tag icon ع ع ع

ضياء عودة | نور عبد النور | محمد حمص

بينما يرد اسم عفرين بكثرة في التغطيات الصحفية على وسائل الإعلام السورية، يغيب العفرينيون عن أي مشهد، لدرجة أن ذكرهم أيضًا بات ضئيلًا، مقارنة مع ما تحصل عليه منطقتهم من اهتمام إعلامي.

يعيش أغلب أهالي المدينة في عزلة “إجبارية” فرضتها الظروف، بينما يشكل الوافدون الجدد، وأغلبهم من نازحي الغوطة الشرقية، العنصر البشري الأكثر نشاطًا في المنطقة، والذي بدأ يأخذ صبغة الضيوف تدريجيًا.

يشكل النازحون نحو نصف سكان عفرين حاليًا، ويلعبون دور “الحاضنة الشعبية الأصلية” للسلطة العسكرية المسيطرة على المنطقة، والمؤلفة من فصائل الجيش الحر المنضوية في “الجيش الوطني”.

أما الإدارة المدنية، المؤلفة من سبعة مجالس محلية، فتتخذ من بعض أعضائها الكرد واجهة لعملها، بينما تشرف الحكومة المؤقتة، والائتلاف الوطني المعارض على عملها بشكل مباشر.

أهالي عفرين متخوفون من العودة

“لماذا لا يعود العفرينيون إلى مناطقهم؟”، انطلاقًا من هذا السؤال، وفي محاولة للبحث عن إجابات له، سعت عنب بلدي للتواصل مع مجموعة من أهالي المنطقة الذين لازموا قراهم ومدنهم، وآخرين ممن غادروا مجبرين أو مدفوعين بعوامل عدة، وقصدوا أرياف المنطقة أو مناطق النظام في محيط مدينة حلب أو حتى محافظة الحسكة، حيث لا يزال حزب الاتحاد الديمقراطي يفرض سلطته.

باءت أغلب محاولات عنب بلدي لإجراء لقاءات صحفية مع أشخاص من أهالي عفرين بالفشل، لكن الاتصالات القليلة التي نجحت كان محورها الخذلان والإحباط، وسط شعور أن جميع الأطراف “متآمرة” على أهالي عفرين.

تمكنت عنب بلدي من التواصل مع ثلاثة أشخاص، بينما رفض عشرة آخرون الإدلاء بأي تصريحات صحفية، معللين ذلك بالخوف، وعدم الرغبة في التورط بمشاكل مع القوى المسيطرة في مناطق إقامتهم.

الشابة العشرينية س.م، التي تقيم في إحدى قرى عفرين، وافقت على إجراء اللقاء، بعد التعهد بعدم ذكر اسمها الصريح أو مكان إقامتها خوفًا من عناصر الفصيل المعارض الذي يقيم في قريتها.

تقول س.م، “عانينا كثيرًا خلال فترة الحرب، واليوم معاناتنا أكبر، يُذل الكردي كل يوم”، وتضيف أن عددًا ممن عادوا إلى قراهم خرجوا مجددًا، بعد تعرضهم للتضييق الأمني.

وتوضح الشابة أن عائلتها رفضت الخروج من عفرين رغم كل التضييق، بينما اضطر كثيرون من محيطها إلى المغادرة بعد أن تعرضوا للاعتقال أو الخطف أو الضرب المبرح.

وفق إحصائية فريق نشرها “منسقو الاستجابة”، في تموز الماضي، فإن عدد العائلات المقيمة في عفرين، منذ آذار الماضي، بلغت 28461 عائلة، من ضمنها 21352 ألف عائلة من السكان الأصليين.

بالمقابل لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد أهالي مدينة عفرين الذين غادروا مناطقهم، فيما يشير ناشطون حقوقيون إلى أن أغلب الاهالي الذين غادروا لم يتمكنوا من العودة.

نزوح أهالي منطقة عفرين وريفها باتجاه ريف حلب الشمالي منطقة اعزاز والمخيمات الحدودية – 13 آذار 2018 (عنب بلدي)

انتهاكات الفصائل تصعّب العودة

“عانينا كثيرًا خلال سيطرة الحزب (الاتحاد الديمقراطي)، لكننا نعاني أكثر مع وجود الجيش الحر”، تقول س.م. لعنب بلدي، مؤكدةً أن عدًا كبيرًا ممن عادوا إلى مناطق عفرين عقب سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة، غادروها مجددًا.

عائلة الشابة واحدة من العائلات التي فضلت البقاء وعدم والخروج من قريتها، لكن عائلات أخرى لم تتمكن من الصمود، كعائلة قريبهم، “الذي عاد مفضلًا البقاء بجانب قبر ابنه، لكنه تعرض للضرب المبرح، واعتقل ابنه وزوجته لفترة من الزمن، ما دفعه للهرب مجددًا”.

ويشير الناشط الإعلامي شيرو علو، وهو من أبناء مدينة عفرين، إلى أن انتهاكات بعض فصائل المعارضة تصعّب عودة الأهالي، لافتًا إلى أن الكثير من الأهالي الذين غادروا مناطقهم عادوا ليجدوا أشخاصًا آخرين في منازلهم، مؤكدًا أن ذلك دفع بعض الأهالي للنزوح داخليًا، فيما توجه آخرون إلى مناطق سيطرة النظام بمحيط مدينة حلب، وبالتحديد إلى قريتي نبل والزهراء، وتوجه قسم منهم إلى مناطق سيطرة “حزب الاتحاد الديمقراطي” في محافظة الحسكة.

وأضاف علو أن “بعض سكان قرية كوتانلي (مدللة)، والتي أصبح اسمها فيما بعد قرية الظافر أوباسي، منعوا بعد سيطرة فصائل المعارضة من العودة إلى قريتهم بحجة وجود ألغام، وبعد أن سُمح لهم بالدخول فرض على كل عائلة دفع مبلغ 200 دولار أمريكي”.

وتابع، “بعض القرى يفوق عدد النازحين فيها عدد الأهالي بشكل كبير، على سبيل المثال ناحية بلبل فيها اليوم نسبة قليلة من المقيمين، ورغم ذلك ما زالوا ينزحون خارج المنطقة”.

عنب بلدي التقت شابًا من مدينة عفرين نزح إلى إحدى القرى المجاورة هربًا من “حملات الاعتقال التعسفي”، وفق تعبيره، مضيفًا، “كان الهدف الرئيسي من الاعتقالات هي النهب والسلب، لم تعد الحياة في عفرين تطاق”.

النظام والوحدات “يحتجزون” أهالي عفرين

تمارس قوات النظام وعناصر “وحدات حماية الشعب” (الكردية) المنتشرة في محيط مدينة عفرين سياسة التضييق والابتزاز المادي على المدنيين الراغبين بالعودة إلى مناطقهم.

وبحسب مصدر محلي رفض كشف اسمه لأسباب أمنية فإن كثيرًا من أهالي عفرين الذين يرغبون بالعودة من مناطق النظام إلى مناطقهم، يواجهون منعًا من الحواجز التي غالبًا ما تطلب مبالغ كبيرة من المدنيين أو تقوم بعمليات الخطف والسرقة، وهو ما يجبر الراغبين بالعودة على اللجوء إلى طرق التهريب.

وكانت مصادر إعلامية متطابقة قالت في آذار الماضي إن حواجز تابعة لـ “الوحدات” متمركزة في محيط منطقة عفرين، منعت أهالي المدينة والقرى التابعة لها من العودة عقب سيطرة فصائل المعارضة.

وقال مراسل عنب بلدي في ريف حلب، إن “الوحدات” منعت الأهالي، من تجاوز حاجز قرية تنب نحو عفرين، مشيرًا إلى اتهامهم بـ “العمالة والخيانة”.

 

الخوف وخيار الصمت

في ظل التضييق الواقع على أهالي عفرين، سواء من فصائل المعارضة الموجودة في المنطقة، أو من الجهات المسيطرة في أماكن النزوح، فإن أغلب أهالي عفرين آثروا عدم التواصل مع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية المختلفة.

وأشار الناشط الإعلامي شيرو علو، إلى أن جهات التوثيق تعاني من امتناع الأهالي عن الإدلاء بشهاداتهم خوفًا مما قد يطالهم إثرها.

وأضاف لعنب بلدي، أن “لدى أهالي عفرين تخوف دائم وشعور كبير بالظلم من جهة تعتبر نفسها جيشًا حرًا”.

وأكد علو أن فصائل المعارضة المسيطرة تمنع الأهالي من إرسال أي صور للإعلام، لتخوفهم من تسريب صور لمواقع القيادات العسكرية لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”.

ويرى أن بعض الأهالي يتحسبون لعودة “حزب الاتحاد الديمقراطي” أو سيطرة النظام على المنطقة، فيقومون بمحاسبة الأهالي الذين تواصلوا مع وسائل إعلام معارضة.

إضافة إلى ما سبق، فإن التراتبية الخاصة بالفصائل العسكرية أو أجهزة الشرطة الوطنية والعسكرية، والتي تم اختيار العناصر فيها من العرب، تمنح أهالي عفرين من الكرد شعورًا بعدم وجود سند عسكري لهم، بحسب ما قال مصدر من عفرين لعنب بلدي.

ويشير مصدر عسكري في مدينة عفرين لعنب بلدي، رفض كشف اسمه لأسباب أمنية، إلى أن 90% من العناصر العسكريين والأمنيين ينحدرون من خارج عفرين، مؤكدًا أن قسمًا من الشبان في عفرين عرض عليهم الانضواء في “الشرطة الوطنية” دون إبداء أي استعداد لذلك.

وكانت “الشرطة الوطنية” أبدت استعدادها عقب بدء عملها في عفرين لتطويع المئات من شبان المنطقة، إلا أن جزءًا بسيطًا منهم قبل بالأمر، ولا يتجاوز عددهم 100 عنصر في مختلف بلدات ونواحي المنطقة.

انتهاكات الفصائل في عفرين

خطف وسرقات ومحاسبة غير مجدية

قد تكون عفرين أوضح نموذج عن “التعفيش” الذي قامت به فصائل “الجيش الحر”، عقب السيطرة عليها، في شباط الماضي، إذ ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور وتسجيلات أظهرت عناصر من الفصائل العسكرية يقومون بعمليات سرقة في المدينة، بعد دخولها والسيطرة عليها بشكل كامل.

وتناقل الصور ناشطون من ريف حلب رافقوا المعارك، بالإضافة إلى وكالات عالمية بينها “فرانس برس”، والتي نشرت العشرات من الصور لعناصر يسرقون أثاثًا منزليًا ومحلات تجارية، إضافة إلى الدراجات النارية والجرارات الزراعية، ما أحدث غضبًا واسعًا، تطور إلى مطالبات بمحاسبة العناصر، باعتبار أن هذه الممارسات لا تختلف عن تجاوزات بقية القوى العسكرية في سوريا.

وكانت عنب بلدي تحدثت في وقت سابق مع الناطق باسم “الجيش الوطني”، محمد حمادين، وقال إن الأفعال التي انتشر الحديث عنها معروفة سابقًا، وفي حال دخول أي جيش لمنطقة ما، سترافقه “تجاوزات فردية” من قبل العناصر التابعين له.

المطالبة بالمحاسبة دفعت “الجيش الوطني” إلى إجراءات للحد من السرقات التي تبعت السيطرة بشكل فوري، وأعلن القبض على عشرات العناصر الذين كانوا ضالعين في عمليات السرقة و”التعفيش”، كما أصدرت هيئة الأركان قرارًا بمحاكمة العناصر المشاركين في السرقة، ورافق ذلك حملات ضد مجموعات عسكرية حاولت إخراج الأثاث والبضائع المسروقة إلى ريف حلب الشمالي.

لكن، ورغم هذه الإجراءات، استمرت عمليات السرقة على يد عناصر من الفصائل، بصورة فردية، وما أكد ذلك صور وتسجيلات مصورة نشرها ناشطون من المنطقة، كان آخرها، مطلع أيلول الحالي، لعناصر يستخرجون النحاس من أوان معدنية.

التجاوزات لم تقف على السرقة فقط بل شهدت المنطقة حوادث خطف لمدنيين على يد مجموعات مجهولة الهوية ولم تحدد تبعيتها.

خطف واعتقالات

تنتشر حالات الاعتقال بحق مدنيين من سكان عفرين على نطاق واسع، بحجة الانضمام إلى “حزب الاتحاد الديمقراطي”، لكن الحجة التي سيق بها أغلب المعتقلين، لم تكن واقعية في حالات كثيرة، بحسب ما قال الناشط الإعلامي شيرو علو، الذي أكد لعنب بلدي أن الكثير من الاعتقالات طالت أشخاصًا مدنيين لا ينتمون إلى أي جهة.

وقسّم علو أنواع الاعتقالات إلى أمنية بهدف التحقيق، وتستهدف في الغالب أشخاصًا ثبت ارتباطهم بحزب الاتحاد الديمقراطي، وأخرى بحق مجندين في صفوف “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، واعتقالات بهدف الحصول على الفدية.

ولفت إلى أن بعض المعتقلين كانوا مدنيين موظفين في إحدى هيئات الإدارة الذاتية، دون أن تكون لديهم ارتباطات حزبية.

حالات الخطف بحق المدنيين أيضًا انتشرت على نطاق واسع، ففي الرابع من أيلول الحالي وثق “مركز عفرين الإعلامي”، الذي يغطي أحداث المنطقة، أسماء المدنيين المخطوفين، وهم غسان عمر فوزي حسن والفتاة أمل عمر حسين والشابان خليل محمد خليل وأيمن حمدوش.

وقال المركز إن الشابين خليل محمد وأيمن حمدوش خطفتهم مجموعة مسلحة لم يتم التعرف عليها، من محل لبيع الخيوط في حي المحمودية بعفرين، بينما أقدم عناصر من فصيل “الحمزات” على خطف الشابة أمل عمر حسين من حي الأشرفية بمدينة عفرين، بحسب المركز.

وكان ناشطون نشروا تسجيلًا مصورًا للمدني غسان عمر فوزي من أهالي قرية بعدينا بريف عفرين، وهو يتعرض للتهديد بالذبح على يد مقاتل ملثم لم تعرف الجهة التي تتبع لها، إن لم تدفع عائلته فدية تقدر بعشرة ملايين ليرة سورية.

وينفي “الجيش الوطني” وقوف الفصائل التي تتبع له وراء عمليات الخطف، لكن “الوحدات” تربط الأمر به.

وكانت منظمة العفو الدولية “أمنستي” اتهمت فصائل معارضة سورية، في آب الماضي، بارتكاب انتهاكات “جسمية” لحقوق الإنسان في عفرين، بتواطؤ تركي.

وأشارت المنظمة في تقرير لها إلى أن هذه الانتهاكات تتراوح بين الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، ومصادرة الممتلكات، وأعمال النهب، متهمةً تركيا بأنها تمد “الجماعات المسلحة المسؤولة عن هذه العمليات بالعتاد والسلاح”، كما انتقدت المنظمة قوات النظام السوري، و”الوحدات”، معتبرةً أنها قصرت في حماية المدنيين الذين نزحوا من عفرين وزادت من معاناتهم.

استيلاء بحسب الحالة

النقطة الشائكة في عفرين هي عمليات الاستيلاء على المنازل التي خرج سكانها منها في أثناء العمليات العسكرية، فقد وجهت في الأشهر الماضية اتهامات للفصائل العسكرية بالاستيلاء على منازل خرج ساكنوها منها، وحل بدلًا منهم أشخاص قدموا من المناطق المهجرة كريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية.

وبحسب ما قاله مصدر أهلي من عفرين لعنب بلدي (طلب عدم ذكر اسمه)، فإن الاستيلاء على المنازل في المنطقة يمكن تقسيمه إلى قسمين: الأول استيلاء على منازل تعود لعناصر من “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، والآخر لمواطنين “لهم ارتباط بمقاتلي الوحدات” وخرجوا من المنطقة بعد دخول “الجيش الحر”.

وأضاف المصدر أن عائلات من عفرين عادت إلى منازلها في الأشهر الماضية ووجدوا أناسًا آخرين يقطنون فيها، مشيرًا إلى أن الشرطة العسكرية التابعة لـ “الجيش الوطني” تعمل على إخراج المهجرين من المنازل التي دخلوها وإعادتها إلى أصحابها “بعد التأكد من التوجه الخاص بالعائلات العائدة في حال كان لها أي ارتباط بالوحدات أو على صلة بهم، كما تطلب منهم إثباتات تؤكد ملكيتهم للمنزل”.

وعلى خلفية الحديث الكثير عن الاستيلاء على منازل المدنيين، أصدر “المجلس الإسلامي السوري” فتوى اعتبر فيها أن الأملاك التي تعود لـ “الوحدات” في منطقة عفرين تندرج ضمن الأموال العامة.

وبحسب الفتوى التي نشرت، في آب الماضي، حرم المجلس التعرض لأملاك السكان الآمنين، ورأى أن أملاك “الميليشيات الانفصالية” تدخل في الأموال العامة.

وفي التفاصيل التي عرضها المجلس، فإن “الأصل في أملاك وأموال الناس عصمتها، وتحريم التعرض لها بغير سبب شرعي”، وقال إن الأملاك الخاصة الموجودة في المناطق التي خرجت منها “الوحدات” هي ملك أهالي تلك المنطقة، ولا يجوز نزعُها منهم، أو التعرض لها بالمصادرة، أو الاستيلاء.

وبموجب فتوى المجلس الإسلامي، ما كان من أملاك لعوائل أفراد “الوحدات” فهي باقية على ملك تلك العوائل، ولا تجوز مصادرتها أو المساس بها، واعتبر أن خروج مقاتل مع تلك “الميليشيات” من العائلة لا يبيح التعرض لوالديه أو إخوته أو زوجته أو أولاده، كما لا يجوز إخراجهم من بيوتهم، أو مصادرة أراضيهم ومحاصيلهم.

ويكون ما خلفته “الوحدات” من مقرات وعتاد وأملاك، ولم يتبين أنه “مغصوب” من عموم الناس، في المصالح العامة بإشراف الإدارات المحلية.

وبحسب الفتوى، “إذا ثبت بطريق القضاء أن بعض الأراضي استولت عليها الميليشيات وغصبتها مِن أهلها فإنها ترد إلى أصحابها الشرعيين، فإن لم يُعرف لها صاحب فإنها تحفظ وتكون تحت تصرف الإدارات المحلية”.

ودعا المجلس كل مقاتل أو فصيل أو مدني أخذ مالًا أو أرضًا أو محصولًا زراعيًا بغير إذن أصحابه ورضاهم أو لم يدفع ثمنه الحقيقي إرجاعه لأصحابه.

كما أوصى الإدارات المحلية في المناطق “المحررة” بإحصاء وضبط الممتلكات والعقارات في تلك المناطق وتوثيقها، مع التحقيق الفوري في أي تجاوز على ممتلكات السكان الآمنين، وإعادتها لهم.

نزوح أهالي منطقة عفرين وريفها باتجاه ريف حلب الشمالي منطقة اعزاز والمخيمات الحدودية – 13 آذار 2018 (عنب بلدي)

الخريطة الديموغرافية الجديدة في عفرين

منذ بدء قوات الأسد بسياسة التهجير القسري من المناطق التي تسيطر عليها، خرج الآلاف من مناطق القصير وأرياف حمص وريف حماة الشمالي والغوطة الشرقية وجنوبي دمشق وبرزة والتل وخان الشيح وضواحيها وداريا والمعضمية والقنيطرة ودرعا باتجاه الشمال السوري، واتجه قسم منهم لا سيما مهجري الغوطة الشرقية وحمص وريفها إلى منطقة عفرين بعد أن سيطرت عليها فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، في آذار الماضي.

لم تحدد أي جهة إحصائية أو مدنية عدد النازحين الذين وصلوا إلى عفرين، وحاول فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري، إحصاء التوزع السكاني في المنطقة، لكن التطورات الكبيرة التي تحدث في الشمال السوري صعبت من عملية الإحصاء بحسب ما أكده مكتب التواصل الخاص بالفريق لعنب بلدي.

وقال المكتب إن إحصائية يجريها للتوزع السكاني في المنطقة ستصدر قريبًا.

ووفق الإحصائية الأخيرة التي نشرها “منسقو الاستجابة”، في 9 من تموز الماضي، فإن عدد العائلات المقيمة في عفرين، منذ آذار الماضي، بلغت 28461 عائلة، من ضمنها 21352 ألف عائلة من السكان الأصليين موزعين كالتالي: ناحية عفرين 20 ألف، ناحية شران 115 عائلة، ناحية راجو317 عائلة، ناحية معبطلي 250 عائلة، ناحية بلبل 20 عائلة، الشيخ حديد 650 عائلة، بينما لا تزال نواحي بفيليون وجنديرس قيد الإحصاء بالنسبة لعدد الأهالي الأصليين.

وبلغ عدد العائلات النازحة من دمشق وريفها 6863 عائلة موزعين على ناحية عفرين 5800 عائلة، وناحية راجو 280، وناحية معبطلي 420، وناحية بلبل 83، وناحية بفيلون 30، وناحية جنديرس 250، وبقيت ناحيتا شران والشيخ حديد قيد الإحصاء بالنسبة لعدد الوافدين إليها من مهجري ريف دمشق.

ووصل عدد المهجرين القاطنين في عفرين من ريف حمص إلى 246 عائلة موزعة على نواحي شران 79 عائلة، راجو 77، معبلطي 30، الشيخ حديد 60، فيما لا تزال كل من نواحي عفرين وبلبل وبفيلون وجنديرس قيد الاحصاء.

“جيش وطني” و”أمنيات” وشرطة عسكرية

طبقت تركيا نموذج الهيكلية العسكرية لمناطق “درع الفرات” بريف حلب على عفرين، ضمن الخطوات التي بدأت العمل عليها لتنظيم الحياة المدنية بشكل كامل، فـ “الجيش الوطني” له انتشار واسع في المنطقة، ويعتبر الجهة الأساسية المسؤولة عن تنظيم الأمن والاستقرار فيها، وإلى جانبه تم تأسيس جهازين للشرطة، الأول “الشرطة العسكرية” لضبط تجاوزات الفصائل، والآخر “قوات الشرطة والأمن العام” لضبط الأمن والتعاملات اليومية بين المدنيين.

وبحسب الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني”، محمد حمادين، توجد “أمنيات” (أجهزة أمنية) من الفيالق الثلاثة المكونة لـ “الجيش الوطني” في عفرين، وتعمل إلى جانبها أجهزة الشرطة العسكرية والمدنية، وفيما بينها تنسيق كامل وعمل منظم لضبط المنطقة.

ويضيف حمادين لعنب بلدي أن المنطقة من جرابلس بريف حلب الشرقي إلى عفرين تسير بتنظيم عسكري واحد، دون الفصل بين مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.

وبالتزامن مع تشكيل المجالس المحلية للمنطقة عقب السيطرة عليها، أعلنت تركيا عن تدريب المئات من عناصر “الشرطة الوطنية” للعمل في عفرين ونواحيها، ورافق الأمر إعلان “الجيش الوطني” تسليم مهامه العسكرية في جميع نواحي عفرين وسحب عناصره المقاتلين من المنطقة موكلًا مهامهم إلى “الشرطة العسكرية” والتي تتبع لهيئة أركانه وتحل محله.

وشملت التدريبات التي تلقتها أجهزة الشرطة في المنطقة التدخل ضد أحداث الشغب وقانون الشرطة والانضباط العام، إضافة للتدريب على العمليات في الأماكن السكنية وتدمير العبوات الناسفة والفحص الجنائي.

وتختلف عفرين عن مناطق “درع الفرات” بعدة جوانب من الناحية العسكرية، وعلى رأسها الحالة الأمنية المتوترة حتى اليوم، على خلفية وجود خلايا تتبع لـ “وحدات حماية الشعب” (الكردية) أعلنت في الأشهر الماضية تنفيذ عمليات اغتيال طالت قادة عسكريين في “الجيش الوطني”.

وشهدت المنطقة عدة تفجيرات بعبوات ناسفة وسيارات مفخخة، اتهمت خلايا “الوحدات” بالوقوف وراءها، أبرزها في أواخر حزيران الماضي، إذ انفجرت سيارتان مفخختان في مركز المدينة، ما أدى إلى وقوع عدد من القتلى والجرحى.

ويوضح حمادين أن “الوحدات” لا تزال لديها خلايا في محيط عفرين، تقوم بعمليات الاغتيال وتهدد المدنيين في المنطقة.

ويشير إلى أن فصائل “الجيش الحر” تتابع هذه الخلايا عن طريق “الإخباريات”، بحسب المعلومات الواردة من الأتراك، والتي يحصلون عليها من الاستخبارات والتصوير الجوي، مشيرًا إلى “اكتشاف عدة خلايا وقتل وأسر العديد منهم”.

وكانت “الوحدات” هددت بعد انسحابها من المنطقة باستمرار عملياتها العسكرية ضد الجيش التركي و”الجيش الحر”، مشيرةً إلى أنها ستعتمد على أسلوب “المباغتة” من قبل خلاياها تحت ما يسمى بـ “مقاومة العصر في عفرين”.

بعد إدارات “PYD”..

سبعة مجالس تدير عفرين بإشراف تركي

بعد أسابيع من انتهاء عملية “غصن الزيتون” في عفرين، آذار 2018، بدأت تركيا بالعمل على تشكيل المجالس المحلية في المركز والنواحي التابعة لها، وكان مؤتمر “إنقاذ عفرين” في مدينة غازي عنتاب التركية الخطوة الأولى لهذا الأمر.

مركز عفرين شهد تشكيل أول مجلس محلي، في نيسان من العام الحالي، أي بعد شهر من السيطرة الكاملة لفصائل “الجيش الحر” والجيش التركي، وتبع الأمر الإعلان عن مجالس محلية في النواحي المحيطة بالمركز وهي بلبل، جنديرس، شران، الشيخ حديد، مدينة راجو، المعبطلي.

وقال مدير الشؤون القانونية للمجالس المحلية في وزارة “الحكومة المؤقتة”، يوسف نيرباني،  إن المجالس شُكّلت من قبل مجموعة عمل أسست خصيصًا لهذا الغرض، موضحًا أنها بإشراف “الائتلاف الوطني” و”الحكومة السورية المؤقتة” ومجلس محافظة حلب، إلى جانب بعض “الفعاليات الثورية” في عفرين.

وتتركز أعمال المجالس بالدرجة الأولى على إعادة تأهيل البنية التحتية للمنطقة والقرى التابعة لها، إلى جانب توفير الخدمات الأساسية من أفران وكهرباء ومياه ونظافة، فضلًا عن إعادة النازحين والسكان الأصليين إلى منازلهم وتوفير سبل العيش للأسر في المنطقة، وفق مدير شؤون المجالس.

التركيز على الخدمات والتعليم

أُدرجت عفرين ضمن نطاق المناطق الحدودية التي تديرها تركيا في الشمال السوري، لكنها اختلفت من ناحية الخدمات عن المناطق المعروفة باسم “درع الفرات” والتي تنتشر من جرابلس في الريف الشرقي لحلب حتى اعزاز في الريف الشمالي.

وتركز الاختلاف بسرعة تقديم الخدمات بمعظم الجوانب الخدمية والتعليمية والصحية، وأوضح مدني من عفرين لعنب بلدي (طلب عدم ذكر اسمه) أن التنظيم يغيب عن عمل المجالس في عفرين، ويرتبط ذلك بشكل أساسي بالمياه والكهرباء التي لا تصل إلا في أوقات معينة لمنازل المدنيين، وبعملية جبايتها.

وأشار إلى أن المكاتب الخدمية التابعة للمجالس مكتفية حاليًا برفع المشاريع، كان آخرها ترميم الطرقات بين مركز المدينة والنواحي.

وقال نائب رئيس المجلس المحلي لمدينة عفرين، عبدو نبهان، إن كل مجلس محلي معني بإدارة المنطقة التابعة له، وبجميع نواحي الحياة المدينة من نفوس ونقل وخدمات وتجارة وزراعة.

وأشار نبهان في حديث لعنب بلدي إلى مشاريع تنتظر التنفيذ في عفرين وهي قيد الدراسة، معتبرًا أن اهتمام المجالس منصب حاليًا على التعليم والجانب الخدمي، مع العمل على الخطط المستقبلية الموضوعة.

مكاتب متخصصة

يتبع لكل مجلس محلي في عفرين مكاتب متخصصة بأعمال معينة كالمكتب الخدمي المختص بالخدمات كإيصال المياه وفتح الطرقات، والمكتب القانوني المختص بإعطاء مهام التجول في عفرين ودخول وخروج المدنيين، فضلًا عن المكتب الأمني المختص بضبط الأمور الأمنية واستقبال طلبات الانتساب إلى “قوات الشرطة والأمن العام”.

وبحسب مصادر عنب بلدي يوجد موظف تركي في كل مجلس محلي في عفرين، مهمته محصورة بالإشراف على عمل المجالس بجميع مكاتبها.

وفي وقت سابق، تحدث نبهان عن تحديات كبيرة في تخديم المنطقة تقابلها “إمكانيات ضعيفة”، وأضاف أن الأولويات تفرض تأمين متطلبات العيش الضرورية لأهالي عفرين، وعلى رأسها تأهيل أفران الخبز وتأمين المياه وتنظيف الطرقات العامة، بالإضافة إلى توفير الوقود.

وعن قطاع التعليم، قال نبهان، إن المجالس باشرت على الفور بالاهتمام بالتعليم في عفرين، إذ تم تعيين مسؤول من المكتب التنفيذي لمجلس عفرين، أجرى لقاءات عدة مع وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، عماد برق، ومسؤولين في مجلس محافظة حلب من أجل وضع هيكلية التعليم في عفرين.

قرية تابعة لمدينة عفرين بريف حلب – 2018 (عنب بلدي)

English version of the article

مقالات متعلقة