في خيمة قماشية.. آباء يأكلون العنب ومواليد يضرسون

camera iconلاجئة سورية تحمل طفلها الرضيع في مخيم الزعتري للاجئين السوريين بالأردن - الأمم المتحدة

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ر. ك

مسكن مجاني، كوبونات مالية وخدمات صحية كفيلة بإقناع أي زوجين مستقرين لإنجاب أطفال دون حساب لعدد ولا مدد، لكن لا أحد يعلم بدقة لماذا يختار سكان المخيمات السورية إضافة “ورقة لجوء” جديدة إلى قائمة بدأت ولن تنتهي، بأسماء خمسة ملايين سوري، محفوظة بأمانة في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.

رجب وطيب وأردوغان، ثلاثة توائم سوريين أشهر من نار على علم، ليسوا الوحيدين ولكنهم الأوفر حظًا حين ولدوا في مخيمات تركيا وسط احتفالات وتهليلات وصلت إلى سدة الحكم نفسها.

“كل ياسمينة ستنجب طفلًا.. ومحالٌ أن ينتهي الياسمين”، بيت شعر سوغه اللاجئون لأنفسهم، محولين ليمون نزار قباني الفلسطيني إلى ياسمين بلادهم السوري، فمع كل طفل سوري يموت كل يوم، في الحرب التي اندلعت قبل سنوات، يولد في ضفة اللجوء المقابلة طفل آخر، يواصل معاناة أقرانه، أو ربما يشكل معهم فريقًا للنهوض ببلاد أكل الدمار معظم أجزائها ولم يشبع.

ثماني واقعات ولادة يوميًا تحصل في مخيم “الزعتري” بالأردن، ليشهد المخيم الصرخة الأولى لـ 49 ألف طفل ولدوا فيه منذ العام 2012، رقم لم يكن ليصدّق لو لم يصدر عن مدير المخيم ذاته العقيد عبد الرحمن العموش، شاكيًا من نساءٍ لم تمنعهن هشاشة الخيمة من ممارسة حياة زوجية طبيعية، تحت عبارة “رزقة الولد بتجي معو”.

لمَ لا؟ ففي وسط المخيم سوقٌ لبيع فساتين الأفراح ولوازم العروس، يليه كرفان لصالون تجميل تخرج منه المرأة بمكياج لامع وصبغة شقراء وحنة و”منيكور” و”بديكور” نحو خيمتها، التي ظاهرها قماش مشمع منصوب على رقعة طينية، وباطنها غرفة نوم مزركشة بقلوب حمراء كُتب عليها “أنت عمري”.

جلسات تثقيفية، وأخرى توعوية، تحضرها نساء الزعتري حول ضرورة تنظيم الأسرة وإيقاف الإنجاب، أفضت بهن في النهاية نحو عيادات التوليد في مركز “الطفولة” عند مدخل الزعتري، فمرور السيدة بجانب صالون التجميل يُتوقع منه مرورها في اليوم التالي، ولكن هذه المرة باتجاه تلك العيادات.

ومع صرخة كل طفل سوري حديث الولادة يدوي صدى صرخة الحكومة الأردنية قائلًا: “عشرة مليارات دولار تكلفة استضافتكم على أراضينا”، وذلك خلال افتتاح مؤتمر “اللاجئين في الشرق الأوسط والأمن الإنساني” بالعاصمة عمّان.

عرف الإنجاب..  إلى المخيمات

لا يختلف المشهد كثيرًا بين “زعتري” الأردن و”عرسال” لبنان، بوجود ما يزيد عن 300 ألف سيدة سورية حامل، سيلِدن عام 2017، حسب تقديرات الصحف اللبنانية عن “تكاثر” اللاجئين، الذين يصمّون آذانهم عن ادّعاءات بـ “الجهل والتخلف”، ويضربون عرض الحائط تقاريرَ رفعتها منظمات إغاثية للسلطات اللبنانية.

تلك الوتيرة المتصاعدة لعدد المواليد السوريين في مخيمات اللجوء جعلت منهم مادة دسمة، دفعت بعض المصادر الصحفية، ومنها صحيفة “الديار”، إلى توقعات بأن تصل أعداد السوريين على الأراضي إلى مليوني لاجئ.

اتهامات “عنصرية”، وصفتها نبال العلو، مسؤولة قسم الحماية في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين السوريين بلبنان، نافيةً العدد المقدّر للسوريات الحوامل، إلا أنها لم تستطع إنكار عدم توقفهن عن الإنجاب نتيجة ما وصفته بـ “الجهل”.

“من الظلم منع الزوجين من ممارسة حياتهم الخاصة بشكل طبيعي”، تقول نبال، وتتابع “هو السبيل الأخير للتفريغ عن طاقات سلبية حملوها معهم في أمتعتهم أثناء رحيلهم عن مدنهم المدمرة”.

ولكن.. ماذا عمّا يُسمّى وسائل تحديد النسل ومنع الحمل؟ فكرةٌ يرفضها سكان الخيام تجنبًا للتشبه بالأجانب، “والعياذ بالله”، وسواء أكانت تلك الوسائل طبيعية أو صناعية، من غير الممكن إقناعهم بها، وإن حصل واقتنعت الزوجة بضرورة تحديد النسل يرفض زوجها، متمسكًا بثقافة الإنجاب، من منطلق “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”.

وترى المسؤولة عن مخيم صبرا وشاتيلا أنه يستحيل تطبيق فكرة تحديد النسل على لاجئين قدموا بمعظمهم من بيئة ريفية ترسخ في جذورها عُرف الإكثار من الأولاد لتكبير العائلة وزيادة الوجاهة في القرية، حتى وإن اضطروا للتستر وراء القماش.

الإنجاب وسيلة الترفيه الوحيدة

جدتي كان يُقال لها لكثرة عدد أولادها “ما كان عندكم تلفزيون؟”، وأمي نقول لها رغم إنجابها عددًا متوسطًا من الأولاد “ما كان عندكم واتساب؟”، إلا أن السؤال ذاته لا يمكن طرحه اليوم على اللاجئين السوريين في المخيمات كون الإجابة عليه متوقعة مع انعدام التلفزيون والـ “فيس بوك” والـ “واتساب” وغيرها من وسائل الترفيه والتسلية.

والشيء الوحيد الذي يعرفه سكان الخيام، رغم معاناتهم منه، هو البرد و”الكنكنة” داخل الخيمة لأيام عدة، خاصةً في وقت العواصف الثلجية، التي خلفت أطفالًا عدة، سُمّوا بـ “زينة” و”هدى” و”اليكسا”، تيمنًا بتلك العواصف.

وسواء أكان اسمه أحمد أو عثمان أو أيًا كان، هو واحدٌ من بين ما يزيد عن 300 ألف طفل سوري، ولدوا لاجئين وسُجلت أسماؤهم في دائرة الأمم المتحدة قبل أن تُسجّل في دائرة النفوس، ليأكل الآباء العنب ويتركوا الأبناء يضرسون.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة