تعا تفرج

مدير وسكرتيرة تطق بالعلكة

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

قُتل العميد الركن محمود أحمد معتوق، “مدير” سجن صيدنايا، في ظروف غامضة، وتضاربت الأنباء حول الأسباب التي أدت إلى مقتله بين الوفاة الطبيعية، والاغتيال، والمعركة (المصدر: عنب بلدي).

قد تستغربون إذا قلت لكم إن كلمة “مدير”‏ هي أكثر ما أثارني ضمن هذا الخبر، فهي كلمة مفتاحية، جوهرية، قادرة على تحريض الذاكرة لاستحضار عدد غير متناه من الحوادث والقصص والحكايات عما جرى، في يوم من الأيام، بين مواطن ما، ومدير ما.

يسيد المواطن السوري في الدوائر الحكومية ويميد، ويتشاوف على الموظفين الصغار، وعلى أقل نكشة تراه يتشاجر مع أحدهم، وفي ذروة الاشتجار يقول الموظف: أخي، إذا ما عجبك شغلنا اشتكي للمدير! ووقتها يدرك المواطن أنه علق في وحلة، فالمدير له سكرتيرة، والسكرتيرة تطق بالعلكة، والفوتة إلى مكتب المدير تحتاج إلى مشاددة، لأن المدير عنده اجتماع، والمدير عم يحكي مع الوزير، والمدير مانه رايق اليوم، وإذا دخل عليه، أخيرًا، فإن المدير يشقله ببصره، ويشيله، ويحطه، ثم يحكي من منخاره قائلًا: شوبك؟ ليش جاية لعندي؟ شايفني فاضي لك؟ هات لأشوف، أيش عندك؟ ووقتها يندفع المواطن ليحكي معاناته مع الموظفين الذين يؤخرونه، ويعرقلون معاملته، ويطلبون منه رشوة.. وبالمصادفة تأتي للمدير مكالمة، فيبرم بالكرسي، ويظل يبرم وهو يحكي بالتلفون حتى تسد طيزه العريضة مجال البصر على المواطن، فيغضب المواطن، ويشمع الخيط، ويقول لنفسه صرمايتي على المعاملات والموظفين والمدراء.

نحن هنا، يا سيدي الكريم، نتحدث عن مدير دائرة حكومية عادية، يعين مديرها بدجاجة، ويقال بـ “كش”، ومع ذلك “يتمظرط” على المواطنين لئلا تسول لهم أنفسهم مراجعته كلما دق الكوز بالجرة.. ولكن الموضوع يختلف اختلافًا جذريًا حينما نحكي عن مدير في الجيش، أو في المخابرات، أو في السجون، وخاصة سجون أمن الدولة حيث يُساق المواطنون السوريون المعارضون لنظام الأسد، ويلقَون فيها بلا سجلات ولا قيود.. ولذلك يصبح في مقدور المدير أن يأتي، برفقة مجموعة من المسلحين، ويجمعهم في باحة كبيرة، ويأمر برشّهم.. وللعلم، للعلم فقط، فإن مدير سجن تدمر فيصل الغانم كان يزور السجن مرة كل أسبوع، ولأجل أن يقوم سدنة السجن بواجبات الضيافة تجاهه، فإنهم يُضحّون له بسجين، ولأنه لا يحب السجناء المسنين، فقد كانوا يختارون له شابًا غاية في الشبوبية والوسامة، ويمعنون في تعذيبه وضربه حتى يموت.

والحقيقة أن فيصل غانم هو الذي أثبت صحة المثل القائل “مدير عن مدير بيفرق”، وهذا لم يأت من فراغ، فسجن تدمر ليس مثل سجن إدلب المركزي، ولا حتى مثل سجن صيدنايا الخاضع لرقابة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.

ولكن هذه المرتبة ذات الأهمية القصوى تحولت، بعد قيام الثورة، إلى سجن صيدنايا الذي أصبح السجناء يموتون فيه تحت التعذيب، وتُحرق جثثهم، تحت أنظار المجتمع الدولي، ومن هنا يكون خبر موت العميد “معتوق” منعشًا لقلوب أبناء الشعب السوري، بغض النظر عن الطريقة التي مات فيها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة