حرب الفوسفات السورية.. طهران تستحوذ والمعارضة تتحرّك بـ “خجل”
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
للمعارك شرق مدينة حمص السورية، جانبٌ خفيٌ يبرّر وضع النظام السوري وحلفائه ثقلهم في المنطقة، فبعد أيامٍ على سيطرة قوات الأسد والميليشيات الرديفة على مناجم الفوسفات، نهاية أيار الماضي، بدأ تنفيذ العقود الموقّعة مع طهران للاستحواذ على المناجم.
تتوزع المناجم في منطقتي الصوانة وخنيفيس بالريف الجنوبي الشرقي لحمص، وسبق للنظام السوري أن وقّع عقدًا مع إيران، في زيارة لرئيس حكومته عماد خميس إلى طهران، مطلع العام الجاري، ويشمل التنقيب عن الفوسفات واستخراجه واستثماره لمدة 50 عامًا.
كما صادقت الهيئة الاستثمارية السورية، الأسبوع الماضي، على ترخيص خمسة مشاريع لرجل الأعمال اللبناني بيار فتوش وشركائه، من ضمنها استخراج الفوسفات الخام في حمص لمدة ثلاث سنوات، بطاقة إنتاجية من واحد إلى عشرة ملايين طن سنويًا.
ويتمتع فتوش، الملقب بـ “ملك الكسارات” في لبنان، بعلاقات قوية مع شخصيات بارزة في النظام وخاصة رئيس مكتب “الأمن الوطني”، علي مملوك، بحسب مواقع لبنانية.
الفوسفات السوري اكتشاف سوفيتي
ويعود اكتشاف خامات الفوسفات في سوريا إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما قامت فرنسا آنذاك بدراسات محدودة في سفوح جبل بلدة السخنة الواقعة على يسار طريق دمشق- تدمر، لكنها توقفت مع خروج فرنسا من سوريا ونشوب الحرب العالمية الثانية، لكن البعثة السوفيتية قامت في بداية الستينيات بدراسات موسعة، وأكدت وجود الفوسفات في مناطق واسعة من البادية السورية، وأهمها منطقة خنيفيس والصوانة ووادي العوابد.
وفي عام 1970 أُحدثت “الشركة العامة للفوسفات والمناجم”، ليبدأ استثمار الفوسفات لكن بكميات إنتاج واحتياط محدودة لا تتجاوز 576 مليون طن، ومع ازدياد أعمال التنقيب تضاعف الرقم بعد عام 1998، حتى بلغ احتياطي سوريا من الفوسفات، وفق أرقام الشركة العامة، 1.8 مليار طن خام، في 2009.
وبلغت صادرات سوريا من الفوسفات، أكثر من 3.2 مليون طن إلى أسواق العالم، ما جعل سوريا تحتل مركزًا متقدمًا بين الدول المصدّرة للفوسفات في العالم.
وكانت سوريا تأتي في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدّرة للفوسفات عام 2011، وتعد الهند وروسيا ولبنان ورومانيا واليونان من أبرز الدول المستوردة.
وقال مدير الشركة السابق، فرحان المحسن، في 2009 بحسب موقع” Syria-oil” إن “أرباح الشركة العامة للفوسفات خلال 2008 قُدرت بمليارين ومليوني ليرة سورية”.
منجمان تحت سيطرة إيران وتسهيلات حكومية
ولما كان للفوسفات السوري أهمية كبرى، عمدت إيران للاستحواذ على حقوله بتوقيع عقود مع النظام السوري لعشرات السنين، ثمنًا لدعمها العسكري والسياسي، فتمكنت بذلك من السيطرة على الفوسفات السوري بسبب هذه الاتفاقيات، بحسب ما قاله الخبير في مجال النفط والثروة المعدنية عبد القادر العلاف، لعنب بلدي.
وأوضح العلاف أن فاتورة كبيرة دفعت لإيران من قبل النظام عبر اتفاقية الفوسفات، فقد شملت مناجم خنيفيس التي تقع على بعد 60 كيلومترًا جنوب غرب مدينة تدمر، والتي تعد من أكبر مناجم الفوسفات في سوريا وأهمها.
وأضاف أن الفوسفات السوري يتميز بوجود خماسي أوكسيد الفوسفور “ P2o5”، إذ تتراوح نسبته في خامات خنيفيس بين 28 و34%.
ويعتبر منجم خنيفيس ومناجم الشرقية (الصوانة)، التي تقع على بعد 45 كيلومترًا جنوب غرب تدمر، أبرز مناطق استخراج الفوسفات في سوريا، إذ بلغت الكثافة الإنتاجية للمنجمين في 2009 حوالي 2.65 مليون طن، منها 800 ألف طن من منجم خنيفيس، و1.85 مليون طن من منجمي “الشرقية” (أ و ب).
النظام السوري لم يكتف بتسليم المناجم لإيران فحسب، بل يحاول إيصال منتجاتها من حمص إلى ميناء طرطوس برًا عبر القطار، وفق ما قاله وزير النقل في حكومة النظام السوري، علي حمود.
وقال حمود، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، في 1 حزيران الجاري، إن “الحكومة تسعى لوصل خط القطار إلى مناجم الفوسفات شرق حمص، وستؤدي هذه الخطوة لتكامل في العمل من خلال تحميل القطار من مرفأ طرطوس بالقمح إلى صوامع شنشار، وعودته محملًا بالفوسفات، ما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني والمرفأ والشركة العامة للخطوط الحديدية”.
بدورها، تسعى إيران، لفتح طريق بري من البادية السوري إلى طهران، عبر الحدود السورية العراقية، لكنها تصطدم بقوات أمريكية وبريطانية في قاعدة التنف الحدودية.
اتفاقيات مجحفة وتحرّك للمعارضة
ويعتبر محللون اقتصاديون أن الاتفاقية مجحفة بحق الشعب السوري، إذ تحرمه من حقه في الثروة التي يمكن استخراجها من المناجم لمدة 50 عامًا، الأمر الذي قد يؤدي إلى أعباء اقتصادية كبيرة على عاتق الحكومة المستقبلية بعد انتهاء الحرب، التي ربما تكون تابعة لصالح الدول التي هيمنت على الاقتصاد السوري وفي مقدمتهم إيران وروسيا.
ومن الناحية القانونية تعتبر هذه الاتفاقيات الموقعة بين النظام وإيران وروسيا ملزمة قانونيًا ونافذة، كون الجانبين أعضاء في مؤسسات الأمم المتحدة.
لكن وزير الخدمات في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، عبد الله رزوق، اعتبر أن هذه الاتفاقيات من الناحية القانونية ملغاة، لعدم وجود حكومة شرعية من قبل كامل الشعب السوري ومختارة منه.
وقال الوزير رزوق، في حديث إلى عنب بلدي، إنه عند عودة الأمور إلى طبيعتها واختيار الشعب من يحكمه، سيعاد النظر في كل الاتفاقيات مع إيران وغيرها ممن يقبضون ثمن قتل الشعب.
وحول خطوات المعارضة وتحركاتها على الصعيد الدولي من أجل إيقاف هذه الاتفاقيات، أكد الوزير أن المعارضة اعترضت لدى أغلب الجهات الداعمة لها على هذه الاتفاقات منذ توقيعها في الشهر الأول من هذا العام، وعلى إثرها وضعت المزيد من الأسماء ضمن لائحة العقوبات (الأوروبية والأمريكية)، والتي من الممكن أن تعرقل هذه الاتفاقيات مستقبلًا ريثما يتم حل نهائي للوضع.
وبعد سبع سنوات من الحرب أصبح 40% من موارد سوريا تحت هيمنة النظام الإيراني، بحسب رزوق، إضافة إلى تأثيرها الكبير على القسم المتبقي بعد بيع مقدرات سوريا عبر اتفاقيات إلى نظام أسهم في قتل الشعب السوري، الذي ينتظر هيمنة اقتصادية وتحكمًا في اقتصاد البلاد مستقبلًا من قبل إيران وروسيا في حال بقي النظام السوري أو رحل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :