خرائط حوض الفرات تُرسم من جديد
“الجيش الحر” يحاول الالتفاف على كمّاشة الأسد في دير الزور
عنب بلدي – دير الزور
تتسارع المعطيات الميدانية في محيط محافظة دير الزور، بسباق عسكري لإكمال طوق قوات الأسد والميليشيات المساندة لها من جهة، وفصائل “الجيش الحر” التي دخلت على الخط حديثًا من الجهة الشمالية للمحافظة، لتتصدّر المشهد العام خرائط جديدة ترسم لمنطقة حوض الفرات، من قبل الأطراف الدولية والإقليمية، التي تحرّك أصابعها المحلية على الأرض.
وتأتي هذه التطورات العسكرية بالتزامن مع اتفاقيات “تخفيف التوتر” التي أبرمتها الحكومة الروسية مع فصائل المعارضة السورية في عدة مناطق ومدن، كان آخرها ريف حمص الشمالي، الأمر الذي جيّر الثقل والترسانة العسكرية إلى قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وبالنظر إلى خريطة السيطرة الميدانية، لم يبق للتنظيم سوى محافظة دير الزور ريفًا ومدينة، والتي أصبح استمراره فيها أمرًا لا يتعدى عدة أشهر، بسبب تشتت قدراته العسكرية في عدة معارك في جميع مناطق سيطرته، وزيادة وتيرة هروب عدد من القادة والعناصر التابعين له خاصة من المحليين.
كمّاشة الأسد تقترب من دخول المحافظة
ثلاثة محاور عسكرية تسير فيها قوات الأسد والميليشيات المساندة لها بدعم جوي روسي، للوصول إلى المحافظة، بعد التوسع الكبير الذي أحرزته في الأيام الماضية في ريفي حلب وحمص.
وينطلق المحور الأول من ريف الرقة الجنوبي، وتقدمت خلاله على مساحات واسعة، إذ سيطرت في الأسبوع الأول من آب الجاري على أكثر من 20 قرية بمحاذاة خط سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في محيط مدينة الرقة، لتصل إلى نهر الفرات على مشارف الحدود الإدارية للمحافظة.
وتبعد مناطق سيطرتها عن نهر الفرات حوالي 30 كيلومترًا، وسط انسحابات متكررة من قبل تنظيم “الدولة”، الذي اقتصرت إعلاناته على مقتل العشرات من عناصر الأسد دون أي توضيح لمجريات العمليات العسكرية على الأرض.
بينما يتركز المحور الثاني من ريف حمص الشرقي، الذي يعتبر من أهم المحاور العسكرية التي فتحتها سواء من حيث الخطط العسكرية التي تسير وفقها، أو مجريات المعارك على الأرض.
ووصلت قوات الأسد إلى مشارف مدينة السخنة “الاستراتيجية”، وفرضت طوقًا عليها من ثلاثة محاور (غربًا، جنوب غرب، جنوب شرق)، وتحاول إطباق الحصار عليها بشكل كامل من المحور الشرقي.
أما المحور الثالث فينطلق من ريف حماة الشرقي، الذي يشهد تكتيكًا عسكريًا بطيئًا، بسبب “استماتة” تنظيم “الدولة” فيه، والذي استعاد مطلع آب الجاري عددًا من النقاط الاستراتيجية التي خسرها مؤخرًا في المنطقة.
وبحسب المحلل العسكري، براء الطه ستتركز عمليات الأسد في الأيام المقبلة على محورين رئيسيين، هما المحور الغربي انطلاقًا من رجم سليمان باتجاه منجم الملح، ومن المستبعد البدء باقتحام قرية معدان، وذلك للسيطرة أولًا على مجموع التلال الممتدة من بداية الحدود الإدارية للمحافظة غربًا حتى مدينة دير الزور وما يليها شرقًا للمطار العسكري، إضافةً لمنجم الملح ذي الموقع المهم والاستراتيجي وللتقليل من الخسائر غير المبررة حاليًا، وإسقاط سلسلة مدن وقرى الريف الغربي (شامية) ناريًا بالكامل.
أما المحور الثاني وهو محور السخنة (المحور الجنوبي) والذي من المتوقع أن يلاقي المحور الغربي عند عقدة (الشولا) وبذلك يكون قد قطع أي تواصل بين قوات التنظيم شرًقا في دير الزور، وغربًا في جيب عقيربات وحدود السلمية.
فصائل “الحر” تلتف بـ “جيش وطني” في الشدادي
وبالتزامن مع زحف قوات الأسد طفت إلى السطح مفاوضات بين فصيل “جيش مغاوير الثورة” وممثلين عن “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة، لتشكيل “جيش وطني” مقره الشدادي في ريف الحسكة.
وقال قائد “المغاوير” مهند الطلاع، إن “الهيئة السياسية” في “الجيش” تتفاوض مع أمريكا من أجل تشكيل “جيش وطني”، في وقتٍ لم يصدر فيه أي تصريح بهذا الخصوص عن “التحالف الدولي”.
ويأتي الحديث عن تشكيل “الجيش الوطني”، بعد تعرقل المفاوضات على إنشاء قاعدة الشدادي العسكرية، على خلفية التبعية والتنسيق مع “قسد” منتصف تموز الماضي.
وحول تشكلية الجيش، أوضح الطلاع لعنب بلدي أنه “سيضم قوىً وطنية نواتها مغاوير الثورة”، مؤكدًا أن “التحالف طالب بتأييد شعبي كامل للهيئة السياسية، من القوى الموجودة على الأرض والشخصيات الاعتبارية في المنطقة الشرقية”.
ووفق القيادي، فإن “الدكتور رياض حجاب (المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات) وآخرين يتحدثون باسم جيش مغاوير الثورة”.
وسينقل “مغاوير الثورة” إلى الشدادي، التي تسيطر عليها “قسد”، وتشكيل قوة هناك وفق الطلاع، ولفت إلى أن “الجيش سيكون الجهة الوحيدة المخولة لدخول دير الزور وتحريرها من داعش”.
ووصف قائد “المغاوير” سير المفاوضات بـ “الإيجابية”، مشيرًا إلى رفض العمل مع قوات سوريا الديمقراطية، و”الضغط على الأمريكيين لتشكيل الجيش الذي يمكن تغيير اسمه لاحقًا”.
ووفق معلومات عنب بلدي، فإن نقل عناصر الفصيل في حال تم التوافق مع “التحالف”، سيكون جوًا نحو الشدادي، التي اختيرت لكونها تقع شمال دير الزور بنحو 90 كيلومترًا.
لجنة مؤقّتة لتحديد وجهة الانطلاق
لم تمض ساعات على إعلان المفاوضات مع التحالف الدولي، حتى شكّلت فصائل “الجيش الحر” في دير الزور، التي ينحدر معظم عناصرها من المدينة، لجنة مؤقتة لتحديد الجبهة الأمثل عسكريًا وجغرافيًا للانطلاق منها للسيطرة على المحافظة.
وفي بيان مشترك لها، حصلت عليه عنب بلدي، السبت 5 آب، قالت إنه “تم اتخاذ قرار تشكيل لجنة لتحديد الجبهة الأمثل للانطلاق نحو دير الزور، على أن تعبأ كافة الطاقات البشرية والمادية والإعلامية تجاه هذه الجبهة”.
ووقّع على البيان كل من “جيش أسود الشرقية”، “مغاوير الثورة”، “أحرار الشرقية”، و“جيش الشرقية”، وقال إن “اللجنة نواة تواصل مع كافة مكونات المحافظة من أجل التوصل إلى العمل المشترك الواحد”.
ويتركز عمل معظم فصائل دير الزور حاليًا في البادية السورية، وتخوض مواجهات عسكرية يومية مع قوات الأسد والميليشيات المساندة لها من جهة، وتنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة أخرى.
وبحسب البيان “اجتمعت اللجنة وقررت اختيار الجبهة الجنوبية في البادية كخيار أنسب للوصول إلى دير الزور وتحريرها في هذه المرحلة”.
وتضم اللجنة كلًا من قائد “أسود الشرقية”، طلاس السلامة، وقائد “المغاوير”، المقدم مهند الطلاع، إلى جانب أبو حاتم شـقرة، الرائد حسين أبو علي، مصطفى الهنداوي، الملازم أول محمود الصالح، يحيى صالح العلي، محمد الباش، ومحمود السلمان.
وبحسب رؤية المحلل االعسكري براء الطه، فإن مناطق جنوب الفرات إلى مدينة دير الزور بالمجمل ستكون لقوات الأسد ومن يساندها، فيما مناطق الشمال ستنقسم بين القوات المدعومة أمريكيًا (قوات سوريا الديمقراطية، ومغاوير الثورة).
أربع نقاط تميّز المدينة
موقع “استراتيجي” على حوض الفرات
من أبرز النقاط التي تميّز المدينة موقعها الجغرافي، إذ تتمركز على الضفة الغربية لنهر الفرات، وتعتبر صلة الوصل بين العراق والمحافظات السورية الأخرى، وأطلق عليها سابقًا اسم “لؤلؤة الفرات”.
وتعد البوابة الشرقية إلى الأراضي السورية، والتي ترى قوات الأسد في السيطرة عليها تأمينًا كاملًا للحدود السورية- العراقية، “الأشد خطرًا عليها من الناحية الأمنية”.
ويقسمها نهر الفرات إلى قسمين، الأول من جهة اليسار امتدادًا للبادية الشامية، والثاني امتدادًا للجزيرة السورية.
وتعتبر دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية بعد محافظة حمص، وتقدر المساحة الكلية لها 33 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 17 % من مساحة سوريا بالكامل.
نقطة ارتكاز “مهمة” في الشرقية
يتركز بالقرب من المدينة مطار دير الزور العسكري، والذي حاصره تنظيم “الدولة الإسلامية” بشكل كامل في الأشهر الماضية، ويحاول اقتحامه من كافة الجهات.
ويعتبر المطار العسكري التابع للأسد، أكبر النقاط العسكرية “الاستراتيجية”، التي تحظى بموقع “مهم”، يتوسط المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة” في المنطقة الشرقية، وخاصة بين مدينة الرمادي العراقية، والرقة.
وتكمن أهميته كونه المنفذ الوحيد الذي يربط المحافظة بالمدن السورية الأخرى، وتستخدمه لنقل المقاتلين والذخائر إلى آخر معاقلها في المحافظة.
معقل التنظيم الأبرز بعد الرقة
تعتبر مدينة دير الزور معقل تنظيم “الدولة الإسلامية” الأبرز بعد مدينة الرقة، التي كسرت فيها شوكة الأخير في الأيام الماضية، بعد تقدم واسع لـ “قسد” فيها، والسيطرة على أحياء مهمة في عمقها.
وتحولت في الأيام القليلة الماضية بعد السيطرة على مدينة الموصل من قبل القوات العراقية، إلى الخزان الأبرز لمقاتلي التنظيم.
وتحدث محللون أنها قد تتحول إلى “عاصمة الخلافة الجديدة” بعد الرقة والموصل العراقية.
وفي حال السيطرة عليها، ستتحول إلى نقطة ارتكاز تنطلق منها كافة العمليات العسكرية، لاستعادة السيطرة على أغلب نقاط “داعش” المتبقية، سواء في العراق أو سوريا.
ثروة سوريا النفطية
يحيط بالمدينة عدد من الحقول النفطية، التي تعتبر “ثروة اقتصادية كبيرة لسوريا”، منها حقل التيم، الذي يبعد عنها حوالي ستة كيلومترات، إضافةً إلى كل من حقول: الطيانة، التنك، العمر الحفرة، كونيكو للغاز، وحقل الورد.
وبحسب تقارير اقتصادية سابقة، تمتلك دير الزور 40% من ثروة سوريا النفطية، و30% من القطن والمحاصيل الزراعية، والتي تضررت بشكل كبير جراء المعارك التي تدور على أرضها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :