أسباب تجعل “تل أبيض” الهدف الأول لتركيا شرق الفرات

مقاتلون من وحدات حماية الشعب (الكردية) في تل أبيض بريف الرقة (رويترز)

camera iconمقاتلون من وحدات حماية الشعب (الكردية) في تل أبيض بريف الرقة (رويترز)

tag icon ع ع ع

تتصدر مدينة تل أبيض في محافظة الرقة عناوين الصحف ووسائل الإعلام التركية، والتي أفردت لها تغطية واسعة، وعرضت تسجيلات مصورة “خاصة”، آخرها عبر قناة “TRT HABER” من طائرة دون طيار أظهرت تحصينات تقوم بها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من حفر أنفاق وإنشاء المتاريس، استعدادًا لأي تحرك محتمل في الأيام المقبلة.

وتعتبر تغطية الإعلام التركي “استراتيجية” اتبعتها أنقرة منذ بدء عملياتها العسكرية داخل سوريا، وأولها “درع الفرات”، إذ تسبق أي تحرك عسكري على المنطقة المراد السيطرة عليها، وتكون عاملًا مساعدًا من شأنه إرباك الطرف المقابل من جهة، واختبار الوضع السياسي من جهة أخرى.

لم يكن التركيز على تل أبيض مفاجئًا بل سبقه توتر عسكري على طول الحدود، على خلفية قصف الجيش التركي مدينة عين العرب، بعد التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالتجهيز للسيطرة على جميع المناطق على الحدود، على غرار عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.

وتعتبر مناطق شرق الفرات الهدف الأساسي لتركيا بعد السيطرة على عفرين، وهو أمر لا يمكن التشكيك فيه اعتمادًا على التصريحات الرسمية.

لكن النقطة التي تدور التساؤلات حولها هي المنطقة التي ستكون بادئة الأعمال العسكرية، والتي تشغلها حاليًا تل أبيض، على خلاف مدينة منبج التي ابتعد عنها أردوغان مؤخرًا بالقول إن بلاده “لا تريد الالتهاء بها، ويجب أن تنتقل إلى شرق الفرات”.

موقع استراتيجي

تقع مدينة تل أبيض على الحدود السورية- التركية، وتتبع لمحافظة الرقة والتي تبعد عنها قرابة 100 كيلومتر.

جاءت تسميتها نسبة لتل أثري، ويطلق عليها الكرد اسم “كري سبي”، وتخضع منذ حزيران عام 2015 لسيطرة “وحدات حماية الشعب” (عماد قسد العسكري)، ودخلتها بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” منها بعد دخوله في عام 2013.

تعد المدينة شقيقًا مكملًا لمدينة “أقشا قلعة” المقابلة لها في تركيا، وتعتبر المدينتان جزءًا واحدًا، وتجمع بينهما طبيعة جغرافية مشتركة، إضافةً إلى تركيبة سكانية متداخلة، تعتمد على امتداد العشيرة الواحدة بين المنطقتين.

يوجد فيها معبر تل أبيض الشهير، وتحظى بموقع استراتيجي على أحد منابع نهر البليخ (عين العروس).

وتتبع للمدينة عدة قرى وبلدات بينها سلوك وعين عيسى، وبحسب “إحصاء 2011” بلغ عدد سكان مركز مدينة تل أبيض 75 ألفًا و587 نسمة، ويشكل العرب الغالبية العظمى من سكان المدينة، بالإضافة إلى أعداد قليلة من الأرمن والتركمان والكرد.

عقب السيطرة عليها من قبل “الوحدات”، عام 2015، أعلنت “الإدارة الذاتية شمال سوريا” تل أبيض إقليمًا جديدًا لها.

وفي تصريحات لوكالة “رويترز”، حينها، قال المسؤول الإعلامي في الإدارة، دليل عثمان إنه تم الإعلان رسميًا عن الـ”كانتون” الجديد، ليكون الرابع بعد عفرين وعين العرب والحسكة.

وفي تقرير سابق لـ”قسد” قالت إنها افتتحت في المدينة مراكز لتلبية حاجة المواطنين في المدينة مثل “دار الشعب، مركز ثقافي، بلدية الشعب، قوى الأمن الداخلي، الإدارة الذاتية، مجمع التربوي، مراكز طبية”.

خريطة السيطرة شمال شرقي سوريا - 7 تشرين الثاني 2018 (Livemap)

خريطة السيطرة شمال شرقي سوريا – 7 تشرين الثاني 2018 (Livemap)

أسباب تجعلها الهدف الأول

لم يحسم أي تحرك عسكري باتجاه تل أبيض حتى اليوم، لكن هذه المعطيات وبعض التحركات من فصائل “الجيش الحر” المدعومة من تركيا شمالي حلب تعطي مؤشرًا قويًا للدفع العسكري نحوها.

وبحسب ما قالت مصادر من “الجيش الحر” لعنب بلدي، تسعى تركيا لمشاركة مقاتلي المنطقة الشرقية المنخرطين في “الجيش الوطني” في معركة تل أبيض، وذلك لتحقيق هدفين: الأول كونهم أبناء المنطقة التي سيدخلونها، والآخر كون المقاتلين على خبرة ودراية كبيرة بالمنطقة الشرقية وطبيعتها الجغرافية.

ومن بين الفصائل المرشحة لقيادة العمليات العسكرية فصيل “تجمع أحرار الشرقية” إلى جانب “الفرقة 20″، والتي تم الإعلان عن تشكيلها منذ شهرين بتبعية لفصيل “فيلق الشام”.

أسباب عدة تجعل من تل أبيض منطلقًا لمعركة مقبلة على الحدود شرق الفرات، بعيدًا عن المناطق الأخرى والتي أبرزها عين العرب (كوباني).

ويرى القيادي في “الجيش الحر”، مصطفى سيجري، في حديث لعنب بلدي، أن المدينة تتميز عن غيرها من المناطق بالطبيعة العشائرية التي تربطها مع مدينة تل أبيض التركية (أقشا قلعة).

ويقول لعنب بلدي إن تركيبة المدينة السكانية من المكون العربي والتركماني يجعلها سببًا رئيسيًا وبارزًا لتركيا للدفع باتجاهها.

على الأرض تحظى المدينة بأهمية كبيرة، إذ تشكل السيطرة عليها تقسيم مناطق شرق الفرات، من خلال عزل مدينة عين العرب عن القامشلي والمناطق الأخرى، وبالتالي إضعاف القوات الكردية.

وبحسب سيجري، ففي حال بدأت المعركة في تل أبيض ستكون الأولى من نوعها باتجاه شرق الفرات ذات الخصوصية المعينة من خلال الوجود الأمريكي.

ويعتبر أن معركة تل أبيض لها بعد سياسي كبير ومهم، للوقوف على رد فعل أمريكا بشأن مناطق شرق الفرات.

قيمة “جيو استراتيجية”

ومنذ مطلع تشرين الثاني 2018 استقدمت تركيا تعزيزات عسكرية إلى المناطق المتاخمة لتل أبيض من الجانب التركي، ودار حديث عن نقلها لعناصر من “الجيش الحر” إلى المنطقة، دون أي تأكيد رسمي على ذلك من الطرفين.

وفي دراسة سابقة للمحلل محمد عزيز عبد الحسن في موقع “ترك برس”، في أيار 2017، قال إن “القيادة العسكرية التركية تدرك أهمية تل أبيض كقيمة عسكرية بموقعها الجيو استراتيجي من جهة وكمعبر مهم يربط كوباني بالقامشلي”.

وأضاف أن هجوم تل أبيض “يسمح للقوات التركية بالتقدّم عبر الأراضي الفارغة إلى حد كبير، وتجنّب حواجز الفرات الطبيعية، والبقاء بعيدًا عن وادي البليخ ذي الكثافة السكانية، والاستفادة من شبكة الطرق العالية الجودة التي توفّر مسارات متعددة للتقدم نحو المدينة”.

ووصف عبد الحسن أي هجوم على المدينة بأنه سيكون معركة عسكرية خاطفة لتقسيم سيطرة القوات الكردية والقضاء بشكل كلي على حلم حزب الاتحاد الديمقراطي بتوسيع الإدارة الذاتية الكردية السورية على طول الحدود الشمالية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة