عنب بلدي – عبادة كوجان/ ضياء عودة
كان للصور الأولى من الهجوم الكيماوي على خان شيخون، دور جوهري في تغيّر مزاج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نظام الأسد، لتشكّل الحادثة منعطفًا في القضية السورية برمّتها، كما أن صورة الطفل المدمّى، عمران، في مدينة حلب، حازت على مساحة غير مسبوقة من التغطية الإخبارية في وسائل الإعلام الغربية، وهو ما يندرج على عشرات الأمثلة التي كان أبطالها ناشطون إعلاميون، تطوّر أداؤهم وتمأسس مع مرور الوقت.
تنسيقيات الثورة السورية في مختلف محافظات سوريا، والتي شكّلت مرآة تعكس واقع “الانتفاضة” لدول العالم، بإمكانيات متواضعة وتكنولوجيا بسيطة، تطورت تدريجيًا، وبشكل متزامن مع تحوّل الحراك السلمي إلى صراع مسلّح، وراحت تتجه نحو العمل الاحترافي والمؤسساتي، لتأخد مسميات مراكز وشبكات ووكالات ومؤسسات، اكتسبت صفة المحلية من حيث التغطية ضمن دوائر تركيز جغرافية محددة، وعانت ما عاناه الإعلام السوري الجديد، من الافتقار إلى الدعم المادي والتدريب المهني.
لكن، ورغم المعوقات، حافظت هذه المؤسسات الإعلامية الصغيرة، على دورها الجوهري، في كونها المصدر الأولي للمعلومات، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو حتى الواقعة تحت سيطرته، في سوريا.
في هذا الملف تسلط عنب بلدي الضوء على عمل مؤسسات تنشط في سبع محافظات سورية، من خلال الحوار مع مسؤوليها، واستطلاع آراء صحفيين سوريين، وتقييمهم للأداء الإعلامي في المناطق “المحررة”.
تنسيقيات درعا تندمج ضمن مؤسسة
اندمجت تنسيقيات مدينة درعا، وهي مهد الثورة ضد النظام السوري، ضمن مؤسسة “نبأ”، وباتت خلال ثلاث سنوات الواجهة الإعلامية الأبرز في المحافظة الجنوبية، من خلال موقع إلكتروني يغطي الأخبار اليومية، الميدانية منها والاجتماعية، وحسابات نشطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تأسست “نبأ” في 27 تموز 2014، وتهتم بتغطية أحداث المنطقة الجنوبية بشكل مكثف وتفصيلي، بالإضافة إلى الأحداث المهمة والأخبار العاجلة من مختلف مناطق ومحافظات سوريا، بحسب ما أوضح مديرها ياسر الخطيب.
تتعاون “نبأ” مع مؤسسات إعلامية أخرى عاملة في المنطقة، وتتلقى دعمًا مهنيًا من منظمات دولية داعمة للإعلام مثل “إنترنيوز”، وتتبنى المصداقية في عملها، في نشاط تطوعي “بحت”، من خلال 20 عضوًا فاعلًا في مكتبها، ومجلس إدارة مكون من خمسة أشخاص، وفق الخطيب، موضحًا أن “نبأ” لا تمتلك حتى الآن دعمًا أو تمويلًا لتشغيلها، بل تعتمد على التبرعات التي لا تكاد تغطي مصاريفها الدورية.
وتحدث ياسر الخطيب عن جملة معوقات وتحديات تواجه المؤسسة، أبرزها “عدم توفر الدعم الثابت لتقديم تغطية بشكل أفضل، وعدم وجود حماية لكوادر المؤسسة أثناء ممارسة عملهم، كذلك عدم حصولها على ترخيص من الجهات المختصة دوليًا، وضعف في الأدوات اللوجستية الضرورية لممارسة نشاطاتها”.
لكنه أشار في الوقت ذاته إلى ما أسماه “مكامن القوة”، التي تعتمد على “الخبرة الكبيرة لدى الكوادر في مختلف الاختصاصات، والإيمان بعدالة ومصداقية رسالة (نبأ)، واستمرار العاملين فيها بنشاطهم رغم عدم توفر مستحقات مالية أو رواتب”.
ناشطو دمشق أضحوا “صوت العاصمة“
رغم ولادتها الحديثة نسبيًا، في حزيران 2016، إلا أن شبكة “صوت العاصمة” أصبحت مصدرًا مهمًا للمعلومات عن مدينة دمشق وضواحيها بشكل رئيسي، ولا سيما أن العاصمة السورية عانت من هيمنة الإعلام الرسمي الناطق بآراء النظام السوري وتوجهاته، وافتقرت لتغطية الإعلام الجديد بشكل ملموس، قياسًا بالمناطق الخاضعة للمعارضة.
وأوضح رائد الصالحاني، مؤسس ومدير الشبكة، أنها تنشط في الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام في دمشق، والمناطق التي خضعت مؤخرًا لتسويات وعمليات تهجير في ضواحيها، مثل قدسيا والهامة والتل ومعضمية الشام، إضافة إلى أحياء دمشق الشرقية (برزة، تشرين، القابون)، معربًا عن نية “صوت العاصمة” توسيع نطاق عملها، ليشمل كامل الريف الدمشقي.
وأبدى الصالحاني ارتياحه للاعتماد على الشبكة كمصدر للمعلومات عن دمشق، من قبل صحف ووسائل إعلام محلية وعربية، أبرزها “شبكة شام، أورينت نت، عنب بلدي، كلنا شركاء، الجزيرة نت، العربية نت، وموقع المدن اللبناني”، رغم أن كوادرها لم تتلقّ تدريبات من أي منظمة إعلامية دولية، فيما اقتصر تعاون بعضها على تقديم دعم محدود لضمان استمرار العمل.
تتألف الشبكة من 20 مراسلًا ومراسلة، إضافة إلى مدير الشبكة، الذي يعمل بدوره كمحرر ومسؤول نشر، إلى جانب موظف مختص في الأمور التقنية، ويوجد الفريق كاملًا داخل دمشق وريفها، عدا مدير الشبكة، الموجود في تركيا لسهولة النشر والتواصل، ويتلقى مراسلوها رواتب رمزية بسيطة بشكل شهري، بحسب الصالحاني.
أكبر المعوقات التي تواجه الفريق في الداخل، هي الوجود الأمني المكثف للنظام في الأحياء التي يعملون بها، والمراقبة الكثيفة للاتصالات، الأمر الذي يؤخر وصول الخبر في بعض الأحيان، وهي نقطة ضعف لا يمكن تجاوزها، وفق تعبير الصالحاني، مضيفًا أن شحّ الموارد المالية يعد معوقًا أساسيًا، يمنع الفريق من التفرغ الكامل للعمل، عازيًا ذلك إلى إهمال المنظمات الداعمة، للمشاريع الإعلامية في العاصمة.
أما عن نقاط قوة “صوت العاصمة”، فرأى رائد الصالحاني، أنها تكمن في كونها تنقل أخبار العاصمة “دون تضخيم”، كما أنها تتميز بنشر الأوضاع الأمنية بشكل لحظي في أحيائها، عدا عن وجودها النشط في مناطق التسويات، التي غابت عن الإعلام فور خروج فصائل المعارضة والكوادر الإعلامية منها.
إعلام حماة يتجه نحو المهنية
شهدت مدينة حماة وريفها تجارب إعلامية خجولة، حالت دون مواكبة تطور الإعلام الجديد في المناطق الأخرى، لكن مركز “عاصي برس” الذي تأسس في أيار 2016، من اجتماع ناشطين إعلاميين في المحافظة، يسعى منذ انطلاقته للتوجه نحو المهنية وتأسيس قاعدة إعلامية متينة في المنطقة الوسطى.
وأوضحت نور عبد الكريم، مديرة المركز، أن “عاصي برس” يغطي حاليًا معظم مناطق حماة، في الريف الجنوبي المحاصر من قبل النظام السوري، والمدينة الخاضعة لسيطرته أيضًا، والمناطق الشمالية والغربية في المحافظة، بينما تتسم تغطية الريف الشرقي بالضعف، نظرًا لوضعها العسكري والأمني المعقّد، ويحاول المركز ترميم الفجوة بالتعاون مع ناشطين محليين في المنطقة.
يتعاون المركز مع وسائل إعلام ومؤسسات حقوقية سورية في تغطية شؤون المحافظة، وتواصلت كوادره مؤخرًا مع وسائل إعلام دولية، أمريكية وبريطانية وفرنسية، بعد تغطية مثالية قدّمها “عاصي برس” في الهجوم الكيماوي على مدينة خان شيخون مؤخرًا، ونشره صورًا وتسجيلات مصورة توثق الضحايا والإصابات، وفق عبد الكريم.
ويضم المركز 12 ناشطًا، بين محررين ومراسلين وفنيين، إضافة إلى مدير تنفيذي ومدير تحرير ومنسق للعمل، وينشط من خلال موقع إلكتروني وحسابات نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعمل كوادره تطوّعًا، في ظل عدم تلقي دعم مادي وتقني من منظمات مختصة، لتقتصر المصاريف على التنقل ومهام التغطية.
وأشارت نور عبد الكريم إلى أن معوقات “عاصي برس” تكمن في غياب الدعم المادي والفني اللازم لتوسيع عمله وصقل خبرات أعضائه، وشح المعدات اللازمة في العمل الإعلامي، بينما تكمن قوته في الفريق المتماسك والقدرة على تغطية جميع جوانب الحياة في المحافظة، ووضع هدف “المصداقية أولًا” للتطلع إلى إعلام مهني في حماة.
تجارب إعلامية ناجحة في إدلب
تعدّ إدلب المحافظة السورية الوحيدة الخاضعة للمعارضة السورية كليًا، وهو ما جعل العمل الإعلامي فيها متاحًا بشكل نسبي، قياسًا بالمناطق السورية الأخرى، وهو ما شكّل أرضية لنشوء مؤسسات إعلامية، كان لها الدور البارز في تغطية الأوضاع الميدانية والاجتماعية فيها.
مركز إدلب الإعلامي هو أحد المشاريع الناجحة منذ نحو ثلاث سنوات في المحافظة، ويتركز عمله بشكل كبير في مركز مدينة إدلب، ومناطق سراقب وجسر الشغور وخان شيخون، وبدرجة أقل في بقية بلدات المحافظة، إلى جانب التغطية الميدانية التي يقدمها في الساحل السوري وحماة وحلب.
وقال عبيدة أبو البراء، مدير مركز إدلب الإعلامي، إن المركز بات جهة موثوقة ومعتمدة للكثير من وسائل الإعلام الغربية، منها “فرانس برس”، “الغارديان”، “واشنطن بوست”، “الإندبندنت”، “التايمز” البريطانية، إلى جانب وكالات ووسائل إعلام عربية.
يعتمد المركز، الذي ينشط حاليًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسيطلق موقعه الإلكتروني قريبًا، على 37 مراسلًا ومراسلة تلقوا تدريبات في التغطية الإعلامية، وينتشرون في معظم أرجاء المحافظة، عدا عن مجلس إدارة يضم مكاتب التنسيق والتحرير في مدينة إدلب، وجميعهم يعملون بشكل طوعي دون تلقي أي مبالغ مالية، بحسب “أبو البراء”.
ويعاني المركز، كما غيره من المؤسسات المحلية، من أزمة “الدعم”، إذ لا وجود لرعاية مادية أو تقنية له، ما ينعكس أحيانًا على جودة الصور والتسجيلات، التي ينتجها بكثافة يوميًا، وهو ما يعتبره أبو البراء عامل قوة يميز “مركز إدلب” عن غيره من الوكالات والوسائل الإعلامية الأخرى في المحافظة.
قبل ثلاثة أعوام، عكف الناشط الإعلامي والمصور وسيم العدل على تأسيس مركز المعرة الإعلامي، الذي بالرغم من تسميته المحلية التي تشير إلى مدينة معرة النعمان، بات أحد أبرز المراكز الإعلامية التي تنتج صورًا وتسجيلات مصورة في المحافظة، وحافظ على تطوره حتى بعد مقتل مؤسسه وسيم العدل، بغارة من الطيران الروسي أواخر عام 2015.
وقال خالد الإدلبي، المسؤول في المركز، إنهم بدؤوا في معرة النعمان ثم توسعوا في ريفها الشرقي، لينتقلوا إلى تغطية التطورات الميدانية في معظم أرجاء المحافظة، علاوة على نشاط ملحوظ لهم في حماة وحلب أيضًا.
لم يحصل المركز على أي دعم يغطي من خلاله نفقات كادره المكون من عشرة ناشطين، بعد رحيل المؤسس وسيم العدل، ومراسل المركز محمد البكور، والذي قتل مؤخرًا من قبل مجهولين في مدينة إدلب، ويدفع أعضاؤه المصاريف التشغيلية وإيجار المكتب في معرة النعمان، لكن ذلك لم يمنع ناشطيه من متابعة عملهم بشغف وتطور مستمر، بحسب الإدلبي.
وقع المركز وثيقة تعاون مع منظمة “رويترز” ووكالة “فرانس برس”، لتقديم صور خاصة المحافظة مجانًا، لكن بشرط الحفاظ على “اللوغو” الخاص به، وأضاف الإدلبي “كان من الممكن أن نحظى بمقابل مالي، لكن الهم الأول هو إيصال الصور والفيديوهات”، بحسب تعبيره.
“ثقة” ولدت في حلب وتسعى للانتشار
استطاعت وسائل الإعلام في محافظة حلب، النفوذ إلى الإعلام العربي والغربي، ومواكبة تطورات المدينة (قبيل سيطرة النظام عليها) وأريافها الخاضعة للمعارضة، وحققت وكالة “ثقة” انتشارًا معقولًا خلال عام من تأسيسها، وتسعى لتشمل معظم المحافظات السورية.
تأسست “ثقة” في نيسان 2016، من اتحاد عمل مجموعة من إعلاميي وناشطي الثورة في محافظة حلب، وقال ماجد عبد النور، مؤسس ومدير الوكالة، إن سبب نشأتها يعود لـ “محاولة ضبط الخبر ومصداقيته”، ليتركز عملها بادئ الأمر في معظم مناطق المحافظة، بما فيها الريف الشمالي الخاضع لسيطرة “درع الفرات”، ثم أنشأت مكتبًا في مدينة إدلب، ويمتد عملها إلى محافظة حماة، في ظل خطط موضوعة لدخولها إلى الغوطة الشرقية وريف اللاذقية، ومناطق أخرى خاضعة للمعارضة في سوريا.
تعتمد “ثقة” على العمل التطوعي، وهو شرط أساسي للانضمام إلى كوادرها، لكن إدارتها استطاعت توفير مبلغ رمزي (100 دولار أمريكي)، يتلقاه جميع الكوادر شهريًا، إدارة ومراسلين، من خلال متبرعين ساهموا في استمرارها، وأوضح عبد النور أن الوكالة أنجزت تعاونًا مع وسائل إعلام محلية وغربية، وأنشات مؤخرًا مكتبًا في تركيا، لتبدأ التحضير لعقد عمل مع جهات إعلامية إقليمية.
وقال عبد النور إن وكالة “ثقة” التزمت بالتراتبية الإدارية في عملها “مدير، نائب مدير، مسؤول المراسلين، مسؤول النشر، مسؤول التقارير، مسوؤل المونتاج”، بكادر يصل إلى 24 شخصًا، يغطون الأحداث في مناطق انتشارهم.
غياب الدعم المادي من قبل المنظمات المعنية، هو أبزر ما تواجهه “ثقة”. كذلك رأى ماجد عبد النور أن عدم انتشارها على كامل الجغرافيا السورية، يعد من عوامل الضعف التي تحاول الوكالة تلافيها حاليًا، لكن عوامل قوتها تكمن في مصداقيتها وتغطيتها السريعة، وتقديم الصور والتسجيلات المصورة بسرعة قياسية، بحسب تعبيره.
إعلام “الشرقية” حاضرٌ بتمويل ذاتي
عانت المنطقة الشرقية في سوريا من غياب التغطية الإعلامية واضحة المعالم، في ظل سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها منذ مطلع عام 2014، واستمرت حالة “العجز” الإعلامي ظاهرة حتى بعد دخول “قوات سوريا الديمقراطية” إلى مناطق واسعة من ريف الرقة الشمالي والغربي، لتتركز التغطية الإعلامية على مؤسسات وحملات مارست عملها بسرية، لكنها حققت انتشارًا مقبولًا.
مؤسسة “فرات بوست”، التي تأسست في 25 آب 2014، كصفحة عبر “فيس بوك” بمسمى “دير الزور تذبح بصمت”، حققت تطورًا ملحوظًا خلال الشهور الثمانية الماضية، وانتقلت من تغطية الأحداث والانتهاكات في دير الزور، إلى مناطق أخرى في المنطقة الشرقية.
وأوضح أحمد الرمضان، مدير ومؤسس “فرات بوست”، أن المؤسسة تعتمد على مبدأ “التمويل الذاتي” في تغطية نفقاتها، من خلال تسويق وبيع التسجيلات المصورة والتقارير المرئية للمؤسسات والقنوات العربية والغربية، وهو ما أسهم في تحقيق دخل شهري للعاملين في الداخل السوري حصرًا، بينما يعمل من في الخارج كمتطوعين.
يبلغ عدد كوادر “فرات بوست” 15 شخصًا في الداخل السوري، موزعين على مجرى نهر الفرات في سوريا وحتى مدينة القائم العراقية، وتمتلك، بحسب مؤسسها، سياسة تحريرية وإدارية مستقرة منذ ثلاثة أعوام، وتقوم على توثيق الانتهاكات وتسليط الضوء على أوضاع المنطقة الشرقية.
وأوضح الرمضان أن أبرز المعوقات التي تواجه “فرات بوست”، “ضعف في الخبرات والكوادر من الناحية التحريرية واللغوية، وتطويرها أمر يتطلب ميزانية عالية لا نمتلكها”، مضيفًا “لكننا نعتبر أنفسنا الأوائل في المنطقة الشرقية، من حيث دقة الأخبار ونوعية التغطية الإعلامية التي نقدمها”.
المؤسسات الإعلامية المحلية.. اجتهادات تحتاج صقلًا مهنيًا
للوقوف على الوضع المهني للمؤسسات الإعلامية المحلية، تحدثت عنب بلدي إلى صحفيين سوريين على احتكاك مباشر مع
الناشطين والإعلاميين في الداخل السوري، فاعتبر علي عيد، رئيس رابطة الصحفيين السوريين، أنه رغم كل ما قدمته هذه المؤسسات الناشئة، إلا أنها لم تصل بعد إلى توصيفها كمؤسسة حقيقية، دون التقليل من أهميتها.
وأضاف “هذه الجهات أو المجموعات، أو المشاريع لعبت وما تزال دورا مهمًا، ولكنها تحتاج إلى تجذير، ودفع نحو تنظيم المهنة، والالتزام بمعاييرها وأخلاقياتها، فالكثير من الأخبار التي كان يتناقلها الناشطون في فترة من الفترات حملت شحنة عاطفية، أو أنها لم تعتمد معايير مهنية، وإلى أن تصبح تلك المصادر مؤسسات حقيقية، بصرف النظر عن تسمياتها، ينبغي وضع معايير في اعتماد المعلومة وتوثيقها، وكذلك تدريب العاملين فيها والمراسلين، وحمايتهم المادية والمعنوية”.
وأشار الصحفي عيد إلى أن أكبر المشكلات هي العلاقة بين المواطن الصحفي أو الناشط الإعلامي والمؤسسة، وحقوقه فيها، وقواعد العمل ومدونات السلوك ومواثيق الشرف، والتي من شأنها أن تنظّم العلاقة، وتحافظ على حقوق الطرفين، وتوضح أبعاد العمل ومتطلباته وقواعده المهنية، وأضاف “هناك الكثير من الناشطين الصحفيين يعملون دون ضمانات لحقوقهم، وهذا مفهوم مع عدم وجود صيغ واضحة للعمل، ومصادر التمويل”.
وحول العلاقة بين رابطة الصحفيين السوريين والمؤسسات المحلية في سوريا، قال عيد إن “هذه المسألة تحتاج مزيدًا من النقاش، ووضع معايير، فالهدف هو حماية هؤلاء الزملاء، ووضع أطر توصيفية دقيقة، وهناك الكثير من الالتباس في عمل الناشط والمواطن الصحفي، والسبب هو وجود الآلاف ممن يعملون إما لتغطية الأحداث بشكل مستقل، أو يتبعون لجهات أو مؤسسات إعلامية عربية وغير عربية، أو ضمن فصائل مقاتلة، أو يخدمون فكرة معينة كطرف حزبي أو سياسي”.
لكنه لفت إلى أن أمام الرابطة واجبًا تقوم به تجاه الناشطين الإعلاميين، والمواطنين الصحفيين، “هي بطبيعة الحال توثق الانتهاكات التي تطالهم، وتقدم تقارير دورية تصل إلى مختلف الجهات والمنظمات الدولية المعنية بمثل هذا الرصد، والهدف دائمًا هو تسليط الضوء على عمل الناشط والمواطن الصحفي، ولا شك أن البحث في وضعهم سيكون ضمن خطط الرابطة خلال الفترة المقبلة”.
واعتبرت الصحفية السورية هنادي الخطيب، أن تكوين مؤسسات محلية في سوريا هي “محاولات جيدة وخاصة بداية نشأتها”، وأردفت “كان من الممكن أن تتطور لتصبح وكالات ذات مصداقية عن الوضع السوري، وبالتالي مصدر الأخبار السورية، ولكن اختصاصها بمناطق معينة (ربما لضعف التمويل أحيانًا)، وتبعية بعضها لفصائل بعينها، وبالتالي تحول دورها لترويجي لتلك الفصائل، أضعَف دورها وترك أخبارها في كثير من الأحيان محل شك من الجمهور السوري”.
وأوضحت الخطيب أن معظم هؤلاء الناشطين الإعلاميين لم يمارسوا العمل الصحفي المهني، ولكنهم اكتسبوا معارفه عن طريق الخبرة العملية، وتابعت “لم تحاول تلك الوكالات تطوير مهارات الناشطين العاملين معها بإخضاعهم لدورات تدريبية حقيقية، وبالتالي بقيت الأخبار تفتقر للمهنية”.
وأضافت “من جهة أخرى تم استغلال بعض الناشطين من قبل الوكالات العالمية، وتحول نقل الخبر بالنسبة لهم من محاولة إيصال الخبر إلى مصدر رزق مادي، وخاصةً بما يخص الصورة والفيديو، لأن الوكالات العالمية والسورية تهتم بالصورة أكثر من الخبر نفسه، ما أدى إلى تجاهل الحصول على الأخبار الدقيقة. يضاف إلى كل ذلك تبعية بعضهم للفصائل العاملة في مناطقهم، وفقدان الكثير من المصداقية بمحاولة الناشطين الترويج والدفاع عن الفصائل بدلًا عن نقل الخبر الحقيقي”.
من جهته، اعتبر الصحفي أحمد أبازيد، رئيس تحرير شبكة “شام” الإخبارية، أن الكثير من هذه الوسائل “لعبت دورًا إيجابيًا ورائدًا في مجال الإعلام الثوري، خاصة في مجال تغطية الأحداث بالصوت والصورة”، كما أن هذه المؤسسات تتطور بشكل مستمر، والكثير منها أنشئت لتغطية منطقة جغرافية معينة، والآن بدأت بالتوسع لتشمل مناطق أكبر، وهذا “شيء صحي، لكنه من الممكن أن يكون نهاية للمؤسسة، فالتوسع في بعض الأحيان مضر إذا لم يكن هناك أرضية صلبة له”.
وحول مهنية عمل المؤسسات، قال أبازيد إن بعض الناشطين الإعلاميين في المؤسسات ينقصهم “تعلم اللغة العربية بشكل أفضل، والتركيز على مضمون الخبر، وإعطاء اللحظة الخبرية المساحة المطلوبة وعدم التشويش عليها بالصراخ والعويل، والتقليل من المفردات المكررة والمملّة، والابتعاد قدر الإمكان عن العاطفة والمظلومية”.
المصدر الأولي للمعلومة في سوريا
يرى صحفيون سوريون وغربيون، أن المؤسسات الإعلامية المنتشرة في مناطق جغرافية محددة، باتت المصدر الأولي للمعلومة في سوريا، وقال الصحفي علي عيد، رئيس رابطة الصحفيين السوريين، إن “المعلومة في كثير من الأحيان لا تشترط وقوف مؤسسة كبيرة وراءها، ففي مناطق الحروب، والثورات التي تحاربها السلطة وتستهدف الإعلاميين فيها، يصبح الحصول على معلومة أو خبر من مراسلين معتمدين ومدربين مسبقًا أمرًا في غاية الصعوبة، وذلك يستوجب البحث والتقصي عن المعلومات ومقاطعتها، وغالبًا ما يكون المواطنون العاديون مصدرًا للمعلومة، كشهود عيان، أو كمراسلين في مناطق وجودهم”.
وأضاف عيد “تطورت الحالة إلى أن يقوم بعض الناشطين بتشكيل أجسام ومجموعات، وكذلك تأسيس كيانات إعلامية تحاكي شكل المؤسسات، لكنها تحتاج لجهد وانضباط أكبر لكي تصبح مؤسسات معتمدة، فالأمر لا يتعلق فقط بتوفير بعض التمويل”.
وأثنى أحمد أبازيد، رئيس تحرير شبكة “شام”، على عمل المؤسسات المحلية، مؤكدًا أن العديد منها تحول إلى مصدر أساسي ورئيسي للأخبار والمواد المصورة والمقروءة، “هي متابعة بشكل قوي من الصحفيين والقنوات والوكالات العالمية، كما أن الحرفية العالية التي تتبعها أثبتت نفسها بجدارة في مجال الإعلام الثوري، ولا يمكن لأي وسيلة إعلامية في العالم أن تتجاهل هذه المؤسسات الثورية الرائدة”.
لكن الصحفية هنادي الخطيب اعتبرت أن تحويل الجهد من نقل ما يحدث إلى ما تهتم به الوكالات العالمية، أضر بالخبر السوري، وأضافت “انتشار صورة بعينها (كصورة عمران) حوّل تلك الوكالات السورية إلى باحث عن صور يمكن بيعها للوكالات العالمية، وبالتالي فقدان الحس الإنساني الحقيقي في التعامل مع مشهد الموت السوري”.
من عربين إلى إدلب.. معاذ الشامي: عاهدت مصوري في المليحة وسأسير على دربه
“هذه الثورة لا صوت لها.. نحن صوتها.. الله اختارنا في هذه المواجهة وسنكون على قدر المسؤولية.. لمن نترك سوريا ومن يوصل أصوات المظلومين؟”.
تشهد له المعارك في الشمال السوري، وتراه في الخطوط الأولى للاشتباك، يوثق بكاميرته وميكروفونه “البسيط” الأحداث الميدانية في الشمال السوري، مرافقًا العمليات العسكرية التي يعلنها “الثوار” ضد قوات الأسد، ويعطي ما يوثقّه ويصوره “دون أي مقابل”، فالعهد الذي قطعه على مصوره الأول الذي قضى في الغوطة الشرقية “لن يحيد عنه، وسيستمر حتى الشهادة أو النصر”.
معاذ الشامي “إعلامي الثورة” الحربي، ابن مدينة عربين في الغوطة الشرقية، بدأ عمله مطلع 2011 كمنشد في الهتافات والمظاهرات السلمية في مختلف مدن الغوطة، واستمر حتى أواخر 2012.
استهل الشامي بداية حديثه إلى عنب بلدي بـ “عفوية”، قائلًا “رح جاوب من كل قلبي وكل شي صاير معي دون زيادة أو نقصان”.
المحطات الأولى كانت الاعتقال أثناء مشاركته في “جمعة الموت ولا المذلة”، على خلفية تخلّفه عن الخدمة العسكرية الإلزامية، ليسحب موجودًا إلى الخدمة في “الجيش”، ويبقى فيه قرابة خمسة أشهر ونصف، حتى ينشق فيما بعد، ويعود إلى الثورة من جديد مشاركًا في جمعة “معتقلي الثورة السورية”.
عاد معاذ إلى الهتافات والأناشيد المنددة بالأسد، ليدخل بعدها مرحلة الإعلام الحربي الميداني، تزامنًا مع بدء القصف من جانب النظام على أحياء الغوطة الشرقية، وبداية تحرير بعض المدن في المنطقة، حاملًا كاميرته وموثقًا القصف المرافق للاشتباكات في الغوطة الشرقية، وخاصة في دوما وسقبا.
وانتقل بعدها إلى توثيق المعارك العسكرية، التي كان أولها معركة تحرير مدينته عربين، والتي أصيب خلالها بثلاثة رصاصات في معدته، لازم إثرها الفراش مدة تسعة أشهر.
الشامي، عزا الدافع وراء عمله الإعلامي الميداني إلى “فقدان المظاهرات لأي طاقة، وأحببت أن أوصل الصوت عن طريق الإعلام”، كما كان “لا بد من تغطيتنا لهذه الأحداث كبديل للصحافة العربية أولًا، ومن ثم الصحافة الغربية”.
أصيب الشامي أثناء تغطيته الميدانية في الغوطة الشرقية خمس مرات، كان آخرها بشظايا قذيفة دخلت في معدته، ما استدعى إخراجه إلى تركيا، للخضوع لعمل جراحي “فوري” مارًا بمدينة إدلب، التي عاد إليها أثناء “تحريرها” بشكل كامل.
وغطى الأحداث السورية من قصف ومجازر ومعارك عسكرية، طوال أربع سنوات ونصف، انطلاقًا من معارك جوبر ومرج السلطان، ومجزرة الكيماوي الكبرى في الغوطة الشرقية، وصولًا إلى مجزرة خان شيخون في الأيام القليلة الماضية.
كما كان في الخطوط الأولى لمعارك مدينة حلب سابقًا، وريفيها الجنوبي والغربي، إضافة إلى معارك ريف حماة الشمالي الدائرة حاليًا.
“لازمت العمل الإعلامي طوال أربع سنين مضت. لم يمر يوم إلا وواجهت الخطر والموت، لكن صرخات المظلومين والقصف المتوصل دفعني للاستمرار (…) شاهدت أكثر من 400 مجزرة أمام عيني وغطيتها إعلاميًا وصورتها”.
ويعاني معظم الناشطين والإعلاميين السوريين في المناطق المحررة، مشاكل وعوائق متعددة، يلخصها معاذ، بخطر أول من قبل الأسد وروسيا، فجميع الأشخاص الموجودين خارج مناطق سيطرة النظام السوري، معرضون للموت على مختلف أصنافهم.
من جانب آخر، تعتبر شبكة الإنترنت وضعفها، من ضمن المشاكل، فـ “هناك جهد كبير أثناء المداخلات التلفزيونية العربية والأجنبية، وخاصة في الأحداث المهمة كمجزرة خان شيخون الأخيرة”.
“علبة كولا وخط 3G وبطارية”، تركت أثرًا كبيرًا لدى معاذ، فقد اعتمد عليها كـ “معدات للإرسال” في عمله الإعلامي الأول بعربين، مشيرًا إلى “نقص كبير في المعدات اللازمة للعمل الإعلامي الذي يشغله، لا ينسحب فقط على الغوطة الشرقية بل عانى منها في التغطية شمال سوريا”.
إضافة لما سبق، كانت المشكلة الأكبر والأهم لدى معاذ وبقية الناشطين الإعلاميين على الأرض، هي إغلاق الحدود من كافة أطرافها، فقال “نضطر بعض الأحيان لحضور ورشات في تركيا، لكن الحدود مغلقة، عدا عن الغياب الطويل والبعد عن الأهل”.
سياق مترابط رواه الشامي من الغوطة إلى إدلب، وأكد أنه “لا يتلقى أي راتب أو مردود مالي من أي وكالة أو قناة تلفزيونية، فالعمل لديه قائم على الثورة وهدفها فقط، ولم يطلب من أي جهة أي دعم”، مردفًا “سنستمر حتى الحرية”.
ولا ينسحب الأمر عليه فقط، بل على كل الناشطين الميدانيين على الأرض، فـ” الناشطون هم صوت الثورة، ولولاهم لم يسمع صوت الناس الذين نادوا وصرخوا للحرية”، معتبرًا أنهم “أعطوا الإعلام الثوري الشرعية والمصداقية، وهو ما دفع الوكالات الإعلامية للجوء إليهم، بحثًا عن المصداقية”.
عُرض على الشامي أكثر من عمل في وسائل إعلام عربية ومحلية، وبرواتب وصلت إلى ألفي دولار أمريكي شهريًا، لكنه رفض، لأنه لم يخرج في الثورة لـ “كسب المهنة، أو كي يقول الناس عنه صحفيًا”، بل خرج “لنقل معاناة السوريين في المناطق المحررة”، مؤكدًا “سأترك الإعلام بعد انتصار الثورة، ولن أعود للكاميرا لأن المهمة تكون قد انتهت آنذاك”.
الفيديوهات التي يصورها معاذ، ينشرها من “أرض الميدان” على “يوتيوب” وصفحته الشخصية في “فيس بوك” التي تظهر تفاعلًا كبيرًا، دون أي “لوغو”، لتشاهدها الوكالات العالمية وتنشرها، فـ “المهم هو إيصال الصورة والتوثيق”.
لم ير معاذ أهله منذ قرابة خمس سنوات، وإخوته لا يعرفونه إلا عبر الاتصال الصوتي والشاشات، ويرفض مغادرة الأراضي “المحررة”.
وختم الشامي حديثه إلى عنب بلدي، “عملي مستمر حتى رحيل الأسد ونيل الحرية والكرامة، وكل إعلامي يعاهد شهيدًا للسير على دربه، وهو ما عاهدت عليه مصوري في المليحة”، مضيفًا “يمكن أن أموت بعد ساعة، أو بعد أيام خلال التغطية الميدانية، ويمكن أن أرى النصر في عيوني، لكن لن أحيد عن هدفي وهدف الشهداء، وهدف المعتقلين”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :