tag icon ع ع ع

 عنب بلديفريق التحقيقات

يحيي مناهضو النظام السوري، في 15 آذار الجاري، الذكرى السنوية السادسة للثورة ضد النظام السوري، في ظل واقع معقّد تشهده الساحة على امتدادها، من تداخلات سياسية وأدلجة عسكرية ومناطقية بعيدة عن المبادئ التي خرج من أجلها السوريون، مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية.

وتحاول عنب بلدي من خلال هذا الملف، الوقوف على أسباب انحراف قيم الثورة في المناطق “المحررة”، ورؤية رموز وناشطين سوريين للحلول المطروحة، دون إغفال بعض النماذج المشرقة التي باتت تصارع التيارات الفكرية والعسكرية الخارجة عن سياق المفاهيم الثورية.

أسهمت الثورات المناهضة للديكتاتوريات في تونس ومصر وليبيا، مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة، بما سمي حينها “الربيع العربي”، بانطلاق الثورة ضد نظام بشار الأسد السلطوي، وكانت البداية من العاصمة دمشق في 15 آذار، لكن درعا شهدت انطلاقتها الفعلية بعد ثلاثة أيام، لتمتد بعدها إلى معظم المدن والبلدات السورية شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا.

مبادئ ومفاهيم توافق عليهاالثائرون

وأعلن في آب 2011 تأسيس أول كيان مدني ثوري جامع، بمسمى “الهيئة العامة للثورة السورية”، لتضع جملة مبادئ ومفاهيم تحاول من خلالها توحيد الجهود وتنسيقها، وإنشاء منابر سياسية وثورية تخاطب الداخل والخارج، ليقابل هذا الكيان بترحيب واسع من قبل التنسيقيات المحلية في المحافظات السورية.

ولخصت “الهيئة العامة للثورة السورية” مبادئها ومفاهيمها بستة بنود رئيسية، تنص على “الالتزام بهدف الثورة الأساسي وهو إسقاط النظام السوري التسلطي اللاشرعي، من أجل تمكين شعبنا السوري بمكوناته المختلفة من بناء دولته المدنية الديمقراطية، وتحقيق تطلعاته في الحرية والمساواة والكرامة واحترام حقوق الإنسان”.

وتشدد مفاهيم الهيئة على “الوحدة الوطنية وسلمية الثورة ولا طائفيتها”، منوهة إلى أن “الثورة من أجل التغيير هي عمل وطني ينجزه السوريون بقواهم وقدراتهم”، وأن الثورة الشعبية هي “مصدر الشرعية السياسية في البلاد، وستبقى مستمرة إلى حين تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والمساواة والكرامة”.

وذهبت “الهيئة” إلى التأكيد على “وحدة سوريا أرضًا وشعبًا”، مذكرة بأن “الثورة السورية ثورة شعبية سلمية، وليست تحت أي مظلة دينية أو طائفية أو عرقية إثنية بعينها، أو أيديولوجيا سياسية محددة”.

المبادئ كما يراها أبناءالثورة

وفق رؤية بيان ريحان، رئيسة مكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة دوما، فإن الثورة السورية انطلقت بعد عهد طويل من الظلم والاستبداد، الذي مارسة نظام الأسد “القمعي”، في كافة نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما أنها انطلقت تحمل مبدأ الحرية والعدالة، كحقٍ لجميع السوريين.

“ثورتنا كانت تضم جميع الشرائح المجتمعية والديانات في سوريا، بعيدًا عن التفرقة بينها”، وفق غالية الرحال، مديرة منظمة “مزايا”، والتي فازت آذار الجاري، بجائزة “المرأة البطل والثقة”، التي تقدّمها وكالة “رويترز”.

ورأت رحّال أن المبادئ التي انطلقت عليها الثورة، تمثلت بإسقاط نظام مستبد، “بدأت سلمية وحتى اليوم هناك فئة كبيرة تُنادي بالمبادئ الأساسية بعيدًا عن السلاح”.

لا يختلف رأي الناشط الإعلامي، هادي العبد الله، كثيرًا عما تحدثت به كلٌ من ريحان ورحال، فالمبادئ التي خرجت من أجلها الثورة السورية برأيه، تمثلت بالمطالبة بالحرية والكرامة، ثم تحولت إلى إسقاط نظام الأسد،”فالسوريون أرادوا الحصول على حقٍ طبيعي، ولم يطلبوا شيئًا غريبًا أو مستحيلًا”.

هل انحرفت عن مبادئها؟

نعم كان هناك انحراف واضح، كما رأى العقيد رياض الأسعد، مؤسس “الجيش الحر”، موضحًا أن “السبب الأول والأخير هو الدعم غير الصحيح والموجه والمشروط، إن كان دعمًا ماليًا أو عسكريًا، فهذا أدى إلى اختراقات في الثورة”.

“حتى الشبيحة استطاعوا التغلغل في موارد الدعم وشكلوا فصائل وتشكيلات خاصة بهم”، بحسب وجهة نظر الأسعد، معتبرًا أنه من هذا المنطلق بدأت الثورة تأخذ منحىً آخر، وهو منحى “يغاير الجيش الحر الذي أسسناه ليكون مؤسسة تضبط عمل الثورة ويؤسسها بشكل صحيح لتحقق أهدافها”، مضيفًا “كانت الأمور تسير بشكل صحيح جدًا، وكنا ضد الدعم المشروط، ولكننا لم نستطع إيقافه لأنه كان التيار الأقوى مع الأسف، وهذا من أساس الفشل الذي أوصلنا لما نحن عليه اليوم”.

وأوضح العقيد الأسعد أن “الداعم له توجهات خاصة وأجندات محددة، فوجد أشخاصًا يناسبونه لتنفيذ أجنداته الخاصة، بمن فيهم الشبيحة الذين تغلغلوا في صفوف الثورة ووصلوا إلى مراكز كبيرة فيها، وهذا واضح من خلال سياسيين وعسكريين، وهو موضوع متكامل مع الناحية الأخلاقية وانحراف بوصلة البعض، فاستطاع النظام تحقيق اختراقات في صفوف الثورة، وهو ما شاهدناه في مناطق وأشخاص عادوا إلى حضن النظام مؤخرًا”.

استمرت الثورة على مبادئها، إلى أن تحولت نحو السلاح، وسط تزايد الاعتقالات والقتل والتعذيب، “وهنا بدأت تنحرف عن مسارها عام 2013″، لأسباب مختلفة لخصتها بيان ريحان بـ “الدعم الخارجي الذي حكم الثورة، وغدت تتبع لدولٍ بعينها وتنفذ سياستها على الأرض، إضافة إلى حصار النظام لمناطق مختلفة معظمها في ريف دمشق”.

كما أسهم النظام من خلال الهدن و”المصالحات” في خلخلة التركيبة المجتمعية ضمن تلك المناطق، التي غدا أهلها منقسمين بينه وبين “الجيش الحر”، على حد وصف الناشطة الدمشقية، وقالت إن اعتماد منظمات المجتمع المدني، التي دخلت إلى المناطق “المحررة”، على فئة معينة من الشعب السوري، أدى إلى خلل اجتماعي آخر.

المرحلة المفصلية الأولى في الثورة، حددتها ريحان بما حصل في مدينة داريا، مشيرةً إلى أن “ارتباط بعض قيادات الجيش الحر بسياسات خارجية، على سبيل المثال فصائل درعا، التي كانت الأقرب إلى داريا، منعها من مساندة المدينة، وهنا بدأ مسلسل التخوين للفصائل، التي تحولت عن هدفها الأساسي في حماية الشعب السوري، إلى قيادة أعمال التجارة وغير ذلك”.

“تشوهات الثورة التي حرفتها عن مسارها كثيرة، أبرزها موضوع حُكم المناطق المحررة قبل إسقاط النظام”، وفق غالية رحال، وعزت السبب إلى المظاهر المسلحة المتفرقة لفصائل منها إسلامية وأخرى تتبع للجيش الحر وغيرها، محددةً سبب التشوهات “لتشرذم الفصائل التي تواجه النظام وغياب الهدف الواحد لها”.

واعتبرت رحال، وهي والدة “الشهيد” خالد العيسى، أن المجهولين في سوريا “كثيرون اليوم”، وهم من اخترقوا كافة الجهات في الثورة السورية تقريبًا، “فاختلط الصالح بالطالح”، مؤكدةً “من تجربة شخصية نحن متأكدون بأننا سنصاب بخسائر جديدة، ربما تكون أكبر في المراحل المقبلة”.

“لكن هذا مسار طبيعي لكل ثورة في العالم، وانحراف المسار حالة غير سيئة، بشرط عودة الثورة إلى مبادئها”، وفق رؤية رحال، التي أشارت إلى أن النظام أسهم “بشكل كبير” في تشويه الثورة، بانتهاجه تلك السياسة عن قصد منذ بدايتها، “وبفتحه السجون والحدود، أمام الكثيرين ممن انضموا لفصائل الثورة، وكل هذا مقصود ومخطط له”.

يختلف هادي العبد الله قليلًا عن وجهتي النظر السابقتين، “فلا نستطيع أن نقول إن الثورة انحرفت بالمطلق عن مبادئها، وإنما مرت بمراحل ومخاضات عسيرة، حاولت التخلص منها والعودة إلى نفس البوصلة التي انطلقت من أجلها بشكل متكرر، من خلال أشخاص موجودين حتى اليوم، يؤمنون ومتمكسون بمبادئها الأولى”.

وبحسب الناشط الحائز على جائزة حرية الصحافة، من منظمة “مراسلون بلاحدود”، فإن الثورة “ضعفت في أماكن وقويت في أخرى، بينما تصدّر بعض الأشخاص المشهد السوري وحاولوا تغيير خطاباتها”، عازيًا سبب المخاضات ومحاولات تغيير الخطاب “إلى الأدلجة التي حدثت لا سيما بعد تحول الثورة من السلمية إلى العمل المسلح”.

ورأى العبد الله أنه من الضروري الإشارة إلى أن “الثورة لم تختر العمل المسلح بمحض إرادتها، بل أجبرت عليه للدفاع عن الشعب السوري، في ظل سياسة الأسد القمعية”، مردفًا “في الفترة الأولى كان الثوار بعيدين كل البعد عن الأدلجة والتبعات الخارجية، ولذلك نجحوا في كسب تعاطف عربي وعالمي واسع، وحرروا مساحات واسعة من سوريا وصلت إلى 60% من مساحة البلاد حينها”.

“ظهور تنظيم داعش الذي غدر بالسوريين وطعنهم في الظهر، واحتل بالمكر والخديعة مساحات واسعة من المناطق والقرى التي حررها الثوار”، وصفه العبد الله بالأدلجة العسكرية، التي قسّمت السوريين بين مؤيد ومعارض.

أحد أسباب ضياع الخطاب الموحد للثورة السورية هو تشتت السوريين بين كافة الأطراف، وفق العبد الله، فـ “قسم أجبر على أن يكون مع داعش بحكم وجوده في مناطق سيطرتهم، والبعض توجه إلى فصائل إسلامية وتنظيم (جبهة النصرة)، وآخرون تبعوا الجيش الحر الذي يتلقى دعمة من الدول الغربية”.

“انفصال المعارضة السياسية في الخارج عن الواقع، في الوقت الذي من المفترض أن تكون ممثلة للسوريين”، أدى إلى “ضياع الضائع” في خطاب الثورة ومبادئها، بحسب الناشط الإعلامي، إلا أنه أكد على وجود قسم “لا بأس به” من السوريين، ممن مازالوا متمسكين بمبادئ الثورة، رغم كل التجاذبات العسكرية والاختلافات السياسية، “ولكن الجميع يحاول إخفاء صوت هذا القسم، المستمر في عمله داخل سوريا، بعيدًا عن كل تلك التجاذبات”.

حلولٌ مطروحة لإعادة الثورة سيرتها الأولى

لدى سؤالنا العقيد رياض الأسعد عن مكانه في الثورة، أجاب أنه “موجود كما كان في السابق، على موقفه وثوابته، يحاول أن يناضل قدر المستطاع، يتواصل مع الشخصيات في الداخل والخارج ليعيد السفينة إلى مسارها الصحيح، موجود في جميع مفاصل الثورة بعيدًا عن الإعلام الذي يحاول أن يسكت الأصوات ويبعد الشخصيات الحقيقية للثورة، ويضع مكانها شخصيات تعوم وتتآمر على سوريا وتنتج مشاريع تقسيمية”، مردفًا “نحن موجودون، نقاوم قدر ما نستطيع، وهناك شخصيات نتحاور معها وفق أهداف وثوابت لم تتغير”.

“إذا قلنا إن الثورة انتهت فهو إجحاف بحقها”، كما أكد العقيد الأسعد، مضيفًا “هذه الثورة انطلقت واستنزفت جهدًا كبيرًا مازال مستمرًا، وحتى لو استمرت للأجيال القادمة فإنها ثورة فكر قبل أن تكون ثورة كرامة لإسقاط النظام، لأن المجتمع عندما يعي فكريًا فإن النظام سيسقط بكل تأكيد”.

وشدد الأسعد على أن “الثورة مستمرة، والناس الذين خرجوا بمبادئهم مازالوا ثابتين عليها، ولم يتغيروا أبدًا ويناضلون رغم الظروف والتحديات، ويحاولون إنقاذ الموقف وطرح أفكار ومشاريع، فالنضال عبر التاريخ لا يتوقف عند فترة زمنية محددة، وست سنوات من عمر الثورة قليل جدًا وستستمر”، بحسب تعبيره.

ووسط زحمة “التشوهات” التي طالت الثورة، طرحت بيان ريحان حلولًا أولها المسارعة في ترتيب الأمور ضمن مناطق سيطرة المعارضة، ثم العمل على الشقين المدني والعسكري، “والضغط على فصائل الجيش الحر، لقيادة عمل عسكري موحد هدفه الدفاع عن تلك المناطق، بالتنسيق مع المعارضة الخارجية، التي تمسك ملف التفاوض”.

واعتبرت رئيسة مكتب المرأة في مجلس دوما أنه من خلال ذلك “تستطيع الفصائل عكس صورة الوضع دوليًا، وهذا ما يعطي طمأنة للمجتمع الدولي، بأن المعارضة تستطيع تسلم زمام الأمور مع رحيل الأسد، من خلال طرح النموذج الجيد في قيادة الدولة، والعمل المدني في إصلاح الفساد والأوضاع المتردية في المناطق المحررة”.

أما غالية رحال فدعت باعتبارها مواطنة سورية عايشت الثورة من يومها الأول، الشعب السوري “لزيادة الوعي للخطط والمسارات التي تحرف الثورة، باعتباره الخاسر الأول والأخير”، مطالبةً بتوحيد الهدف “وتوجيه فوهة السلاح لإسقاط النظام، لا نحو الشعب ونحو بعضنا البعض”.

الحلول صعبة في ظل التعقيد الشديد للوضع السوري، وخروج القرار من يد السوريين في كثير من المواقع “كحقيقة مرة”، بحسب هادي العبد الله، الذي دعا السوريين إلى “تذكر الآلاف ممن استشهدوا واعتقلوا في بداية الثورة، لنكون أوفياء للدماء والصرخات، ومعاناة النازح والمهجر وعذابات الجريح”، مؤكدًا “إذا فكرنا بكل هؤلاء نجد أنه من الطبيعي والضروري العودة إلى ما بدأت عليه الثورة”.

نماذج ثورية وقفت في وجه الانحراف

ماتزال كفرنبل وسراقب ومعرة النعمان في محافظة إدلب، والأتارب ومارع واعزاز في حلب، وبلدات الغوطة الشرقية في ريف دمشق تشهد حراكًا سلميًا رغم كل الشوائب، وحافظ طيف واسع من ناشطي وأهالي هذه المناطق على جملة المبادئ الأساسية للثورة، ليصارعوا الأدلجة ومناخ التطرف السائد.

معرة النعمان، إحدى أبرز مدن محافظة إدلب، كان لها دور في مواجهة أيديولوجيا الفصائل الإسلامية، فوقفت سدًا أمام محاولة “جبهة فتح الشام” فرض هيمنتها العسكرية والفكرية عليها، وخرجت في مظاهرات مستمرة منذ العام الفائت وحتى يومنا هذا ضد الرايات السوداء، وسعي “الجبهة” لتنصيب نفسها كسلطة أمر واقع في المدينة، كما فعلت في بعض بلدات المحافظة.

كذلك فإن تيارات وتنسيقيات ثورية في كفرنبل وسراقب، مازالت تحافظ على جملة المفاهيم الثورية الرئيسية، وهو ما ينطلي على مناطق في ريف حلب، ولا سيما الأتارب، والتي احتوت تجربة مدنية فريدة في الشمال السوري، من خلال مجلس محلي متماسك وخطاب ثوري واضح، في محيط جهادي واقتتال بطله “الأيديولوجيا”.

في الغوطة الشرقية، ورغم ظروف الحصار ومحاولات الاقتحام وآلة الموت المستمرة، مازال الحراك السلمي يعدّ أحد أبرز مظاهرها الأسبوعية، فأعلام الثورة وراياتها ومبادئها تجدها حاضرة في مظاهرات دوما وعربين وسقبا وحمورية وزملكا وكفربطنا، بعيدًا عن الخلافات المناطقية والفكرية بين فصائلها.

الثورة مستمرة نصرة لدماء الشهداء والمعتقلين

مراسلو عنب بلدي توجهوا لاستطلاع آراء مجموعة من المدنيين والمثقفين والناشطين السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وكان السؤال: هل ماتزال الثورة السورية قائمة حتى الآن؟

وبينما وجد البعض أنها انتهت وحُرّفت مبادئها وتحولت إلى العسكرة والحروب والصراعات الدولية، وجد آخرون أنها ماتزال موجودة في “حسّ” السوريين، فهي انطلقت ضد الظلم والجرائم و”وقودها الأساسي هم الشهداء”.

محافظة إدلب يرهقها الاقتتال

تدرجت محافظة إدلب خلال السنوات الست الماضية، لتتحول إلى حاضنة رئيسية لمعارضي الأسد في سوريا، ومنطقة تشهد

 شعارات جذّابة حملتها الثورة في باكورتها، أضفت انطباعًا لدى كثيرين عن وعي الشارع السوري، بعيدًا عن الطائفية والقومية والمناطقية، فخرج كرد عامودا لأجل درعا، واعتصم مسيحيو إزرع نصرة لحمص، وغضب إسماعيليو السلمية لمجازر النظام في جارتها حماة، قبيل لجوء الأسد وحلفائه لتمييع القرارات الدولية، ومضيّ الدول الداعمة في عسكرة الثورة وإغراقها بالدعم المشروط، فانحرفت البوصلة لدى الكثيرين، بينما لا يزال آخرون ثابتين على المبادئ

اكتظاظًا سكانيًا من السكان المحليين والوافدين الجدد.

ولاقت المدينة تنوعًا فصائليًا، من جماعات إسلامية وفصائل “الجيش الحر” على اختلاف مسمياتها، لتبدأ مرحلة التناحر والاقتتال فيما بينها خاصة خلال العامين الفائتين، الأمر الذي كان له الدور الأكبر في تحويل وتحريف مسار الثورة السورية ومفاهيمها لدى غالبية المقيمين في المدينة، فطالما “الاقتتال موجود، والقادة على رأسه، فلا وجود لأي ثورة”، كما قال أحدهم.

مراسلو عنب بلدي في المحافظة، استطلعوا آراء شريحة واسعة من المدنيين في المدينة وريفها، منهم من أكد على أن “الثورة السورية موجودة والتصميم مازال باقيًا على إسقاط النظام بعد الجرائم التي ارتكبها والأطفال الذين قتلهم”، ورأوا أنها “لن تنتهي كونها ثورة شعب وليست ثورة فصيل من الفصائل يريد أن يبني دولة لنفسه… الظالم له جولة واحدة فقط والحق سوف ينتصر”.

وجاء ذلك اعتمادًا على أنه “مر على الثورة ست سنوات ودخلت في السابعة ولو استطاع النظام أن يقضي عليها لقضي عليها في السنوات الأولى، وقودها الشهداء وسنستمر فيها حتى الشهادة أو النصر”.

إلا أن شريحة أخرى من أهالي المدينة أشارت إلى أن “الثورة انتهت تزامنًا مع الهدن المنعقدة مع نظام الأسد، إضافةً لاقتصارها على الحديث عن اقتتال الفصائل بين بعضها، ونسيان الخصم الرئيسي بشكل نهائي”.

عدا عن ذلك اعتبر آخرون أنه “في حال بقاء الثورة على مسارها في واقعنا الحالي تسمى ثورة فاشلة، فلم نجنِ طوال السنوات الست الماضية أي نجاح، واتجاهنا نحو الأسوأ بات واضحًا”.

تقى طالبة جامعية أشارت إلى أن “الخلافات بين الفصائل تشعر الشعب أن الثورة قد انتهت”، مضيفةً “الفصائل في هذا الوقت يجب أن تكون يدًا واحدة حتى تظهر للقوى التي تقاتل بجانب النظام السوري من روسيا وإيران أننا استطعنا أن نحقق نصرًا عليهم، رغم طيرانهم وأسلحتهم واجتماعاتهم ضدنا”.

ووفقًا لرؤية المهندس الزراعي رياض سميع، فإن “الثورة ماتزال قائمة، لأنها بدأت ضد الظلم والقهر الذي قام به نظام الأسد ضد شعبه، ومفهومها العام هو انقلاب على الأمر الواقع السيئ إلى وضع أفضل”، مضيفًا “رغم وجود بعض الشواذ نتطلع لثورة تعيد بناء ما دمره النظام، وإعادة الهيكلية للمؤسسات المدنية الموجودة”.

من جهتها اعتبرت الناشطة سلوى عبد الرحمن أن “الشعب السوري بحاجة لثورات عديدة، ليس فقط للفساد بل للحياة الاجتماعية وضد الظلم والاضطهاد”، وتابعت “إذا كان اقتتال الفصائل يسبب خلافات ومشاكل كبيرة، هذا لا يعني أن نتراجع عن مبادئ ثورتنا لإسقاط النظام”.

لكن وجهة نظر مهندس المعلوماتية محمد غزال اختلفت عن الطروحات السابقة، فالثورة تنقسم إلى قسمين الأول مدني، والثاني عسكري، المدني “انتهى منذ ثلاث سنوات مضت”، أما العسكري “مستمر حاليًا حتى تحقيق مطالب الثورة المدنية”.

وبحسب مديرة منظمة “بارقة أمل”، ندى سميع، فإن الثورة قد “نجحت”، و”يكفي أننا انتصرنا على ذاتنا وعلى النظام، وهذا الأمر هو استمرار لاستكمال النجاح”.

مدينة حمص تودّع آخر معاقل المعارضة

تشارف المعارضة على إخلاء الوعر، آخر أحياء الثورة في مدينة حمص، وفق اتفاق تهجير أتقنه النظام السوري في ريف دمشق، وهو ما انعكس على آراء بعض ناشطيه، إذ اعتبر الناشط الإعلامي مروان أصلان أن “الثورة السورية انتهت، خاصة بعد عملية إدخال المبعوثين الأمميين إلى سوريا، والاجتماعات السياسية الأخيرة كأستانة وجنيف”، مردفًا أن “الواقع الحالي هو حرب على الإسلام والمسلمين”.

من جهته قال الناشط رضوان الهندي، مراسل شبكة “شام”، “نحن نعيش أجواء حرب حاليًا وليست أجواء ثورة، وحاولوا قتل روح الثورة التي بداخلنا سواء بالحصار أو القصف والمجازر”، لكنه أكد على المضي بالثورة “سنستمر في طريقنا الذي بدأناه منذ ست سنوات، والسبب الرئيسي الذي يدفعنا لذلك هو قضية المعتقلين في السجون والأفرع الأمنية”.

وفي الريف الشمالي لحمص، والذي يخضع بمعظمه لسيطرة المعارضة، شدد الناشط الإعلامي عامر الناصر على أن “الثورة مازالت مستمرة، لأنها ثورة ضد الاستبداد والظلم من قبل الأسد القابع على رأس السلطة”، مؤكدًا “من يقول الثورة انتهت هؤلاء من أصحاب الموقف الرمادي من البداية الأولى للثورة… مع الكفة تميل مصالحهم”.

وأشار الناصر إلى أن “الثورة لا تموت وإن خذلت من الغالبية وتعرضت للاختراقات وعمليات التشويه الفكري، ولا يمكن أن تنتهي لأن للثائرين أنفاسًا تلقط على تراب سوريا، وكما ثار الشعب السوري ضد الاحتلال الفرنسي ودحره من أرض سوريا هو اليوم ثائر ضد احتلال أسدي روسي إيراني”، بحسب تعبيره.

ريف دمشق: الثورة في قلوبنا

الآراء التي استطلعتها عنب بلدي في الغوطة الشرقية، جاءت متباينة بين بقاء الثورة ومفاهيمها حتى الآن، ليقابلها الزوال وتحولها إلى “كسب المال والصراع الداخلي”، واتفق البعض على أنها “انتهت وتحولت إلى ثورة (جيبة) لجمع الأموال، عدا عن الصراعات الداخلية والخارجية”.

ورغم وجود التفاؤل والأمل لدى بعض الأهالي، إلا أن “الحقائق يجب الحديث عنها فالوقت الحالي الذي وصلت له الثورة السورية هو بداية النهاية”.

في المقابل توقع آخرون أن “الثورة لن تموت، وعلى الرغم من وجود القليل من الانحراف عن المسار، إلا أنها ماتزال قائمة بروح الشعب ومعنوياته”، فـ “دم الشهداء لن يذهب هدرًا” و”ثمن الحرية قد دفع”، وهي “ثورة فكر، مازال البعض يؤمنون بأن التغيير سيحصل ولو بعد حين”.

في حين نقل البعض رؤيته على أن “الموجود حاليًا هو احتلال، سابقًا كانت ثورة والشعب قد قام بها لتأتي الدول الغربية وروسيا وإيران والصين فيما بعد لاحتلالنا”.

الأستاذ في مديرية التربية الحرة بريف دمشق، ياسر أسعد، أوضح أن “الثورة قائمة كونها جذورًا ضربت في أعماق الأرض، وعلى الرغم من الجذور المريضة إلا أنها ستقص وتنمو الشجرة”، مضيفًا “الثورة باقية لأنها في قلوبنا، ومن خرج لمكافحة الظلم مازال مستمرًا حتى الآن.. الله معنا ولا غالب لنا، رغم الأخطاء وبعض النفوس التي انقلبت إلى المصالح الشخصية”.

ريف حلب الشمالي

وأجمع من استطلعت عنب بلدي آراءهم في مدن ومناطق ريف حلب الشمالي، على أن الثورة مستمرة “طالما يوجد شبر محتل من قبل النظام السوري وميليشياته، والمنظمات الإرهابية التي توازيه بالإجرام المتمثلة بداعش”.

كما أنها “باقية ومستمرة مادام القصف موجود على المدن والبلدات إلى جانب التهجير”، وهو ما أوضحه أحدهم بالقول “ذقنا الآلام والتهجير وسنستمر بالثورة طالما نحن على قيد الحياة”.

ويرى آخرون أن الثورة في ريف حلب بدأت تأخذ منحىً جديدًا في المرحلة الحالية، “خاصة بعد تطهير قرى وبلدات الريف الشمالي والشرقي في حلب من تنظيم الدولة”، لتنتقل الثورة إلى “تنظيم المؤسسات المدنية والعمل على الحد من سلطة المقرات العسكرية”.

 

مقالات متعلقة