أطفال يحاكمون بـ “قضايا إرهاب” في دمشق

قصر العدل في دمشق (إنترنت)

camera iconقصر العدل في دمشق (إنترنت)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلا إبراهيم

في زحمة الجموع على باب أحد قضاة التحقيق، سُمع صوت قوي يأمر المراجعين بالتنحي على جانبي الممر، كان صوت عناصر دورية الشرطة التي أحضرت مجموعة من موقوفي سجن دمشق المركزي المعروف بـ “عدرا”.

أدخلهم عناصر الدورية وهم يجرون سلاسل تكبل أقدامهم الصغيرة مع أياديهم، يسيرون بحركة أثقلها الحديد، وسنوات الاعتقال، ولكنهم مع ذلك لا يخفون ابتسامة جافة ارتسمت على وجوههم.

تقول “أم حسان” إن ابنها بينهم، هكذا أخبرها المحامي، ووقفت تترقب دخولهم واحدًا تلو الآخر، إلى أن ركضت فجأة باتجاه أحد الموقوفين وهي تنادي “ابني”، ولكن الشرطي أبعدها وطلب منها عدم الاقتراب، بينما طمأنها المحامي بأن كل شيء سيكون على ما يرام.

يقول محامي حسان، الذي تحفظ على اسمه، “موكلي حدث، عمره لم يتجاوز الـ 16، لذلك ستكون عقوبته مخففة”.

ويضيف المحامي “سابقًا كان الموقوف الحدث، يعامل معاملة البالغين، لكن منذ فترة قريبة، أصبح قاضي التحقيق العاشر ينظر بقضايا الإرهاب التي يرتكبها أحداث”.

روت “أم حسان” معاناتها بعد أن اختفى ولدها، وقالت “في يوم عيد الأم قبل عام ونصف، خرج حسان ليحضر قالب كعك، لكنه لم يعد”، لتبدأ رحلة البحث عنه من “واسطة إلى واسطة”.

معاناة أضيفت إلى هموم الأم التي نزحت مع أولادها في ريف دمشق بداية الثورة، بعدما توفي زوجها برصاصة قناص أثناء توجهه إلى عمله.

من هم الأحداث وكم عددهم؟

عرف قانون الأحداث السوري “الحدث” أنه كل من أتم العاشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشر.

ويعتبر صغر سن مرتكب الجناية من الأسباب المخففة، فنصت المادة 29 من قانون الأحداث السوري على إنقاص العقوبة في حال كان مرتكب الجناية حدثًا تجاوز الخامسة عشر من عمره، فيعاقب بالحبس من ست سنوات إلى 12 سنة بدلًا من الإعدام، وبالحبس مع التشغيل من خمس إلى عشر سنوات بدل الأشغال الشاقة المؤبدة، ويحبس من سنة إلى خمس سنوات بدل الأشغال الشاقة المؤقتة أو الاعتقال المؤقت.

ويتم إيداع الأحداث الجانحين في أحد معاهد إصلاح الأحداث.

وذكرت وزارة الشؤون الاجتماعية، في 20 كانون الأول الجاري، أن عدد نزلاء معاهد إصلاح الأحداث في دمشق وريفها بلغ 1060 نزيلًا، في إشارة إلى تناقص العدد عن السابق.

وأضافت الوزارة، في بيان لها، أن أكثر من نصف هذا العدد هم من مرتكبي جرائم السرقة، وأن 25% منهم من مرتكبي جرائم المشاجرة والقتل وحمل السلاح، و15% منهم من مرتكبي جرائم تعاطي المخدرات.

لكن تصريحات الوزارة لا تعكس كل الحقيقة، فكثير من ذوي الأطفال المعتقلين بتهم سياسية، أو لأنهم ينتمون لعائلات عرف عنها معارضتها للنظام، أو على أساس مناطقي لانحدارهم من مدن “مشتعلة”، يحاولون تغيير التهم الموجهة إليهم من “الإرهاب” إلى تهم “جنائية” للحصول على أحكام مخففة، ويدفعون للمحامين مبالغ طائلة حتى يتمكنوا من ذلك.

الأحداث ليسوا كلهم جنائيين

وهذا ما يؤكده محامي حسان، الذي تحدث عن أطفال يرافع بقضاياهم بتهم جنائية رغم أنهم اعتقلوا على الحواجز، واقتيدوا إلى أماكن مجهولة.

تضيف أم حسان إلى كلام المحامي، أن ولدها لم يكن يتجاوز 15 عامًا عندما اختفى، “وربما الحظ حالفه أنه تم تحويله إلى القضاء بعد عام ونصف على اعتقاله في الفرع الأمني، بعكس غيره، الذين مازالوا مغيبين في الفروع ولا يعرف أهاليهم عنهم شيئًا”.

وتشير الأم إلى سيدة كانت جالسة على أحد مقاعد المحكمة، “هذه المرأة المسكينة تأتي كل يوم إلى المحكمة، على أمل أن ترى وجه ابنها بين الموقوفين الذين يأتون للاستجواب”.

يوميًا للبحث عن الأبناء

هي سيدة في العقد الخامس من عمرها، تدعى “أم محمد” نزحت مع زوجها وأولادها من ريف دمشق، وبعد أن استأجرت العائلة منزلًا متواضعًا لتعيش فيه، وبدأ ولدها محمود متابعة دراسته، وهو أصغر إخوته، أوقفته دورية على حاجز في حي كفرسوسة، بحسب ما روى لهم صديقه الذي كان عائدًا معه من المدرسة، وإلى الآن لا تعرف “أم محمد” مكان ابنها.

حال “أم محمد” يشبه حال أمهات كثر يراجعن المحاكم، وتقول “سألنا كثيرًا دون جدوى، وعرض علينا البعض البحث عنه مقابل مبالغ مالية كبيرة، بشرط أن يكون الدفع سلفًا، لكن هذا الخيار غير وارد فكثير من هؤلاء سماسرة”.

وسط جمود ملفاتهم، بدأت كثيرات يفقدن الأمل بأن أولادهن مايزالون على قيد الحياة، خاصة مع تسرب آلاف الصور لمعتقلين قتلوا تحت التعذيب.

خبيرة حقوقية: معاملة خاصة للأحداث

وفي حديث مع المحامية رشا شهباز، من فرع دمشق، قالت لعنب بلدي إن مرسومًا صدر بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى برقم 290 لعام 2016، تمت من خلاله تعديلات وتنقلات بمحكمة الإرهاب، وبموجب هذه التعديلات والمادة التاسعة من هذا المرسوم، تم إحداث محكمة خاصة للأحداث ضمن محكمة الإرهاب، بعد أن كان الأحداث يحاكمون أمام قاضي التحقيق، أسوة ببقية الموقوفين.

وتتابع المحامية رشا أن محكمة الإرهاب لم تكن قبل صدور المرسوم تأخذ حداثة سن الموقوفين بالاعتبار، لذا كلف قاضي التحقيق العاشر بالنظر في قضايا الأحداث، في مرحلة التحقيق، وفي حال تم فصل الدعوى إلى محكمة الجنايات فإنه يتم إحالة الحدث إلى محكمة جنايات الأحداث ضمن القصر العدلي.

وبالنسبة للقضايا التي كانت منظورة أمام محكمة جنايات الإرهاب والتي تخص الأحداث، قبل صدور المرسوم، فيحيلها القاضي إلى محكمة جنايات الأحداث ويتخلى عنها.

وأحدثت وزارة العدل لجنة خاصة للمفقودين، منتصف كانون الأول الجاري، لتسهيل عملية البحث على الأهالي، ولكن هذا الإجراء لم يلق ترحيبًا من المواطنين الذين اعتبروها مضيعة للوقت، ولن تثمر، كون الملف بيد السلطات الأمنية وليس القضائية.

ولذوي المعتقلين تجربة سابقة، عندما أسست وزارة العدل مكتبًا لشؤون المفقودين، واكتفى موظفوه بتسجيل أسماء المفقودين المبلغ عنهم، دون أن يتخذوا أي إجراء للبحث عنهم، وإن حصل أحد ذوي المفقود على معلومات بعد تقديم الطلب فكان مفادها أنه “متوفى”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة