوى ومدينة عين ترما مرورًا بحمورية وبلدة حزة ومدينة زملكا.

وفي المدخل الشمالي للمنطقة من جهة دوما، نُصب أكبر الحواجز، والذي تسيطر عليه القوات الروسية بشراكة الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام، بينما تتوزع الحواجز الباقية في المنطقة بين الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والأفرع الأمنية (أمن الدولة، والمخابرات الجوية، والأمن العسكري).

الشرطة العسكرية الروسية في مدينة دوما بريف دمشق الشرقي-20-12-2018 (سبوتنيك)

القضاء وشعبة التجنيد قبل الماء والكهرباء

عملت وزارة العدل في حكومة النظام منذ سيطرتها على الغوطة الشرقية حتى نهاية عام 2018 على تجهيز العديد من المحاكم، وعادت معظم محاكم المنطقة للعمل، كمحكمة عربين، ومحكمة حرستا، بالإضافة لافتتاح المجمع القضائي في ببيلا وكفربطنا وترميم المجمع القضائي في دوما، وفق ما ذكرته صحيفة “تشرين” المحلية في الأول من كانون الثاني الماضي.

وفي الخامس من كانون الثاني الماضي، أنهت حكومة النظام ترميم شعبة التجنيد في دوما، وقالت في إعلان داخل المنطقة، إن العمل عليها سيتم خلال أيام من انتهاء الترميم.

وأعادت وزارة النقل افتتاح المقر الأساسي لمديرية نقل ريف دمشق في حرستا، بدلًا من مقرها المؤقت في نهرعيشة.

ووفق ما قاله وزير النقل المهندس علي حمود، ونقلته صحيفة “تشرين” الحكومية في 27 من كانون الثاني الماضي، فإن إعادة افتتاح المقر يأتي بالتوازي مع الخطوات التي تقوم بها وزارة النقل لتبسيط الإجراءات وتسهيل الخدمات المقدمة للمواطنين، و”لتعزيز إعادة الحياة إلى ريف دمشق، ولخدمة المواطنين العائدين لمتابعة نشاطهم وعملهم، بما ينشط الحياة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والخدمية”.

إكمال هدم لا إعادة إعمار

تُعِد حكومة النظام السوري احتفالًا لذكرى مرور عام على “تحرير الغوطة من الإرهاب”، وفق ما يشيعه عناصر قوات الأسد بين الأهالي في المنطقة، بحسب المصادر المتقاطعة، في وقت تعاني فيه المنطقة من الأنقاض التي تملأ جوانب الشوارع العامة والفرعية والحارات، بينما ترفض حكومة النظام إزالتها وتطالب الراغبين بإزالتها بدفع تكاليف نقلها إلى المكبات.

وكانت محافظة ريف دمشق، قالت في تموز من العام الماضي، إنها خصصت أكثر من ثلاثة مليارات ليرة سورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في الغوطة الشرقية، وذلك من أصل المبلغ الذي خصصه مجلس الوزراء لإعادة الإعمار في محافظة ريف دمشق والبالغ خمسة مليارات ليرة، لكن المحافظة لم تتخذ بعد أي إجراءات لإعادة الإعمار، بل تتحرك لهدم بعض الأبنية عبر تفجيرها.

ومنذ مطلع كانون الثاني الماضي، وحتى منتصف شباط الحالي، رصدت عنب بلدي أكثر من عشر حالات تفجير في الغوطة الشرقية.

تركزت معظم تلك التفجيرات على طرفي طريق حمص- دمشق الدولي، من جهتي حرستا في الغوطة الشرقية والقابون غربها، كما شهد حي جوبر ثلاثة تفجيرات خلال عشرة أيام، وشهدت بلدة حمورية تفجيرًا واحدًا.

تقول الرواية الرسمية إن التفجيرات تستهدف مخلفات الحرب في المنطقة، لكن وكالة الأنباء الروسية (تاس) نقلت عن قائد وحدة الهندسة التابعة لقوات الأسد في المنطقة، مياس محمود عيسى، المكلفة بإزالة الألغام بريف دمشق، قوله إن وحدته عملت في جمع الألغام والمخلفات الحربية، وأتلفت قسمًا منها، بينما عملت على استخدام قسم آخر في هدم الأبنية التي “من المفترض أن يتم هدمها”.

اعتقالات وتجنيد رغم التسوية

عقب العملية العسكرية التي سيطرت قوات النظام السوري بموجبها على مساحات من الغوطة الشرقية، عمد النظام وروسيا إلى عقد اتفاقيات متفرقة مع الفصائل التي كانت تسيطر على الغوطة، وقضت تلك الاتفاقيات بتهجير غير الراغبين بتسوية أوضاعهم مع النظام السوري من المقاتلين والمدنيين، وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء.

كما مُنح الأهالي الراغبون بالتسوية ضمانات بعدم ملاحقتهم أمنيًا، وهذا ما لم يتم حيث تعرض عدد كبير من الشبان للاعتقال والاحتجاز في الأفرع الأمنية التابعة لقوات الأسد.

وبعد بدء عمليات التسوية التي قامت بها قوات الأسد منذ بداية أيار حتى نهاية تموز 2018، راجع الذكور الذين يزيد عمرهم على 16 عامًا، والموجودون في مراكز الإيواء ضمن مناطق النظام، فرعي “المخابرات الجوية” و”أمن الدولة” لإتمام إجراءات التسوية، وعقب خروج العائلات من مراكز الإيواء، ابتداءً من أيار 2018، اقتيد قسم من الشبان إلى الاعتقال أو إلى التجنيد الإلزامي أو الاحتياطي.

الأرقام الدقيقة لعدد المعتقلين والمجندين إجباريًا غير معروفة، لكن بحسب ما تؤكده مصادر محلية، ففي الفترة الممتدة ما بين شهري أيار وأيلول 2018 اعتقلت قوات النظام وجندت نحو ألفي شاب.

حملات تجنيد متلاحقة

باكورة حملات التجنيد كانت من مراكز الإيواء، التي احتضنت ما يزيد على 144 ألف مدني وفق الأرقام الرسمية الروسية، وشنت قوات الأسد عدة حملات في وقت متقطع بغية تجنيد من انتهى من معاملة التسوية.

ومن ضمن الإجراءات الأمنية التي تعرضت لها منطقة شرق دمشق، منع قوات النظام المنتشرة في محيط الغوطة الشرقية حركة خروج الشباب المكلفين بالخدمتين الاحتياطية والإلزامية إلى دمشق.

وبدأت عملية المنع في 25 من تشرين الثاني من عام 2018، من دوما، وامتدت لتشمل باقي الحواجز المحيطة بالغوطة، وجاء قرار المنع بعد تعميم أسماء المطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية في المنطقة، وبدء عملية سحب المطلوبين.

ووفق ما رصدته عنب بلدي حينها، فإن عمليات سوق المكلفين حددت بتواريخ بحسب شهادات التعليم، وتتراوح التواريخ ما بين الشهر الأول من العام الحالي 2019، وحتى تشرين الثاني المقبل.

عنب بلدي تحدثت مع أحد المطلوبين السابقين لخدمة الاحتياط (رفض نشر اسمه لأسباب أمنية)، وقال إنه خضع للتحقيق لمدة تجاوزت شهرين، واستكملت إجراءات التسوية معه قبل التحاقه بثكنة
“الدريج” العسكرية التي خضع لدورة عسكرية فيها.

قوات روسية وقوات سورية يحرسون مكان استهداف قوات الأسد لمدينة دوما بالسلاح الكيماوي- أيار 2018 (رويترز)

1271 حالة اعتقال

في الأسبوع الأول من شهر آب الماضي، شنت قوات الأسد حملة اعتقالات تعتبر واحدة من أكبر الحملات الأمنية منذ سيطرتها على الغوطة، وطالت منشقين عن قوات الأسد وناشطين في الثورة السورية، ونفذت الحملة في مدن وبلدت سقبا وحمورية ودوما ومسرابا وعين ترما وبعض بلدات المرج وجسرين.

كما أخضع النظام الناشطين المحليين والعاملين في منظمات المجتمع المدني وإعلاميين سابقين، إلى جانب أعضاء المجالس المحلية والمكاتب الإغاثية، لتحقيقات حول مصادر الدعم الذي كانوا يتلقونه في أثناء سيطرة المعارضة.

وشنت الأفرع الأمنية حملة اعتقالات طالت أعضاء “المجلس المحلي” السابق، وأعضاء آخرين من مجلس محافظة ريف دمشق في مدينة كفربطنا وسط الغوطة، وفق ما قالته مصادر متقاطعة من المدينة لعنب بلدي.

وأفادت مصادر مقربة من المجلس لعنب بلدي أن الأمن السوري داهم منازل وأماكن عمل المعتقلين قبل اقتيادهم إلى جهة مجهولة، كما يحتجز أعضاء المجالس المحلية الآخرين، الذين فضلوا البقاء في الغوطة على الخروج إلى الشمال السوري، لذات الأسباب.

وتعرضت بلدة مديرا لواحدة من أكبر حملات الاعتقال الجماعي، في آب الماضي، إذ طالت نحو 40 مدنيًا خلال مداهمات ليلية بدأت بصورة مفاجئة.

وطالت حملات الاعتقالات أيضًا مكاتب الصرافة وتحويل العملات وطلبت قوات الأسد منها تزويدها بجميع البيانات التي تتعلق بالمرسلين والمستلمين للحوالات المالية قبل الإفراج عنهم.

“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” سجلت نحو 55 حالة اعتقال في شهر كانون الثاني 2018، على يد قوات الأسد بريف دمشق معظمهم في ريف دمشق الشرقي.

وفي تقريرها السنوي عن عام 2018، قالت الشبكة إنها وثقت 1271 حالة اعتقال طالت مدنيين بريف دمشق معظمهم في الغوطة، في الفترة الممتدة ما بين آذار وكانون الأول من العام ذاته.

أين أهالي الغوطة الشرقية؟

وفق إحصائية “هيئة تنسيق العمل الإغاثي”، التي شكلتها مجموعة من المنظمات والمؤسسات المعنية بالإغاثة الإنسانية لإحصاء سكان الغوطة قبيل الحملة العسكرية الأخيرة، بلغ عدد سكان المنطقة نحو 325 ألف نسمة خلال سيطرة فصائل المعارضة.

عقب التسوية، خرج من المعابر الآمنة التي افتتحها النظام السوري نحو مناطق سيطرته، أي إلى دمشق، برعاية روسيا نحو 144 ألف مدني، وفق أرقام وزارة الدفاع الروسية، بينما خرج إلى الشمال السوري بموجب الاتفاق نحو 65 ألف شخص، وفق تقديرات فريق “منسقي الاستجابة”.

معظم الذين خرجوا عبر المعابر الآمنة عادوا إلى الغوطة خلال الأشهر الماضية، رغم سوء الأوضاع الخدمية، ومحاولة النظام غير المجدية لـ “ترقيع” بعض الخدمات.

ولا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد أهالي الغوطة الذين بقوا في مناطق سيطرة النظام، مقابل الذين عادوا إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم.

الشمال.. الوجهة الأولى

تشير إحصائية فريق “منسقي الاستجابة” إلى أن 70565 شخصًا غادروا ريف دمشق إلى الشمال السوري خلال حملة النظام الأخيرة على المنطقة في آذار 2018 والتي أفضت إلى سيطرته عليها.

66377 منهم من مدن الغوطة الشرقية، توزعوا في بداية التهجير في مدن وبلدات ريف إدلب، وفي مخيمات مؤقتة أقيمت لاستقبالهم، أوضمن المخيمات المقامة أساسًا.

عقب ذلك بدأت الحركة، وتغيرت خريطة توزع مهجري الغوطة في الشمال، وبحسب ما قاله لعنب بلدي المهندس محد حلاج، مدير فريق “منسقي الاستجابة” في الشمال السوري، فإن تغيرًا كبيرًا طرأ على أعداد المهجرين بالمقارنة مع الشهرين الأولين لوصولهم.

وأضاف حلاج أن الانتشار كان في إدلب ومناطق درع الفرات، وبعد معارك غصن الزيتون والاستقرار النسبي هناك، انتقلت عائلات كثيرة إلى عفرين، لتليها إدلب بعدد مهجري الغوطة الشرقية ثم منطقة حارم في ريف حلب الشمالي، ثم المخيمات، ثم مناطق درع الفرات.

عفرين.. تجمع غوطاني شمال حلب

يوجد القسم الأكبر اليوم من مهجري الغوطة الشرقية في عفرين، المنطقة التي كانت وجهة أبرز فصيلين عسكريين في الغوطة.

ويصل عدد سكان ريف دمشق (يشكل أهالي الغوطة الشرقية غالبيتهم) في عفرين إلى 27532 شخصًا يتوزعون في مدينة عفرين والأرياف المحيطة، وفق إحصائية “لجان ريف دمشق في عفرين”.

ومع استبعاد أعداد النازحين من دمشق وجنوب دمشق والقلمون والغوطة الغربية من الإحصائية السابقة، نجد أن عدد أهالي الغوطة الشرقية في عفرين يصل إلى 22294، 17577 منهم في المدينة، و4717 في الريف.

وبحسب إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من “المكتب الإغاثي لمهجري ريف دمشق بمدينة عفرين”، يشكل أهالي ريف دمشق 30٪ من إجمالي سكان عفرين، بينما يشكل السكان المقيمون 37٪.

وبالنسبة لتوزع العائلات في المنطقة حسب المدن التي خرجت منها، تشير إحصائية “لجان ريف دمشق في عفرين” إلى أن 580 عائلة من مدينة دوما تتوزع بين عفرين وريفها، بينما يبلغ عدد العائلات من مدينة سقبا 329، ومن مدينة كفربطنا 80، ومن بلدة جسرين 304، ومن مدينة عربين 393.

بينما يصل عدد العائلات من قرية بيت سوى إلى 92، ومن بلدة حمورية 134، ومن بلدة مسرابا 147، ومن بلدة مديرا 125، ومن مدينة حرستا 504، ومن مدينة زملكا 234، ومن مدينة عين ترما 99.

كما يوجد في عفرين وريفها 63 عائلة من بلدة حزة، و443 من القطاع الجنوبي، و505 من ريف دوما، و256 من بلدة العبادة، و183 من بلدة النشابية، و61 من بلدة العتيبة، و113 من قرية الجربا، و1062 من قطاع المرج، و615 من حي جوبر.

 

خريطة توضح الجهات التي خرج إليها أهالي الغوطة الشرقية عام 2018 (عنب بلدي)

“الجيش” و”الفيلق”

أعداء في الغوطة.. أصدقاء على أرض عفرين

ربما كان مشهد المصالحة بين فصيلي “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” بعد وصولهما إلى الشمال السوري بموجب اتفاقية التسوية أصعب بالنسبة لأهالي الغوطة الشرقية من مرارة التهجير. يتعلق ذلك بتاريخ الاقتتال الذي دار بين الطرفين على مدار سنوات، وكان سببًا رئيسيًا في تقسيم الغوطة وتشتتها عسكريًا، وصولًا إلى سيطرة قوات الأسد المدعومة من روسيا عليها بالكامل.

لم تمضِ أيام على خروج الفصيلين من الغوطة ووصولهما إلى ريف حلب الشمالي وعفرين، في الأشهر الأولى من عام 2018، حتى انتشرت صور للقياديين البارزين في “الفيلق” و”الجيش”، عبد الناصر شمير وعصام بويضاني، إلى جانب قادة في “الجيش الوطني” في أثناء مأدبة صلح بينهما بمنطقة عفرين، أعلنوا فيها إنهاء الانقسام والتنازع و”العودة إلى حالة الإخوة”، لكن بعد فوات الأوان وعقب سنوات من دعوات الأهالي إلى إبعاد الخلافات والاتحاد ضد عدو واحد هو النظام السوري.

اليوم يعمل الفصيلان البارزان عسكريًا ضمن “الفيلق الثالث” التابع لـ “الجيش الوطني”، بمعنى أنهما اندمجا بشكل كامل، لكن الأمر ليس كيفيًا بقدر ما يرتبط بشكل المنطقة التي وصلا إليها، والتي تديرها تركيا بشكل كامل، وتعمل على تنظيمها على كل المستويات وخاصة الجانب العسكري، والذي تبلور على مدار العامين الماضيين بـ “الجيش الوطني” المقسم إلى عدة فيالق.

اختلفت الأهداف عما كان سابقًا ففي الشمال الجبهات مع النظام السوري مجمدة بالكامل، لتتحول البنادق إلى القوات الكردية المتمثلة بـ “وحدات حماية الشعب”، والتي تصنفها تركيا على قوائم الإرهاب لارتباطها بـ “حزب العمال الكردستاني” (PKK).

عناصر من فصيل جيش الإسلام خلال معسكر تدريبي بريف حلب – كانون الثاني 2019 (جيش الإسلام)

فكر وعمل عسكري جديدان

عرف “جيش الإسلام” خلال سنوات عمله السابقة في الغوطة بتنظيمه العسكري، سواء من جانب الأفراد والضباط أو الخطط التي اتبعها طوال فترة عمله العسكري، وتولى قيادة عملياته العسكرية سابقًا المئات من الضباط المنشقين، والذين انضووا مؤخرًا في الكلية الحربية التي أسسها في الغوطة.

وبحسب ما قالت مصادر مطلعة على عمل الفصيل، فإنه يعمل حاليًا تحت غطاء “لواء المعتصم” المنضوي في “الجيش الوطني”، مضيفًة أن الفصيل بدأ بعد وصوله إلى ريف حلب بدورات شرعية للعناصر التابعين له، تتضمن التأكيد على قتال “هيئة تحرير الشام” والتشكيلات الكردية بشكل خاص.

في آب 2018 كان “الجيش” قد كشف عن خمسة معسكرات أنشأها في ريف حلب الشمالي، ونشر تسجيلًا مصورًا أظهر تلك المعسكرات، وتوزعت بين مدينة الباب ومنطقة عفرين، وبحسب التسجيل، أنشئ المعسكر الأول بشكل فوري لقيادة أركان “الجيش”، والذي أعلن فيه المرحلة الجديدة التي سيسير عليها الفصيل بعد تجميع قواته التي خرجت من الغوطة.

أما المعسكرات الأخرى، فأحدها في منطقة عفرين لمقاتلي جنوبي دمشق، ومعسكر آخر للفرقة الأولى توجد فيه ساحات تدريب، إلى جانب معسكرين للفرقة الثانية والفرقة الثالثة وألوية الإسناد.

فيما يخص التراتبية العسكرية للفصيل لا يزال القيادي عصام بويضاني يتصدر واجهة “الجيش” حتى اليوم، إلى جانب رئيس هيئة الأركان، المقدم علي عبد الباقي، ورئيس الجهاز الأمني، أبو قصي ديراني، والشرعي، أبو عبد الرحمن كعكة.

وفي زيارة أجراها عصام بويضاني لمخيم دير بلوط في ريف عفرين، أيار الماضي، التقى فيها عشرات المهجرين من الغوطة الشرقية، قال في خطاب له، “لدينا ثلاثة أعداء هي الميليشيا الكردية وهيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة”، وهو ما يخالف الأهداف الأولى التي تأسس من أجلها “الجيش” وهي قتال قوات الأسد والميليشيات المساندة لها.

يندرج ما سبق في إطار التقارب بين “جيش الإسلام” وتركيا، والذي بدأت أولى ملامحه بالوصول إلى مناطق “درع الفرات” في الشمال، ورغم الفارق الكبير بين السياسة السابقة لـ “الجيش” (دعم السعودية) والحالية (الدعم التركي)، يحاول التكيف مع الأرض التي يعمل فيها من جهة، ومواكبة اللاعبين الكبار الممسكين بالملف السوري، أبرزهم الجانب التركي، من جهة أخرى.

وفي إطار التقارب المذكور كان بويضاني ونائبه علي الحسيني، ومعاونه أنس شيخ بزينة، قد التقوا، تشرين الأول الماضي، برئيس بلدية دوزيتشي، أوكيش ناملي في ولاية العثمانية.

التمركز في عفرين

لا يختلف الحال بالنسبة لفصيل “فيلق الرحمن” عن “جيش الإسلام” سوى فيما يخص منطقة العمل العسكري، فالأخير انتشر في عدة مناطق بريف حلب الشمالي، بينما تركز عمل “الفيلق” في منطقة عفرين التي أنشأ فيها عدة معسكرات لقواته.

ومنذ خروجه من الغوطة الشرقية حتى مطلع العام الحالي بقي “الفيلق” دون استراتيجية عسكرية، إلى أن أعلن في كانون الثاني الماضي إعادة تشكيل نفسه في الشمال السوري.

وقال المتحدث الرسمي باسمه، وائل علوان، إن فصيله أعاد تشكيل نفسه من جديد ضمن معسكراته في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي، بتبعية لـ “الفيلق الثالث” أحد تشكيلات “الجيش الوطني”.

النقيب عبد الناصر شمير على رأس “فيلق الرحمن” حتى اليوم، والذي احتفظ بجميع قياداته، وحاول الاندماج مع بقية فصائل الشمال بشكل فوري في أثناء وصوله، وساعده في ذلك توجهه العسكري الخاص، كونه ينضوي في “الجيش الحر”.

يقول علوان لعنب بلدي، إن “الفيلق” أعاد تنظيم نفسه من جديد بعد خروجه من الغوطة، وأخضع منتسبيه القدامى والجدد منهم لدورات عسكرية متكاملة في معسكراته التي قام بتجهيزها في منطقة عفرين.

ويضيف أن إعادة التنظيم استغرقت أشهرًا عديدة لـ “حرص الفصيل الدائم على العمل بإتقان، مستفيدًا من خبرة العشرات من الضباط في صفوفه وفي قيادته”، مشيرًا إلى أن “فيلق الرحمن يعتمد على التنظيم والانضباط العسكري، ويكثف التدريبات ورفع جاهزية منتسبيه ليكونوا قوات نخبة قادرين على التصدي لكافة التحديات”.

لا توجد أعداد دقيقة للفصيل، والذي قد يزول الاسم المتعلق به في الأيام المقبلة كونه انضوى بشكل كامل ضمن “الفيلق الثالث” إلى جانب “جيش الإسلام”، وهي نقطة تشابه ما حل بالفصائل المنضوية في “الجيش الوطني” والتي غابت مسمياتها فور اندماجها بشكل كامل، على مدار السنوات الماضية.

ويوضح علوان أن “خطوة الانضمام للجيش الوطني جاءت لإيمان قيادة الفيلق بضرورة التنسيق الكامل للعمل العسكري وانتظامه تحت قيادة واحدة، وقد قام بهذه الخطوة بعد أن أعلن إتمام خطوات تجهيز المعسكرات وإعادة ترتيب الصفوف وتخريج الدورات”.

ويقول إن هدف الفصيل تحدد بعد الخروج إلى الشمال بـ “الدفاع عن المناطق المحررة ضد كل الأعداء، وأولهم قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، إضافة إلى التصدي لعدوان المجموعات الإرهابية، وفي مقدمتها المجموعات الانفصالية، وكذلك خلايا داعش”.

 

English version of the article

مقالات متعلقة