اخرس.. إن كنت من مشجعي برشلونة أو الريال

tag icon ع ع ع

بهاء زيادة

إن كنت من مشجعي برشلونة أو الريال، أو من معجبي البافاري أو كنت باريسي العشق، فأنت من جمهور كرة القدم الذي عليه ألا يتكلم، عليك أن تشجع فقط نفسك، وأن تغلق التلفاز، وألا تشاهد مباريات كرة القدم، عليك باختصار ألا تكتب حتى عبر “فيس بوك” أنك شاهدت المباراة، أو تبدي إعجابك بمباراة غير عادية، عليك فقط أن تنتقد الآخرين وتتبع زلاتهم، وتشاهد من بعيد ماذا فعل هذا أو اقترف ذاك.

هامش الشخصية واحترام ميول الآخرين مايزال مخترقًا عند أقل تجربة في عالمنا، عليك أن تفكر قبل أن تقول أو تكتب أنك تشجع أي نادي كرة قدم، ربما يتنطع لك أحدهم بتهم هي ذاتها تلك التي تخرج دائمًا عندما تحاول التكلم عن شيء من هواياتك الشخصية، مبتعدًا عن مثاليات العالم الأزرق والصورة التي يكونها بأننا جميعًا نستيقظ على أذكار الصباح ونعيش على حكم أفلاطونية، والسياسية محط اهتمامنا، وثقافتنا الدينية أكثر من غوغل بحد ذاته، تتهم بأنك خرجت عن التربية ولا تهتم لأمور أمتك، وتلتهي بسفاسف الأمور، ليضيق عليك هامش الحرية.

لا تستطيع أن تجبر أحدًا من هواة الرياضة على الامتناع عن متابعة كرة القدم كرمًا لعيون أحد، فهي هواية مثلها مثل هوايتك عندما تقرأ رواية أو تذهب إلى السباحة أو تجلس لتتصفح وسائل التواصل الاجتماعي في هاتفك المحمول، فميوله وهواياته هو حرّ بها لن تجبرك على المتابعة أو القراءة إن كان الأمر يزعجك ولا يشغل اهتمامك.

لا أفهم ما المزعج في إعجاب متابعي كرة القدم بمباراة أقل ما يقال عنها أنها خيالية، هي حقًا إنجاز لا يتكرر، إصرار وتكرار وعودة، لم تتوقف عند الرباعية التي كانت في الأولى، ولا عند الهدف القاتل الذي جاء في الثانية، استمرت حتى الرمق الأخير، لم تلفظ أنفاسها، بل حبست أنفاس المشاهدين.

بعد يقين الكل بأن الباريسيين قد تمكنوا من العبور، مازالوا يصرون على أنهم قادرون على خطف البطاقة، سرعة الدقائق لم تضعف قوتهم ولم تنهك عزمهم على المجيء بالسداسية، الدرس الأول والأخير هو قبول التحدي مع النفس، رضي الجمهور عن الفريق واكتفى بثلاثية أو ربما برباعية مع الخروج من صراع الكبار، ولكنهم استمروا في معركتهم الشخصية حتى صافرة الحكم، وأذنوا له بها بعد السادسة وربع نهائي.

أرى أن البلاوغرانا بتحطيمها أسطورة المستحيل، عادت بعد نكسة ظنوا أنها لن تعود، بل أقوى وأصلب، لم يعرفوا النوم منذ السقوط الأول، سعوا بـ “سراج وفتيلة” نحو العبور، عقلهم الباطن يؤمن بأنهم سيسجلون الرباعية بل أكثر، كرروا أملهم وتفاؤلهم حتى حصلوا عليها، تصريحاتهم ووعودهم قبل المباراة لا توحي أبدًا أنهم مطالبون برباعية على الأقل أمام فريق وصف بأنه مثالي من جميع النواحي قبل أسبوعين.

حاولت خلال المباراة أن أنظر إلى رد فعل لاعبي برشلونة بعد تقدم الوقت وتسجيل باريس الهدف الأول، الذي أنهى كل شيء على الورق، لم أجد منهم أي لاعب يضرب على رأسه أو ينزل إلى الأرض ينحني ويستسلم، بل يسرع لبداية اللعب من جديد، لا يريدون أن يقنعوا أنفسهم أن كل شيء انتهى، كيف لا والبرازيلي نيمار يلعب مباراة العمر، كأنها مباراته الأخيرة، يؤمن بقدرته على تحقيق العودة وتسجيل الهدفين الموعودين، السعي يجب أن يكون حتى الدقيقة الأخيرة بهذا الإصرار.

عند تسجيل الخماسية لم تشغلهم عن السادس، فالخماسية كأنها تكون صفرًا بعد صافرة الحكم، بل السادس هو مطلبهم.

باريس نام في دفء الأربعة، لم يحسب حساب العودة، لم يتعلم من أن المحافظة على الرباعية أصعب من الحصول عليها.

لسان حال مشجعي باريس يقولون “لو لم تفز يا بي إس جي في الذهاب، حتى لا نغرق في أحلام اللقب، فلا يكفي أن تقاتل نصف الوقت أمام خصم يقاتل حتى النهاية”.

أقل ما يقال عن الـ 90 دقيقة الكروية مساء الأربعاء أنها مذهلة، كتب فيها درس عن السعي نحو المجد دون النظر إلى الخلف، يفهمه كل من شاهد المباراة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة