tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

غاب السوريون عن دور البطولة في الشاشات العربية في موسم هذا العام، واتخذ  ظهورهم منحىً مختلفًا تصدّر قائمة الأعمال الفنية، بدءًا من المسلسلات الدرامية إلى البرامج الترفيهية والساخرة، بدوا فيها كـ “سلعة” ترويجية، وحقلًا للتجارب والمقالب، تسابق المنتجون العرب لتوظيفهم في أعمالهم.

أسماء متنوعة لأعمال فنية ودرامية عربية، كان البطل الأساسي فيها سوريًا، لكن بصفات جديدة، حاولت هذه الأعمال من خلالها كسب واستقطاب أكبر قدر من المشاهدة والتفاعل، معتمدةً بذلك على أساليب تراوحت بين “الإهانة” و”التحريف”، كنوع من الإغراء للحصول على مادة دسمة، ذات رسالة معينة أطّرت في مجال “الترفيه والمزاح”.

واختلفت الأسباب التي دفعت لاستخدام السوريين بهذه الطريقة، فبينما اعتبر قسمٌ من الجمهور العربي، وخاصة السوري، ذلك نوعًا من رسائل مبطنة ترنو إلى هدف خفي “يريده المخرج”، كان لآخرين رأي مغاير، وعزوها إلى جوّ يتزامن مع المتغيرات والقضايا الساخنة التي تحيط بالعمل الإعلامي، وإلى ضرورة التطرق لها وتناولها، كما حدث سابقًا لعدة مجتمعات عربية، وكانت الدراما السورية السباقة لهذا التناول والطرح، فمن غير الممكن مثلًا أن تغض الدراما النظر عن الأحداث التي يمر بها الجمهور، سواء من الازدهار الذي يمر به، أو النكبة التي عصفت به من حرب أو غيرها.

برامج ومسلسلات تستغل أوضاع السوريين

تحاول عنب بلدي في هذا التقرير الوقوف على ظاهرة استخدام السوريين في الإعلام العربي، وطرحهم كسلعة ترويجية للأعمال الرمضانية، من خلال الحديث مع نقّاد فنيين أشاروا إلى أن البرامج الإعلامية والمسلسلات خلال شهر رمضان الجاري توجهت إلى اللعب على مواضيع تعتبر حديث الناس وذات تفاعل كبير في الأخبار، لكن بغرض تمرير رسائل تخصّ جمهورها بشكل أساسي من جهة، متجاهلةً الأسباب التي أدت إلى ظاهرة اللجوء السوري أو تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا.

برنامج الصدمةيهين اللاجئين السوريين

لم يكن برنامج “الصدمة”، الذي يعرض على قناة “MBC” كما ذكر في الصيغة التعريفية له لـ “الترفيه والتسلية والمزاح”، بل بدا كممر لــ “تبييض” صورة مجتمع من المجتمعات على حساب السوريين والمعاناة التي يمرون بها، وسط إهانة اجتماعية وإنسانية تتخطّاها الشركة المنتجة لمصلحة فرض البرنامج نفسه بقوة على “روزنامة” رمضان.

تناول البرنامج في الحلقة الرابعة، تحت عنوان “التعامل مع اللاجئين”، مشاهد رُكّز فيها على إهانة عدد من اللاجئين العرب في دول اللجوء، بينهم السوريون، عن طريق طردهم من المطاعم، وإظهارهم كـ “عالة على المجتمع الذي قدموا إليه، يجب ألا يمارسوا ذات الحقوق التي يمارسها أصحاب البلد الأصلي”، ليصحح روايته في نهاية المشهد “التمثيلي” أن الأمر مزاح ونوع من المقالب.

وكان المشهد التعريفي له في مطلع الحلقة مؤشرًا رئيسيًا لذلك، إذ طرح المخرج رؤيته بالقول “من خرج من داره قلّ مقداره”، متسائلًا عن “الأمور التي يجب التعامل بها معه (…) هل يجب أن نحتويه ونضمه في بلدنا؟ (…) هل ندوس عليه أكثر؟”.

وبحسب الإعلان الترويجي للبرنامج، يعتبر “أحد البرامج الهادفة، والذي لاقى إعجاب الكثير من المشاهدين وحقق نسب مشاهده عالية في رمضان الماضي والحالي، لما يتعرض له البرنامج من مواقف إنسانية وحالات اجتماعية تمس الجمهور”.

الجزء الأول من البرنامج كان في مصر داخل أحد المطاعم، إذ فوجئ الزبائن بأحد العاملين وهو يهين عائلة سورية ويطردها من المطعم بحجة أنهم يأخذون حق أولاد البلد وهم أولى بالأكل منهم، وكان رد فعل الناس متعاطفًا جدًا مع العائلة السورية، ووصل الأمر إلى المشادة مع العامل وترك الجميع المطعم قبل أن يتم الكشف عن “المقلب”.

نفس الموقف تم تصويره في ألمانيا، ولم يختلف الأمر كثيرًا، فعبّر العديد من الألمان الموجودين في المطعم أن السوريين مرحب بهم، ولا يوجد قانون يمنعهم من ممارسة حياتهم العادية، ولم يختلف حالهم عن المصريين بعدما قرروا ترك المطعم إذا طردت العائلة.

والفكرة مقتبسة من برنامج الكاميرا الخفية في تركيا، الذي نشر قبل سنتين في القناة التركية الرسمية (TRT)، ومثّل طرد عائلة سورية من مطعم وسط تعاطف الأتراك.

وقوبل برنامج “الصدمة” باستياء كبيرٍ في الشارع السوري، انعكس في مواقع التواصل، نظرًا لطريقة الطرح التي استخدم فيها اللاجئون السوريون، إذ اعتبروا “أشخاصًا من الدرجة الثانية يستحقون الشفقة”،  بدلًا من تسليط الضوء على المشاكل التي تعترضهم في دول اللجوء، كالإقامات وتأشيرات الدخول، التي يمكن أن تحقق “الصدمة الحقيقية”، فـ “السوري يحتاج حقه بالإقامة مثله مثل أي جنسية أخرى، ولا نريد من يشفق عليه”.

ودلّل منتقدو البرنامج على نظريتهم بضرب أمثلة عن العديد من السوريين الذين تمكنوا من إحداث خرقٍ في مجتمعاتهم الجديدة، وتمكنوا من التفوق في عدة مجالات علمية وطبية واقتصادية.

جانب خفي في إعلان زين

انتشرت انتقادات الإعلان الرمضاني لشركة اتصالات “زين” كالنار في الهشيم، فيما يخص ظهور مشهدٍ يحاكي الطفل الحلبي عمران دقنيش أمام “انتحاري” يريد تفجير نفسه، ليؤكّد الطفل أنّ أخلاق النبي محمد تقوم على الصفح والعفو وعدم إيذاء الآخرين.

الانتقادات كانت تصبّ في خانة أن الإعلان يشوّه الحقيقة، فصورة عمران التي ضج بها العالم كانت نتيجة لقصف قوات الأسد على مدينة حلب، وليس إرهاب تنظيم “الدولة” كما تصوّره “زين”، إلا أن جانبًا فنيًا خفيًا يقف وراء الإعلان، على أحسن ظن، يتمثل بتوظيف معاناة السوريين لصالح الحبكة الإعلانية.

ولأن التوجّه الخليجي اليوم هو قتال تنظيم “الدولة” وتجفيف منابعه الفكرية، كان لا بدّ من ضربة فنية بإدخال الطفل عمران في إعلان شاهده حتى الآن نحو عشرة ملايين مشاهد في “يوتيوب”، عدا عن عرضه عبر القنوات التي تدخل معها “زين” بعقود رعاية، في أكثر المواسم متابعة خلال السنة.

ولم يتوقف استغلال معاناة السوريين على عمران في إعلان “زين”، بل تعدّاه إلى عبارة “سأخبر الله بكل شيء”، المنسوبة إلى طفل سوري قالها قبل مقتله إثر غارة جوية، ليحوّرها الإعلان إلى “سأخبر الله بكل شيء، بأنكم ملأتم المقابر بأطفالنا، وكراسي المدارس فارغة، وأشعلتم الفتن ونسيتم مصابيح شوارعنا مطفأة، أنكم كذبتم والله أعلم بذات الصدور”، تتردد مع مشاهد لمن يوصفون بـ “الإرهابيين” الذين يخططون لعمليات “انتحارية”.

معالجة سطحيةفي كان في كل زمان

بدأت الحلقة الأولى من المسلسل العربي “كان في كل زمان” بمشاهد مكررة ومقتبسة من عددٍ من الأفلام والسكيتشات المنتشرة في مواقع التواصل، في معالجة سطحية ومباشرة للقضايا التي تشهدها الساحة العربية، دون نقاشٍ معمق أو حبكة تفضي إلى نتيجة مقنعة.

ففي المطار تشك عائلة النجمة الكويتية سعاد عبد الله بشيخ مسلم في جيبه جهاز يظهر أرقامًا ضوئية، وسط فزع الأطفال من كونه “إرهابيًا”، لكن هذا الشيخ يساعد فجأة قسًا مسيحيًا تعرض لوعكة صحية، ليظهر أن ما في جيبه “بور بانك” لهاتفه المحمول.

وتقول النجمة عبد الله عقب المشهد “نحن الإرهابيون. الإرهاب ليس زرع قنبلة، الإرهاب أن تزرع فكرة غلط”، وهو ما تريد من خلاله الكاتبة هبة حمادة مشاري التغلب على قضايا مجتمعية وصورٍ نمطية في عالمنا على غرار العمالة والخدم في المنازل وأطفال الشوارع، من خلال حكايات تمتد لحلقتين أو ثلاث، وفق ما قالته لصحيفة “الأنباء” الكويتية.

لكن كسر الصور النمطية كان يكرس هذه الصورة، إما لسطحية الحبكة أو لسذاجة تقديمها، فلمعالجة قضية أطفال الشوارع، في الحلقة الأولى التي أخرجها السوري سيف شيخ نجيب، تتهجّم النجمة على طفل سوري أراد مساعدتها بعدما نسيت حقيبتها في المطار وتركتها عائلتها وحيدةً. يناديها “يا خالة” فتتجاهله، ثم يلحقها بحقيبتها، وهي تردّد كلمات “الله يعطيك يا يمّا.. ابتعد عني الي فيني مكفيني”.

وبعدما تتهمه بسرقتها وتطلب المساعدة من شابٍ في الطريق يضرب الطفل ويدميه، تسأل الطفل “ليش تفعل كدا؟ استضافوك وأنت تمدّ يدّك (تسرق)، يا يمّا المثل يقول (يا غريب كون أديب)”، قبل أن يخبرها أنه كان يريد مساعدتها لا سرقة حقيبتها.

وحتى ردّ الطفل كان بصورة فجّة “من نصف ساعة وأنا لاحقك لردّلك الشنتا وإنت ما تردي علي، أنا مالي شحاد، أنا لو فيني أسرق شي ما كنت رح أسرق شنتا، أنا كنت رح أسرق وطن، أنا محتاج وطن وأم وأب وجيران وصحاب يفزعولي لما انضرب”.

مشهد بين سائحة خليجية وطفل سوري في مسلسل “كان في كل زمان” (MBC)

غرابيب سوديصوّر سوريامنبعًا للإرهاب

 يحشد المسلسل الذي أنتجته كلٌ من “O3 Productions” و”صبّاح بيكشترز”، ممثلين من سبع دول عربية هي: سوريا، الكويت، السعودية، العراق، مصر، لبنان، تونس، ويحمل توقيع ثلاثة مخرجين هم: حسام الرنتيسي، حسين شوكت، وعادل أديب.

لم يحمل مسلسل “غرابيب سود”، الذي عُرض على شاشة “MBC” وقنواتٍ أخرى، ضبابية في اسمه فقط، بل تخطاها ليجعل من سوريا المكان الأكثر ظلمةً في العالم، من خلال سيناريو اتفق عشرات النقاد على أنه مغلوط وخاطئ بكافة المقاييس، إذ روى للمُشاهد تفاصيل “قاتمة” أو “مفبركة”، خلال عشرين حلقةً أُتبعت بفيلم وثائقي بعنوان “ألوان الدم الخمسة”.

بلهجة المنطقة الشرقية من سوريا، تحدث معظم “كومبارس” المسلسل، الذين كانوا مثالًا لما يجري مع الأهالي القاطنين تحت حكم التنظيم، في مشاهد صُوّرت بين مدينتي عالية وصور في لبنان، على أنها في الرقة السورية.

وتناول المسلسل ملف تنظيم “الدولة الإسلامية”، بمصطلحات ومفاهيم مغلوطة، وفق ناقدين فنيين ومحللين متخصصين بالحركات الجهادية، مسلطًا الضوء بشكل رئيسي على النساء الملتحقات به، عارضًا نماذج تنوعت بين الباحثات عن حياة جديدة، بديلة عن أخرى عانين فيها من مشاكل نفسية واجتماعية.

كما عرض المسلسل نمط الحياة في ظل سيطرة تنظيم “الدولة”، متناولًا قضايا استقطاب الأجانب للانضمام إليه، ويظهر الفساد الذي يُعاني منه قياديوه، بتورطهم بقضايا جنسية ومالية وأخلاقية وغيرها، كما كان لـ “فتيان الجنة” نصيبٌ فيه، إذ روى تفاصيل تجنيد الأطفال، واستغلال بعضهم جنسيًا من قبل المسؤول عنهم “أبو المقداد”.

ولاقى “غرابيب سود” استهجانًا عربيًا واسعًا، لاعتماده في رواية ما ينتهجه التنظيم ضمن مناطق سيطرته، على “جهاد النكاح”، المصطلح الذي روّجت له قناة “الميادين” المقربة من “حزب الله” اللبناني، ورواية النظام السوري، إلا أن آخرين أعجبوا بمضمونه، ووصفوه بـ “العمل الأضخم هذا العام”، كما تحدثت عنه “MBC”.

عشرات التقييمات السلبية تحدّث بها فنانون عرب، معتمدين على سردٍ غير واقعي للأحداث، بدأت بتنفيذ هجماتٍ “إرهابية” في فرنسا، تخللها وقوع الممثل السوري محمد الأحمد في حب فتاة تونسية، ليأخذها إلى سوريا ويصبح أميرًا للتنظيم حاملًا اسم “أبو طلحة”.

ورغم أن المسلسل صوّر في مشاهد أخرى، بعض الأفكار “المسمومة” التي يحملها التنظيم، وعمل بعض المنتمين إليه كخلايا متخفية تُحاول اختراقه، إلا أن الرسائل لتجنب التطرف ومحاربته فكريًا لم تكن بالشكل الأمثل، إذ ركّزت في معظمها على صراع داخلي بين القادة نحو الإمارة، ودعوات إسلامية رنانة ناقدت أفعالهم.

لم يكن العمل متكاملًا، فقدّم فتاوى عبثية عارضًا بشكل سطحي تفاصيل كان من الضروري التركيز عليها، وفق وجهة نظر واحدة اجتمع عليها نُقّاد فنيون، عدا عن أنه روّج لفكرة أن سوريا منبع الإرهاب، أكثر من ترويجه للابتعاد عن أفخاخ التنظيم التي يصطاد بها المنتمين إليه.

وتحدثت مواقع فنية عن صعوبات بدأت في اليوم الأول من التصوير، أبرزها خلافات على عنوانه، وسط طروحات بتسميته “بالذبح جئناكم”، أو “على القلوب أقفالها”، قبل أن يُتفق على “غرابيب سود”.

ورغم أن القناة عرضت الحلقة العشرين من المسلسل وقالت إنها الأخيرة وإن الأحداث انتهت، تداولت مجلات فنية أنباء عن أن إيقافه “تحت الضغط”، مستدلةً على أن فريق العمل “تسلّم نسخًا من الحلقات 26 و27 و28″، مشيرة إلى أن المسلسل “تخطى في حلقاته المكتوبة والمصورة ثلاثين حلقة، تسلّمت منها القناة 26 حلقة فقط”.

وأتبعت القناة المسلسل بـ “ألوان الدم الخمسة”، الذي اعتبرته خاتمة وثائقية درامية، وعرضت من خلاله قصص خمسة أشخاص على طريقة “الدكيودراما” (الجمع بين القصص الحقيقية وخيال المؤلف)، مسلطًا الضوء على التقائهم في هدف واحد، رغم اختلاف جنسياتهم، ومن بينهم السورية الدكتورة إيمان البغا، إحدى المرجعيات الفقهية للتنظيم حاليًا.

تسارعت الوتيرة الدرامية والحبكة في “غرابيب سود”، على حساب عرض الأفكار الأكثر عمقًا في منهج التنظيم، ويقول بعض من شاهد الحلقات العشرين لعنب بلدي إنه لم يكن مؤثرًا في الجمهور، بالقدر الذي يُحاول فيه تشويه سمعة التنظيم في نظر مؤيّديه، ليعكس تمامًا أغنية شارة المقدمة “سنقضي عليهم بعزّ الإله”.

ماذا يقول النقّاد؟

الرائج هو المستهدف

الناقد الفني أنس عدنان يرى أن “البرامج الإعلامية والمسلسلات خلال شهر رمضان توجهت إلى اللعب على مواضيع تعتبر حديث الناس، ولها تفاعل كبير في الأخبار، والتي شكلت بمرحلة من المراحل أهم المواضيع في هاشتاغات التواصل الاجتماعي، كالتفاعل الذي طرأ في قضية السفر عبر البحر إلى أوروبا، والذي ظهر دراميًا عبر ثنائية جلسة في مدرسة الحب (موطني)”.

واعتبر في حديث إلى عنب بلدي أن “الدراما والبرامج أخذت حاليًا منحىً واسعًا للاجئين منها الصريح، والآخر المبطن، فبالنسبة إلى مسلسل غرابيب سود تحدّث عن لاجئة بمخيم اللاجئين في لبنان يموت ابنها لنقص المساعدات لنجدها فجأة في تنظيم داعش”.

إلا أنه وبوجهة نظر الناقد المسرحي جلال سيريس فإن الاستخدام الحالي للاجئين السوريين كـ “سلعة” درامية وإعلانية ليس حديثًا في الوسط الحالي، إذ كان في السنوات السابقة أمثلة لتوجه الدراما وبعض القطع الإعلامية لاستخدام اللاجئين السوريين كعنصر ذي دور أساسي تقوم عليه القصة، سواء في الدراما اللبنانية أو بعض البرامج التي عرّفت نفسها بأنها ترفيهية.

وأوضح لعنب بلدي أن “هذا الاستخدام يعود إلى حضور ووجود اللجوء بشكل واسع، حتى في  الحديث بين العائلات، الأمر الذي أقحم شخصية اللاجئ السوري داخل الدراما والبرامج بشكل كبير”.

ووفق رؤيته فالوضع السوري والثورة السورية يمكن مقارنتها بما جرى في العراق سابقًا، إذ أدخل السوريون قبل الثورة السورية موضوع حرب العراق إلى الأعمال الدرامية، مشيرًا إلى أن “كل حدث سياسي أو عسكري له تأثير بشكل عام ينعكس على الدراما، لكن ما يعيبه طريقة الاستخدام وأسلوب الطرح الخاطئ”.

رسائل محدّدة للشعوب المتلقية

“استنزاف للمشاعر” اتبعه مسلسل غرابيب سود في الحلقة الأولى، يقول عدنان، مؤكدًا “بشكل خاص من ناحية الغرافيك والتصوير، إلى جانب الأسلوب الذي تقدم به، والذي اعتمد اللعب على الحس العالي”.

واعتبر أنه “رغم قوة المشهد المعروض، إلا أنه يصنف في مكان آخر، وهذا ما وجدناه  في قصة عمران في إعلان شركة الاتصالات زين، إذ استغل الطفل وخلق موجة تفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، أدت إلى رد فعل دفع القناة لقطع الصورة من الإعلان”.

في حين  أشار الناقد الحلبي سيريس إلى أن “غرابيب سود حتى الآن هو عبارة عن رسائل تتحدث عن داعش حسب وجهة نظر الكاتب، ولاقت نقدًا من قبل بعض النقاد على أمور معينة كزواج النكاح والحديث عنه”.

وأوضح أن “الناس حتى الآن تربط داعش مع الإسلام وهذا شيء خاطئ،  إذ يمكن أن يكون لهم زواج نكاح، وذلك استنادًا لممارساتهم السيئة التي لا يمكن إنكارها، إذ ركّز المسلسل على المبرر الذي يدفع الشباب الخليجي للانتساب إلى تنظيم داعش، موجهًا من خلاله رسالة تحذره من الانضمام”.

برنامج “الصدمة” كان له رؤية خاصة بالنسبة للناقد عدنان، فاعتبر أنه “غرّد خارج السرب في الموسم الأول من العام الماضي، وتحدث معظم الناس أنه أسلوب جديد من البرامج التي تفتعل مواقف إنسانية بمواقف عامة، على عكس الهذر والسخرية التي تتبعها بعض برامج المقالب”.

إلا أنه وخلافًا لما بدأ عليه أدخل في عمله العام الحالي “خطًا من قبل المحرر ليوصل رسالة كان لها أثرٌ سلبيٌ واضحٌ”.

وأوضح أن “الجمهور اليوم يلتقط بسرعة ويرى ما هو بعيد، كما أن الهاشتاغات في مواقع التواصل لها دور كبير في التفاعل الذي ينعكس على رأي الجمهور في كل لحظة، إضافةً إلى استنزاف الخبر بإطار معين، الأمر الذي دفعنا إلى أن نكون عاطفيين”.

في حين أشار سيريس إلى أنه “لا يوجد ذكاء في استخدام اللاجئ السوري لتمرير رسائل سياسية في هذه الأعمال، فمعظم البرامج التي نشاهدها يقوم على صناعتها أشخاص عديمو الثقافة، سواء برنامج الصدمة أو غيره، لكن الرسالة التي تسعى لها هذه الأعمال موجهةٌ تحديدًا لشعوبهم”.

مجموعة “MBC” تغذّي النمطية السلبية عن السوريين

واظبت مجموعة “MBC” الإعلامية، المملوكة لرجل الأعمال السعودي وليد الإبراهيم، على تقديم وجبة درامية رمضانية، اعتبرها نقّاد وجمهور عربي واسع أنها عززت النمطية الخاطئة عن بعض المجتمعات العربية، ولا سيما بعد تناولها مفاصل مجتمعية سورية بسطحية بالغة، مقدّمة الصورة السلبية على الجوانب المشرقة.

أعمال فنية عدّة رعتها “MBC”، غذّت النمطية السلبية عن السوريين في الموسم الرمضاني الحالي، فالمجتمع المحلي بات بيئة جاذبة ومصدّرة لـ “الإرهاب”، وهو المصطلح “البيّاع” دراميًا هذا العام، فالأصل في “غرابيب سود” هي الرقة، عاصمة تنظيم “الدولة” والبيئة الحاضنة له، وطرق مرور التنظيم ونشاطه هي الأراضي السورية، في معالجة هزيلة وسطحية للواقع المعقد وعدم التطرق للحلول والأسباب.

تأسّست “مجموعة MBC” في العام 1991 في لندن، ويملكها رجل الأعمال السعودي، وليد الإبراهيم، وهو المقرب من عائلة آل سعود الحاكمة في المملكة.

وشهدت المجموعة خلال الأعوام الفائتة اتساعًا وتطورًا ملحوظًا، إذ تضم اليوم نحو 20 قناة تلفزيونية، عدا عن منتجات إعلامية متنوعة أخرى، ويديرها الإعلامي اللبناني علي جابر.

“الإرهاب” البياع حضر في إعلان “زين” الرمضاني الشهير، الذي رعته “الشاشة التي تجمعنا”، إلا أنه لم يحقق الإجماع المرجو بقدر ما أثار جدلًا كبيرًا في جزئيتي: إقحام الطفل الحلبي عمران دقنيش، الذي أصيب ببراميل الأسد، وتسويق عبارة “لنفجر.. لنفجر”، التي بات يرددها الأطفال طربًا.

يتساءل المخرج السينمائي الفلسطيني، نورس أبو صالح، في مقال عبر مدونة “الجزيرة”: “هل وعت الشاشة التي تجمعنا، أنها تتبنى وجهة نظر أبشع نظام عرفته البشرية، في مأساة القرن؟ وتزيد على ذلك في أنها تريد أن تخبر الله بكل شيء، في طفل خرج من تحت أنقاض براميله المتفجرة، وتلقي بلائمتها على النتيجة متجاهلة حتى الغبار الممزوج بالدم على وجه عمران، فيما يصدح باقي أطفالنا في الشهر الفضيل، مقطعًا في عملٍ ينبذ العنف على ما يبدو، “لنفجر لنفجر”.

كما أن المتلقي العربي بات يشعر بفظاظة البيئة الشامية دراميًا، العريقة بالأصل، لتفرغ “MBC” من جعبتها فصلًا جديدًا من العمل المستهلَك “باب الحارة”، الذي تنتجه منذ أعوام وتعرضه حصريًا عبر قنواتها، وبات بنظر كثير من النقاد أحد أسوأ ما قدمته الدراما السورية في تاريخها، وأكثر الأعمال الفنية إساءة للبيئة الشامية وتقاليدها العريقة.

“لا يوجد حل لانتهاء باب الحارة إلا بإلغاء شهر رمضان”، يتهكّم أحدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حالة رفض وصلت حد القرف من العمل، ليكون الرأي الأكثر حدة للفنان حسام تحسين بك حين صرح لقناة “روداو” قائلًا “من كتب نص المسلسل جاهل بالأمور، وأشبههم بداعش، داعش دمر تاريخًا في مدينة تدمر الأثرية، أما القائمون على باب الحارة فهم يدمرون البيئة الشامية، والمسلسل شوّه سمعة المرأة الشامية”.

بعيدًا عن الدراما، لم ينجُ السوريون من برامج “تلفزيون الواقع” المستوردة من الإعلام الغربي، فـ “الصدمة” الذي احتوى على تقليد واضح لبرامج تركية وغربية سابقة، وأنتجته المجموعة هذا العام، تناول اللاجئين السوريين والصورة النمطية لهم في البلدان التي انتشروا فيها، وهو ما يعزز القول الرائج “إن السوريين باتوا سلعة في الإعلام”.

لا ريب أن “MBC” هي أكبر مجموعة إعلامية رائجة في المنطقة العربية، واستحوذت على متابعة جماهيرية واسعة بالنظر إلى قريناتها، وهو ما جعلها عرضة لانتقادات لاذعة في طريقة تناولها الخصوصيات المجتمعية وتسويقها عربيًا، الأمر الذي لم يقتصر على سوريا وحدها، بل انسحب على الخليجيين أنفسهم، وحلقات “غرابيب سود” تقدّم نموذجًا واضحًا.

مقالات متعلقة