مجالس مدنية لجبهة النصرة

tag icon ع ع ع

ميشيل كيلو – العربي الجديد

ليس هناك ما يثير الاستغراب في تطابق آليات تفكير النظام الأسدي وطرق تصدّيه للمشكلات، وآليات تفكير قيادة جبهة النصرة وطرقها في التصدي لما يترتب، في الحالتين، على تفكير (وأفعال) استبداد سياسي في دمشق، مذهبي في إدلب، يلتقي عند أمر جوهري، يرى من السياسة السلطة وحدها: أداته لإعادة إنتاج مجتمع قطيعي، فقد بانعدام حريته إنسانيته، فهو مجزّأ ومتناحر وخاضع خضوعا مطلقا لفردٍ معصوم سياسيا في العلمانية الأسدية ذات الملامح والمضامين الدينية، ودينيا في المذهبية الجولانية ذات الإيحاءات السياسية. يفضح هذا الجوهر، بتظاهراته المتماثلة الصادرة عن تطابقه، حجم التزوير في تسميات النظامين، وكم هي الأسدية جولانية والجولانية أسدية، وكم تحفل علمانية الأولى بمضامين قاعدية، تتصل بعبادة فردٍ أبطلت عبادة الله، ودينية الثانية بتسييس فردٍ تجعل ستائره وحجبه من الأرباب الإلهية. لا عجب إن رأيت في الأسد جولاني نظامه، وفي الجولاني أسد نصرته، وأكدت أن أيا منهما ليس القائد الأول في تنظيمه، بل هو القائد الأوحد الذي لا يجوز أن يتردد في التخلص من أي تابعٍ يخال نفسه ثانيا فيه، فالقائد الأوحد لا ند ولا نظير ولا ثاني له، وإلا لكان، أولا، زعيما ذا مرتبة، بينما هو الزعامة في شخصٍ لا يوجد، ولا يجوز أن يوجد، بل ولا يمكن أن يوجد بين البشر، وفي شعب”ه” الخاص، من يحق أو يجوز له أن يماثله أو يدانيه.

في كل مرةٍ واجه النظام الأسدي مشكلة، عمل لتوسيع دوائر التضليل من حوله، لإخفاء حقيقته وإيهامالسوريين أنه بدأ، أخيرا، يبدل بنيته وأساليب عمله، وشرع يمد يديه إليهم بالرغبة في التغيير. بما أنه كان يكذب في أقواله التهويلية حول التعاون مع الآخرين، وخصوصا المعارضين منهم، فإنه سرعان ما كان يضيف إلى أكاذيبه أكذوبة جديدة تشكو من عدم وجود من يتفاعل بإيجابية مع قراره بوضع نظامه في خدمة شعبه العزيز. لذلك يتحمل الآخرون المسؤولية كاملة عن فشل التغيير، وما قد يقع اليوم أو غدا من أخطاء سترجع حكما إلى لاعقلانية مطالبهم وخطابهم التهويشي اللذين يستهدفان إضعافه، في حين أن هدف التغيير لا يجوز أن يكون غير تقويته.

في كل مرة كانت سورية تواجه مشكلاتٍ أنتجتها الأسدية، كانت تتعالى دعوتها إلى تحميل الغير عبء مساعدتها على تجاوزها، وبعد تخطيها، كان القسم الأكبر ممن استجابوا لدعوتها حول التعاون يذهب إلى السجن، بينما ينضم قسم صغير منهم إلى فاسدين ولصوص ومجرمي الأسدية ويخونون شعبهم. بمرور الزمن وتعاقب الأزمات، صار من يخاطبهم الأسديون يقولون، حين يطلب تعاونهم: “اللي بيجرّب المجرّب بيكون عقله مخرّب”.

.. واليوم، يحاول أسدي النصرة، أبو محمد الجولاني، تغطية مأزقٍ ليس لديه حل له، هو استحالة قيام نظام إسلامي في سورية بيده من جهة، وتزايد احتمالات تعرّضه للهلاك على يد تحالف أميركي/ روسي، يستهدف نصرته باعتبارها تنظيما قاعديا من جهة أخرى، هو في تصريحات جنرالات الطرفين الخطر الأشد على أمن العالم وسلامه. لذلك، لا مفر من القضاء عليه، إذا لم يوجد حل سياسي يضع حدا لوجوده. ماذا يفعل الجولاني لتفادي الكارثة؟ إنه يدعو إلى تشكيل مجالس مدنية تدير منطقة إدلب، تشبه “الجبهة الوطنية التقدمية” التي كان الأسد الأب قد “شكلها من تافهين لعبوا أدوارا خطيرة وغير تافهة”، كما كان أستاذ جيلي الراحل إلياس مرقص يقول. اليوم، يريد الجولاني تافهين يلعبون دورا خطيرا وغير تافه هو افتداء تنظيمه بأرواح الشعب، نسوا كم قتل منهم، واختطف من نسائهم وأطفالهم، وسجن من رموزهم، ودمر من تنظيمات جيشهم الحر، وسبب موت آلاف منهم. وكم تجبر وتكبر وأصدر أوامره الإلزامية إليهم من شرفات وحيه الرباني.

هل يسقط ضحايا جبهة النصرة في الفخ الذي تنصبه لهم، ويسمحون لها باستخدامهم، فيهلكون بدلا منها، بزعم أنهم “مجالس مدنية” تدير مناطقها، بينما تسيطر على قراراتهم بما تبثه في نفوسهم من رعب، وتمارسه ضدهم من ابتزاز يطاولهم هم وأسرهم وأصدقاءهم، وتوجهه إلى صدورهم من سلاح؟

“من يجرّب المجرّب يكون عقله مخرّب”. لن تستحق المجالس اسمها، أو “تمون” على أي شيء. لذلك لا يجوز أن ينخرط فيها أحد، قبل إعلان الجولاني حل جبهة النصرة، بمختلف مسمياتها، ليس من أجل أن يلبي مطلبا أميركيا أو روسيا أو دوليا، بل استجابة لمطلب شعب سورية الذي لا يهدّد هو وجبهته أحدا سواه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة