tag icon ع ع ع

جريدة عنب بلدي – العدد 16- الأحد – 20-5-2012

 

كثر الكلام من الناشطين السوريين في الداخل والخارج عن الثورة السورية ووصفها بالثورة الحقيقية في ثورات الربيع العربي مع كامل احترامنا لأخوتنا في الوطن العربي من مشرقه لمغربه، لكن هذا الكلام صحيح 100 % وسأسرد الأدلة عليه.

أولاً: المدة الطويلة للثورة، مما يعني أن النظام المراد إسقاطه جبار ومجرم بالإضافة إلى أن الشعب الثائر لم يتم خداعه بإجراءات صورية تهدف إلى إخماد ثورته بطريقة غير مباشرة،، بينما لو كان نظامًا هشًا رقيقًا متصدعًا لما أخذ وقتًا طويلاً ليسقط، أو لتم خداعه بأي من ألاعيب الأنظمة القمعية الأمنية إياها، ولنا في مصر عبرة ومثال فرغم انتصار ثورتهم بإسقاط مبارك في مدة قياسية، لكنهم إلى الآن لا يزالون يعتصمون ويتظاهرون لتحقيق مطالبهم التي تتم المماطلة فيها، والأنكى أنهم لم يعودوا يعرفون عدوهم، فبعضهم انقلب على البعض الآخر،، والبعض اعتزل الفتنة،، وآخرون جعلوا عدوهم كل من يجلس على أي كرسي ذي سلطة وحبيبتنا مصر لا أحد يعلم إلى أين تتجه، فالبلد على صفيح ساخن رغم كل محاولات العقلاء لتهدئة الأمور، لذا فالشاهد هنا أن ثورتهم لم تكمل بعد، ودرس لنا أن إسقاط الرئيس لا يعني انتهاء النظام.

وعلى الطرف الآخر لدينا الأخوة في اليمن، الذين لاقوا الأمرّين من علي عبد الله صالح، وقتل منهم الكثير، لكنهم تركوا السفاح يفلت من بين أيديهم ويعيش ويتمتع بما نهبه من أموال ونجا من المقصلة أو حبل المشنقة

بينما نرى أن الشعب السوري لم يخدع بألاعيب النظام وكشفها كلها، ولم يرض بحلول وسطى أو أن يفرط بحقه بأي شكل من الأشكال وهذا أول دليل على أن ثورتنا هي الثورة الحقيقة.

ثانيًا: الشعب السوري يتعامل مع أحد أحقر الأنظمة والطواغيت عبر التاريخ، فعائلة الأسد ومن لف لفهم، استحقوا مكانهم بجدارة بجوار آل فرعون في جهنم بإذن الله فلم يرد في التاريخ الحديث أو القديم أن قام حاكم بقتل شعبه بلا رحمة وبهذه الطريقة بعد أن سرقهم واحتل أرضهم لأربعين سنة، حجب فيها كل شي عنهم وعزلهم عن العالم ولو قدر على حجب الهواء وبيعه لهم لما قصّر في ذلك، ورغم محاولات النظام الجنونية لتصويرها منذ البداية أنها ثورة مسلحة أو تمرد مليشيات، إلا أنّ الثورة قامت سلمية واستمرت سلمية لمدة طويلة جدًا برغم سقوط عدد كبير من الشهداء، مما يجعلها ثورة شعبية نقية وصادقة.

ثالثًا: نتج عن هذه الثورة تفجير طاقات وإبداعات ومواهب سورية كانت مدفونة تحت أطنان من الرماد والقمع، ومع انطلاق أول يوم للثورة تحررت هذه المواهب لتخرج لنا بكل انواع الإبداعات من كتابات وخواطر وتحليلات وأشعار وأغاني وألحان وفيديوهات ومسرحيات ونقد بناء وكوميديا سوداء مستمدة من وحي الواقع، كذلك الأمر ظهرت مواهب في مجالات النقل المباشر وتوثيق الأحداث وشهود العيان، ورسومات واسكتشات، كل هذا كان مدفونًا من قبل النظام الجائر، وخرج مع أول بادرة للثورة، بينما نلاحظ انعدام هذه المظاهر تقريبًا في بقية الثورات ما عدا ربما ثورة مصر التي صاحبها الكثير من الكوميديا الساخرة من مبارك واللافتات التي كتبت ورسمت في ميدان التحرير، لكن الفرق أن الأخوة المصريين كانوا يقومون بذلك بذهن صاف ومزاج رائق دون أي خوف وبأمان تام، بينما السوري يفعلها ويبدع بها وهو تحت القصف ومهدد بالموت في أي لحظة.

رابعًا: الثورة الفكرية والعقلية المصاحبة للثورة، والتي اتخذت عدة أشكال من قنوات تلفزيونية متخصصة بالثورة ونقاشاتها وتحليلاتها، إلى عدة جرائد وطنية بامتياز تصدر وتوزع في أنحاء سوريا، إلى كتابات وأصوات تتخذ من الانترنت منبرًا لها لتقول ما يحلو لها متى ما أرادت ذلك، فالثورة الفكرية غيرت من تفكير وهموم المواطن السوري بشكل كبير، فلم يعد ذلك الانسان الأناني البائس المكفهر الوجه الكاره للآخرين، بل أصبح إنسانًا متفهمًا عقلانيًا محبًا كريمًا ومعطاءً بل ومؤثِرًا لغيره على نفسه، وأصبح يرى الأمور بمنظور واسع، مما زاد في تقارب أبناء الوطن الواحد وفدائهم لبعضهم.

خامسًا: حالات التلاحم الاجتماعي، فمن كان يظن قبل الثورة أن يفدي الحمصي أخاه الدرعاوي بدمه، أو أن يثور ابن دير الزور لأجل شاب بانياسي، لكن هذا حصل وبشكل صدم النظام بقوة وأثار جنونه، حيث تم هدم كل ما بناه من أحقاد بين أبناء المدن المختلفة وتأليبهم ضد بعضهم، كله هدم في لحظة واحدة وعلى مستوى سوريا كلها بلا استثناء، بل على العكس لم تكتف كل مدينة بفداء أختها، بل صارت تمد لها يد العون،

وأصبحت بعض المدن تؤوي اللاجئين والهاربين من بطش الأسد في المناطق الساخنة كما يفعل أخوتنا في دمشق مثلاً وحلب، فلهم كل الشكر والامتنان لاحتضانهم أهلهم من بقية المناطق الثائرة وخصوصًا حمص عاصمة الثورة. كل ذلك أدى إلى أن يفدي سكان حي جيرانهم في الحي المجاور، وأصبحنا نسمع عن قصص لم نكن نتخيل أننا سنحيا لنراها أمام أعيننا لأنها أشبه بما كنا نقرأه وننبهر به من قصص الصحابة، لكنها تعود من جديد لنعيشها يوميًا.

سادساً: التعاطف العالمي من كل شعوب الأرض مع الثورة السورية وتنظيم المؤتمرات والمحاضرات واللقاءات لمجرد الحديث عن الثورة وما فعلته في نفوس غير السوريين. وقد لمس أغلب المغتربين ذلك بشكل أو بآخر، من خلال احتكاكه مع الآخرين من بقية الجنسيات وملاحظة نبرة صوتهم عندما يعلمون أنه سوري وثائر ضد النظام، والحماسة في أسئلتهم من أي مدينة هو ومن أي حي فيها، ولهفتهم لمعرفة قصة من قصص الثورة التي تجري على الأرض، ودعائهم من قلب صادق للشعب السوري بالنصر، كل ذلك وأكثر لمسه السوريون في كل مكان من بقاع الأرض.

سابعًا: كشف الخونة من البلدان الأخرى، فلأنها ثورة شاملة كاملة، ولأنها ثورة نقية وواضحة، الحق فيها بين، والباطل بين لا لبس ولا خلط بينهما، لم يجد المنافقون والخونة سواء سوريين أو غيرهم أي مجال للتصريحات الملغومة والتي تفهم بأكثر من معنى، ولم يجدوا فرصة للعب على الحبلين كما يقال، بل كان لزامًا عليهم أن يختاروا بين خيارين لا ثالث لهما، إما الحق وإما الباطل، فبعضهم عمي على قلبه وبصره، فاختار النظام ليحجز لنفسه مقعدًا وقبرًا في حافلة الذل والخزيان التي تنتظر النظام وأزلامه، وبعضهم حاول المراوغة والتحايل على الثوار لكنه كشف وفضح على رؤوس الأشهاد، ونتيجة لذلك ظهر لنا شبيحة وأبواق من لبنان والأردن والعراق وتركيا وغيرها من الدول التي أصبح بعض أبواقها الخونة شبيحة إعلاميون على القنوات لمصلحة النظام، أو كي يقوموا بمضايقة السوريين في بلدانهم والضغط على حكوماتهم لمنعها من دعم الثوار، كل هذه الأسباب وغيرها جعلت الثورة السورية، أيقونة الثورات في العالم العربي، وعلمها هو علم الأحرار في كل مكان، ولهذا أثرت في شعوب العالم كما لم تؤثر أي ثورة أخرى، وحتمًا سيراق الحبر أنهارًا في الكتابة عنها وتخليدها في كتب التاريخ ووصف أدق تفاصيلها لتبقى سورية رمزًا لأحرار العالم، وثورتها ثورة لكل العرب والعجم.

مقالات متعلقة