الرقة.. عام آخر من الوجع

camera iconالناس يركبون دراجة نارية خلف المباني المتضررة في الرقة ، سوريا 12 أكتوبر ، 2018. REUTERS / Aboud

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – برهان عثمان

في 17 من تشرين الأول عام 2017، أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) السيطرة الكاملة على مدينة الرقة من يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعد عمليات عسكرية استمرت لأشهر طويلة، قتل فيها آلاف المدنيين، بسبب قصف التحالف الدولي الجوي أو على يد التنظيم بتهم معارضة توجهاته.

عام مر على السيطرة على الرقة، لم يختلف شكل المدينة كثيرًا عن ساعة خروج التنظيم منها، فلا تزال أنقاض الأبنية مكانها، ولم يستعد مركز المدينة حيويته، رغم المشاريع التي بدأها “مجلس الرقة المدني”، بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت الأمم المتحدة عبرت عن تخوفها من تردي الوضع الإنساني في مدينة الرقة، بعد خروج تنظيم “الدولة” منها، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في كانون الأول الماضي، إن السكان الذين يقطنون المدينة يعانون من قلة الماء والأغذية والمساعدات الأخرى.

وأضاف أن موظفي وكالات الإغاثة لم يستطيعوا الوصول إلى المدينة، كما حذر من احتمال انتشار الأمراض بسبب عدم دفن بعض الجثث التي تسقط نتيجة لانفجار بعض العبوات الناسفة والألغام.

وكان تنظيم “الدولة” أعلن الرقة عاصمة لما يطلق عليه “الخلافة الإسلامية” ومركزًا له، في حزيران 2014.

“لم يتغير شيء”

يقول أكرم الأحمد، وهو نازح من مدينة دير الزور ويقطن في الرقة منذ سبع سنوات، إن الأوضاع في المنطقة لا تزال على حالها مع تغيرات طفيفة أجريت لتحسين حياة الأهالي.

ويضيف الأحمد لعنب بلدي أن الحاجات الأساسية للناس لا تزال غير متوفرة، موضحًا، “لا تزال البنى التحتية مدمرة، والمدينة بحاجة إلى الكثير من الإصلاحات لتعود إلى سابق عهدها، كما أن الكثير من الخدمات الضرورية لحياة الأهالي غائبة”.

ويصف الشاب مدينة الرقة في الوقت الحالي بـ “المقبرة الجماعية”، على خلفية أكوام الركام والأنقاض المنتشرة في كل مكان.

ويعتبر الجانب الصحي من أبرز القطاعات المتردية في المدينة، وبحسب الأحمد لا تزال الخدمات المقدمة في هذا الجانب غير كافية لحماية السكان وتقديم العلاج المناسب لهم، فالنقاط الطبية قليلة، و”لا يوجد ما يسد حاجة المنطقة من الكوادر الصحية، كما أن العديد من أنواع الأدوية والأجهزة الطبية غير متوفرة”.

وعلى خلفية تردي الواقع الطبي والصحي شهدت الأشهر الماضية انتشارًا واسعًا لمرض التيفوئيد، وأمراض غريبة كالتليف الجلدي وغيرها من الأوبئة التي تنشط مع غياب النظافة.

وأرجع الأحمد انتشار الأمراض إلى غياب الإجراءات الوقائية وعدم اتخاذ السلطات التدابير الكافية لحماية الناس.

الانتقاد محرّم

يقول محمد العمر، وهو شاب من ريف الرقة، إنه “لا إصلاحات حقيقية حتى اليوم في المحافظة، فالأهالي لا يزالون يعتمدون على الأمبيرات للحصول على الكهرباء، أما مياه الشرب فهي غير نظيفة”، مشيرًا إلى حادثة تسمم خلالها 100 شخص نهاية شهر آب الماضي، نتيجة اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي.

ورغم نفي الإدارة الذاتية أن يكون سبب التسمم اختلاط المياه، وإرجاعه إلى حالة الإفراط بالأكل في عيد الأضحى، إلا أن مصادر طبية شككت في هذه الرواية.

ونفى العمر نية الإصلاح التي تقوم “قسد” بتصديرها، مشيرًا إلى أنها ردت على المشكلة الصحية المذكورة بفصل من كشفوا أسباب التسمم وإبعادهم عن الخدمة، ودلل بذلك على حالة التعسف التي تمارسها القوات ضد الأهالي والعاملين معها، مضيفًا، “لم نشهد حرية ولا ديمقراطية فنحن لا نزال محرومين من القدرة عن التعبير والانتقاد”.

ويؤكد الشاب عبادة (21 عامًا)، وهو أحد الناشطين الإعلاميين في الرقة، “حتى اليوم نستخدم أسماء وهمية لحماية أنفسنا”، مشيرًا إلى أن “قسد” سارت على نهج من سبقها من النظام و “داعش” في قمع المعارضين لها، وإسكات كل صوت ناقد أو مخالف، إلى جانب منع المظاهرات ومواجهتها بالرصاص والعنف والاعتقال.

ويشير الشاب إلى اعتقال عدد من الناشطين بسب منشورات في مواقع التواصل، وإيقاف بعض القنوات الإذاعية بسب خبر “لم يعجبهم مضمونه”، بحسب تعبيره.

ويقول، “يفضلون المطبلين حتى وإن كانوا من الدواعش، واستخدمت قسد العديد من عناصر التنظيم في صفوفها بعد أن تحولوا الى داعمين لسلطتها”.

وفي استطلاع أجري مع عدد من ناشطي الرقة أكدوا أن نجاح “قسد” في الإدارة كان محدودًا، إذ لا تزال المنطقة تشهد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار الأمني.

ويقول معتز العلي إن الشوارع تشهد تفجيرات متكررة بشكل شبه يومي، ولم تفلح حواجز “قسد” المنتشرة في كل مكان سوى في إرهاق الأهالي وجباية الرسوم والضرائب منهم.

وعلى خلفية ذلك تكوّن “سخط” على إدارة “قسد” لدى الكثير من الشرائح في المجتمع الرقاوي، ويشير العلي إلى “محاولات تكريد تتعرض لها المنطقة، عن طريق إبعاد العناصر العربية الفاعلة والمؤثرة عن المشهد”.

كما تحاول “قسد” إبراز الوجود الكردي حتى عبر أسماء المدن والشوارع، والإصرار على فرض المناهج الكردية الخاصة بها في التعليم، الأمر الذي وسع المسافة بينها وبين المجتمع العربي في مناطق سيطرتها وجعل كثيرين ينظرون إليها اليوم كسلطة مفروضة عليهم بالقوة.

ويؤكد العلي أن العديد من الناشطين في الرقة يطلقون اليوم على “قسد” لقب “الدواعش الصفر”، في إشارة إلى تشابه تصرفاتهم مع تنظيم “الدولة” واختلافهم عنه فقط باللون.

ورغم الانتقادات الواسعة التي رصدتها عنب بلدي لتصرفات “قسد” في الرقة بعد عام على إبعاد التنظيم عنها، يؤكد بعض الأهالي الذين تم التواصل معهم تحسن أوضاعهم عما كانت عليه في ظل تنظيم “الدولة”، وخاصة من جهة توقف قصف المدينة من قبل التحالف الدولي.

جثث بالآلاف

وبدأ “مجلس الرقة” بانتشال جثث المدنيين من المقابر الجماعية، والذين قتلوا في سنوات سيطرة تنظيم “الدولة”.

وقالت منظمة العفو الدولية (أمنستي) إن ما يزيد على 2500 جثة تم استخراجها من مدينة الرقة السورية، منذ خروج التنظيم منها في تشرين الأول 2017 حتى اليوم.

وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته المنظمة في بيروت، 12 من تشرين الأول، بشأن حقوق الإنسان في سوريا، استعرضت فيه تدهور الأوضاع الإنسانية والخدمية في مدينة الرقة، داعية المجتمع الدولي إلى بذل جهد أكبر لتحسين الظروف المعيشية هناك.

وقالت نائبة المدير العام لمنظمة “العفو الدولية”، آنا نايستات، إن مدينة الرقة مدمرة بنسبة 80%، حيث تعرض أكثر من 30 ألف منزل للدمار الكلي و25 ألف منزل للدمار الجزئي.

وأضافت أن هناك أماكن دفن فيها آلاف الأشخاص تحت الأرض، وقدرت المنظمة أن حوالي 2521 جثة تم استخراجها حتى اليوم، فيما يُعتقد أن حوالي 3000 جثة لا تزال تحت الأنقاض أو في مقابر جماعية، غالبيتهم من المدنيين، على حد قولها.

وتعتقد “العفو الدولية” أن القتلى في مدينة الرقة قضوا نتيجة هجمات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، ضد تنظيم “الدولة”، مشيرة إلى أنها قدمت الوثائق للتحالف الذي اعترف بقتل 77 شخصًا فقط، وأضافت “لكن عليهم إجراء التحقيقات ومحاسبة المسؤولين عن القتل غير القانوني للمدنيين”.

وتصف المنظمات الحقوقية الرقة بأنها مدينة “منكوبة”، وذلك بسبب الدمار الذي لحق ببنيتها التحتية وبسبب الألغام ومخلفات الحرب التي تركها تنظيم “الدولة الإسلامية”، والتي تتسبب بمقتل العشرات أسبوعيًا.

فيما تبقى المعضلة الأكبر التي يواجهها فريق الاستجابة الأولية التابع لـ “مجلس الرقة المدني” هي انتشال الجثث من المقابر الجماعية، والتي قدر عددها بنحو 2800 جثة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة