النظام أكثر المستفيدين

اقتصاد عفرين يغري الأطراف المتصارعة

قوات تركية في قرية كاركاميس الحدودية بين سوريا وتركيا- 27 آب 2016 (AP)

camera iconقوات تركية في قرية كاركاميس الحدودية بين سوريا وتركيا- 27 آب 2016 (AP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

نالت منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي اهتمامًا عالميًا، نتيجة العملية العسكرية التي أعلنت عنها تركيا في المنطقة تحت اسم “غصن الزيتون”، بهدف إبعاد “وحدات حماية الشعب” (الكردية) التي تعتبرها تركيا الذراع العسكرية لـ “حزب العمال الكردستاني” المحظور والمصنف “إرهابيًا”، عن المنطقة الاستراتيجية.

الهدف من العملية عسكري وسياسي، أكثر مما هو اقتصادي، بالنسبة لتركيا، لمنع وصول الوحدات الكردية إلى البحر الأبيض المتوسط، لكن لا يمكن تجاهل موارد المنطقة الطبيعية ومقوماتها الاقتصادية، فقد تجعل الطرف الذي ستؤول إليه السيطرة عليها يستفيد اقتصاديًا، خاصة وأن المنطقة مساحتها نحو 3850 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل 2% من إجمالي مساحة سوريا.

ثروات طبيعية وموارد

موارد كثيرة تتمير بها منطقة عفرين، فعلى الجانب السياحي تعتبر من أهم المناطق السياحية في ريف حلب نتيجة طبيعتها الجبلية والمناظر الطبيعية، ما جعلها مقصدًا لسكان الشمال السوري قبل عام 2011، وبالتحديد سكان حلب وإدلب، إضافة إلى وجود المعالم الأثرية فيها التي كانت مقصد المهتمين من داخل سوريا وخارجها.

وتوجد عشرات المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور زمنية مختلفة، وأهمها مدينة “قورش” التي تعرف بمدنية “النبي هوري” وتبعد عن مدينة عفرين حوالي 23 كيلومترًا، إلى الشمال الشرقي منها.

كما تضم المنطقة “قلعة سمعان” الواقعة جنوب مدينة عفرين على بعد 20 كيلومترًا في القسم الجنوبي الشرقي، وتضم كنيسة مار سمعان التي تعد من أكبر كنائس العالم، إضافة إلى مناطق “جبل شيخ بركات” وجبل “بارسه خاتون” (برصايا)، ومدينة عين دارا الأثرية الواقعة جنوبي عفرين، وتتكون من آثار ومعبد يضم تماثيل مختلفة.

هذه الآثار جعلت المنطقة مقصدًا للزوار والمجموعات البحثية الأجنبية، خاصة مع اقترانها بتنوع تضاريسها بين الجبال والسهول.

وإلى جانب ذلك تعتبر منطقة عفرين من المناطق المعروفة بجودة زراعتها، وهي مصدر رئيسي لدخل معظم سكانها، إذ تحتل الزراعة المقام الأول لدى الأهالي وتسهم في تكوين الناتج المحلي بنسبة 70% من إجمالي إيرادات، بحسب إحصائيات “الإدارة الذاتية”.

ويعتبر نهر عفرين مصدرًا مهمًا للمياه في المنطقة، ويبلغ طوله حوالي 149 كيلومترًا، إضافة إلى وجود عدد من الجداول والينابيع.

وتشتهر المنطقة بأشجار مثمرة من أهمها السفرجل والتفاح والمشمش والجوز واللوز والفستق الحلبي والتين، إضافة إلى شجرة الرمان التي تحتل مرتبة متقدمة في إنتاج سوريا، إذ تبلغ مساحة زراعتها حوالي 18 ألف دونم، وبلغ عدد أشجارها في 2011 نحو 720 ألف شجرة تنتج حوالي 14400 طن، بحسب ما قاله معاون رئيس دائرة زراعة “عفرين”، أحمد عباس، لموقع “حلب” في تشرين الثاني 2011.

أما شجر الزيتون فيغطي معظم المساحات الزراعية، إذ احتلت هذه الزراعة المرتبة الأولى في المنطقة، من حيث المساحة والإنتاج وتحولها إلى مصدر رئيسي للأهالي، وبحسب “الإدارة الذاتية” يبلغ عدد أشجار الزيتون حوالي 18 مليون شجرة، وتصل كمية إنتاج الزيت إلى 270 ألف طن في الأعوام المثمرة، ويحتل الزيتون العفريني مكانة مميزة في الأسواق المحلية والدول المجاورة.

كما توجد في المنطقة 250 معصرة زيت زيتون، ومعامل ورشات إنتاج صابون الغار ومعمل كونسروة ومعمل تعبئة مياه، وثلاث مصاف للنفط وحوالي 20 مقلعًا للأحجار.

الرئة الاقتصادية لمناطق المعارضة

بعد انطلاق الثورة السورية سيطرت “وحدات حماية الشعب” (الكردية) على المنطقة في 2012 بعد انسحاب النظام السوري منها، لتبدأ عملية الانتعاش الاقتصادي للمنطقة خاصة بعد تشكيل “غرفة تجارة وصناعة” في نيسان 2014 تابعة لـ “الإدارة الذاتية” و”مجلس ترشيد الاستثمار” بهدف تنظيم العمل في المنطقة.

كما أصبحت ملاذًا آمنا لرؤوس الأموال في حلب وريفها إذ انتقلت إليها معامل ألبسة ومصانع ومشاغل صناعية وبعض الاستثمارات التجارية بسبب الوضع الأمني المتدهور في حلب، بحسب دراسة لـ “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” عن عفرين في 2015.

كما انتعش اقتصاد المدينة بعد اندلاع المعارك بين “هيئة تحرير الشام” والفصائل الأخرى في إدلب وريفها، في تموز الماضي، وبسط الهيئة سيطرتها على إدلب، الأمر الذي دفع تركيا إلى إغلاق “معبر باب الهوى” الحدودي وتحول الطريق التجاري إلى “معبر باب السلامة” شمالي حلب، إذ بدأت قوافل المشتقات النفطية ومواد البناء وبعض المواد الأساسية بالدخول من المعبر إلى ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب، مرورًا بعفرين.

“الإدارة الذاتية” حاولت الاستفادة من الطريق التجاري لإنعاش خزينتها، فقررت فرض ضريبة عن كل شاحنة تمر من أراضيها متجهة إلى مناطق المعارضة في إدلب وريفها، وفقًا لنوع الشاحنة وحمولتها ووزنها، إذ بلغت قيمة بعض الضرائب إلى 50 و100 دولار عن الشاحنة، كما كانت تلزم المارين بدفع عشرة دولارات عن كل شاحنة، فيما يعرف بـ “الترفيق”، لمرافقة الشاحنة داخل أراضي عفرين وحتى حدود مناطق المعارضة.

لكن بعد اندلاع معركة “غصن الزيتون” توقف الطريق التجاري، الأمر الذي أثر سلبيًا على مناطق المعارضة في إدلب وريفها وريف حماة، فارتفعت الأسعار إلى الضعف بحسب ما أكده تاجر المحروقات علي مقصوص، في ريف حماة، والذي أوضح أن كميات كبيرة كانت تأتي عبر طريق عفرين تكفي السوق وتلبي حاجته.

إغلاق الطريق أدى إلى قلة المشتقات النفطية في السوق وزيادة الطلب، فارتفعت الأسعار إلى الضعف تقريبًا، إذ كان يبلغ سعر برميل المازوت للسيارات بين 40 و42 ألف ليرة، ومازوت التدفئة حوالي 32 ألف ليرة، في حين وصل سعره اليوم إلى 75 ألف ليرة، أما سعر برميل البنزين فوصل إلى 65 ألفًا والكاز 70 ألفًا.

ضخ أموال في المنطقة

ووراء المعركة هدف اقتصادي لتركيا، فوصول “الوحدات” إلى المتوسط، الذي قالت رسميًا أكثر من مرة إنه هدف لها، يعني ربط الكانتونات الثلاث (عفرين والجزيرة وكوباني) مع بعضها، وبالتالي تصدير نفط شمالي العراق والجزيرة السورية وإنتاج القمح والقطن، وبالتالي خسارة تركيا أهميتها كطريق حالي للطاقة من العراق ومستقبلًا من إيران، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي يونس الكريم لعنب بلدي.

وأضاف الباحث أن نجاح المشروع الكردي في سوريا يشجع كرد تركيا على الانفصال، والذين تتركز في مناطقهم المياه والكهرباء، دون أن ننسى خسارة النظام والدولة السورية لمنابع النفط والقمح والقطن والمياه والكهرباء وغيرها.

بعد اندلاع المعركة، هناك حسابات اقتصادية للواقع الجديد، إذ أوضح الكريم أن سقوط عفرين سيحقق مكاسب اقتصادية للنظام السوري، لأن تركيا ستسمح بدخول أموال المنظمات الدولية الداعمة التي كانت ممنوعة سابقًا وتشدد على دخولها خوفًا من وصولها إلى “حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD) واجهة “الوحدات” السياسية.

كما صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن العملية تهدف لإعادة نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ في تركيا، وبعودة لاجئين إلى المنطقة، حتى لو لم يعد هذا الرقم الكبير، فإن كتلة مالية ضخمة ستحول إلى داخل سوريا عبر مراكز تحويل الأموال الموجودة في تركيا، وهو ما يحقق فائدة لأنقرة ودمشق.

وستؤدي السيطرة على عفرين إلى إضعاف “الوحدات”، وبالتالي السماح للمنظمات الأممية والإقليمية بالدخول إلى الرقة ودير الزور وإقامة مشاريع فيها، والتي ستعتمد على العملة السورية، ما يعني تحقيق النظام أرباحًا، سواء في إعادة بناء الاحتياط النقدي، أو ظهور أموال التجار المخبئة بالليرة السورية، بحسب الكريم، وبالتالي سيعيد المركزي ضبط السوق، إضافة إلى استفادة النظام من السلع التي ستشترى من مناطقه، لأن هناك سلعًا سورية منافسة للجودة التركية وبأسعار رخيصة وسهلة الوصول.

“الوحدات” دعت النظام السوري للدخول إلى عفرين لصد العملية العسكرية التركية، في بيان لـ “الإدارة الذاتية”، نشرته عبر صفحتها في “فيس بوك”، في 24 كانون الثاني، قائلة “ندعو الدولة السورية للقيام بواجباتها السيادية تجاه عفرين وحماية حدودها مع تركيا من هجمات المحتل التركي”.

ودخول النظام السوري بموجب اتفاقية تخلي “الوحدات” بموجبها المنطقة، هو أحد الاحتمالات التي مازالت واردة إلى اليوم.

الكريم اعتبر أن الأتراك لن يبقوا في عفرين، وسيتم تسليمها إما للنظام أو الجيش الحر، لكن الأخير سيكون غير قادر على ذلك لأسباب فنية عسكرية كما هو حاصل في إدلب المتخمة بالمشاكل، وبالتالي تركيا ملزمة بتسليمها للنظام، الذي سيستفيد من أموال المنظمات التي ستدخل إلى المنطقة، إضافة إلى أن إضعاف “الوحدات” سيؤدي إلى إجبارها على التنازل في مناطق أخرى لصالح النظام، وخاصة فيما يتعلق بمادتي القمح والنفط في الجزيرة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة