العدالة للسوريين: العجز عن تقديم العدالة.. ثم التباهي بها
9 – المحكمة الرومانسية الدولية
منصور العمري
تحيي الأمم المتحدة “اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري” في 30 من آب من كل عام، وتعرّف “الإخفاء القسري” بالتالي:
“الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل مـن أشكال الحرمان مـن الحرية يتم علـى أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم مـن الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفـض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
ينطبق هذا التعريف بحذافيره على ممارسات النظام السوري تجاه عشرات الآلاف من الشعب الذي يمثله في الأمم المتحدة، باعتراف الأمم المتحدة نفسها في تقاريرها.
فمثلًا في تقرير لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق الخاصة بسوريا عام 2013: “بدون أثر: الإخفاء القسري في سوريا”، أقرت بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن أعمال الإخفاء القسري ارتكبتها القوات الحكومية كجزء من هجمات واسعة النطاق ومنتظمة ضد السكان المدنيين ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية.
وفي تقريرها عام 2018: “الاحتجاز في الجمهورية العربية السورية: سبيل المضي قدمًا”، أفادت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية” بأنه:
“تحتجز القوات الحكومية والميليشيات المرتبطة بها عشرات الآلاف من الأشخاص احتجازًا تعسفيًا أو غير قانوني في مراكز احتجاز رسمية ومؤقتة في كل أنحاء الجمهورية العربية السورية، ويجري حبس الأغلبية الساحقة منهم بدون مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة ولا يسمح لهم بالاتصال بممثل قانوني أو بأسرهم، وهم يعانون من مختلف أشكال التعذيب الوحشي ويعيشون بالكاد في أحوال لاإنسانية إلى حد بعيد، وقد مات الكثير منهم في الاحتجاز، في حين تم إعدام آخرين بإجراءات موجزة، ونادرًا ما تتم إعادة جثث الذين ماتوا نتيجة التعذيب أو الإهمال أو الأحوال اللاإنسانية أو الذين تم إعدامهم إلى أسرهم، ولا يتم إبلاغ الأسر أيضًا بدفن الجثث. ومع زيادة أعداد المحتجزين زادت أيضًا أماكن الاحتجاز غير الرسمية والسرية التي يتم فيها حبس هؤلاء الأشخاص”.
وصف هذا التقرير الجرائم التي يرتكبها النظام السوري كالتالي: “بلغ حد الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، والقتل، والاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي، والتعذيب، والسجن في سياق عمليات ممنهجة واسعة الانتشار… بلغ حدها جرائم الحرب المتمثلة بالاحتجاز والقتل، والمعاملة القاسية، والتعذيب، والاغتصاب، والعنف الجنسي، والاعتداء على الكرامة الشخصية”.
قبل أيام، أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، تصريحًا بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري قالت فيه:
“الإخفاء القسري جريمة ضد الإنسانية ويقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. يجب ألا يمر ألم ومعاناة الضحايا وأسرهم ومجتمعهم دون أن يلحظهم أحد. العدالة والمساءلة مهمة”.
يشير التصريح إلى أن الإخفاء القسري يقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بوصفه جريمة ضد الإنسانية، بحيث شملت عموميته الحالة السورية نظريًا.
لكن هذا الكلام غير صحيح، فالجرائم المرتكبة في سوريا لا تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
وقوع جريمة ما ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يعني وجوب شروع المحكمة في الإجراءات القضائية المتعلقة بهذه الجريمة، لكن هذا الأمر لم يحدث في حالة سوريا.
أولًا: لأن سوريا ليست طرفًا في المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية.
ثانيًا: لأن الفيتو الروسي يمنع من إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.
يبذل سوريون أفرادًا ومنظمات، بالإضافة إلى منظمات دولية جهودًا كبيرة منذ سنوات في محاولة إيجاد محاكم لها اختصاص في هذه الجريمة الكبرى المستمرة في سوريا، ومحاولة إنقاذ الأحياء من المعتقلين في أرخبيل النظام السوري للإخفاء القسري، وكانت ردود المحكمة الجنائية الدولية بأنه لا اختصاص لها، وأنها عاجزة عن تقديم العدالة للسوريين.
هل تصريح المدعية العامة تعبير رومانسي عن أمنيات، أم أنه يدل على عدم معرفتها بما يحدث في سوريا؟ أم أنه بيان عام للمشاركة في هذا اليوم، بغض النظر عن دقة المعلومات التي تقدمها رئيسة أعلى محكمة دولية؟
أليس الأجدر بالمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية تجاوز الحالة الرومانسية التي يبدو أنها تعيشها من خلال تصريحها، والنزول إلى أرض الواقع للحديث عن عدم فاعلية المحكمة ووقوعها ضحية للفيتو الروسي، الذي يغلق عمل المحكمة الجنائية الدولية ويدمر علة وجودها؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :