خفايا السجون في رواية “شرق المتوسط”.. لـ عبد الرحمن منيف

tag icon ع ع ع

“أتعهد أن أتوقف عن أي نشاط سياسي … أرجو أن تسمحوا لي بالموافقة على السفر للعلاج في الخارج بناء على توصية الطبيب، لأن مسؤولية موتي في السجن تقع عليكم”.

استسلم رجب أخيرًا لمحققه، منهيًا خمس سنوات من التعذيب، تلقاها جسده المريض، لتبدأ مسيرة نفسه “المهزومة”، التي “خانت” رفاق سجنه تحت ضغط الألم، ولترافقه طيلة رحلة علاجه إلى فرنسا، قبل أن تستدرجه مرة أخرى إلى بلاده، لتطفئ السلطات عينيه ثم تقتله.

تعرض الرواية، التي كتبها الروائي السعودي عبد الرحمن منيف في العام 1972، مشاهد من سنوات قضاها شاب ثلاثيني ملاحقًا ثم سجينًا سياسيًا في بلد عربي شرق البحر الأبيض المتوسط، لم يحدده أو يذكر السياق السياسي الذي جرت خلاله أحداث الرواية. وهي من بواكير الأعمال التي كتبت ضمن فئة “أدب السجون” في المنطقة العربية، رغم أن نقاد الرواية قالوا إن ما جاء فيها “غير كاف” في وصف أساليب التعذيب والقهر، التي مورست على سجناء الرأي في البلدان العربية.

رجب، الذي لم تفلح أمه في إقناعه بترك السياسية، اعتقل ضمن مجموعة من أصدقائه، لإجباره على الإدلاء بمعلومات عن صديقه “هادي”، وتعرّض خلال سنوات لصنوف من التعذيب الجسدي والنفسي، لم يكن يفصل بينها سوى زيارات أهله المتقطعة، وصور “هدى”، الفتاة التي كان على موعد بالزواج بها.

ورغم أن السلطات أفرجت عن رجب بداعي المرض، لقاء تعهد بترك العمل السياسي كان يرفض طيلة سنوات اعتقاله أن يوقعه، إلا أنها لم تطمئن لسفره إلى خارج البلاد لتلقي العلاج.

في فرنسا لم يستطع رجب بدء الحياة الجديدة التي خطط لها بعد أن قال له الأطباء إنه لن يعيش طويلًا ما لم يتخل عن الأحزان والتفكير بآلامه. لقد أحس من رسالة أخته أنيسة التي نقلها له صديقه عبد الغفور أن شيئَا ما يهدد زوجها حامد بسببه، فقرر العودة لإنقاذ أب الأطفال الأربعة، بعد أن حسم معاركه مع نفسه التي “خانته”، فهو لم يعد يملك شيئًا ليخسره، مدفوعًا بعبارات قالها له الطبيب الفرنسي “فالي”:

“أريدك أن تكون حاقدًا وأنت تحارب.. الحقد أحسن المعلمين، يجب أن تحول أحزانك إلى أحقاد، وبهذه الطريقة وحدها يمكن أن تنتصر، أما إذا استسلمت للحزن فسوف تهزم وتنتهي، سوف تهزم كإنسان وتهزم كقضية”.

عاد رجب ليواجه قدره، وكان هذه المرة أكثر صلابة وهو ينتظر اقتحام دورية الشرطة لبيت أخته. لقد تأخرتم! قال لهم، ثم التفت إلى بنت أخته “ليلى” وحملها إلى صدره وهو يقول لها: هؤلاء هم الوحوش الذين حدثتك عنهم الليلة الفائتة.

أخذوه.. وظل الباب بعد خروجهم مفتوحًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة