خذلان دولي وداخلي لأهالي الغوطة الشرقية
عنب بلدي – خاص
يختصر مشهد النزوح من الغوطة الشرقية حالة “الخذلان” التي تعرض لها المدنيون من المجتمع الدولي من جهة، ومن التشكيلة الفصائلية التي تقود المنطقة منذ خمس سنوات مضت من جهة أخرى، وكانت التسجيلات المصورة التي أظهرت لحظة خروجهم من بلداتهم ومدنهم أقسى من صور الضحايا والجرحى الذين سقطوا على مدار الأشهر الماضية من العمليات العسكرية لقوات الأسد.
ربما نجحت روسيا في تطبيق سيناريو حلب في الغوطة، لكن الأمر زاد على ذلك وتحول إلى ظروف تهجير لم تعشها أي مدينة من قبل خلال سنوات الثورة السورية، إذ خرج المدنيون مجبرين على أقدامهم باتجاه مناطق سيطرة النظام، بعد أن تهاوت الفصائل وتراجعت بشكل غير متوقع، مع تقدم حملة الأسد العنيفة في القطاع الأوسط.
تصدرت بلدة حمورية مشهد التهجير، وكانت المنطقة الأولى التي يخرج منها آلاف المدنيين عبر معابر فتحها النظام السوري، وجاء ذلك عقب قصف مكثف بشتى الأسلحة عليها، رافقه هجوم بري لقوات الأسد، تمكن فيه من الدخول في عمق البلدة والمناطق المحيطة بها، بعد انسحاب فصيل “فيلق الرحمن”.
التقسيم فرض سابقًا
بعد أسبوع من بدء العملية العسكرية تمكنت قوات الأسد والميليشيات المساندة لها من تقسيم الغوطة الشرقية إلى ثلاثة جيوب هي: دوما بسيطرة لــ “جيش الإسلام”، القطاع الأوسط بسيطرة لـ “فيلق الرحمن”، وحرستا تحت سيطرة “حركة أحرار الشام الإسلامية”.
لكن الأمر لم يكن جديدًا على المنطقة، إذ غذّت الصراعات الداخلية بين الفصائل العسكرية فكرة التقسيم في وقت سابق، وانتشرت الحواجز بين مناطق الطرفين وكان لها دور كبير في ترسيم حدود كل فصيل عن آخر، الأمر الذي عزز الشرخ بين المجتمع الداخلي للغوطة والذي ارتبط بالانقسام العسكري.
ولم يقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلى الإعلام الخاص بالمنطقة، وتبنى كل فصيل وسائل إعلامية ناطقة باسمه وبالمناطق التي يسيطر عليها، وصولًا إلى تعميم أخير لفصيل “فيلق الرحمن” بمنع نشر الأخبار الميدانية والعسكرية إلا بتوجيهات منه، الأمر الذي تخوف منه مدنيون، كون عدة جبهات شهدت انسحابات دون الإعلان عنها إلا من طرف النظام السوري.
تراجع كبير شهدته الجبهات، وخسرت الفصائل في أقل من شهر 70 % من المساحة الجغرافية التي كانت تسيطر عليها سابقًا، وبالتزامن مع ذلك لم يفلح المجتمع الدولي في الوصول إلى حل يوقف إطلاق النار وتقدم قوات الأسد، وكانت التصريحات من قبل الدول الإقليمية “خلبية”، قياسًا بالتعنت الروسي حول استمرار العمليات العسكرية، وإجبار الفصائل على الجلوس على الطاولة لتحديد مصيرها في المنطقة.
جميع ما سبق كان عاملًا مؤثرًا بشكل كبير لتحول المدنيين إلى حالة من “اليأس”، بحسب ما نقله مراسل عنب بلدي، مشيرًا إلى أن الأمر انسحب على عناصر الفصائل العسكرية من خلال تشتت العمل العسكري، والذي زاد منه الضغط الكبير الذي فرضه الأهالي سعيًا منهم للتوصل إلى حل وإبعاد القرار العسكري عن مصيرهم.
التفاوض حسب المصلحة
منذ 20 من شباط الماضي تصدرت المفاوضات عن مصير الغوطة الشرقية المشهد إلى جانب التحركات على الأرض، لكنه على جانبين، الأول بين الفصائل العسكرية والجانب الروسي، والآخر بين الأهالي وروسيا والنظام السوري من جهة أخرى.
وبعد إصرارها على رفض التفاوض مع الروس، أعلنت الفصائل العسكرية العاملة في الغوطة في بيان مشترك استعدادها للتفاوض بصورة مباشرة في “جنيف” مع روسيا، لكن برعاية الأمم المتحدة، وذلك من أجل تنفيذ بنود القرار الأخير “2401”.
وأكدت على رفض “التهجير القسري والتغيير الديموغرافي”، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين.
وسبقت ذلك مفاوضات قامت بها لجان مدنية، وبحسب مصادر مطلعة لعنب بلدي فإن اللجان فاوضت بشكل منفرد مع النظام السوري وروسيا عن بلدات حمورية ومديرا وبيت سوى، وشكل هذه اللجان مواطنون ووجهاء محليون، وسط امتناع رسمي من الفصائل العسكرية عن التصريح بشأن مفاوضات تقودها.
الجانب الروسي أكد على سيره في المفاوضات، وفي بيان لوزارة الدفاع الروسية في 17 من آذار الحالي، قالت إن روسيا تفي بكامل التزاماتها حيال قرار مجلس الأمن 2401 المتعلق بإيقاف إطلاق النار، وإن “مركز المصالحة” في سوريا يتفاوض بنشاط مع قادة الفصائل العسكرية.
وقالت الوزارة “في إطار تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2401، تستمر روسيا في الوفاء بالتزاماتها بشكل كامل، ويقوم المركز الروسي للمصالحة بتنظيم عمل تفاوضي نشط مع قادة المعارضة السورية”.
أربعة معابر فتحها النظام في الغوطة
مخيم الوافدين
المعروف بالمنطقة المحرمة من الغوطة، هو ممر تجاري تدخل عن طريقه القوافل التجارية إلى المنطقة المحاصرة بواسطة تجار، قبل أن تعلن عنه روسيا ممرًا لخروج المدنيين.
ويتبع المخيم لناحية دوما، ويشكل جسرًا يصل مناطق سيطرة المعارضة بمناطق سيطرة النظام بدمشق.
مؤخرًا خرج ما يقارب 300 عائلة من المعبر عقب اتفاق فصيل “جيش الإسلام” مع الجانب الروسي عبر الأمم المتحدة لخروج حالات مرضية من الغوطة، واقتصر خروج المرضى على مدينة دوما فقط بسبب تمكّن قوات الأسد من فصل القطاع الأوسط عن المدينة.
جسر الغيضة جسرين
مع استمرار المعارك في بلدة الأفتريس أعلنت قوات الأسد عن فتح معبر ثان في جسرين بمنطقة جسر الغيضة الواصلة مع بلدة المليحة لخروج المدنيين، إلا أن المعبر لم يشهد خروج أي مدني، وعزا النظام الأمر إلى منع فصائل المعارضة المدنيين من الخروج من مناطق سيطرتها.
الموارد المائية في حرستا
تمكنت قوات الأسد من فصل مدينة حرستا عن دوما والقطاع الأوسط بعد أن وصلت شرق المنطقة بإدارة المركبات، وقطعت طريق دوما-حرستا ناريًا قبل السيطرة عليه.
وبالتزامن مع ذلك فتحت القوات معبرًا ثالث بالمنطقة بالقرب من طريق دمشق-حمص الدولي في مؤسسة “الموارد المائية” بحرستا، وأعلنت وكالة “سانا” الرسمية عن خروج حوالي 100 شخص على الأقل من المعبر، السبت 17 من آذار الماضي.
حمورية وسط الغوطة
مع وصول القوات إلى مدخل حمورية الشرقية، أعلنت عن معبرها الرابع في المنطقة الذي تدفق منه آلاف المدنيين من القطاع الأوسط باتجاه الممر الآمن الذي افتتحته برعاية روسية.
يقع المعبر بالقرب من معمل “الأحلام” للصناعات الغذائية شرق حمورية الواقعة في وسط الغوطة.
عدد المدنيين الخارجين منه بلغ بحسب تصريح وزارة الدفاع الروسية 22 آلفًا، ونقل النظام السوري المدنيين إلى مخيمات الدوير بالقرب من عدرا في ريف دمشق.
وبحسب مصادر عنب بلدي لم يتسع المعسكر لآلاف المدنيين الواصلين، إذ يستوعب ستة آلاف شخص فقط الأمر الذي اضطر النظام السوري لوضع المدنيين في مدارس في عدرا البلد وعدرا المدينة التي تبعد عن العاصمة السورية دمشق مسافة 25 كيلومترًا.
وبقي المئات من الأهالي عالقين بالقرب من الباصات التي نقلتهم من المنطقة، ريثما يتم “تسوية” أوضاعهم بحسب المصادر.
وإلى جانب الدوير اضطر النظام السوري إلى نقل المئات من الأهالي إلى مخيمات حرجلة بالقرب من بلدة الكسوة في ريف دمشق الغربي، وهي قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 10 آلاف نسمة بحسب أرقام رسمية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :