tag icon ع ع ع

شغلت أحداثُ الثورة السورية انتباه العالم على مدى السنوات الست الماضية، وكان للتغطية الإعلامية الواسعة الدور الأبرز في ذلك، ورغم أن الكثير منها كانت نقلًا نوعيًا وموضوعيًا، إلا أن بعض وسائل الإعلام عملت على تأجيج العنف والكراهية بين الجماعات العرقية والطائفية المختلفة.

 

تعتبر حرية التعبير مبدأ هامًا منصوصًا عليه في الإطار الدولي لحقوق الإنسان، وكان أحد المطالب الأصيلة للمتظاهرين السوريين في عام 2011، غير أن القانون الدولي وكذلك القوانين المحلية في العديد من الأنظمة الديمقراطية ترصُد هذه الحرية عندما يكون القصد من الخطاب هو إثارة أعمال عنف.

 

يرى “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، في تقرير سابق نشره بعنوان “الحرب الإعلامية: كيف تذكي نار الصراع في سوريا“، أنه ورغم تركيز الاهتمام الدولي وانصبابه بشكل مباشر على ساحة المعركة، إلّا أن الحرب الكلامية تدور رحاها عبر موجات الأثير، ولا بدّ من معالجة هذه المسألة اليوم من قبل صناع القرار في المنطقة، فضلًا عن آليات المساءلة في المستقبل.

تغطية منحازة وتحريضية

في الداخل السوري انتشرت وسائل إعلام جديدة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وفي دول مجاورة لإعطاء صوت للمعارضة، وفي الحالتين فإن التغطية في كثير من الأحيان منحازة وفي بعض الحالات تحريضية للغاية.

ولا تنسحب هذه “الديناميكية” على سوريا نفسها فحسب، بل على وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، التي تحابي إلى حدٍ كبير هذا الجانب من خلال برامجها المنحازة.

ووفقاً لدراسة أجراها مركز “مراجعة الصحافة في جامعة كولومبيا”، فإن وسائل الإعلام لا تغطي العنف في سوريا فحسب، لكنها تتصرف كميليشيات باستخدام خطاب الكراهية من أجل “التحريض على العنف على نحو نشط”.

وانعكست هذه الممارسة من قبل جميع الأطراف المتصارعة في سوريا، بما في ذلك التحريض على العنف بين الكرد والعرب، من بين جماعات دينية وعرقية أخرى، والذي يتمخّض عنها شيطنة الآخر، التي ستؤدي بدورها إلى تطبيع الاعتداء والتعذيب والقتل، طالما أن الضحية هو “الآخر” المُدان.

وتدرك العديد من الحكومات الآثار الضارة لشيطنة الآخر وتجريده من إنسانيته، وسنّت تدابيرًا للحيلولة دون حدوثه، مثل دستور جنوب إفريقيا الذي ينص على الحق في “الكرامة المتأصلة” في محاولة لمنع هذا النوع من التجريد من الإنسانية أو الشيطنة، الذي كان متوطنًا في نظام الفصل العنصري.

 

كيف يقتنع أفراد المجتمع السوري بـ المصالحة؟

أمام المناخ الإعلامي الحالي الذي يشجّع على العنف والتجريد من الإنسانية على أساس طائفي وعرقي وسياسي، تساءل “المركز السوري” كيف يمكن لحكومة سورية في المستقبل إقناع جميع أفراد المجتمع بالمصالحة، وإعادة بناء المؤسسات على مستوى الدولة والمجتمع بشكل جماعي؟

واعتبر المركز أن استعادة الثقة ستكون تحدّيًا كبيرًا يتطلّب اتباع نهج متعدّد المقاربات، لكن واحدة من هذه المقاربات يمكن ويجب أن تكون “العدالة”.

وبالعودة إلى تاريخ التحريض الإعلامي سابقًا، فقد أصبح التحريض على الإبادة الجماعية بعد محاكمات “نورمبرغ” للنظام النازي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية جريمة يعاقب عليها القانون في القانون الجنائي الدولي.

ووفقًا لبعض الخبراء، لا يمكن حدوث إبادة جماعية ما لم يكن هناك تحريض للجمهور على نطاق واسع على الكراهية.

وقد تم النص على مشاعر الكراهية في “نظام روما الأساسي“، وكذلك في قرارات المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، فيما يعرف باسم “قضية وسائل الإعلام“، التي أدين فيها ثلاثة من قادة الإعلام الرواندي بالتحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية.

وأكدت المحكمة حينها أن “قدرة وسائل الإعلام على خلق وتدمير قيم إنسانية أساسية تأتي مع مسؤولية كبيرة، وأن أولئك الذين يسيطرون على وسائل الإعلام مسؤولون عن عواقبها”.

 

توثيق التحريض ضرورة

في الحالات التي تكون فيها وسائل الإعلام غير مسؤولة بموجب تعريفات قانونية صارمة، لا يزال بإمكان جهود كشف الحقائق إيضاح كيف أسهمت بعض التقارير والتغطيات في خلق جو من الكراهية والاستقطاب.

ووفقًا لـ “المركز السوري للعدالة والمساءلة” فإنه وبكشف الحقيقة يمكن للجهود المذكورة أن تساعد في إعادة موازنة مشاعر الرأي العام، وتشجيع وسائل الإعلام على لعب دور أكثر إيجابية في فترة ما بعد الصراع.

ورغم ما سبق، يوجد لوسائل الإعلام دور مفيد تضطلع به في تعزيز جهود بناء السلام، وحددها المركز في توضيح العملية الانتقالية للجمهور، وتوفير منتدى لإضفاء الصبغة الإنسانية على الصراع من خلال القصص والتجارب المشتركة، ونشر إعلانات عن كيف ومتى يمكن التسجيل في بعض برامج العدالة الانتقالية.

وكانت هيئة إذاعة جنوب أفريقيا قامت بإنتاج 87 حلقة حول لجنة الحقيقة والمصالحة التي وفرت مصدرًا قيّمًا للجمهور حول مدى التقدم الذي تحرزه اللجنة وإفاداتها، إلا أن الآثار الإيجابية لن تكون ممكنة إلا إذا عملت وسائل الإعلام على نحو مسؤول وأخلاقي.


أعد هذا الملف من قبل عنب بلدي بالتعاون مع المركز السوري للعدالة والمساءلة

مقالات متعلقة