المدنيون يدفعون الثمن

 نيران حوض اليرموك التهمت القمح في موسم الحصاد

camera iconفصيل جيش الثورة يستهدف مواقع جيش خالد بن الوليد في حوض اليرموك بريف درعا - 2 من حزيران 2018 (جيش الثورة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

تدور المعارك في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي بين فصائل المعارضة من جهة و”جيش خالد بن الوليد” حتى اليوم، وغدت أشبه بحلقة مفرغة بين هجمات يشنها الأخير تارة، ومعارك لا تستمر إلا ساعات تشنها الفصائل تارة أخرى، دون أن يغير الطرفان معادلة الحرب.

لكن على الطرف المقابل لا يزال المدنيون يدفعون الثمن، من الأرواح والنزوح والحصار والفقر.

وعلى امتداد المساحة الجغرافية بين مناطق سيطرة الطرفين تنتشر آلاف الدونمات من السهول الزراعية، التي تشتهر منذ عشرات السنين بجودتها ووفرة المياه فيها، ما جعلها خزانًا للمحاصيل الزراعية لكامل المنطقة الجنوبية.

وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية وأمام شح مادة القمح والانقطاع المتكرر للطحين، توجه المزارعون لزراعة القمح دون غيره من المحاصيل، بهدف توفير حاجة المنطقة من هذه المادة، بغض النظر عن توزع السيطرة العسكرية في المنطقة، فالحاجة إلى الخبز لا تُفرق بين مناطق سيطرة الطرفين.

استنفار لكسب “العيش”

دفعت المواجهات العسكرية المستمرة المزارعين خلال موسم حصاد القمح إلى حالة من الاستنفار، فالقمح وما يشبهه من المحاصيل الزراعية سريع الاشتعال، وبإمكان النيران أن تمتد على مساحات جغرافية واسعة خلال دقائق قليلة.

وفي ظروف الحرب التي تعيشها منطقة حوض اليرموك، تصبح المخاوف من النيران أضعافًا مضاعفة، فأي طلقة أو قذيفة عشوائية كفيلة بإشعال المحاصيل الزراعية، واندلاع الاشتباكات بين الطرفين يجعل من إيقاف اندلاع النيران مهمة محفوفة بالمخاطر.

وتحولت هذه المخاوف خلال الأسابيع الماضية إلى واقع عايشه المزارعون في عموم ريف درعا الغربي، إذ التهمت نيران المواجهات شبه اليومية بين مقاتلي المعارضة و”جيش خالد” مئات الدونمات من القمح.

أبو مجاهد العيد من بلدة الشجرة الخاضعة لسيطرة “جيش خالد” كانت خسارته أكثر من عشرة دونمات، وقال لعنب بلدي “قبل بدء الموسم ونحن نقدر خطورة زراعة القمح بسبب النيران، لكن هناك حاجة ماسة له، لذلك زرعت نصف الأرض بالقمح والنصف الآخر بالبطيخ”.

وشرح المزارع اللحظات الأولى لاندلاع النيران، إذ شهدت المنطقة تبادلًا للقصف، ما تسبب باشتعال جزء من محصول القمح وتمدده إلى باقي المحصول خلال ثوان قليلة.

ورغم عدم عودة الهدوء إلى المنطقة فضّل المزارع والعشرات من جيرانه المخاطرة بأنفسهم في سبيل احتواء تمدد النيران نحو مساحات أوسع، ووصف صعوبة المهمة، قائلًا “اضطررنا لاستخدام الوسائل البدائية، وكل مزارع بدأ بحراثة أرضه وتقطيعها لمربعات منفصلة، لتجنب تمدد النيران فيها، حتى وصلت جرارات المياه لتساعد بالإطفاء”.

وبلغت خسارة “أبو مجاهد” أكثر من 700 ألف ليرة سورية (ما يُعادل 1800 دولار تقريبًا)، معتبرًا أن خسارة فرص تأمين مخزون من القمح والطحين أكبر من الخسارة المادية.

حصاد مبكر على الطرف الآخر

تتشابه القصة بكامل تفاصيلها على الجانب الآخر، فقد تسببت المعارك باشتعال النيران في مساحات واسعة على أطراف مدينة نوى وبلدة الشيخ سعد، الخاضعتين لسيطرة فصائل المعارضة.

ووجهت الفصائل اتهاماتها لـ “جيش خالد” بتعمد إشعال النيران في محاصيل القمح، للضغط على الأهالي ولتشتيت فصائل المعارضة عن شنّ أي عمل عسكري.

ولم تغير الاتهامات من الواقع شيئًا، بل دفعت العشرات من المزارعين إلى حصاد المحاصيل مبكرًا، خوفًا من اشتعال النيران فيها، بحسب ما تحدث أحد مالكي الحصادات الزراعية لعنب بلدي.

وأشار إلى أن الحصاد المبكر سيُخفض من كمية المحصول بشكل بسيط، إذ يُعتبر منتصف شهر حزيران الموعد المثالي للبدء بحصد محاصيل القمح، لكن ذلك يبقى أقل ضررًا من خسارة كامل المحصول خلال لحظات.

وأوضح مالك الحصادة أن مهمتهم يشوبها الخطر أيضًا، فتبادل القصف والاشتباكات واندلاعها بشكل مفاجئ يهدد عملهم وحياتهم أيضًا.

هذه النوعية من الحوادث ليست جديدة، فقد عمدت قوات الأسد إلى استهداف المحاصيل الزراعية في المناطق الخارجة عن سيطرتها، متعمدة إحراقها لإضعاف القدرة الاقتصادية لهذه المناطق، الأمر الذي دفع بالعديد من المزارعين للابتعاد عن زراعة “المحاصيل القابلة للاشتعال” واستبدالها بمحاصيل أخرى.

لكن انتقال تبادل إشعال المحاصيل الزراعية بقصد أو دون قصد إلى عمق المناطق الخارجة عن سيطرة قوات الأسد، والتي تعاني أصلًا من عوز القمح والطحين، يُنبئ بمستقبل غامض ينتظر رغيف الخبز في ريف درعا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة