رائد الفارس.. ثائر كفرنبل يخط آخر لوحاته بالدم
عنب بلدي – خاص
لم يتوقف الناشط السلمي رائد الفارس عن الخروج بالمظاهرات المناهضة للنظام السوري على مدار سبع سنوات، خط فيها اللافتات، ونظم الحراك السلمي الذي أصبح وسمًا تعرف به مدينته كفرنبل بريف إدلب.
ورغم التهديدات التي تعرض لها أصر على البقاء في سوريا، مناديًا بإسقاط النظام، ورافضًا سلطة الجماعات “المتشددة”.
اغتيل رائد الفارس مع صديقه الناشط حمود جنيد على يد ملثمين في وسط كفرنبل، يوم الجمعة 23 من تشرين الثاني الحالي، وغدا خبر “استشهاده” يومًا أسود في إدلب، فارتباطه بالثورة السورية وأثره طوال سنوات نشاطه السلمي يكاد يعطي شعورًا بانتهاء الثورة مع خبر الاغتيال، خاصةً مع توجه الأنظار إلى محافظة إدلب ومحاولات تصويرها بأنها بقعة سوداء بعيدًا عن أي حراك سلمي مدني.
رائد من مواليد عام 1972، عرف بـ “مهندس اللافتات الشهيرة” في كفرنبل، وهو من الناشطين البارزين الذين التزموا بالخروج في المظاهرات ضد النظام السوري منذ اليوم الأول للثورة حتى اليوم.
كان رائد الفارس مديرًا لراديو “فريش” المحلي، الذي ينتقد الجماعات المتشددة ومن بينها “هيئة تحرير الشام”، والمسؤول الإعلامي للافتات كفرنبل، وشغل أيضًا مدير “اتحاد المكاتب الثورية” (URB).
بينما يعمل حمود جنيد مصورًا وثق بكاميرته أحداث الثورة والقصف على مدار السنوات السابقة.
درس الفارس في كلية الطب البشري في مدينة حلب، دخلها في عام 1990 وتركها بعد ثلاثة أعوام لأسباب شخصية، وتنقل فيما بعد بين لبنان وسوريا شاغلًا عدة أعمال بينها التجارة وتسيير المعاملات.
برز اسم رائد في آذار 2011، ونشط حينها مع صديقه المحامي ياسر السليم، وعن الشرارة التي أطلقت لافتات كفرنبل، قال في مقابلة مع عنب بلدي في تموز 2012، إن شرارة الحراك الثوري وإبداع الكذب في قناة “الدنيا” (الموالية للنظام السوري) كانا سببين مباشرين لظهور فكرة اللافتات.
رفض ابن كفرنبل عدة عروض دولية للخروج من سوريا رغم تعرضه للتهديد بالاغتيال، وأصر على البقاء في إدلب، وكان قد تعرض في عام 2014 لمحاولة اغتيال على يد مجهولين أطلقوا عليه الرصاص، ودخل حينها إلى المشفى وأجرى عملية جراحية حساسة في الصدر.
وتزامنت محاولة الاغتيال آنذاك مع تهديدات من قبل “جبهة النصرة”، التي داهمت مقر “راديو فريش” الذي يعمل به مرات متكررة في السنوات الأولى للثورة السورية.
كما أقدمت “النصرة” (المنحلة في هيئة تحرير الشام) على اعتقال الفارس مرتين، إحداهما في عام 2014 مع المصور حمود جنيد على حاجز في معرة النعمان، والأخرى مع الناشط هادي العبد الله في عام 2016 من مقر الراديو في كفرنبل.
في حديث سابق إلى عنب بلدي، قال الفارس، “الضغط من النصرة ليس طبيعيًا، لذلك اضطررنا للتوقف”، مشيرًا إلى أن عمل الفتيات في راديو “فريش” وتشغيل “الموسيقا” هي من ذرائع “النصرة” لإغلاق الراديو.
تمكن الفارس إلى جانب العشرات من الناشطين في كفرنبل من جعلها من أهم المدن المهتمة بشؤون الثورة والمتميزة بحراكها المدني، والذي اختص بلوحات ولافتات تعبيرية اهتمت بها أشهر المعارض، لكونها تعبر عن حالة سلمية تهدف إلى التعبير عن آراء السوريين.
كان “متواضعًا” لازمت صوره المظاهرات في إدلب إلى جانب رفاقه الذين قتل بعضهم كالمصور خالد العيسى، واعتقل البعض الآخر وأبرزهم المحامي ياسر السليم الذي اعتقلته “تحرير الشام” من منزله في كفرنبل، في أيلول 2018.
ومنذ اعتقال السليم طالب الفارس بالإفراج عنه من سجون “الهيئة”، وفي مطلع تشرين الثاني 2018، كتب منشورًا عبر “فيس بوك” قال فيه، “استمروا في هذا الحقد واستمروا في تلك الفتن، لكن أحذركم من كفرنبل (…) هي الحليم والصبور ولكن حين تنفجر لبوة تدافع عن أبنائها وجذوة النار”.
وأضاف الفارس أن صديقه السليم اعتقل من منزله لأنه تحدث وعبر عن رأي فقط، وهو ليس مجرمًا ولا قاتلًا، واعتقل فقط لأنه تكلم.
في مقابلة له مع قناة “الغد العربي”، في 2014، في أمريكا، خرج الفارس بقميص جاء به من كفرنبل، قائلًا إنه يمثل شعب، وتحدث عن العمل الإعلامي في الشمال السوري، وأن “الإعلامي والناشط الصحفي أصبح هدفًا، ويحمل على أكتافه الثورة السورية”.
وأضاف الفارس أن الوصول إلى الإنجازات في الثورة يحتاج إلى “تضحيات”، مضيفًا، “الثورة هدمت مزرعة الأسد، وسيبقى وطن للسوريين يعيشون فيه”.
ردود فعل محلية وعالمية
أثار اغتيال الناشطين البارزين رائد الفارس وحمود جنيد ردود فعل واسعة محليًا وعالميًا.
وأصدر ممثل وزير الخارجية الأمريكي إلى سوريا، جيم جيفري، ومبعوث الولايات المتحدة الأمريكية الخاص إلى سوريا، جول رايبون، بيانًا نددا فيه باغتيال الناشطين.
الثورة هدمت مزرعة الأسد، وسيبقى وطن للسوريين يعيشون فيه |
واعتبر البيان أن الفارس وجنيد رمزان من رموز الثورة السورية ومن خيرة الشباب، وكانا من أوائل الثوار الذين سخّروا إبداعاتهم ومهاراتهم لخدمة شعبهم وأمتهم.
العالم سيبقى يتذكر لافتات الفارس الشهيرة في كفرنبل، وستبقى لقطات حمود شاهدًا إلى الأبد على الجرائم التي اقترفها نظام الأسد بحق الشعب السوري، بحسب البيان.
من جهته قال الممثل البريطاني الخاص لسوريا، مارتن لونغدن، عبر حساب وزارة الخارجية البريطانية في “توتير” إن الفارس كان ضمير الثورة ومقتله خسارة لسوريا.
كما عنونت صحيفة “واشنطن بوست” مقالًا لها بـ “أحد الناشطين الأكثر شهرة في سوريا اغتيل في معقل الثوار”.
وسلطت صحيفة “الغارديان” الضوء على اغتيال الناشطين، وعنونت مقالتها بـ “اغتيال الناشط السوري رائد الفارس في إدلب”.
ولاقى اغتيال الفارس وجنيد، وهما من أبرز وجوه العمل السلمي في محافظة إدلب، ردود فعل من قبل صحفيين وناشطين سوريين.
“الائتلاف السوري المعارض” أدان اغتيال الفارس وجنيد، وقال في بيان إن “هذه الجريمة استهدفت مكانًا عزيزًا في قلب الثورة السورية، خاصة في ظل ما تمثله مدينة كفرنبل في ضمائر السوريين، باعتبارها واحدة من رموز الثورة السورية عبر نشاطاتها المدنية والسلمية ولافتاتها التي عبرت عن تطلعات الشعب السوري على مدار سنوات”.
وحمّل الائتلاف الوطني المسؤولية عما حدث لما أسماه “تحالف الاستبداد والإرهاب”، لافتًا إلى أن الناشطين كانا قد تصديا له في السابق، وتعرض بسببه رائد للخطف ومحاولة اغتيال فاشلة.
وإلى جانب الائتلاف أدانت “هيئة التفاوض العليا” حادثة الاغتيال، وقالت في بيان لها إن “النظام الديكتاتوري دأب على استهداف الأحرار بمختلف الوسائل والطرق، وجاء معه من ينفذ أجندته بتطرفهم أو عمالتهم، وتآمرهم على ثورة الشعب السوري”.
ولم تعلق الفصائل العسكرية العاملة في إدلب على حادثة الاغتيال، رغم الصدى الكبير الذي أحدثته في الأيام الماضية، وخاصةً “هيئة تحرير الشام”، والتي تعتبر مدينة كفرنبل بريف إدلب ضمن نطاق نفوذها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :