توقف قلب الطفلة مريم عن النبض، نتيجة البرد الشديد الذي داهم خيمة عائلتها القماشية المهترئة، والتي تفتقد لجميع وسائل التدفئة المناسبة، في مخيم النصر ببلدة قاح شمالي إدلب، لتنعيها الأسرة في 13 من كانون الثاني الحالي.
كارثة الطفلة ذات السبعة أشهر، تعود للبرد القارس وسوء التغذية الذي عانته مريم، وفقًا لتقرير الطبيب المسؤول عن المخيم، وسط انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في المنطقة.
يقول والد الطفلة، ياسين الحسين، في حديث إلى عنب بلدي، “لم أستطع هذا العام شراء وسيلة تدفئة تمنع عن أطفالي التسعة برد الشتاء القارس، وغابت عنا مقومات العيش ضمن خيمة صغيرة جدرانها من القماش المهترئ”.
مريم لم تكن الطفلة الوحيدة التي قتلها البرد في مخيمات النازحين في الشمال السوري، إذ توفيت طفلة بعد ولادتها بساعات في نهاية كانون الأول الماضي، نتيجة البرد وسوء الأوضاع الخدمية في مخيم حزانو شمالي إدلب.
وشهدت مخيمات النازحين في الشمال السوري كوارث عديدة بسبب الأمطار والسيول التي تعاقبت مرات عدة خلال الأسابيع الماضية، تمثلت بغرق الآلاف من الخيام وتضرر ممتلكاتها، إلى جانب تسجيل وفيات وأعداد من المرضى لم تُحصَ حتى اليوم.
جاء ذلك في ظل انخفاض درجات الحرارة بشكل ملحوظ في المنطقة، وغياب مواد التدفئة في الكثير من المخيمات، الأمر الذي هدد حياة المرضى والأطفال والمسنين وأسفر عن وفاة طفلين.
حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونداءات استغاثة أطلقتها المجالس المحلية في الشمال السوري دفعت بالمنظمات الإنسانية للتحرك نحو احتواء أزمة تصيب سكان المخيمات في كل عام يحمل لهم أزمات برد وحر، وسط مطالب بإنهاء معاناة مستمرة منذ سبع سنوات، وتساؤلات حول أسباب تكررها.
خيام الشمال في مجرى السيل..
استجابة خجولة لأزمة موسميّة
وثق فريق “منسقي الاستجابة” في الشمال السوري، وفاة طفلتين بسبب البرد القارس في مخيمي النصر وحزانو في محافظة إدلب، إلى جانب تضرر نحو 9000 خيمة، جراء العاصفة التي ضربت المنطقة الأسبوع الماضي، بحسب ما جاء في إحصائية للفريق حصلت عليها عنب بلدي.
وفي كانون الأول الماضي، أصدر الفريق بيانًا أحصى من خلاله تضرر أكثر من 6500 عائلة نازحة ونحو 550 خيمة، 220 منها جرفتها السيول بشكل كامل في مخيم أطمة والعمر والأنفال والصابرين والويس ومخيمات سراقب ومخيمات شرقي معرة النعمان، وغيرها من المخيمات العشوائية.
وبالمجمل، تسببت الفيضانات بأضرار لحوالي 23 ألف نازح خلال موسم الشتاء الحالي، ودمرت أكثر من ثلاثة آلاف مسكن مؤقت، وفق ما ذكره المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، استيفان دوغريك في مؤتمر صحفي، الأربعاء 9 من كانون الثاني الحالي، موضحًا أن “الوضع الإنساني شمال غربي سوريا ازداد تعقيدًا بسبب الطقس القاسي، بما في ذلك الفيضانات”.
ذلك الوضع كشف عن آلاف القصص المأساوية التي يعانيها النازحون من غرق خيامهم أو معاناتهم مع البرد الشديد وغياب الخدمات الأساسية عنهم.
فالسيدة الخمسينية نورة (أم علاء) تجمع مع أطفالها بعض نفايات البلاستيك والعيدان من الطرقات المحيطة بالمخيم الذي تعيش فيه جنوبي إدلب، حتى تستخدمها كوسيلة للتدفئة بدلًا من المحروقات الغائبة عن المخيم، بحسب ما أكدته لعنب بلدي.
أم علاء، وهي نازحة من ريف إدلب الشرقي، تعيش في مخيم الفداء جنوبي إدلب منذ عامين، تقول إنها لا تملك أي وسائل للتدفئة لتقي أطفالها برد الشتاء في ظل العواصف التي يشهدها الشمال، الأمر الذي عاد على السيدة وأطفالها بحالات الاختناق وأمراض أخرى، لعدم توفر المحروقات لديها.
السيدة عزيزة، وهي نازحة خمسينية، قاطنة في مخيم الأمل الواقع بمحيط معرة مصرين جنوبي إدلب، لا يختلف حالها عن نورة، حيث تقضي ليلها مع أطفالها بتثبيت خيمتهم حتى لا تقتلعها الرياح القوية، وفق ما أوضحته لعنب بلدي، وكذلك بحفر مسالك بسيطة في جانب الخيمة لتجنب الغرق جراء الأمطار الغزيرة.
أما أبو أحمد الذي يقيم في مخيم بريف حلب الغربي، فقد خسر خيمته وجميع حاجاته بعد أن غمرتها السيول التي اجتاحت المنطقة ودفعته للهرب مع أطفاله.
ويقول أبو أحمد لعنب بلدي إنه وجد نفسه دون أي وسائل للتدفئة تبعد عن أطفاله قساوة البرد القارس، الأمر الذي دفعه لحرق بعض النفايات والمواد البلاستيكية بغرض الدفء المفقود، مع مناشدات عديدة وجهها للمعنيين لكنها “لم تلقَ استجابة”.
يد المنظمات شبه مشلولة
يقول مدير فريق “منسقي الاستجابة” في الشمال السوري، المهندس محمد حلاج، في حديث إلى عنب بلدي، “في حالات الكوارث والطوارئ تكون الاستجابة من المنظمات المعنية بشكل طارئ، لكن في العاصفة الأخيرة فقد كانت الاستجابة من جميع المنظمات هي استجابة خجولة وضعيفة بشكل كبير”، بحسب وصفه.
وأضاف أن التقصير الحاصل في المخيمات في الفترة الأخيرة ناجم عن عدة عوامل، أهمها عوائق متعلقة بالجهات المسيطرة على تلك المناطق والتي تمنع بعض المنظمات من متابعة عملها في أحيان كثيرة، إضافة إلى أن العام الماضي شهد احتياجات واسعة بسبب نسبة النزوح من داخل محافظة إدلب أو من المحافظات الأخرى، وأثر ازدياد أعداد النازحين سلبًا بالتقصير الواسع تجاه المخيمات.
يضاف إلى ذلك “الفساد في بعض المتنفذين والإداريين في المخيمات، أو من خلال بعض الداعمين، ليسهم بالتقصير الحاصل تجاه النازحين مع غياب الإغاثة والخدمات عنهم لفترات طويلة، وفقًا لمسؤول “منسقي الاستجابة”.
ويشير حلاج إلى أن تغيرات السيطرة الميدانية في الشمال، تسهم في تقليص الدعم المخصص للمخيمات إن لم تؤدِّ لتوقفه بشكل كامل، وهذا ما حصل عند توقف الدعم الطبي بعد السيطرة الأخيرة لـ “هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري.
من جهته قال عضو مجلس أمناء منظمة “بنفسج”، فؤاد سيد عيسى، في حديث إلى عنب بلدي، إن المنظمات عملت على تقديم الاستجابة الفورية للمخيمات المنكوبة متمثلة بإنقاذ النازحين وإخلاء المخيمات التي اجتاحتها الفيضانات ونقل النازحين إلى أماكن أخرى، إضافة لخدمات الرعاية والإغاثة المتوفرة لديها.
وعقب ذلك بدأت المنظمات بإصلاح الأضرار وتقديم خيام جديدة بدل المتضررة وبعض المواد المتوفرة للنازحين لتعويضهم عن خسائرهم، ويأتي في أولوية الاستجابة، إصلاح شبكات الصرف الصحي وترميم الطرقات وتقديم بعض الدعم الإغاثي وفقا لقدرات المنظمات المعنية.
وتعزو المنظمات العاملة في الشمال التقصير الحاصل في الخدمات العامة والإغاثية في الكثير من المخيمات إلى تراجع التمويل المقدم للمنطقة، وذلك لاعتبارات عديدة متعلقة بصعوبة العمل الإغاثي وصعوبة وصول الفرق الإنسانية إلى تلك المخيمات، وأسباب متعلقة بتغير السيطرة الميدانية في المنطقة.
تلك العوامل السابقة أسهمت بتقليص الدعم الدولي عن المنظمات الداعمة للمخيمات، إلى جانب العوامل السياسية والعسكرية في المنطقة بشكل عام، ويضاف إليها بعض الفساد والخلل الموجود في إدارة المخيمات أو المنظمات، بحسب سيد عيسى.
الدفاع المدني يستنفر خدماته الطارئة
بدوره، يسهم فريق “الدفاع المدني” والمعروف بمنظمة “الخوذ البيضاء”، بتقديم خدمات الطوارئ للمخيمات المنكوبة ضمن إمكانياته المتوفرة بدءًا من إنقاذ النازحين وفتح الطرقات وسحب المياه التي تغرق الخيام، إلى جانب حالات الإسعاف التي يقدمها الفريق ضمن عمله المعتاد في حالات الكوارث.
الخدمات الطارئة يعتبرها الدفاع المدني من أساسيات عمله في جميع الظروف، ويستنفر طواقمه وأدواته في جميع حالات القصف والانفجارات والكوارث الطبيعية كالسيول والفيضانات التي شهدها الشمال السوري مرات متتالية خلال الأسابيع الماضية.
وتتمثل أعمال الدفاع المدني بجميع عمليات الإنقاذ والإطفاء وإنقاذ الجرحى في حالات الحرب أو حالات الطقس وغيرها، إضافة للترميم والإصلاح وجميع الخدمات العامة، إلى جانب إنقاذ النازحين والمخيمات في حالة الكوارث كالعواصف المطرية والسيول، كما يقول مدير مديرية إدلب للدفاع المدني، مصطفى حاج يوسف.
ويضيف حاج يوسف لعنب بلدي، “الكارثة الأخيرة كانت أكبر من قدرة الدفاع المدني، وهي تعتبر كارثة استثنائية، ومع ذلك قدمنا ما استطعنا بشكل جيد من فتح طرقات وتصريف مياه وإنقاذ نازحين أو خيام غارقة”.
غياب إدارة من شأنها تنظيم العمل في الشمال السوري، دفع منظمة “الدفاع المدني” لملء هذا الفراغ عبر عمله المنظم في شتى المجالات والإمكانيات المتاحة، بحسب حاج يوسف.
حلول لتجنب غرق المخيمات
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى غرق المخيمات وخاصة العشوائية في الشمال السوري، وأولها إقامة المخيمات في وديان ومناطق منخفضة أو في منحدرات جبلية معرضة للسيول في فصل الشتاء، بحسب مدير فريق “منسقي الاستجابة” في الشمال السوري، المهندس محمد حلاج.
كما أن غياب شبكات الصرف الصحي أو انسدادها في أوقات المطر الغزير يؤدي لتشكل السيول التي تغرق الخيام كما حصل الشهر الماضي في مخيم أطمة شمالي إدلب، أو قرب تلك المخيمات من الأنهار التي تفيض وتغرق الخيام كحال مخيمات دير بلوط شمالي حلب.
لكن المهندس حلاج، أشار إلى حلول بسيطة تخفف وطأة السيول والفيضانات في فصل الشتاء أو تمنعها في بعض الأحيان، ووصف تلك الحلول بـ “الإسعافية أو المؤقتة”، وذلك برفع سوية الخيام عن مستوى الأرض، أو نقل الخيام من الوديان والمناطق المنخفضة إلى مناطق مرتفعة ومناسبة.
أما الحل الآخر فهو إنشاء شبكة صرف مطري، متمثلة بحفر خندق مائي حول المخيمات ليمتص كميات كبيرة من الأمطار الهاطلة، إلى جانب حفر خندق حول الخيمة، والغرض من تلك الخنادق هو امتصاص النسبة الأكبر من مياه الأمطار كحل جزئي يخفف كثيرًا من أعباء السيول، بحسب تعبيره.
بيوت طينية وإسمنتية.. بدائل ترفضها الأمم المتحدة
يعيش قسم من اللاجئين السوريين في دول الجوار، تركيا والأردن، داخل “كرفانات” مسبقة الصنع مثل مخيمات تركيا “كلّس 1″و”كلّس 2” و”مخيم “عثمانية”.
وفي مخيم “الزعتري” بالأردن يوجد 26 ألف “كرفان”، يقطنها قرابة 80 ألف شخص، مجهزة بكامل الخدمات، إذ تم بناء محطة الطاقة الشمسية بتمويل من بنك الإنماء الألماني بـ 15 مليون يورو لتصل الكهرباء لمدة 14 ساعة يوميًا بحسب ما ذكرته وكالة “عمون الأردنية” مطلع الشهر الحالي.
وتبلغ مساحة “الكرفان” الواحد 22 أو 30 مترًا، ويتراوح سعره بين ثلاثة وخمسة آلاف دولار (يتغير السعر حسب غلاء المواد) ويتسع لعائلة من ثمانية أشخاص، ويمتاز بعدم تأثره بعوامل الطقس، ويمكن نقله من مكان إلى آخر، لكن توفير هذه “الكرفانات” يحتاج إلى دعم دولي ومنظمات كبيرة، بحسب المهندس محمد مظهر شربجي.
وأضاف المهندس شربجي، الذي شغل سابقًا رئيس شعبة المهندسين بريف دمشق، في حديث إلى عنب بلدي، أن مشروعًا مع المجلس المحلي في مدينة احتميلات بريف حلب، بهدف بناء تجمع سكني لإيواء 3900 شخص (860 عائلة) بتكلفة 12 مليون دولار مع خدمات كافة مثل البنى التحتية والطاقة الشمسية، كان من المفترض إنجازه، لكنه لاقى معوقات أبرزها عدم وجود داعم.
أما التجربة الثانية، التي يمكن تنفيذها كونها أقل تكلفة، فكانت داخل الشمال السوري، وهي البيوت الطينية التي عملت على بنائها بعض المنظمات الإنسانية والخدمية العاملة في إدلب، وخاصة منظمة “الهلال الأحمر القطري” التي بنت خمس قرى في إدلب، منها “الفردان” و”حارم” و”ابن سريع”، وهي مجهزة بكامل الخدمات إضافة إلى مستوصف ومسجد وفرن.
وتتوفر ثلاثة نماذج للبيت الطيني بمساحة 24 مترًا مربعًا و36 مترًا مربعًا و60 مترًا مربعًا، ويتسع لثمانية أشخاص، ويمتاز بتكلفة أقل من بناء الإسمنت، إذ يبلغ سعر بناء المتر المربع الواحد من البيت الطيني 50 دولارًا (40 مترًا مساحة المنزل بكلفة ألفي دولار) في حين يبلغ سعر بناء المتر المربع من الإسمنت بين 70 و100 دولار بحسب نوعه.
ويحتاج البيت الطيني إلى صيانة سنوية بسبب تآكله نتيجة عوامل الطقس، ويمتاز بالعزل الحراري لسماكة جدار المنزل، الذي يصل إلى 20 سنتيمترًا، بحسب أحد المهندسين في ريف حلب، طلب عدم ذكر اسمه.
وأكد المهندس لعنب بلدي أنه تم قياس درجة الحرارة داخل وخارج البيت الطيني ووصلت إلى فارق بين تسع إلى 12 درجة، في حين وصل الفارق في الخيمة إلى درجة واحدة فقط، والبيت الإسمنتي يوجد فرق ثلاث درجات، أما “الكرفان” فيوجد فرق أربع درجات بالحرارة بين الداخل والخارج.
هذه التجارب طرحت تساؤلات كثيرة حول عدم تنفيذها في مخيمات اللاجئين بالشمال، لكن عضو مجلس أمناء منظمة “بنفسج”، فؤاد سيد عيسى، أكد أنه تم تقديم العديد من المقترحات والعروض للمنظمات من أجل تقديم غرف صناعية متنقلة “كرفانات” أو غرف إسمنتية، لكن المنظمات الدولية ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات المعنية باللاجئين لا توافق على تلك المشاريع.
وقال سيد عيسى إن الأمم المتحدة لديها رفض بشكل كامل لتمويل مشاريع سكنية تنقل النازحين من الخيام إلى الغرف الصناعية، لأنها تعتبر الأمر بمثابة عملية توطين تمنع عودتهم إلى مدنهم وقراهم الأصلية.
مخيمات لبنان العشوائية..
حاضنة الكوارث والأزمات الجوية
مخيمات عشوائية نُصبت في مجرى السيول وفي عين العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة مؤخرًا، محدثةً الضجة ذاتها التي تحدثها في كل عام، بأضرار بشرية ومادية كبيرة، ومأساة مستمرة تتصدر عناوين الصحف وتصريحات المسؤولين وكأنها الأولى من نوعها.
الحديث عن عشوائية تلك المخيمات، التي لم تستطع اكتساب صفة رسمية رغم الأزمات التي تعاقبت عليها على مدى سبع سنوات، فرض تساؤلات عدة، أبرزها، من المسؤول عن إدارة تلك المخيمات؟ لماذا لا يغيّر اللاجئون مكان إقامتهم في مناطق الأزمات؟ كيف كان من الممكن تلافي الأزمة؟ كيف تعاطت الحكومات مع الأزمة الأخيرة؟
تنظيم العشوائيات.. مسؤولية حكومية أم إغاثية؟
تشير التقارير الإغاثية المحلية والدولية التي رصدت أضرار العاصفة الثلجية على اللاجئين السوريين في لبنان إلى أن آثارها كانت جسيمة على أولئك الذين يعيشون في مخيمات عشوائية “غير رسمية”، خاصة في منطقة عرسال اللبنانية التي تضم أكثر من 100 مخيم عشوائي، بينما كانت آثارها أقل على اللاجئين في المخيمات الرسمية، التي تحظى في الغالب باهتمام المانحين الدوليين والهيئات الإغاثية الأممية.
عشوائية تلك المخيمات أدت إلى ضياع الجهات المحلية المسؤولة عن إدارتها وتنظيمها، وربما تقاذف تلك المسؤوليات، الذي أدى بالنهاية إلى واقع مأساوي يُكتب على اللاجئين في كل شتاء ومع أول عاصفة تضرب مخيماتهم.
الحقوقي اللبناني ناصر ياسين، مدير معهد “عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” بالجامعة الأمريكية في بيروت، أشار إلى أن المخيمات التي ضربتها العاصفة في منطقة عرسال اللبنانية تديرها عادة المنظمات الإغاثية، ولكن بالتنسيق مع البلديات بحسب كل منطقة.
وقال ياسين في حديث لعنب بلدي، إن البلديات اللبنانية تستجيب لأزمات اللاجئين بشكل مختلف، حسب نشاط كل بلدية وحسب قدرتها ومخصصاتها المالية وبرامجها الخاصة بإغاثة اللاجئين السوريين، مشيرًا إلى أن الحكومة المركزية لا تفرض سياسة موحدة على جميع البلديات، بل تترك لها حرية التعاطي مع الموضوع.
وما زاد الأوضاع سوءًا هو الشلل الحكومي الحاصل في لبنان، مع غياب التشكيل الحكومي منذ أكثر من ثمانية أشهر، بالإضافة إلى عجز الاقتصاد اللبناني عن الاستجابة لأزمات السوريين في المخيمات العشوائية، والذين يقارب عددهم 200 ألف لاجئ سوري، بحسب ياسين.
ومع ذلك أشار الحقوقي اللبناني إلى أن بعض الجهات الحكومية استجابت بشكل “خجول” وبحسب قدراتها للعاصفة الأخيرة، إذ عمل الجيش اللبناني على إجلاء بعض العائلات السورية المتضررة إلى المدارس والمخيمات البعيدة عن العاصفة، كما أن وزارة الداخلية اللبنانية أعلنت استنفار الهيئات التابعة لها.
استطلاع: الحكومات تتحمل المسؤولية
أظهر استطلاع للرأي أجرته جريدة عنب بلدي أن السوريين يضعون المسؤولية على الحكومات في تردي الأوضاع في مخيمات السوريين المنتشرة في الأراضي السورية والبلدان المجاورة.
وفي سؤال عبر موقع عنب بلدي الإلكتروني أجاب نحو 75 مشاركًا عمن يتحمل مسؤولية تردي أوضاع النازحين في المخيمات، وحمّل 73% من المشاركين الحكومات المسؤولية في حين حمّل 18% من المشاركين إدارات المخيمات المسؤولية، بينما حمّل 10% من المشاركين منظمات المجتمع المدني.
وفي تعليقات المستخدمين على صفحة عنب بلدي في “فيس بوك”، قالت سمر البردان إن المسؤولية مشتركة، كل طرف مسؤول من مكانه، فإدارة المخيمات لديها خبرة من السنوات السابقة، مشيرةً إلى أنه يجب أن تكون مستعدة ومتنبئة بالموضوع قبل حدوثه.
وأضافت البردان أن الحكومات هي من تأخذ الدعم الدولي لدعم المخيمات فهي أيضًا مسؤولة عن توزيعه وزيادته في الشتاء والبدء بالتصرف قبل حلول العواصف، بينما تتحمل منظمات المجتمع المدني مسؤولية التنبيه الدائم والتذكير.
وحمّل إبراهيم منصور المسؤولية لـ “الثورة”، التي “هجرتهم من بيوتهم ونصبت لهم الخيام على حدود تركيا ولبنان”، بحسب تعبيره، في الوقت الذي قال فيه المستخدم أبو غياث عبد العزيز إن مؤسسات المعارضة هي من تتحمل المسؤولية.
جهود “تطوعية” وتبرعات متأخرة
أما فيما يتعلق باستجابة المنظمات الإغاثية المحلية، فيرى الناشط الإغاثي السوري في لبنان محمد حسن، أن عدم توقيع الحكومة اللبنانية على اتفاقية “جنيف” الخاصة بحماية اللاجئين عرقل مهام منظمة الأمم المتحدة والهيئات الإغاثية التابعة لها، والتي تركز برامجها عادة في المخيمات الرسمية المعترف بها.
ومع ذلك، تلزم الأعراف الدولية الحكومة اللبنانية بتقديم المساعدات وتأمين الحماية والعيش الكريم للاجئين الفارين إلى أراضيها والذين يواجهون أخطارًا تهدد حياتهم.
وبحسب حسن فإن الاستجابة للعاصفة الأخيرة كانت بجهود فردية وليست مؤسساتية، مشيرًا إلى تدخل “إنساني” من قبل فرق عمل لبنانية وسورية تطوعية، بالإضافة إلى تدخل بعض البلديات اللبنانية، فضلًا عن تبرعات قدمتها دول خارجية.
وأضاف حسن في حديث إلى عنب بلدي أن الأمم المتحدة “فشلت” في إلزام الحكومة اللبنانية والضغط عليها لحماية السوريين الفارين من الحرب وتوفير مأوى “كريم” لهم، أو على الأقل تأهيل مخيماتهم التي تغمرها الثلوج في كل عام، ما جعلهم عالقين بين حكومة “لا ترحب بهم” وبين منظمات لا تملك حرية التصرف.
وتحدث الناشط السوري عن فساد انتشر بين المنظمات الإغاثية المحلية في لبنان، خاصة فيما يتعلق بتوزيع مواد البناء البسيطة المخصصة لحماية الخيام، بقوله “هناك حالات فساد معقدة من الصعب رصدها وتوثيقها ومحاسبة المسؤولين عنها”.
فيما اعتبر الحقوقي اللبناني ناصر ياسين أن المنظومة الإغاثية المتوفرة في لبنان لم تستطع التعاطي مع الأزمة بسبب الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين الموجودين في المخيمات العشوائية، والذين يقدر عددهم بـ 200 ألف، في ظل غياب البرامج الإغاثية المنظمة وتذبذب الدعم المقدم لهم.
ما دور اللاجئين في أزمات كهذه؟
بالحديث عن شروط أممية دولية لإقامة أي مخيم، نجد أن معظم تلك الشروط، وربما جميعها، لا تتوفر في مخيمات السوريين على الحدود اللبنانية- السورية، والتي بناها السوريون أنفسهم رغم اعتراض الحكومة اللبنانية التي اعتبرت وجود تلك المخيمات واقعًا فُرض على بلد يشكل اللاجئون ربع سكانه.
هنا تدور التساؤلات حول السبب الذي يمنع اللاجئين أنفسهم من تغيير مكان خيامهم رغم أنهم على دراية تامة بأنها عرضة للغرق بالأمطار والسيول والثلوج، والتأثر بأي عاصفة تهب في مناطقهم.
يعتبر الحقوقي اللبناني ناصر ياسين أن اللاجئين السوريين في المخيمات هم “الحلقة الأضعف” في كل ما يدور من أزمات حولهم، مشيرًا إلى أنهم في حالة عجز على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، إذ لم يلقوا قبولًا من المجتمعات المستضيفة، كما أنهم ينتمون في الغالب لطبقة ترزح تحت خط الفقر.
وأوضح ياسين لعنب بلدي أن اللاجئين لا يملكون حرية التنقل على الأراضي اللبنانية واختيار مكان بناء مخيماتهم، إذ تدعي الحكومة اللبنانية أنها تقيّد حركتهم “لدواعٍ أمنية”.
وأضاف، “هنا يظهر دور منظمات المجتمع المدني وهيئات الإغاثة والبلديات، والتي يجب أن تستخدم التقنيات الحديثة والعلم لمعرفة البيئة المناسبة لإقامة المخيمات، حتى وإن كانت عشوائية”.
وأردف، “الجهات الخارجية المانحة تتحدث في المؤتمرات والمحافل الدولية أنها تخصص تقنيات حديثة لخدمة اللاجئين في المخيمات”، متسائلًا “لماذا لم تستخدم هذه التقنيات في خدمة اللاجئين الذي يواجهون أزمات البرد والحر”.
وكذلك رفض الناشط الإغاثي، المطّلع على شؤون اللاجئين في لبنان، محمد حسن، تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية بناء مخيماتهم على أراض غير صالحة للسكن ولا يوجد فيها تصريف للمياه، مشيرًا إلى أن الحكومة اللبنانية كانت ولا تزال تمنعهم من الانتقال إلى مخيمات صالحة للسكن خوفًا من أن يسهم ذلك في توطينهم على أراضيها لسنوات أخرى.
كيف كان من الممكن تلافي الأزمة؟
في وقت تتصاعد فيه المطالبات الشعبية والإعلامية والإغاثية باتخاذ التدابير اللازمة لتلافي أزمات متوقعة في مخيمات اللجوء، يرى الكثيرون أنه في ظل الظروف السابقة لا يمكن تجاوز تلك الأزمات دون تغيير جذري يفضي إلى انتهاء حياة اللجوء من أصلها.
وتعليقًا على ذلك اعتبر الحقوقي اللبناني، ناصر ياسين، أن التعامل مع أزمة اللاجئين في أي مكان حول العالم يتم ضمن ثلاثة خيارات: الأول عبر استيعاب اللاجئين في المدن والبلدات والاستجابة الحكومية لأزماتهم، والثاني إعادة توطينهم في بلد آخر قادر على استيعابهم، والثالث إعادتهم إلى بلدانهم بعد توفر الأمان فيها.
وهنا نجد أن تلك الخيارات غير متوفرة في التعاطي مع ملف اللجوء السوري، إذ إن الحكومة اللبنانية غير قادرة على استيعابهم نظرًا للظرف الداخلي وضعف اقتصادها، كما أن برامج إعادة التوطين الأممية بطيئة جدًا وتتم على فترات متباعدة، بالإضافة إلى أن الظروف الأمنية والمعيشية في سوريا غير مناسبة بعد، بحسب تقارير حقوقية عدة.
وأضاف ناصر ياسين “في هذه الحالة يُترك عدد كبير من اللاجئين السوريين في ظروف حياتية استثنائية لكنها طويلة للأسف”، معتبرًا أنه من الصعب تلافي أزمات الشتاء في مخيمات اللجوء بشكل كامل، بل يمكن التخفيف من تأثيرها عبر تجهيز منظومة إغاثية كاملة بشكل جيد وقبل فترة طويلة من وقوع الكوارث، الأمر الذي لم يكن مهيئًا خلال العاصفة الأخيرة.
شروط أممية لبناء المخيمات حول العالم
ترفض أعراف وقوانين الأمم المتحدة فكرة بناء المخيمات العشوائية للفارين من النزاعات والكوارث في أي مكان حول العالم، مشترطة جملة من الضوابط تحكم عملية بناء أي مخيم وتضمن للاجئين “حياة لائقة” كحد أدنى.
وفي إطار ذلك، وضع ميثاق المفوضية الأممية شروطًا لتشييد المخيمات وفق أسس سليمة وصحية، باعتبارها جزءًا من الاستجابة الطارئة لحين انتهاء الأزمات وعودة اللاجئين إلى ديارهم، ومن بين هذه الشروط كما وردت في ميثاق المفوضية:
· التشاور مع الجهات المختصة بشبكات المياه والصرف الصحي وخبراء بيئيين لمعرفة مدى ملاءمة إقامة تجمع بشري على أرض معينة.
· بناء المخيم على أرض ذات طبيعة شبه رملية بحيث تمتص هطول الأمطار والفضلات التي يتم طرحها من المراحيض.
· تقع مسؤولية إدارة المخيم على حكومات الدول المضيفة، وفي حال افتقارها للموارد الكافية يتم الاستعانة بمنظمات الأمم المتحدة والهيئات الإغاثية التابعة لها.
· عدم بناء المخيم في منطقة شديدة القرب من أماكن النزاعات التي فروا منها لضمان أمنهم.
· توفير مساحات كافية للأفراد داخل المخيم، بمعدل 45 مترًا مربعًا للفرد الواحد وسطيًا، وتخصيص أماكن للمرافق التعليمية والخدمية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :