tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 112 ـ الأحد13/4/2014

طفولة سورية إلى أين ... - حسن مطلقحسن مطلق

«هون قبر أخي محمود».. هي العبارة التي بدأت بها الطفلة نور ذات الـ 12 ربيعًا كلامها قبل أن يجتاح سيل من الدموع عينيها وتتوقف فجأة، وسط حالة من الشرود ونظرات الجمود القاسية التي ارتسمت على وجهها البريء، فقد عادت بها ذاكرتها إلى مشهد من مشاهد مرت بها في حيّها قبل أن تجبرها ظروف الحرب على النزوح مع أهلها إلى إحدى الخيم على الحدود. في ذلك الوقت كان محمود لا يزال بجانبها، ابتسمت للحظة وعادت إلى حالة شرودها ليعيدها نداء أمها «نور حبيبتي» إلى خيمتها الباردة.

نور هي نموذج من 5.5 مليون طفل سوري متضرر حسبما ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» في تقريرها بعنوان «تحت الحصار»، والذي ذكر العديد من الجوانب التي كان لها الأثر المدمر على أطفال سوريا خلال أعوام الثورة الثلاث الماضية. وبيّن التقرير حجم العنف والانتهاكات الحقوقية التي تعرضوا لها سواء من هم داخل البلاد، أو أولئك الذين يعيشون لاجئين خارج حدودها، كما أوضح حجم الازدياد الهائل في عدد الأطفال المتضررين منذ عام 2012 وحتى العام الحالي، والذي قدرته المنظمة بحوالي نصف مليون طفل في عام 2012، بينما ارتفع إلى 2.3 مليون طفل في عام 2013، وتضاعف في العام الحالي 2014 ليصل إلى 5.5 مليون طفل متضرر.

  • بين الجوع والحصار

الأطفال هم الضحية الأكبر لسياسة التجويع التي يعتمدها النظام السوري في العديد من المناطق السورية، وتشير التقارير الواردة من داخل المناطق المحاصرة بأن الأوضاع هناك هي الأشد والأقسى على الإطلاق، كما أشار الأطباء داخل سوريا وخارجها، والمطلعين على مجريات الأحداث، إلى ارتفاع كبير في عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد والأطفال المرضى والذين هم بحاجة إلى العلاج، إذ تشكل هذه الحالات خطرًا كبيرًا على الأطفال لما تسببه من إضعاف قدرتهم على النمو بشكل سليم، وهو سبب وجيه للخوف على مصير الطفولة في سوريا، فهذا الخطر الكبير يهدد الأجيال القادمة، بينما لا يمكن علاج أضراره ولا حتى  تعويضها، وخاصة عند الأطفال حديثي الولادة، فأيامهم الأولى هي أهم مراحل حياتهم، كما نوّه الأطباء أيضًا إلى ارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون من تشوهات خلقية كمرض التقزم (أي الأطفال الأقصر طولاً مقارنةً بأبناء جيلهم) نتيجة لإصابتهم بأحد أمراض النقص الغذائي أو لعدم نمو أدمغتهم بشكل طبيعي .

أما عن سوء تغذيتهم وحرمانهم من إشباع أهم حاجاتهم الفسيولوجية (حاجات الطعام والشراب) فإنه سينعكس الأمر بالضرورة على صحتهم البدنية وإصابتهم بأمراض معدية وغير معدية بشكل متكرر، وبالتالي فإن قدراتهم المعرفية سوف تتأثر بشكل كبير وخاصة عندما يكبرون. إضافة إلى ضعف قدرتهم على إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية الأخرى كالحاجة إلى الحب والأمان والتقدير، مما قد يؤثر على شخصيتهم وقدرتهم على التفاعل السليم مع الحياة الاجتماعية المحيطة بهم.

  • طفولة في أحضان الحرب والعنف

تعتبر الأزمات والحروب والضغوط النفسية الناتجة عنها الأخطر على الأطفال نظرًا لما لها من تأثير على سلوكيات حياتهم، ولكن في ظل نظام لا يملك أي اعتبارات إنسانية، ويقوم بعمليات هدم وقتل ممنهج على مسمع ومرأى من العالم أجمع، يعتبر الأطفال الخاسر الأكبر، إذ يمكننا رؤية نماذج كثيرة من أطفال يعانون من إعاقات ومشاكل في النمو العقلي وفقدان في التركيز، ومن أمور لا ينبغي لأي طفل أن يتعرض لها.

عمر هو طفل سوري يبلغ من العمر 4 سنوات، وهو لاجئ في أحد المخيمات، يحمل ألمه في داخله وخارجه، فقد بترت ساقاه جراء قصف منزله وتهدمه، وبينما تراه مرتميًا بلا حراك في أحضان والدته باكيًا خائفًا طوال الوقت، يمكنك أن تشعر بالخوف والرعب الذي يتملك أخوته الأكبر منه سنًا، فعلى الرغم من وجودهم خارج حدود بلادهم تراهم خائفين من القصف والقتل، كما تستطيع ملاحظة ردود أفعالهم السلبية تجاه الأشخاص من حولهم، وتوقن بأن الخوف أضحى لهؤلاء الأطفال أسلوب حياة.

وقد نوّه العديد من الآباء في الداخل السوري، وحتى ممن لجؤوا خارج حدود بلادهم، إلى المشاكل النفسية التي يمر بها أطفالهم من اضطرابات في النوم والبكاء المتواصل والصراخ والتبول اللاإرادي والانطواء والكوابيس، كأن يتخيل الطفل شخصًا ما قادمًا لقتله أو لأكله – كما هي مخيلة الأطفال- فتراه قرر أن يغلق عينيه ظنًا منه أنه يستطيع حماية نفسه من الخطر المحدق به بهذه الطريقة الطفولية البريئة .

هذه الأعراض التي ذكرت مجتمعة هي أعراض لاضطراب كرب ما بعد الصدمة PTSD ومن الممكن التخفيف منها عن طريق معالجتها إذا كان بالإمكان بمساعدة الأخصائي النفسي. فالأجواء داخل المنازل أو حتى الخيام غير مهيأة للاهتمام ورعاية الأطفال. فالأم لا تجد الأعصاب الهادئة، وتجهل بكيفية التعامل معهم في ظل هذه الظروف العصبية، وبالتالي فهم يعيشون مخاوفهم وصراعاتهم والتي قد تظهر في أحلامهم مثل الكوابيس المتكررة أو حتى ببعض الاضطرابات الجسمية والسلوكية مثل قضم الأظافر والتبول اللاإرادي…إلخ.

وهناك بعض الأطفال الذين قد لا يظهرون شعوراً بالأسى والألم في صغرهم بالرغم مما تعرضوا له إلا أن تطورهم سيظل متأثراً بصورة سلبية عن هذه التجارب إذ قد تظهر عناصر وذكريات الأحداث الصادمة في نشاطاتهم وألعابهم بعد فترة لاحقة من الزمن لأن أخطر آثار الحروب على الأطفال ليست تلك الآثار التي تظهر وقت الحرب بل ما يظهر لاحقاً في جيل كامل ممن نجوا من الحرب وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها.

  • جيل ضائع

حرم جميع الأطفال الذين يعانون من هذه الحالات، وآخرون غيرهم، من التعليم، بل ويواجهون الآن خطر الضياع والتشرد، كما كان مصير غيرهم من أبناء بلدهم. عصام ذو الـ 13 ربيعًا لم يعد في مدرسته كما كان سابقًا فهو الآن يعمل في جمع ما يمكن جمعه من حاويات القمامة في أحد دول الجوار مقابل ما يبقيه على قيد الحياة مع عائلته، وتراه أحيانًا باكيًا على أحد الأرصفة مشتاقًا لمدرسته، فهو لم يعتد العمل الشاق لساعات طويلة.

وفق تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) الأخير هناك أكثر من 10 آلاف طفل سوري قضوا بين عامي 2011-2014، بينما وصل عدد الأطفال الذين وُلدوا لاجئين إلى أكثر من 37 ألف طفل، وحرم قرابة الـ 3 ملايين آخرين ممن هم في سن الدراسة من التعليم، في حين يتواجد أكثر من 300 ألف طفل دون سن الخامسة في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها، كما وصل أكثر من 8 آلاف طفل إلى حدود بلادهم دون ذويهم .

إن حرمان الأطفال من التعليم يعني حرمانهم من فرص إشباع حاجاتهم العقلية والمعرفية كالحاجة إلى البحث والاستطلاع، حرمانهم من تطور المهارات اللغوية التي يكتسبها من بيئة المدرسة وذلك له علاقة كبيرة بارتفاع درجة الضغوط النفسية لديهم.

فعلى المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الطفل، النظر لواقعهم والسعي إلى التدخل السريع لمساعدتهم ومساعدة أهاليهم ليكونوا إلى جانب أطفالهم بالاتجاه الصحيح مع تقديم الدعم النفسي والاجتماعي المناسب لكلا الطرفين ووجوب توافر أطباء واختصاصين نفسيين يقدمون ما يحتاجه هؤلاء الأطفال وذويهم.

مقالات متعلقة