سوريا نافذة إيران إلى أوروبا

مياه الأبيض المتوسط” جائزة كبرى” تنتظرها طهران

camera iconإزالة الألغام في مدينة دير الزور- 4 تشرين األول 2017 (سبوتنيك الروسية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

عاد الحديث عن “الطريق البري الإيراني” الذي يصل طهران بالبحر الأبيض المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا، إلى الواجهة مجددًا بعد معارك الكر والفر التي تخوضها قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، المدعومة من طهران، في مدينة البوكمال جنوب شرقي دير الزور ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

“الجائزة الكبرى”، وصف أطلقته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، على الطريق لأهميته الاستراتيجية، إن كان على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، إذ يعتبر حلمًا لطالما سعت إيران إلى تحقيقه لـ “تكريس الإمبراطورية الفارسية الإيرانية وبسط سيطرتها على دول العراق وسوريا ولبنان”، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي سقراط العلو لعنب بلدي.

طهران بعد سيطرتها على مساحات واسعة في العراق من تنظيم الدولة من قبل “الحشد الشعبي” المدعوم من قبلها، كانت تخطط لفتح طريق عبر منطقة التنف الحدودية جنوبي سوريا، لكن دخول قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وإنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة، العام الماضي، خلط الأوراق، وأطلق تحذيرات إلى إيران والنظام السوري بعدم الاقتراب من التنف، ما دفع طهران للبحث عن منفذ جديد عبر الأراضي السورية لتتجه أنظارها نحو البوكمال.

منفذ بحري لإيران عبر المتوسط

مكاسب عديدة ستجنيها طهران من الطريق على كافة الأصعدة، وسنناقش في هذا التقرير الجانب الاقتصادي وكيفية الاستفادة منه في تعزيز نفوذها الاقتصادي على الدول التي يمر بها واختصار طريقها نحو أوروبا.

إيران تطل على منفذين بحريين، الأول هو بحر قزوين المغلق الذي يضم ثروة من الغاز الطبيعي ما جعله محلًا للنزاع بين الدول المطلة عليه (إيران وروسيا وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان)، أما المنفذ الثاني فهو يحاذي دول الخليج العربي التي تدخل مع طهران في صراعات دينية وسياسية، ما يجعل باب المندب في بحر العرب، وهو المنفذ الإيراني الوحيد إلى أوروبا، مهددًا بالإغلاق في حال نشوب حرب مع الخليج، لذلك تسعى إيران إلى تمكين نفوذها في اليمن من أجل السيطرة على باب المندب، وتأمين الطريق التجاري البحري الذي يعتبر المنفذ الوحيد للعالم، بحسب العلو، الذي أكد أن إيران ليس لديها واجهة على البحر الأبيض المتوسط، والطريق البري سيؤمّن لها هذه الواجهة.

من جهته أكد الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري، ملهم جزماتي، لعنب بلدي، أن إيران، التي تملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا، تسعى إلى تصدير غازها إلى أوروبا عبر العراق وسوريا، بعد نقله حاليًا عبر بحر العرب إلى باب المندب ثم البحر الأحمر وصولًا إلى قناة السويس ثم أوروبا، أما فتح الطريق سيوفر عليها وقتًا وتكلفة أقل كونها ستنقل الغاز عبر أنبوب واحد بالبر عبر العراق وسوريا إلى السفن في البحر المتوسط فأوروبا.

خطوط الغاز عبر سوريا

الطريق البري أعاد الحديث عن خطوط الغاز التي كانت الدول تسعى إلى إمدادها عبر سوريا إلى أوروبا، وهو ما اعتبره جزماتي أنه أحد الأسباب الرئيسية الباطنية التي أججت الصراع في سوريا.

الخط الأول كان الخط القطري إذ عرضت الدوحة على النظام السوري قبل الثورة السماح لها بمد أنبوب غاز من قطر إلى أوروبا عبرها، أما الخط الثاني فهو ما أطلق عليه “خط الغاز الإسلامي” الذي يصل إيران بأوروبا عبر العراق وسوريا.

وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أكد في مقابلة مع صحيفة “إيل جورنالي” الإيطالية، في كانون الأول 2016، أن الحديث كان عن “خطين سيعبران سوريا، أحدهما من الشمال إلى الجنوب يتعلق بقطر، والثاني من الشرق إلى الغرب يعبر العراق من إيران”، مؤكدًا “كنا نعتزم مد ذلك الخط من الشرق إلى الغرب”.

“خط الغاز الإسلامي” اتفقت عليه إيران مع العراق وسوريا في 2011، إذ وقعت الدول الثلاث مذكرة تفاهم لمد خط أنبوب تصدير الغاز من منطقة عسلوية الإيرانية إلى سوريا عبر العراق، ويبلغ طوله 5600 كيلومتر وقطره 56 إنشًا، وسينقل 110 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا، بحسب تصريح للمدير التنفيذي لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، جواد أوجي، الأمر الذي قد يرفد الخزينة الإيرانية بمليارات الدولارات سنويًا، وكان من المفترض أن يبدأ ضخ الغاز عبر الأنبوب بين عامي 2014 و2016، إلا أن اندلاع الثورة السورية حال دون ذلك.

تعزيز الاتفاقيات الاقتصادية الإيرانية مع سوريا

وإلى جانب خط الغاز، يعزز الطريق البري الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها طهران مع النظام السوري خلال السنوات الماضية في عدة مجالات، وخاصة في مجال الطاقة في البادية السورية، إضافة إلى مصفاة النفط في ريف حمص، بحسب الباحث ملهم جزماتي، الذي أكد أن الطريق سيصب في مصلحة كل الخطط والمشاريع التي وقعتها إيران.

من جانبه أكد العلو أن الهدف الثاني للطريق، هو الوصول إلى الميناء البحري الذي ستنشئه إيران على السواحل السورية بعدما تم الاتفاق مع حكومة النظام السوري، أوائل العام الجاري، على تخصيص خمسة آلاف هكتار لإنشاء ميناء نفطي.

ضبابية الموقف والدعم الروسي

وبالرغم من سعي طهران إلى تحقيق حلمها في إنشاء الطريق إلا أنها تصطدم بمصالح دول أخرى مثل روسيا وتركيا وحتى قطر، بحسب العلو، الذي أكد أن روسيا ليس من مصلحتها وصول إيران إلى المتوسط ومنافستها على تصدير الغاز إلى أوروبا التي تعتبر 40% من وارادتها قادمة من روسيا، فروسيا تسيطر على سوق تجارة الغاز في القارة العجوز ولن تقبل بمنافس فيه.

في حين اعتبر جزماتي أن أي إمدادات تصل إلى أوروبا يجب أن تمر بموافقتها، وبما أن إيران تعتبر حليفًا استراتيجيًا لموسكو أكثر من أمريكا فمن المهم لموسكو أن تسيطر طهران على البادية السورية وفتح الطريق، ما سيؤدي إلى تحكم روسيا بتصدير الغاز بما يحقق مصالحها، مشيرًا إلى أن الغاز ليس عبارة عن احتياطي وتصدير مثل النفط، وإنما هو استخراج ونقل، وروسيا تريد أن تلعب دور الناقل للغاز، كون نقل الغاز هو الذي يحقق المربح وليس استخراجه.

وحول سماح الدول الكبرى المتصارعة في سوريا لإيران بفتح الطريق، أشار العلو إلى أن هناك نقاط رقابة لأمريكا على الطريق في العراق وسوريا، لافتًا إلى أن الأمور مازالت ضبابية حتى الآن ولن تستطيع إيران استخدام الطريق عسكريًا.

في حين اعتبر جزماتي أن هناك أجندات دولية ما بين روسيا وأمريكا تم الاتفاق عليها، فأمريكا بدأت بسحب يدها من الشرق الأوسط منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لكنها لن ترضى بإخلاء الساحة بشكل كامل لروسيا.

وفي ضوء التصارع بين الدول على الطريق وإمداد أنابيب الغاز يتساءل كثير من السوريين عن الفائدة الاقتصادية التي ستعود على الدولة وعليهم بالتالي، لكن جزماتي أوضح أن المنطقة كافة أصبحت “مرهونة” لحلفاء النظام، وبالتالي كل الامتيازات ستذهب إليهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة