حرب استنزاف على أطراف حوض اليرموك

“جيش خالد” يحاول فتح ممر في درعا لمقاتلي دمشق

camera iconعناصر من جيش خالد بن الوليد خلال معركة السيطرة على بلدة الشيخ سعد غربي درعا - نيسان 2018 (جيش خالد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

انتزع “جيش خالد بن الوليد”، المتهم بمبايعة تنظيم “الدولة الإسلامية”، زمام المبادرة من فصائل المعارضة مجددًا في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، وشنّ هجومًا جديدًا يهدف إلى السيطرة على بلدة الشيخ سعد ومنطقة مساكن جلين المجاورة لها.

الهجوم الذي استمر لساعات استطاع خلاله الفصيل الجهادي السيطرة على المنطقة بشكل شبه كامل، قبل أن تستعيد فصائل المعارضة جميع ما خسرته، لتخلف المعركة عشرات القتلى من الجانبين، وتطرح إشارات استفهام حول هدف الهجوم وتوقيته.

لم تجد فصائل المعارضة إلا تفسيرًا واحدًا للهجوم الأخير زمانًا ومكانًا، عبر ربطه بما يجري من هجوم لقوات الأسد على مناطق سيطرة تنظيم “الدولة” في أحياء جنوبي دمشق.

واعتبر هاشم أبو حذيفة، القيادي في “هيئة تحرير الشام” في حديث لعنب بلدي أن “جيش خالد” يهدف بالسيطرة على بلدة الشيخ سعد إلى ربط مناطق سيطرته بمدينة الشيخ مسكين، التي تسيطر عليها قوات الأسد، وبالتالي تستطيع قوات الأسد نقل مقاتليه من جنوبي دمشق إلى حوض اليرموك.

ويرى قياديو المعارضة أن “جيش خالد” يسعى إلى تعزيز صفوفه بمقاتلي منطقة جنوبي دمشق، الذين من المرجح أن يختاروا الخروج الآمن على سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها قوات الأسد في هجومها.

وقال “أبو حذيفة” إنه خلال العامين الماضيين من الحصار على حوض اليرموك واستنزاف قدرات التنظيم أصبح بحاجة ماسة لتعزيز صفوفه، ويبدو أن خيار استقدام مقاتلي جنوبي دمشق إلى حوض اليرموك هو أفضل خيار متاح لهم حاليًا.

إلا أن إحباط فصائل المعارضة للهجوم واستمرار الحملة العسكرية على جنوبي دمشق، يضع فصائل المعارضة في حالة من الترقب لهجمة مماثلة خلال الأيام المقبلة.

وبالوقوف على أسوأ السيناريوهات المطروحة، في حال نجاح “جيش خالد” بفتح الطريق المفترض إلى مناطق سيطرة قوات الأسد، تبقى إمكانية نقل مقاتلي التنظيم من جنوبي دمشق إلى حوض اليرموك، فرضية تشوبها الكثير من العقبات.

وبحسب القيادي تمتلك فصائل المعارضة الحق في إفشال صفقة مرور عناصر التنظيم في حال تمت، عبر استهداف أماكن تجمع الحافلات أو مسارها، أو استهداف مواقع قوات الأسد وحواجزه في الشيخ مسكين لإفشال العملية.

ويرى عدد من مقاتلي فصائل المعارضة أنهم المعني الأول بتعزيز “جيش خالد” لقواته أكثر من قوات الأسد، بالإضافة إلى الهاجس الأكبر الذي تخشاه فصائل المعارضة باستغلال قوات الأسد لنقاط التماس مع “جيش خالد” في التقدم نحو حوض اليرموك عسكريًا.

وأوضح “أبو حذيفة” أن روسيا والأسد بإمكانهما التذرع بسيطرة تنظيم “الدولة” على حوض اليرموك للتقدم والسيطرة عليه، وبالتالي تقطيع أوصال المناطق المحررة، وحينها لا تملك الفصائل الكثير للقيام به.

أعنف المعارك في درعا

صراع الأهداف بين “جيش خالد” وفصائل المعارضة جعل من المعركة واحدة من أعنف المعارك التي شهدتها محافظة درعا خلال الأشهر الماضية، لتخلف أكثر من 50 قتيلًا من الطرفين، بحسب عمر الحريري، عضو “مكتب توثيق الشهداء في درعا”.

وعزا الحريري ارتفاع الرقم إلى “شراسة الهجوم واستخدام جيش خالد لسيارة مفخخة واعتماده على الخلايا النائمة”.

وأشار لعنب بلدي إلى أن بلدة الشيخ سعد التي شهدت أعنف المواجهات فقدت 11 من أبنائها من كلا الطرفين، ووثق المكتب مقتل ستة مقاتلين من “الجيش الحر” ومقاتل من “هيئة تحرير الشام”.

كما وثق مقتل أربعة مقاتلين من “جيش خالد”، وجميعهم أبناء بلدة واحدة.

ورأى عضو “مكتب التوثيق” أن معركة حوض اليرموك تحولت إلى بؤرة استنزاف للمقاتلين في محافظة درعا.

ومنذ منذ مطلع 2018 وثق مقتل أكثر من 100 مقاتل من الطرفين، بالإضافة إلى المئات خلال العام الماضي، ولا توجد أي بوادر لإيقاف هذه المعركة قريبًا، ما يعني أن حالة الاستنزاف مستمرة.

لم تشهد خريطة السيطرة في محافظة درعا أي تغييرات منذ إعلان اتفاقية “تخفيف التوتر”، في تموز الماضي، في ظل حفاظ الأطراف الثلاثة الفاعلة على الأرض على مواقعها.

ورغم أن مناطق سيطرة “جيش خالد” في حكم المناطق المعادية كما هي مناطق سيطرة قوات الأسد، بالنسبة إلى فصائل المعارضة، تخشى فصائل المعارضة من إحداث تغييرات غير متوقعة على الخارطة تجبرها على اتخاذ تدابير عسكرية جديدة، قد لا تكون جاهزة للتعامل معها في هذه المرحلة.

معارك التنظيم لم تحسم في دمشق

وحتى اليوم تستمر المواجهات العسكرية بين قوات الأسد والميليشيات المساندة لها وتنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يسيطر على قرابة 70% من مساحة مخيم اليرموك ويتمركز في حي الحجر الأسود (معقله الرئيسي)، ومنطقة العسالي في حي القدم، إضافة إلى سيطرته على قسم من حي التضامن الدمشقي.

ونشرت وكالة “أعماق”، التابعة له، على مدار الأيام الماضية، صورًا وتسجيلات مصورة أظهرت قتلى قوات الأسد في أثناء تقدمها ضمن المناطق التي يسيطر عليها، وأكدت ثبات الجبهات العسكرية دون أي تقدم لقوات الأسد، التي تحاول التوغل في الجهة الجنوبية للأحياء المحاصرة، على الخط الفاصل بين المناطق التي يسيطر عليها التنظيم والمناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.

وجرت خلال السنوات الماضية مفاوضات بين التنظيم والنظام السوري على أكثر من صعيد، ناقشت خروج مقاتلي التنظيم من المنطقة، لكنها لم تكتمل.

مخيم اليرموك.. هدده شارون ودمره الأسد

“ذهب شارون وبقي الأسد”، عبارة تداولها ناشطون في مواقع التواصل، لخصت الحالة التي يعيشها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوبي دمشق، بعد بدء قوات الأسد والميليشيات المساندة لها عملية عسكرية تجاهه، متبعة سياسة تدمير كبيرة بالأسلحة عالية التدمير، آخرها الخراطيم المتفجرة.

ولم يكن الربط بين شارون والأسد إنشائيًا، ففي ثمانينيات القرن الماضي هدد الأول المخيم بالاجتياح بكلمة مشهورة له “لك يوم أسود يا مخيم اليرموك”، لينفذها الأسد اليوم عن طريق قواته التي شاركت إلى جانبها ميليشيات فلسطينية لم يكن “حق العودة” أحد أهدافها، بل الطريق الذي رسم لها في سوريا من قبل النظام السوري.

“عاصمة الشتات الفلسطيني”، “رمز العودة”، “الوطن الآخر”، أوصاف أطلقت على المخيم قبل 36 عامًا، وخاض أبناؤه معارك ضد الجيش الإسرائيلي جنوبي لبنان.

شأن المخيم شأن المدن السورية الأخرى الخارجة عن سيطرة النظام السوري، لكن خصوصيته تأتي من أن أهله يتعرضون للنزوح واللجوء للمرة الألف منذ أن أخرجوا من فلسطين.

وتتضارب الأرقام عن عدد سكان مخيم اليرموك، وقدرت وكالة “الأونروا” عدد اللاجئين القاطنين فيه عام 2002 بأكثر من 112 ألف نسمة.

لكن هذه الأرقام لا تشمل عشرات آلاف اللاجئين الذين وصلوا في ستينيات القرن الماضي، الأمر الذي يرجح ارتفاع عدد السكان إلى 220 ألف نسمة.

وتعود جذور السكان فيه إلى منطقة الجليل والمدن الساحلية بالأراضي المحتلة، ومنطقة بحيرة طبرية وسهل الحولة وحيفا وعكا والناصرة وصفد، إلى جانب اللد والرملة والخليل والقدس، وأطلق على عدد من أحيائه وحاراته أسماء مناطق فلسطينية.

يعتبر “اليرموك” أحد أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، وأنشئ عام 1957 على مساحة تقدر بـ 2.11 كيلومتر مربع لتوفير الإقامة والمسكن للفلسطينيين بعد النكبة.

ورغم أنه غير رسمي، حسب تصنيف “الأونروا”، له رمزية كبيرة قياسًا بالمخيمات الأخرى.

يكتسب أهمية استراتيجية من خلال موقعه الجغرافي، فيحده شمالًا حيا الميدان والشاغور، ومن الشرق يشرف على امتداده حي التضامن، ومن الجنوب الحجر الأسود، وحي القدم غربًا.

تحول المخيم في السنوات الأولى للثورة السورية إلى ملجأ لكثير من أهالي ريف دمشق، وخاصةً مدن ببيلا ويلدا وأحياء التضامن والحجر الأسود والقدم والعسالي.

في شهر كانون الأول 2012، بدأت قوات الأسد حملة عسكرية عليه بعد تقدم فصائل المعارضة من الأحياء الجنوبية في دمشق، ورافق ذلك قصف من الطيران الحربي استهدف مدرسة الكرمل وجامع عبد القادر الحسيني، الذي كان يؤوي الكثير من النازحين من الأحياء المجاورة، ما أدى إلى سقوط ضحايا وجرحى.

ولم تتوقف الضربات الجوية منذ 2012، وتعاونت قوات الأسد وقوات فلسطينية تابعة لأحمد جبريل على قصف المخيم بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وصولًا إلى فرض حصار كامل عليه، في حزيران 2013، حتى اليوم.

سبّب هذا الحصار نقصًا في المواد الغذائية وتضخمًا كبيرًا بالأسعار، لتخرج صور المصابين بسوء التغذية من داخل المخيم.

في بداية نيسان 2015 نجح تنظيم “الدولة الإسلامية” في اقتحام المخيم، وسيطر على أجزاء كبيرة منه تبلغ اليوم 70%، بينما تسيطر “هيئة تحرير الشام” على مساحة منه تقدر بـ 10%، والنسبة المتبقية ضمن نفوذ الميليشيات الفلسطينية المساندة لقوات الأسد.

وعلى مدار السنوات الماضية من سيطرة التنظيم تكررت حالات الإعدام التي نفذها بحق بعض الأهالي، وتنوعت التهم بين التعامل مع فصائل المعارضة في الأحياء المجاورة، أو مخالفة التعليمات الخاصة به.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة