المواجهات تدخل شهرها الثاني

مواقف علنية تخفي الأهداف الرئيسية لـ “اقتتال” إدلب

camera iconعناصر من فصيل صقور الشام في ريف إدلب الجنوبي - آذار 2018 (وكالة إباء)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – طارق أبو زياد

دخل الاقتتال الداخلي بين “هيئة تحرير الشام” و”جبهة تحرير سويا” شهره الثاني دون غلبة لأي طرف على آخر، ويعتبر الأطول من نوعه زمنيًا في إدلب، إذ تعيش المدينة وأريافها، إضافة إلى ريف حلب الغربي، اشتباكات دائمة، خلفت ضحايا مدنيين وقتلى عسكريين، وأثرت بدورها على الحياة العامة. على مدار الأيام الماضية تشابهت الاتهامات الموجهة من كل طرف للآخر، فكلمة “البغي” لم تفارق البيانات الرسمية، وزاد على ذلك تهم وجهت لـ “تحرير سوريا” على أنها تتعامل مع ما يوصف محليًا بـ “الميليشيات الكردية”.

وبعيدًا عن المواقف العلنية للفصيلين، أصبح أهالي إدلب على وعي بأسباب “الاقتتال” الرئيسية، التي بدأت بوادرها تطفو على السطح.

بذور “الاقتتال” ليست جديدة

تواصلت عنب بلدي مع مصدر خاص شغل مناصب قيادية في “الجبهة” و”الهيئة” وعلى اطلاع على مجريات التفاوض والقتال، واعتبر أن المواجهات الحالية هي “الأعنف والأخطر على الثورة، فهي قتال لتجريد الأسماء بين النصرة والأحرار، القطبين الأكبر في الساحة، إذ يتنافسان لفرض السيطرة والقوة ليصبح أحدهم القطب الوحيد الآمر الناهي في إدلب”.

وأوضح المصدر أن “تحرير الشام” استطاعت أن تصل إلى “المجد” في قتالها الأول ضد “أحرار الشام”، 2017 الماضي، والذي أفضى إلى سيطرتها على معبر باب الهوى ومدينة إدلب وأغلب المناطق الاستراتيجية بالمحافظة، لتفرض نفسها على أنها “القوة الوحيدة التي تحكم المناطق المحررة ولها القول الأول والأخير”.

وبحسب المصدر، فإن الحرب بين الطرفين ليست جديدة، وكانت أولى بذورها في أثناء حل “جيش الفتح” ومعارك ريف حلب الجنوبي، وبالرغم من أن الطرفين كانا يعتبران طرفًا واحدًا، واستطاعا خوض معارك “شرسة” ضد قوات الأسد، كان الخلاف دفينًا حينها وخاصة على مستوى القيادات.

وفيما كان المقاتلون منسجمين بشكل تام، وحديثهم عن احتمال حدوث اقتتال بينهما كان يواجه بالسخرية والاستحالة، قال المصدر، “ما كنا نخاف منه في الأمس أصبح واقعًا اليوم”.

“الأحرار” وحلم المجد

خسارة “أحرار الشام” لأغلب مواقعها في إدلب، وتحولها من الفصيل الأكبر إلى فصيل كغيره من فصائل “الجيش الحر”، ولّد رغبة بالانتقام والسعي لاسترداد السيطرة، زادتها أفعال “هيئة تحرير الشام”، وتشكيلها لـ “حكومة الإنقاذ” وتحكمها بموارد المواطنين والتضييق عليهم.

وكانت الإجراءات الأخيرة التي قامت بها “الهيئة”، أواخر 2017 الماضي، فرصة لـ “أحرار الشام” لإعادة مجدها العسكري من جديد، إذ استطاعت أن تقنع مقاتليها بأن قتال “الهيئة” في حال حصوله هو واجب للتخلص من وطأتها على الناس وإخراجها من دائرة التحكم بمصير إدلب وإبعاده عن السواد، الذي هو “الركن الأساسي في الهيئة”.

وأوضح المصدر (طلب عدم ذكر اسمه) أن “أحرار الشام” استطاعت أن تتخلص من الأعداد الكبيرة المنضمة لها وأبقت على بضعة آلاف قامت بتدريبهم وتجهيزهم وتنظيمهم، وبدا للمراقبين أن الأمور بين الفصيلين عادت إلى طبيعتها، لكن ما يجري داخل كل طرف كان مخالفًا للواقع، وبينما كانت “الأحرار” تتجهز، تلقت “تحرير الشام” الضربة تلو الأخرى، أبرزها اتهامات تتعلق بتسليم مناطق شرق السكة، وانشقاقات منيت بها كانت كفيلة بإضعافها.

“الزنكي”.. عدو عدوي صديقي

ما يضاف على “الاقتتال” الجديد المتجدد، هو اندماج “حركة نور الدين الزنكي” مع “أحرار الشام” ضد “الهيئة”، رغم أن “الزنكي” كانت أحد أبرز أركان “الهيئة” في الأشهر الماضية.

علاء العلي، قائد كتيبة اعتزل القتال منذ سنتين ويسكن في منطقة أورم الكبرى، قال لعنب بلدي إن “الأحرار والزنكي لم يتفقوا أبدًا في السابق كما الزنكي والجبهة، فالمشاريع غير متطابقة والأفكار متباعدة”، مستغربًا “كيف للزنكي أن يكون مع الفصيلين وضد الفصيلين خلال سنة”.

وأضاف العلي أن التفسير الوحيد لهذا الأمر هو المصلحة والنفوذ، وعندما كانت “جبهة النصرة” في قوتها، انضمت “الزنكي” معها لتحافظ على مناطقها في ريف حلب الغربي، وعندما شعرت بأن “تحرير الشام” تعمل على إنهائها داخليًا ودمجها بشكل تام داخل صفوفها، تداركت الأمر وأعلنت انفصالها وتحالفها بعد فترة مع “أحرار الشام” لتشكل معها قوة تحافظ على مناطقها وتخفف عنها الضغط في حال وقع صدام مع “تحرير الشام”، وهو ما يحدث اليوم.

الخوف من مفتاح “درع الفرات”

تسيطر “تحرير الشام” على أغلب مفاصل الشمال، وتتحكم بجميع المعابر، ما طرح تساؤلات عن الهدف الذي ترنو إليه من المعارك ضد “الزنكي” في ريف حلب الغربي.

وأوضح مصدر عسكري لعنب بلدي أن خروج “الزنكي” من صفوف “الهيئة” وتثبيت سيطرتها في ريف حلب الغربي، التي تعتبر المفتاح لمناطق “درع الفرات” ولّد تخوفًا كبيرًا لدى “تحرير الشام”.

ويضم تحالف “درع الفرات” الفصائل التي قضت عليها “تحرير الشام” في إدلب وقاتلتها وأخرجتها، وعند وصولها إلى ريف حلب الغربي وتغلغلها في المناطق المحاذية لإدلب أصبح من الضروري استباق الأمر والسعي للسيطرة على المنطقة.

وأشار المصدر إلى أن هذا الأمر دفع “الهيئة” إلى زج كامل قواها للسيطرة على المنقطة قبل انتهاء معركة “غصن الزيتون”، لكن دخول “أحرار الشام” في المواجهة وضرب “الهيئة” جنوبي إدلب أربك خطتها، وأدخل الساحة في الاقتتال المستمر حاليًا.

وخلال الشهرين الماضيين رصدت عنب بلدي تطورات المفاوضات بين الطرفين، إذ تم التوصل إلى هدنة مؤقتة لأيام معدودة سرعان ما انتهت وعادت حالة الاقتتال.

ويسرد القائمون على الصلح بين الطرفين تفاصيل سير العملية التفاوضية، ولا تعدو كونها مماطلة لا أكثر، بعد الخلاف على مكان عقد الاجتماعات والتخلف عن المواعيد وغيرها، ما يظهر جليًا عدم نية أحد الأطراف أو كلاهما عقد اتفاق.

وعلى المستوى العسكري لم يحقق أي فصيل أهدافه، لكن “تحرير سوريا” تمكنت من السيطرة على أغلب مناطق “تحرير الشام” في ريف إدلب الجنوبي، على خلاف جبهات ريف حلب الغربي، والتي كان لـ “الهيئة” النفوذ الأوسع فيها.

وبحسب المصدر تطلب “تحرير الشام” إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل “الاقتتال” الحالي، لكن “تحرير سوريا” تطلب عودته إلى ما قبل “الاقتتال” الأول، والذي خسرت فيه “الأحرار” معبر باب الهوى الحدودي.

وقال المصدر إن الهدن التي تم التوصل إليها في الأيام الماضية تهدف إلى تخفيف الضغط الشعبي المعارض للاقتتال، وإعادة ترتيب الصفوف العسكرية.

إلى أين تسير المواجهات؟

حتى اليوم لا يلوح في الأفق أي حل بين الفصيلين، فقد كثر القتل بينهما، وأصبحت المنطقة ملتهبة وتقسمت مناطق السيطرة، في مشهد ينذر بطول أمد “الاقتتال” وتحوله إلى واقع دائم.

لكن ورغم ذلك توجد لكل فصيل نقطة ضعف، وبحسب معلومات عسكرية حصلت عليها عنب بلدي تعاني “تحرير الشام” من ضعف في العنصر البشري الذي تركها بعد أن أيقن أن “الاقتتال” هو لأهداف وغايات قيادية ولفرض السيطرة.

لكن هذا الضعف يقابله موارد مالية حصلت عليها من المعابر والتحكم في اقتصاد المنطقة، ما يجعلها أفضل من الناحية اللوجستية، إذ تقدم 50 دولارًا عن كل أسبوع لمقاتليها، بحسب ما قال أحد العناصر فيها والذي اعتزل القتال.

أما “تحرير سوريا”، فتعيش أريحية بالأعداد المقاتلة، إذ إن العناصر التابعين لها على يقين اليوم من مشروع “الهيئة”، الذي ظهرت بذوره في فرض السيطرة والتحكم في الناس.

لكنها تعيش في أزمة مالية خانقة تجعل من أمد “الاقتتال” إن طال ليس في صالحها، إذ لم تدفع رواتب لمقاتليها منذ أشهر، بسبب توقف الدعم الخارجي لها من جهة وعدم وجود أي مورد اقتصادي لها في محافظة إدلب، كما أفاد خالد حصري وهو قائد عسكري في “أحرار الشام”.

يتوقع مراقبون أن “الاقتتال” لن يستمر طويلًا فلن يتحمل الطرفان تبعات القتال، وتدور السيناريوهات المتوقعة حول رضوخ أحد الأطراف للآخر حسب شروطه، أو استمرار المواجهات، ما يضعف الطرفين عسكريًا ويفتح الطريق لفصيل آخر يستلم إدارة إدلب من جديد، وهو ما دار الحديث عنه في الأيام الماضية عن خطة لتسليم فصيل “فيلق الشام”، المدعوم تركيًا، أمور محافظة إدلب عسكريًا واقتصاديًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة