طرقات تهريب تدر الملايين في محيط دمشق

camera iconشباب سوريون يعملون بإنتاج المحروقات في الغوطة شرق دمشق - 9 أيار 2017 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد حمص

أثارت قضية خروج القاضي في “مجلس القضاء الأعلى” في الغوطة الشرقية، يوسف عبد العزيز، متوجهًا إلى السودان، مطلع العام الجاري، تساؤلات عن طريقة خروجه، بالرغم من الحصار المطبق على الغوطة منذ أعوام.

وتباينت وجهات النظر حول كيفية مغادرة الغوطة وسببها، فالبعض اعتبر أن روسيا وراء إخراجه إلى دمشق ثم إلى روسيا للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عقد في مدينة سوتشي الأسبوع الماضي، في حين ألمح آخرون إلى وجود طريق عسكري خاص بالفصائل.

لكن مصدرًا، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لعنب بلدي إن القاضي خرج من معبر مخيم الوافدين الذي يفصل الغوطة عن مناطق سيطرة النظام، بعد دفع مبلغ مالي لوسيط من أجل السماح له بالمرور عبر الحاجز، ومن هناك تمكن القاضي من السفر إلى السودان حيث نشر  صورًا جديدة له.

حركة السفر والتهريب في المناطق المحاصرة لم تقتصر على الغوطة الشرقية، وإنما شملت جنوب دمشق المحاصر، حيث يتقاضى عناصر وضباط تابعون للنظام مبالغ مالية لإخراج مطلوبين من المنطقة إلى الشمال السوري أو إلى درعا في الجنوب.

وتقسم المنطقة في جنوب دمشق إلى ثلاث مناطق تتوزع فيها فصائل المعارضة، إضافة إلى “هيئة تحرير الشام” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وتحاصرها قوات الأسد، منذ آب 2014، بعد السيطرة على عدة بلدات فيها، لتوقّع بعدها فصائل المعارضة هدنة مع النظام ويفتح معبر بلدة ببيلا الواصل مع مناطق سيطرته، وتبقى المنطقة في مصير مجهول، الأمر الذي دفع الكثير من الشباب إلى الخروج من المنطقة عبر دفع مبالغ مالية لعناصر النظام على الحواجز.

الضباط أكبر المستفيدين

تكاليف طرق التهريب لم تكن مجانية، وإنما اختلفت بحسب المنطقة المراد الوصول إليها، إذ بدأت من مناطق سيطرة تنظيم “الدولة” باتجاه الشمال السوري، بتكلفة تفوق أربعة آلاف دولار للشخص الواحد، وسط ترجيحات بالزيادة بحسب التطورات اليومية، وانتقلت إلى مناطق سيطرة المعارضة في يلدا وبيت سحم وبنفس التكلفة مع اختلاف نقطة الانطلاق.

وبلغت تكلفة خروج الشخص عبر طريق يصفه البعض بالآمن 4300 دولار أمريكي للشخص الواحد (ما يعادل أكثر من مليونين و21 ألف ليرة سورية بحسب سعر الصرف)، بحسب ما قاله مدير فريق “دمشق برس” في أحياء دمشق الجنوبية، فادي شباط، لعنب بلدي.

وأوضح أن التكلفة تشمل وصول الشخص إلى مدينة إدلب شمال سوريا وثم إلى تركيا عبر الحدود.

وأوضح شباط أن الرحلة تنطلق من الحجر الأسود القابعة تحت سيطرة تنظيم “الدولة”، ومن منطقة سيدي قداد، الخاضعة لسيطرة المعارضة، مباشرةً إلى قلعة المضيق، عبر حافلة ترافقها سيارتان من الأمام والخلف دون التوقف على حواجز قوات الأسد المنتشرة في الطريق، وسط منع السائقين نزول الأشخاص من السيارة تحت أي ظرف كان، وتستغرق الرحلة حوالي أربع ساعات.

وعقب الوصول إلى قلعة المضيق يكون بانتظار الأشخاص فريق آخر للتهريب مهمته تأمين المسافرين إلى داخل الحدود التركية، بحسب شباط، الذي أشار إلى أن المبلغ المالي الذي يُتفق عليه يوضع لدى طرف ثالث موثوق لدى الطرفين، وغالبًا يكون ضامن الرحلة، ويتم دفع المبلغ لضباط النظام المسؤولين عن خروج الأشخاص من الحاجز عندما يتم التأكد من وصول الأشخاص إلى المناطق المطلوبة.

أما تكلفة توجه الشخص إلى مناطق سيطرة المعارضة في درعا جنوب سوريا فتبلغ 1500 دولار (ما يعادل 705 آلاف ليرة سورية).

ويكون خروج الأشخاص على دفعات، لا تقل كل دفعة عن عشرة أشخاص ضمن شروط يفرضها السائقون على الأشخاص ضمانًا لعبورهم.

تكلفة الخروج ازدادت مع ازدياد طلب المغادرة من المنطقة، بحسب ما قاله مواطنون في أحياء دمشق الجنوبية لعنب بلدي، بينهم حسن المحمد، الذي أكد أن المستفيد الأول والأخير هم ضباط المخابرات والجيش.

لكن كثيرين يرفضون التنقل بهذه الطريقة خوفًا من الاعتقال، في حين أكد شباط أنه لم تسجل حالات اعتقال لتصبح ظاهرة، سوى شخصين اعتقلا بسبب تأخرهم على موعد اللقاء مع الشخص المكلف بإيصالهم، ويعمل الضامنون على إخراجهم من المعتقل.

في حين أصدرت الفصائل قرارًا داخليًا يقضي بمنع الخروج عبر طريق التهريب، وبحسب شباط فإن تنظيم “الدولة” شن عدة حملات اعتقال لعناصره الذين يريدون الخروج بعد نصب كمائن لهم ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم.

مافيات التهريب في برزة كانت سباقة

طريق الخروج من الغوطة الشرقية كان يقتصر على حي برزة الدمشقي قبل السيطرة عليه من قبل قوات الأسد، ضمن اتفاق تسوية أفضى بخروج المقاتلين إلى شمالي سوريا العام الماضي.

الحي شهد عمليات تهريب متعددة، إذ كان نقطة انطلاق للأشخاص المطلوبين أمنيًا من الغوطة وأحياء القابون وتشرين، وبحسب معلومات عنب بلدي فإن عمليات التهريب كانت تتم عن طريق تزوير الشخص المطلوب أوراقًا ثبوتية (هوية ودفتر خدمة علم وهوية موظف)، قبل الانطلاق إلى كراجات النقل في دمشق عبر سائق (ناقل)، الذي يتفق مع سائق البولمان لضمان منع تعرض الشخص للاعتقال.

ووفق مصادر مطلعة لعنب بلدي، فإن الأعداد التي كانت تخرج من الحي شهريًا تصل إلى 400 شخص، وبتكلفة تبدأ من 1500 دولار أمريكي (حوالي 705 آلاف ليرة سورية) لتصل إلى حدها الأعلى إلى ألفي دولار (ما يعادل 940 ألف ليرة).

عمليات التهريب لم تقتصر على الأشخاص فحسب، وإنما شملت عمليات تهريب المخدرات والآثار والسلاح، وكانت عنب بلدي شهدت إحدى صفقات لتهريب “حجر فيروز” يزن 3800 غرام من الغوطة الشرقية وصولًا إلى برزة ومن ثم إلى خارج سوريا.

وكان من المفترض أن يصل الحجر إلى مشترٍ يقيم في الإمارات، وبلغت قيمة المبلغ المدفوع 60 ألف دولار أمريكي، إلا أن البائع رفض بيعه معتبرًا المبلغ زهيدًا مقارنة بوزن الحجر وقيمته.

وبحسب معلومات عنب بلدي، فإن عمليات تهريب الأشخاص وتجارة الآثار تتم عن طريق عدة أشخاص على رأسهم الوسيط المعروف في المنطقة باسم “أبو عبدو البارون”، الذي يعتبر من أكبر المهربين، وهو على صلة مع ضباط ووسطاء في صفوف النظام.

وكان “البارون” قياديًا سابقًا في حي تشرين أثناء المعارك ضد قوات الأسد، قبل أن يوقع على اتفاق المصالحة ويخرج إلى إدلب في 18 أيار 2017.

البديل في معبر الوافدين

بعد إغلاق طريق برزة، انحصر الخروج من الغوطة الشرقية بمعبر الوافدين، الذي يستخدم لأغراض التجارة ودخول القوافل الإنسانية، ويتحكم به النظام السوري.

وأكدت مصادر عنب بلدي أن الطريقة باتت أكثر صعوبة ومحصورة بضباط في النظام السوري، بمقابل مادي يصل إلى ألف دولار، إلى العاصمة دمشق فقط.

كما يستخدم المعبر لتمرير آليات مصانع ومواد خام من داخل الغوطة المحاصرة منذ أربع سنوات، بنفس الطريقة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة