مراد عبد الجليل | رهام الأسعد | ضياء عودة | أسامة أبو زيد
على يد ثلاثة ملثمين، قُتل الناشطان الإعلاميان رائد فارس وحمود جنيد وسط مدينتهما كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، في 23 من تشرين الثاني 2018، ليكونا ضمن إحصائية الضحايا المدنيين الذين يقتلون في إدلب بشكل شبه يومي ليس بصواريخ النظام السوري وطائراته بل على يد “مجهولين” لم تتبين تبعيتهم، سواء لفصائل عسكرية مسيطرة في إدلب، أو لخلايا تسعى لزعزعة أمن المحافظة لغايات محددة.
صدمة كبيرة شهدتها إدلب باغتيال الناشطين، كونهما من رموز الحراك السلمي والثورة السورية، وكان لهما دور كبير في استمرار المظاهرات ضد النظام السوري، لكن رائد وحمود لم يكونا الشخصين الوحيدين اللذين طالتهم الجرائم على يد “مجهولين”، بل سبقهم مقتل عشرات المدنيين والعسكريين في مناطق مختلفة بإدلب، وحتى تاريخ اليوم لم تتكشف الجهة التي تقف وراء ذلك، كون الأشخاص القائمين عليها لم يتركوا أي أثر لهم بارتداء اللثام.
قتلة دون ملامح..
إدلب تحت رحمة الملثمين
لم يكن اللثام جديدًا على محافظة إدلب، بل انتشر منذ انتزاعها من النظام السوري على يد فصائل المعارضة، إذ كان يرتديه المقاتلون، وأصبح جزءًا أساسيًا إلى جانب السلاح والجعبة، لكن الأمر الذي تغير هو طريقة استخدامه، ففي بادئ الأمر ارتبط بـ “التمويه” وخص العمليات العسكرية فقط، أما اليوم فتحول إلى وسيلة للتخفي في أثناء تنفيذ الجرائم، سواء القتل أو السرقة دون كشف الهوية.
منذ مطلع العام الحالي لم تنقطع أخبار الجرائم في إدلب، ولم تقتصر على منطقة دون غيرها، وطالت المدنيين والمقاتلين، وتم التركيز على ميسوري الحال وأصحاب التجارة، حتى ساد في الجو العام للمحافظة توتر أمني واسع، ألقى بظلاله على حياة الأهالي، الذين بات قسم منهم يتخوفون من النزول إلى الشوارع في بعض الأحيان أو الخروج ليلًا من منطقة إلى أخرى.
ومع ازدياد حوادث القتل في إدلب على يد “الملثمين”، لم تكن المبادرات التي أطلقت كافية للحد من الأمر، خاصةً مع وجود عدد كبير من المقاتلين، الذين من المفترض أن يكون لهم الدور الأكبر في ضبط الوضع الأمني، الأمر الذي ساعد في استمرارها حتى اليوم دون أي رادع.
وربما ساعدت الفوضى الإدارية في إدلب بانتشار الجرائم على يد الملثمين، والذين اعتمدوا بعملياتهم أيضًا على سيارات دون لوحات تظهر رقمها، إذ إنه ورغم معرفة لون السيارة ونوعها، يصعب تحديدها من بين السيارات والآليات المنتشرة في عموم المحافظة.
وكانت “حكومة الإنقاذ” المتهمة بتعيتها لـ “هيئة تحرير الشام”، أعلنت مؤخرًا العمل على “تلويح السيارات” (تزويد السيارات بلوحات تحمل أرقامًا)، لكن الخطوة جاءت بصورة متأخرة ودون خطة تنظيمية من شأنها أن تطبق على كل الآليات في إدلب، سواء العائدة للمدنيين أو العسكريين.
عبيدة أبو البراء، مدير “مركز إدلب الإعلامي”، يقول لعنب بلدي إن الجرائم في إدلب على يد المجهولين (الملثمين) بدأت منذ مطلع عام 2018، وازدادت منذ شهر أيار الماضي حتى اليوم، مضيفًا أن نسبة الجرائم قبل عام 2018 كانت ضئيلة جدًا، ومن النادر أن تحدث جريمة تطال المدنيين أو غيرهم في فترة محددة بثلاثة أشهر.
وبحسب الناشط، تتركز حوادث القتل في المحافظة على يد أشخاص يضعون اللثام وسجلت جميعها، في الأشهر الماضية، ضد “مجهولين”، رغم إعلان “هيئة تحرير الشام” بين الفترة والأخرى القبض على خلايا أو مجموعات تقف وراء عمليات القتل.
ويوضح الناشط أن المناطق التي تنتشر فيها الجرائم هي الخاضعة لسيطرة “تحرير الشام” والفصائل “المتشددة”، والخارجة عن سيطرة فصائل “الجيش الحر” والتي تديرها “الشرطة الحرة”.
ويعود تركز الجرائم في مناطق “الجماعات المتشددة” إلى أن اللثام في المناطق التي تسيطر عليها مسموح بارتدائه، ومن المستحيل أن يطلب المدنيون من المقاتلين الملثمين خلعه، كون الأمر يعرضهم لعدة مشاكل بينها الاعتقال.
ويقول الناشط إن المناطق التي تديرها “الشرطة الحرة” في المحافظة “تبلغ نسبة الجرائم فيها 1%” كون اللثام يمنع ارتداؤه بشكل كامل، مشيرًا إلى أنه زار مناطق تخضع لسيطرة “هيئة تحرير الشام” والجماعات “المتشددة”، بينها “الحزب التركستاني” ومناطق تخضع لـ “الجيش الحر” و”الشرطة الحرة” ولاحظ الفروقات الكبيرة بينها من جانب انتشار الأشخاص الملثمين.
ويضيف أن مناطق كأريحا، الواقعة تحت سيطرة “حركة أحرار الشام”، ومعرة النعمان وبعض مناطق الريف الشرقي لإدلب التي تديرها “الشرطة الحرة” أمنيًا، تقل فيها نسبة الجرائم بسبب منع اللثام.
من يقف وراء انتشار اللثام؟
طرح انتشار ظاهرة اللثام تساؤلات بشأن المسؤول عن ارتدائه في مناطق المعارضة، ومن يقف وراء الملثمين.
تواصلت عنب بلدي مع مجموعة من المصادر العسكرية والمدنية في المنطقة في محاولة للحصول على إجابات حول سبب انتشار اللثام، وألقوا بدورهم بالمسؤولية على أكثر من جهة.
“تنظيمات جهادية” متهمة بترويج اللثام
بحسب القيادي في “الجيش الحر” ورئيس المكتب السياسي لـ “لواء المعتصم”، مصطفى سيجري، فإن المسؤولية في المرتبة الأولى تقع، وفق تعبيره، على عاتق “التنظيمات الجهادية” (تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة المنضوية في هيئة تحرير الشام).
واعتبر سيجري في حديث إلى عنب بلدي أن “الجيش الحر”، “لم ينتهج لبس اللثام منذ بدايات تشكيله، كذلك معظم رموز الثورة، سواء كانوا في الحراك الثوري السلمي أو العسكري، هم أشخاص كشفوا عن وجوههم وأسمائهم الصريحة والحقيقية وهذا أدى إلى دعم مصداقيتهم أمام الشعب السوري”.
لكن انتشار الظاهرة في مناطق المعارضة بدأ عند دخول “التنظيمات الجهادية”، بحسب سيجري، معتبرًا أن “سبب ارتداء عناصر هذه التنظيمات للثام لا يأتي من باب الجانب الأمني، كما يقولون، كونها حجة غير مقنعة أو حقيقية، وإنما تنم عن أهداف أخرى مخفية ظهرت فيما بعد من خلال السلوك الإجرامي الذي مارسته بحق القوى الثورية من سلب وخطف وقتل وقطع طرقات بحق فصائل الجيش الحر”.
وأضاف، “الذي يتابع سلوك هذه التنظيمات يلاحظ اعتمادها على إخفاء شخصياتها الحقيقية، لأنها ارتكبت فيما بعد جرائم بحق القوى الثورية في المنطقة، وبالتالي اللثام كان بمثابة الحصن للمجرم”، مشيرًا إلى أن معظم الجلسات الشرعية التي كانت تحصل سابقًا من أجل بحث قضية جرم ما، كان يتم التوصل فيها إلى طريق مسدود، وتسجل القضية ضد مجهول لأن الشخصيات التي قامت بالجرم غير معروفة، وبالتالي يسهل على التنظيمات التنصل من القضية.
مسؤول الاتصال الخارجي في مكتب العلاقات الإعلامية في “تحرير الشام”، خالد وضاح، رد على الاتهامات الموجهة للفصيل وتبني مقاتليه للثام، بالقول “اللثام ضرورة لا بد منها في أوقات وظروف معينة”.
ورغم أنه يرفض أن تكون هي الطابع العام المنتشر بين “الثوار والمجاهدين”، بحسب تعبيره، يعتبر وضاح أن هناك أعمالًا تتطلب اللثام، ضاربًا أمثلة بمن يعمل في مجالات حساسة تعرض حياته للخطر، مثل ملاحقة خلايا “الدواعش” والنظام، وكذلك ملاحقة اللصوص والمفسدين.
واعتبر وضاح أن كشف هوية من يعمل في ضبط هؤلاء المجرمين قد يعرض حياته وأهله وخاصته للخطر، ليخلص إلى أن “اللثام ضرورة تقدر بقدرها حسب الحاجة والحالة، والأصل ألا يستخدم في المناطق المحررة وفي الأسواق والشوارع العامة”.
مسؤولية الفصائل وغياب التنسيق
وإلى جانب “التنظيمات الجهادية”، يلقي قيادي في “الجيش الحر” في ريف حماة الشمالي بالمسؤولية عن انتشار الظاهرة على بعض فصائل المعارضة عبر ارتداء عناصرها للثام، وقال القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن الأمر “أعطى شرعية لبعض المجموعات التخريبية والإجرامية للقيام بعمليات غادرة ضد أهداف ثورية تعتبر من الرموز”، معتبرًا أنه بالرغم من شجب بعض الفصائل لظاهرة اللثام ومحاولتها الحد منه، إلا أن ذلك لم يتم بسبب عدم وجود رادع أو إلزام مرتدي اللثام خلعه.
في حين اعتبر الناشط الإعلامي في ريف حماة، أبو عمر، أن الفصائل “لم تشرّع ارتداء اللثام لأن هدف مرتديه هو تدمير وتخريب مبادئ الثورة، لكن رغم ذلك كانت أجهزة الفصائل الأمنية غائبة، ولم تقضِ على المجموعات الملثمة، كما لم تعمل على مساعدة المدنيين في التخلص منهم، بسبب ضعف أجهزتها الأمنية وقلة خبرتها على الساحة وضبط الأمن”.
وتابع الناشط في لقاء مع لعنب بلدي، “الملثمون لم يهاجموا مقرات الفصائل، وإنما اعتدوا على مدنيين وتجار وناشطين وأصحاب رؤوس الأموال في المنطقة”، ملمحًا إلى صلة الفصائل ببعض الملثمين.
وإلى جانب ذلك ساعد غياب التنسيق الأمني بين الفصائل في المنطقة، التي يسيطر عليها أكثر من فصيل، في انتشار ظاهرة اللثام، بحسب الناشط الإعلامي، محمد رشيد، الذي قسم مناطق النفوذ إلى قسمين، الأول هو المناطق الخاضعة لسيطرة جهة عسكرية واحدة، كما في مناطق قلعة المضيق وسهل الغاب في ريف حماة إضافة إلى ريف حلب الغربي، والتي خفت فيها حوادث الاغتيال والخطف والسرقة من قبل ملثمين، بسبب سيطرة جهة واحدة وهي “الجبهة الوطنية للتحرير” ومحاربة كتائبها الأمنية للظاهرة.
أما القسم الثاني فيشمل المناطق التي يوجد فيها أكثر من فصيل (مناطق متداخلة)، إذ تشهد حالة من غياب التنسيق بين الكتائب الأمنية التابعة لهذه الفصائل، وبالتالي صعوبة التعرف على الأشخاص الملثمين وتبعيتهم.
وقال رشيد في حديث إلى عنب بلدي، إن “التنسيق العالي بين الكتائب الأمنية للفصائل في أي منطقة، يحد من حالات الاغتيال حتى لو كان عناصر هذه الفصائل يرتدون اللثام، لأن ذلك يمنع تحرك الملثمين تحت اسم أي كتيبة أو فصيل ما، بسبب معرفة عناصر الكتائب الأمنية بعضهم نتيجة التنسيق”.
ورجّح رشيد “وقوف خلايا تابعة للنظام السوري وراء حالات الاغتيال في المنطقة، من أجل خلق بلبلة”، معتبرًا أن إغلاق المعابر بين مناطق النظام والمعارضة أدى إلى تراجع حالات الاغتيال بسبب غياب التنسيق الأمني بين الخلايا والنظام.
خلع اللثام.. خطوة أولى للحد من الظاهرة
بالرغم من الدعوات المتكررة لناشطين ومدنيين، والحملات الشعبية لمحاربة ظاهرة اللثام، لم تلق تلك الدعوات استجابة، ما طرح تساؤلات حول كيفية محاربة الظاهرة.
ويرى القيادي في “الجيش الحر” ورئيس المكتب السياسي لـ “لواء المعتصم”، مصطفى سيجري، أن الحل يكمن في تجريم مرتدي اللثام، كونه لا يمكن محاربة الظاهرة إن لم تكن هناك حملات تجريم حقيقية ومساءلة ومحاسبة، وهذا الأمر يكون صادرًا عن القوى العسكرية المسيطرة على المنطقة.سيجري أكد لعنب بلدي أن الملثمين يتجولون في كل المناطق بإدلب، وحتى البلدات الخاضعة لسيطرة “الجبهة الوطنية للتحرير” كاملة، داعيًا إلى تجريم كل شخص يرتدي اللثام في مناطق الجبهة وتعميم الأمر في كل مناطق المحافظة على جميع المناطق.
جريدة عنب بلدي أجرت استطلاعًا للرأي عبر صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، حول مدى فاعلية قرارات تجريم ارتداء اللثام في الحد من الجرائم والسرقات المرتكبة في إدلب.
وجاءت صيغة السؤال على الشكل التالي: “برأيك، هل يسهم منع اللثام في إدلب بالحد من الجرائم والسرقات؟”.٪76 من المشاركين بالاستطلاع، وعددهم 612، رأوا أن منع ارتداء اللثام يسهم بشكل كبير في الحد من الجرائم والاغتيالات والانتهاكات، واستشهد أحد المشاركين، واسمه خالد كريّم، بتجربة الغوطة الشرقية، مشيرًا إلى أنه حين تم منع اللثام في الغوطة تقلص عدد الجرائم المسجلة ضد مجهولين ملثمين.
في حين رأى 24٪ من المستطلع رأيهم أن منع اللثام لن يكون مجديًا في محاربة الجرائم المرتكبة، واعتبر المستخدم آلان محدو أن “المجرم مجرم، مع أو دون لثام”.
وفي وقت يجري الحديث فيه عن مدى الحاجة الأمنية للثام، قال حساب “علاء علاء” تعليقًا على الاستطلاع، إن اللثام حاجة ضرورية للمقاتلين وعناصر الفصائل، لحمايتهم من عملاء النظام و”الضفادع”، على حد تعبيره.أما الناشط الإعلامي، محمد رشيد، فقال لعنب بلدي إن التنسيق الأمني بين الكتائب الأمنية الموجودة في أي منطقة هو الأهم في مواجهة حالة الفلتان الأمني، معتبرًا أن غياب التنسيق سيبقي حالات الاغتيال والخطف والقتل.
من جهته اعتبر الناشط أبو عمر أن “الحل الوحيد لمحاربة الظاهرة هو تكاتف المدنيين في مناطقهم وإنشاء أجهزة أمنية خاصة ورجال أمن يشرفون على المنطقة”.
حملات لم تجدِ نفعًا
في ظل غياب جهات فاعلة تستطيع الحد من ظاهرة وضع اللثام، سواء بالنسبة لعناصر الفصائل أو المدنيين، ظهرت حملات ودعوات مدنية “خجولة”، حاولت مقاومة ظاهرة أرعبت المدنيين، لكنها لم تكن كافية لطمأنتهم.
إذ أطلق ناشطون حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في 24 من تشرين الثاني الماضي، ضد انتشار الملثمين في محافظة إدلب، مستخدمين وسمي “انزعوا اللثام” و”لا للثام”.
وطالب المشاركون في الحملة السلطات المعنية بمنع “اللثام” وتجريم من يرتديه، تحت طائلة العقوبات، وأطلقوا شعار “الملثم، شخص أضمر شرًا فأراد أن يخفيه”، وذلك بعد اغتيال الناشطين رائد وحمود.
لكن حملات أخرى انتشرت قبل عملية الاغتيال حذرت من خطورة انتشار اللثام، ومنها الحملة التي أطلقها “تجمع دعاة الشام”، الذي ينشط في مناطق المعارضة السورية، العام الماضي، تحت شعارات عدة، من بينها “أيها الملثم.. الإرهاب على جبهات النظام وليس بين الأهالي في الأسواق والمنتزهات”، و”لثامكم يخيف أطفالنا”، و”الملثم شخص أضمر شرًا فأراد أن يخفيه”.
أما على صعيد رسمي، فسعت المجالس المحلية في مدن وبلدات إدلب إلى إصدار قرارات لم تتعد كونها تحذيرات دون عقوبات.
إذ أصدر “المجلس العسكري في بلدة جرجناز” بيانًا، في نيسان الماضي، منع بموجبه ارتداء اللثام في البلدة، وجاء في البيان، “أي شخص يقوم بارتدائه سيتم التعامل معه مباشرة دون التأكد من هويته من قبل الدوريات المتحركة، كائنًا من كان، عسكري أو مدني”، مطالبًا الأهالي بإبلاغ مخفر الشرطة الحرة في حال الاشتباه بأي شخص مباشرة.
وكذلك أصدر المجلس العسكري في بلدة كفرومة قرارًا بمنع ارتداء اللثام، في نيسان الماضي، واتخذ مجلس الشورى في مدينة خان شيخون قرارًا مماثلًا في نفس الفترة.
لكن مراسل عنب بلدي في ريف إدلب أفاد أن تلك الحملات لم تلقَ استجابة من قبل الفصائل.
شخصيات سورية قضت على يد ملثمين
شهدت مدينة إدلب خلال العامين الماضيين حوادث اغتيال لأسماء بارزة في الحراك الثوري السلمي والعسكري من قبل ملثمين مجهولين، إضافة إلى العديد من حالات الخطف والسرقة والقتل، وتحاول عنب بلدي رصد أهم الحالات التي يقف وراءها ملثمون، وما زالت الجهات التي نفذتها مجهولة.
آخر العمليات كانت في 23 من الشهر الماضي، عندما تم اغتيال الناشطين البارزين رائد الفارس وحمود جنيد، بإطلاق النار عليهما من قبل ملثمين كانوا يستقلون سيارة “فان” وسط مدينة كفرنبل بريف إدلب.
ويعتبر الناشطان من أبرز وجوه العمل السلمي في محافظة إدلب، وأثار اغتيالهما ردود فعل واسعة من قبل صحفيين وناشطين سوريين ودوليين.
في 22 من تشرين الثاني الماضي، قتل القيادي السابق في جيش المجاهدين والقاضي العسكري في الفصيل، عثمان دعبول، بعد إطلاق النار من قبل ملثمين يستقلون داجة نارية على القيادي في أثناء وجوده أمام منزله في قرية باتبو غربي حلب.
وفي 12 من تموز الماضي، اغتال مسلحون مجهولون كانوا يستقلون دراجة نارية، المسؤول الأمني في قلعة المضيق، أحمد الظافر، بإطلاق أعيرة نارية عليه على طريق حزانو- معرة مصرين بريف ادلب، وتبنى لاحقًا تنظيم الدولة الإسلامية عملية الاغتيال.
وفي الرابع من أيلول 2017، اغتال ملثمون مجهولون، يقودون دراجة نارية، رئيس مخفر مدينة سلقين السابق أحمد منير وتي، أمام منزله في مدينة سلقين بريف إدلب.
الاغتيال طال عناصر الدفاع المدني في 26 من أيار الماضي، عندما داهم ملثمون مركز الحاضر في تل حدايا بريف جلب الجنوبي، وأطلقوا النار على الزمرة المناوبة في المركز، ما أدى إلى مقتل خمسة متطوعين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح، وسرقة العتاد والآليات الموجودة في المركز.
حادثة الاغتيال أعادت الذاكرة إلى آب 2017، عندما اغتال مجهولون ملثمون سبعة عناصر من متطوعي الدفاع المدني، بعد مداهمة مركزهم في مدينة سرمين بريف إدلب، وسرقة جميع محتوياته.
ولاقت الحادثتان استياء المواطنين في المنطقة كون عناصر الدفاع المدني يتمتعون بمكانة جيدة لدة الأهالي بسبب عملهم الذي يقوم على إنقاذ المدنيين وإسعاف الجرحى وإطفاء الحرائق، والمساعدة في نقل الجرحى من وإلى المشافي الميدانية، ودعم العاملين في شبكات المياه والكهرباء.
كما خطف ملثمون مجهولون الطبيب محمود مطلق في مدينة إدلب، في حزيران الماضي، قبل نشر صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تعرض الطبيب إلى التعذيب، قبل الإفراج عنه مقابل 50 ألف دولار (23 مليون ليرة سورية).
وطالت حالات الاغتيال أصحاب الأموال، إذ تعرض الصائغ أيمن قوصرة وأبنائه الثلاثة لعملية اغتيال، في تشرين الأول 2017، بعد اعتراضهم من قبل ملثمين يقودون سيارة “كيا ريو” في منطقة جامع شعيب، وطلب الهويات الشخصية وتوجيه تهمة الانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية” إليهم، وتصفيتهم عن طريق مسدسات مزودة بكواتم صوت، وسرقة خمسة كيلوغرامات من الذهب.
متى ظهر اللثام في سوريا
شاع ارتداء اللثام خلال المظاهرات الأولى في للثورة السورية، التي قابلها النظام بالملاحقات الأمنية والاعتقالات. حينها كان عناصر الاستخبارات يصورون المشاركين في الاحتجاجات، ثم يتعرفون عليهم ويتعقبونهم أو يحتجزونهم على الحواجز، ما اضطر ناشطين إلى تغطية وجوههم من أجل إخفاء هوياتهم في أثناء التظاهر، كواحدة من وسائل الحماية.
ومع تسلح الثورة السورية، تشكلت كتائب وفصائل عسكرية مختلفة، رافق نشأتها وضع بعض من عناصرها اللثام، وعلل أبو راتب الأنصاري أحد مقاتلي “حركة أحرار الشام” خلال حديثه لعنب بلدي، السبب في استخدامه بـ “الخوف على ذوي المقاتل أو أقارب له قد يطالهم الأذى لكونه مقاتلًا معارضًا”.
ويرى أبو راتب أن “اللثام في بداية الصراع كان ضرورة أمنية ملحة”، موضحًا أن العمليات المحدودة كانت تتم في كنف النظام السوري، وأن إخفاء هوية المقاتلين لا بد منها كي لا تطالهم مخابرات النظام السوري.
وأردف أبو راتب، “مع تتالي تحرير المناطق السورية لم يعد اللثام حاجة ضرورية أو شرط أمان إلزاميًا لدى الكتائب، وإنما أصبح الأمر شخصيًا بحسب ظروف المقاتل، إن كانت هويته تشكل خطرًا مباشرًا على أهله أو لا”.
ومع جذب الحرب في سوريا الجماعات الجهادية وفي طليعتها تنظيم القاعدة، عبر جناحه الذي شكل في سوريا تحت اسم “جبهة النصرة” وتلاها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وغيرهما، ونتيجة لاحتكاك تلك الجماعات في البيئة المحلية، انتشر اللثام كجزء من هوية المقاتلين، الذين يبررون استخدامه بضرورة إخفاء الهوية عن أجهزة المخابرات الدولية التي تصنفهم كجماعات “إرهابية”.
مقاتل سابق لدى “جبهة النصرة” في حمص (طلب عدم ذكر أسمه) قال لعنب بلدي، “مع دخول الجبهة خط المعارك بحمص والتأثر بالإنجازات والقوة العسكرية والتنظيمية التي كنا نراها من خلال أعمالهم في شمال سوريا وغيرها، بدأت أتقلد بلباسهم وعباراتهم، رغم عدم تبعيتي العسكرية لهم حينها”.
وأكد، “لم يكن هناك حاجة لإخفاء وجهه أو تقمص هيئته، إنما كان ذلك نتيجة التأثر القديم الجديد في نفوسنا عن الجهاد والمجاهد”
ونتيجة لتلك الاختلافات الأيديولوجية والفكرية والثقافية لدى الجماعات “المتشددة” عن غيرها في الثورة السورية بات وضع المقاتلين للثام إشارة إلى انتماء المقاتل وفصيله.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :