رسالة إلى السيدين دي مستورا وغير بيدرسن

tag icon ع ع ع

منصور العمري

السيد دي مستورا

السيد غير بيدرسن

أوجه لكما هذه الرسالة، قبيل إنهاء السيد دي مستورا مهامه وجهوده الطويلة في حل الأزمة السورية.

لن أخوض في تفاصيل عملكما السياسي، وكل الانتقادات الموجهة ضد هذا الأداء. أعلم أن الأمر معقد جدًا بالنسبة لكما أو لأي شخص آخر، وقد يرقى إلى مهمة مستحيلة، مع ملاحقة نظام الأسد كل تصريح تصدرانه، واتهامه لكما بالانحياز والتدخل في شؤون سيادية، ومع تشتت المعارضة والرأي العام بين السوريين الرافضين للأسد الذين يعتبرونكما “تحاولان تأدية المهمة في إنهاء الحرب بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب جميع ضحايا نظام الأسد”.

لكني سأسألكما حول قضية واحدة على وجه التحديد.

لماذا يبدو أن قضية المعتقلين والمخفين قسرًا لا تندرج ضمن أولوياتكما؟

هدفكما النبيل في إنهاء الحرب وإعادة الاستقرار في سوريا، يسعى إلى وقف معاناة جميع السوريين، وإعادة اللاجئين، والبدء في بناء بلدهم، لكن كيف يمكن تحقيق كل هذا عندما يكون هناك عشرات الآلاف من المعتقلين الذين ما زالوا يعانون يوميًا. هذه الأزمة الإنسانية لا تقتصر على المعتقلين وحسب، فهؤلاء المعتقلون لديهم عائلات، أمهات وأبناء وبنات وإخوة وأخوات وأصدقاء. متوسط عدد أفراد ​​العائلة السورية خمسة. إذًا، هناك مئات الآلاف من السوريين على الأقل، يعانون من فقدان أحبائهم وتعرضهم للظلم وانتهاك الحقوق. كما أنه بالإضافة إلى ذلك هناك الصعوبات المجتمعية والمالية والحياتية التي يواجهها الأهالي بسبب هذا الوضع، مثل الزوجة التي فقدت زوجها في الاعتقال، وهي غير قادرة على كسب العيش لها ولأطفالها، وتتعرض للاستغلال والإذلال من أجل لقمة عيشها وأولادها، أو الزوجة التي ترغب في الاستمرار في حياتها، وتحتاج إلى معرفة ما إذا كان زوجها ميتًا أو لا يزال حيًا، فهل يجب عليها الانتظار أم الاستمرار في حياتها والارتباط بشخص آخر ربما، كما أن هناك الأهالي الذين يرغبون في شراء وبيع الممتلكات المسجلة باسم الأشخاص المختفين، وحصر الإرث والعديد من القضايا المدنية الأخرى، وهناك أملاك المفقودين والمعتقلين التي تقف حائلًا أمام إعادة إعمار لا ينتهك حقوق الملكية.

مع كل هذه المشاكل، كيف سيفكر اللاجئون في العودة، وهم أيضًا يعرفون أن نظام الأسد لا يزال يحتجز عشرات الآلاف من السوريين في ظروف غير إنسانية، وكثير منهم يموت في هذه الظروف فقط لأنهم تجرؤوا على الكلام؟ كيف يمكن للأمم المتحدة أو دول العالم تصنيف سوريا دولة آمنة إن كانت الحكومة السورية لا تزال تحتجز عشرات الآلاف لممارستهم أبسط حقوقهم المكفولة في الشرائع الدولية؟

أعلم أن التعامل مع نظام الأسد شديد التعقيد والصعوبة، لكن لماذا لا تبذلان جهودًا كافية لمعرفة ما إذا كانت هناك حلول أو أفكار ممكنة لمحاولة حل قضية المعتقلين؟ هل عقدتما اجتماعًا تشاوريًا واحدًا خاصًا بقضية المعتقلين والمختفين، أو أقمتما ورشة عمل أو طلبتما رأي فقهاء القانون أو مختصين في إمكانية إيجاد حل لقضية المعتقلين؟ لا شيء مستحيل عندما يكون لدينا الإرادة والإصرار، كما تفعلان لحل القضية السورية.

لا سيما وأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر موجودة في سوريا وتعمل مع النظام، وهي التي تحدد هدفها في موقعها الإلكتروني بأنه “تأمين المعاملة الإنسانية وظروف الاحتجاز لجميع المعتقلين، بغض النظر عن أسباب اعتقالهم واحتجازهم”.

في مقالته بعنوان “حوار مع الماضي” تحدث فرانسوا بونيون، مدير القانون الدولي والتعاون الدولي باللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن فشل اللجنة الدولية في الرد بقوة على جرائم النازيين بحق اليهود وغيرهم في الحرب العالمية الثانية، حين أنقذ راؤول ولنبرغ، الدبلوماسي السويدي الذي تعتز بأنك مواطنه، وتُقام له المتاحف في السويد، حياة عشرات الآلاف من اليهود، رغم أنه كان رجلًا واحدًا وبجهود فردية، وبكم قليل من الموارد، وفي ظروف قد تكون أصعب من الظروف الحالية. لماذا لا تكون أنت هذا الرجل، أو على الأقل لماذا لا تولي ملف المعتقلين لشخص يؤمن بضرورة إنقاذ أرواح البشر.

قضية المعتقلين ليست إنسانية فحسب، بل هي مجتمعية أيضًا، وأزمة رئيسية يجب حلها قبل الشروع بأي خطوة لإعادة اللاجئين إلى سوريا.

هذه القضية هي الوحيدة ربما التي لا تختلف عليها المعارضة بمختلف أطيافها.

هذه القضية لا تحتمل تأخيرًا أو تأجيلًا، فكل يوم يموت عشرات تحت التعذيب وفي ظروف اعتقال لاإنسانية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة