tag icon ع ع ع

«جوري» الحبيسة في بلاد العجائب، و«عنوب» الفتى السوري الواثق بنفسه، يلعبان مع الأطفال.

حين تذهب مع «جوري» في مغامرتها إلى بلاد العجائب، وتفكر مع «حليمو» بكل الاحتمالات التي يمكن أن تحدث لك وماذا تفعل حيالها، تعرف أن قيمة مجلة «طيارة ورق» تتجلى في موادها وصفحاتها. مبدعة، في تقديم مواد بصور جديدة للطفل. جذابة، ليتشوق في قراءتها والتفاعل معها.

مقتطف من تقديم عنب بلدي للعدد الأول من مجلة طيارة ورق في 3 آذار 2013

 

بإمكانيات متواضعة، أطلق ناشطون شباب ومختصون تربويون في آذار 2013 من دمشق أول مجلة في الثورة السورية، خاطبت الأطفال ولامست أحاسيسهم، كخطوة للتخفيف من أثر النزاع، ومساحة لتعويض غيابهم عن المدرسة، وللتوعية بحقوقهم وواجباتهم، أسموها “طيارة ورق”، لتتبعها بعد أيام مجلة “زيتون وزيتونة” في محافظة إدلب.

استطاعت المجلات أن تصل إلى عقول أبناء المناطق المحررة والنازحين داخليًا، من خلال تشكيلة من المواد الثقافية والعلمية والمسابقات الفكرية والأنشطة التعليمية والتربوية، والمشاركات الحية، التي أفسحت لهم مجالًا للتعبير عما يدور في خواطرهم، ونظرتهم المستقبلية للوطن الأم، بعيدًا عن الحرب وأصوات القصف والموت.

انطلاقة “موفقة” في سنوات الصدور الأولى، بدأت بعدها رحلة الانحسار، في ظل غياب “الدعم المالي”، المقدم من قبل المنظمات، والذي أسهم بشكل فعال في عمليات الطباعة والنشر، والوصول إلى الشريحة المستهدفة.

“زيتون وزيتونة” و”طيارة ورق” كانتا آخر المجلات المتوقفة عن الصدور، بعد توقف الدعم المقدم من قبل مؤسسة “دعم الإعلام الحر” (ASML) المعروفة بـ “سمارت”، والتي تولّت دعم عدة مجلات سورية مخصصة للأطفال في السنة الأخيرة.

وكانت جريدة “زيتون” المحلية أول من تطرق إلى غياب المجلّتين الأسبوع الماضي، في تحقيق خاص حمل عنوان “توقف الدعم ينهي مسيرة مجلات الأطفال“، أشارت فيه إلى الأسباب التي تقف وراء انقطاعهما عن الصدور.

يبحث هذا التحقيق مسيرة صحافة الطفل في المناطق المحررة، والأسباب التي أدت إلى تحجيمها وتراجع صدورها، وآثار ذلك على الطفل في الحرب وفي ظل الضغوط التي تحيط به، وما يخلفه توقفها من خلل في وظيفة الإعلام السوري الجديد، من خلال لقاءات مع عددٍ من المشرفين على هذه المنتجات الصحفية، وخبراء في مجال الإعلام والتعامل مع الطفل.


صحفٌ متوقفةٌ وأخرى تصارع لأجل البقاء

“93” الرحلة الأخيرة لـ زيتون وزيتونة

لم تكمل “زيتون وزيتونة” سنواتها الأربع، لتتوقف مطلع العام الجاري، على خلفية توقف الدعم المادي المقدم لها من قبل مؤسسة “ASML”.

عنب بلدي تحدثت مع رئيس تحرير المجلة، سومر كنجو، الذي أكّد أن السبب الرئيسي لتوقفها هو “توقف الدعم، الذي كان يغطي مصاريف الطباعة، إضافة إلى تغطية أجور الكتاب والرسامين والمصممين الذين يعملون أصلًا بأجور رمزية”.

أصدرت “زيتون وزيتونة” أول أعدادها في 7 آذار 2013، كملحق لجريدة “زيتون” التي تصدر في مدينة سراقب، وكان العدد الأول عبارة عن أربع صفحات فقط.

يضيف كنجو “ما إن صدر الملحق حتى تهافت مئات الأطفال على طلبه، فقررنا توسيع الملحق وجعله مجلة مستقلة للأطفال، بعدما تفاجأنا بالإقبال الكبير، ليزيد عدد الصفحات وتطبع المزيد من النسخ رغم صعوبة الأمر، فلا وجود لمطبعة مختصة حينها”.

حاولت المجلة تعويض الأطفال عن غياب المجلات السورية والعربية، والتي كانت تصل سابقًا إلى معظم المناطق السورية المحررة، كما حاولت إبقاء الأطفال على تواصل مع القراءة والكتابة بعد أن أغلقت الكثير من المدارس أبوابها ونزحت الكثير من العائلات خارج المدن نحو المزارع والأرياف”.

وشارك في إعدادها كتّاب ورسامون من مختلف المناطق السورية، “فالمواد تقبل من الجميع شرط ألا تحوي اتجاهات سياسية أو دينية”، بحسب كنجو، وهي مجانية توزّع في المناطق التي تستهدفها.

طيارة ورقتوقفت عن التحليق

قرابة أربع سنوات من التحليق، قضتها “طيارة ورق” بين الأطفال، حملت في أوراقها قيمًا من التعاون والمحبة والإبداع والتسامح، سعت لغرسها في نفوسهم، لتتوقف هي الأخرى بسبب انقطاع الدعم المادي.

تعتبر “طيارة ورق” أول مجلات الطفل صدورًا، وسعت للتواصل مع الطفل، المتضرر الأكبر في الحرب، في خطوة لمحاولة إبعاده عن الظروف التي يعيشها وآثارها، وإحاطته بمبادئ وقيم إيجابية يتطلع بها إلى مستقبل أفضل.

أسماء بلاغ، رئيسة التحرير، عزت توقف المجلة المخصصة للأطفال من 7 إلى 12 سنة، إلى “السبب المادي، وهو أساس دعم طباعة المجلة، “رأينا أن نتوقف عن الصدور حاليًا، حتى يتم تأمين دعم جديد للطباعة وتأمين دعم للعاملين معها”.

طيارة ورق هي إحدى مشاريع شبكة “حراس الطفولة”، وقد أطلقت عددها الأول في 3 آذار 2013، بالتعاون بين جريدة عنب بلدي ومنظمة الحراك السلمي السوري، واقتصرت حينها على ثماني صفحات ملحقةٍ بجريدة “عنب بلدي”.

طبعت أولى أعدادها في مدينة داريا، لتصبح فيما بعد مجلة مستقلة بذاتها بعد عامٍ واحدٍ، وزادت عدد صفحاتها إلى 16 صفحة.

“قوس قزح” تتوقف عند العدد “24”

“قوس قزح” مجلة شهرية تصدرها منظمة “غصن زيتون” وتوجهت للأطفال بين عمر 6 و15 عامًا.

أصدرت المجلة آخر أعدادها في نهاية آذار 2016، ليكون العدد 24 آخر ما تصدره للطفل.

ولم تستطع عنب بلدي التواصل مع القائمين على المجلة، للاستفسار عن سبب توقف صدورها.

مجلة زورق لا نعلم متى تتوقف

انطلقت مجلة “زورق” بداية شهر آب 2013، كمجلة نصف شهرية، من 16 صفحة، لتتحول لاحقًا إلى مجلة شهرية بـ 32 صفحة.

رئيس تحرير المجلة، محمد سلوم، أشار إلى “ضرر ألمّ بالمجلة دون شك (بسبب توقف الدعم)، لكن لم نصل إلى درجة التوقف حاليًا.. لدينا إمكانية للاستمرار بضعة أشهر، وبعدها لا نعلم، وللأسف وضع مجلات الأطفال سيئ إجمالًا”.

تستهدف “زورق” شريحة الأطفال بين السابعة والرابعة عشرة، ولم يكن هدفها عند الانطلاقة تقديم مادة تعليمية بحتة، بحسب سلوم، إلا أنها “قدمت مواد تثقيفية وترفيهية ومعرفية، واستعانت لتحقيق ذلك بخيرة كتّاب الأطفال المختصين، وكذلك الرسامين”.

وتبلغ عدد النسخ المطبوعة حوالي ثلاثة آلاف، توزع في مناطق حلب وإدلب، كما توزع في الغوطة على فترات متفاوتة، حسب قول رئيس التحرير.

لكن المجلة تعاني من ضيق مساحة التوزيع وعدم إمكانية الوصول إلى جميع الأطفال، إذ يعتبر النظام كل ما صدر من إعلام خارج مناطقه معاديًا له، بما في ذلك إعلام الطفل، عدا عن مشكلة “ثانوية” تتلخص بقلة الرسامين، بسبب المبالغ “الكبيرة” التي يطلبونها، وعجز إدارة المجلة عن دفعها.

تين بعلبلا طباعة تبحث عن بدائل

طُبع العدد الأول من “تين بعل” في حزيران 2014، كمجلة شهرية لليافعين، وصدر منها حتى الآن 29 عددًا، نشر الأخير مطلع شباط الجاري.

يتضمن محتوى المجلة قصصًا مصورة تتحدث عن التوعية الصحية والإسعافية والثقافية، والتعريف بالمناطق السورية والتاريخ والتراث السوري، إضافة إلى قصص خيالية، وزوايا تتحدث عن قصص الشعوب.

إياد كلاس، أحد إداريي المجلة، يبدي تخوفًا وحذرًا، خلال الحديث مع عنب بلدي، بعدما توقفت الطباعة الشهرية التي كانت تقدمها “سمارت”، بسبب إيقاف مشروع الطباعة من قبل المنظمة.

وفي الوقت الحالي تطبع المجلة ألفي نسخة في الأردن، وتوزع في مخيمات اللاجئين، إضافةً إلى “بعض النسخ التي تطبع على نطاقٍ ضيق وتستخدم في التوثيق الشخصي”، بحسب كلاس.

الداعم لا يعلّق

بدأت مؤسسة “ASML” دعم طباعة مجموعة من صحف الإعلام السوري الجديد، وتوزيعها في الشمال السوري، منتصف العام 2013، ومن بينها جريدة عنب بلدي، وسوريتنا، وأوكسجين، والجسر، وتمدن، وصدى الشام.

لكنّ المنظمة توقفت عن دعم الصحف السياسية لـ “انتهاء المشروع المخصص”، وتوجهت لدعم صحافة الطفل في سوريا.

ثم أبلغت، مطلع العام الجاري، صحف الأطفال (زيتون وزيتونة، طيارة ورق، تين بعل، زورق) عن توقف مشروعها في دعم الطباعة والتوزيع.

وتعذّرت محاولات التواصل من عنب بلدي مع رئيس “ASML”، شمسي سركيس، وهو سوري مقيم في فرنسا.

ولم تصدر المنظمة بيانًا رسميًا يشرح سبب توقّف الدعم أو يعلن إنهاءه، لكن سركيس علّق على منشورٍ لرئيس تحرير “زيتون وزيتونة”، سومر كنجو، شارك فيه تحقيقًا لمجلة “زيتون” عبر “فيس بوك”، بالقول “أتمنى لو أن هذه المقالة احتوت على استنتاج آخر، أولًا: هي تقول (سمارت) وليس (ASML)، وثانيًا: يبدو أن سمارت هي مسؤولة عن نقصٍ في التمويل لمشروع الأطفال، في الوقت الذي دعمت فيه المشروع لسنوات بقدر المستطاع”.


صورة تعبيرية (عنب بلدي)

صورة تعبيرية (عنب بلدي)

ماذا قدّمت صحافة الطفل؟

قدمت مجلات الأطفال خلال سنوات الثورة السابقة مواد تعليمية وترفيهية وتثقيفية متنوعة للطفل في ظل غياب المدرسة، ووسائل التواصل الأخرى، كالتلفاز والكمبيوتر، القائمة على التيار الكهربائي المستقر، والذي يمكن أن يسبب غيابه انقطاعًا للطفل عما يحيط به، ويلقي بتبعاته على شخصيته ونفسيته.

سومر كنجو - رئيس تحرير "زيتون وزيتونة"

سومر كنجو – رئيس تحرير “زيتون وزيتونة”

يقول سومر كنجو، رئيس تحرير “زيتون وزيتونة”، إن المجلات أعطت فسحة كبيرة للأطفال من أجل القراءة، والرسم والمشاركة، والتحفيز على الخيال والتفكير والتواصل، مشيرًا إلى متابعة كبيرة للأطفال لهذه المجلات، بتشجيع من ذويهم ومن معلميهم في المدارس.

واستطاعت “زيتون وزيتونة” الوصول إلى مناطق في ريف إدلب، ومدينة حلب، التي توقف التوزيع فيها بعد السيطرة عليها من قبل قوات الأسد، والقليل من مناطق ريف الرقة واللاذقية وحماة، ليتراجع توزيعها في المناطق المذكورة أخيرًا، بسبب الظروف الأمنية، سواء من قبل النظام السوري أو تنظيم “الدولة الإسلامية”، لتغطي في الفترة الأخيرة محافظة إدلب وريفها فقط.

أسماء بلاغ - رئيسة تحرير "طيارة ورق"

أسماء بلاغ – رئيسة تحرير “طيارة ورق”

وتعتبر أسماء بلاغ، رئيسة تحرير “طيارة ورق”، أن غياب هذه المجلات سيترك أثرًا سلبيًا عند الأطفال في ظل هذه الظروف، فقد سعت أن تقدم الأفضل للطفل، وأن تتواصل معه وتشعره بأهميته، مؤكدةً “توقفها الآن حرمانه من أحد حقوقه الأساسية”.

جميع الأطفال يحبّون ويستمتعون بمجلات الأطفال، بحسب بلاغ، “كانت تصلنا العديد من مشاركاتهم التي يودون نشرها في المجلة، كالرسوم أو الخواطر أو القصص القصيرة، التي تدرج في أبواب مخصصة لها”.

سعت “طيارة ورق” خلال مسيرتها في السنوات السابقة، أن تقدم محتوى يثري الطفل لغويًا وبصريًا عن طريق القصص التي يقرأها والرسوم التي يشاهدها.

كما اهتمت بالجانب النفسي لدى الطفل فقدمت مواد كألعاب التفريغ، وسعت لتعريف الطفل بحقوقه وواجباته ودعم مهاراته الاجتماعية، بالإضافة لأبواب الترفيه والتسلية.

غادة معترماوي، سكرتيرة تحرير مجلة “عطاء”، التي ماتزال مستمرة حتى اليوم، تعتبر أن “مجلات الأطفال تكاد تكون الوسيلة الترفيهية الوحيدة للطفل السوري في ظل الحرب، فالأطفال في المخيمات ومناطق الداخل لا يملكون وسائل الترفيه المتاحة في ظروف طبيعية، عدا عن كونها وسيلة تعليمية”.

وتشير إلى أن عدة جهات ومراكز للطفل توزع المجلة لديها، تواصلت مع إدارة المجلة لاعتماد المحتوى العلمي فيها ليكون بمثابة دروس للأطفال.

مستعدون للعمل مجانًا.. لكن ماذا عن الطباعة؟

“الحل الوحيد لعودة المجلة مجددًا هو تمويل طويل الأمد لتغطية تكاليف الطباعة وأجور الكتّاب والرسامين والمصممين، إضافةً إلى أجور وتكاليف التوزيع”، بهذه الكلمات يجيب سومر كنجو، رئيس تحرير “زيتون وزيتونة” عن الحلول التي تبحثها إدارة المجلة، مؤكدًا “نحاول حاليًا البحث عن منظمات يمكنها دعمنا”.

ويوضح أن “الكثير من الكتاب والرسامين أبدوا استعدادهم للعمل بشكل مجاني كدعم منهم لاستمرار المجلة، إلا أن العقبة الكبرى تبقى في تكلفة الطباعة والتوزيع”.

تطبيق موبايل

أما “طيارة ورق” فـ “تسعى حاليًا لتأمين دعم للمجلة وتطوير محتواها لتعود بحلّة جديدة”، بحسب أسماء بلاغ، لكنها تشير إلى طريقة جديدة ربما تخفّف آثار التوقف، “نسعى لإنشاء تطبيق على الهواتف الذكية كبديل، إذ يمكن أن يصل التطبيق إلى عدد أكبر من الأطفال ولا يحتاج إلى تكاليف الطباعة والتوزيع”.

خلقميزانية

لم تسلم “تين بعل” من العقبات التي مرت بها أغلب صحف الأطفال، كما يقول إياد كلاس، “مانزال نبحث عن حلول للطباعة في الداخل السوري، رغم غياب الميزانية، إلا أننا نحاول أن نخلق هذه الميزانية بأي شكل”.

وإلى جانب العوائق المادية، تعرضت المجلة لضغوطات أخرى، إذ توقفت زاوية تتحدث عن الميثولوجيا السورية، والتي تبيّن “الآلهة السورية القديمة” كجزء من التراث السوري، ويوضح كلاس “أوقف أخوة المنهج الزاوية واعترضوا عليها، ولم يسمحوا بتوزيع العدد الذي طبع آنذاك داخل الأراضي السورية، لنحوّل بعدها الفقرة إلى جانب آخر”.

سنستمر رغم كل الظروف، يتابع كلاس، “نبحث عن بدائل في الفترة المقبلة، واحتمالية تحويل عمل المجلة إلى إلكتروني بحت”.

خبيرة إعلامية: الطفل السوري لا يملك ترف أيباد

غالية قباني - صحفية سورية

غالية قباني – صحفية سورية

تقول الإعلامية السورية غالية قباني، التي تعمل في جريدة “الشرق الأوسط”، وترصد عمل الإعلام السوري الجديد عمومًا، وصحافة الطفل خصوصًا، “إذا تحدثنا عن النشر الصحفي السوري عمومًا، يلاحظ أنه يعتمد أساسًا على المواقع الإلكترونية، لصعوبة طباعة وتوزيع نسخ ورقية، والأسباب عديدة: تكلفتها المرتفعة، وتشرذم الجمهور المستهدف، جغرافيًا، ما يخلق صعوبة في التوزيع ويجعل الطباعة في العموم ليست ذات جدوى”.

لكنها لا تغفل الجهود لكسر هذه الصعوبات، “هناك محاولات جدية داخل سوريا، قوبلت برقابة متشددة ومصادرة نسخ، وأعتقد أن عنب بلدي كانت ضحية لأحداث مشابهة”.

من هذا المنطلق، تقول قباني “كيف يمكن إنجاز صحافة للطفل السوري، وهو مشتت جغرافيًا في بلاد اللجوء والشتات ومناطق محاصرة أو غير محاصرة داخل سوريا؟ وهل نستطيع أن نجزم الآن أن لدينا (طفلًا سوريًا) أم (أطفالًا سوريين)، بتجارب نفسية واجتماعية وذاكرة مختلفة؟ هذا إذا تجاوزنا صعوبات النشر والتوزيع بالقول إنه يمكن تأمين نسخ إلكترونية … لكن حتى في هذا الخيار: هل يملك كل طفل سوري ترف الأيباد أو اللاب توب ليقرأ مجلته الخاصة؟”.

وتوضح الإعلامية الاختلاف في طرق التعامل بين “طفل المخيمات أو طفل المناطق المحاصرة، أو ذلك الموجود في ألمانيا والسويد وتركيا وغيرها من المناطق، وعليه أرى صعوبة كبيرة في إطلاق صحافة للطفل السوري في هذه الظروف”.

لكنها تستدرك “إلا إذا تأسست مشاريع محلية موجهة لمناطق محددة، مثل مخيمات لبنان أو الأردن أو تركيا، ولو بتكلفة بسيطة ونموذج بسيط … إنه حلم صعب المنال مثله مثل مشاريع ثقافية أخرى كثيرة في سوريا وحولها الآن”.


مجلات مستمرة تترقب مصيرها

رغم توقف القسم الأكبر من مجلات الأطفال، إلا أن بعضها ماتزال على “قيد الحياة”، تتعقب مصير رفيقاتها المتوقفة، وتنظر لمستقبلها سواء في الاستمرار أو التوقف، أو البديل الإلكتروني الجديد، في ظروفٍ تكاد تنهي مسيرة هذا النوع من الصحافة السورية المندرجة تحت مظلة “الإعلام الجديد”.

عطاء فصليةتسعى لـ الشهرية

تصدر “عطاء” كل ثلاثة أشهر عن “جمعية عطاء للإغاثة والتنمية”، وتستهدف الفئة العمرية من 9 إلى 15 سنة، وبلغت أعدادها حتى الآن خمسة، بالإضافة إلى العدد التجريبي.

غادة معترماوي، سكرتيرة التحرير في المجلة، توضح أنها توزع في اسطنبول وهاتاي وأورفة، وريف حلب وإدلب والمخيمات الحدودية في ريف إدلب، وقد وزّع العدد التجريبي في الأردن أيضًا، ليبلغ مجموع عدد النسخ الموزعة من جميع الأعداد 100 ألف نسخة.

وخلال سؤالنا عن موقف “عطاء” في ظل ظروف “صحافة الطفل” الحالية، رأت معترماوي أن “توقف هذه المجلات يعني حرمان الأطفال من الوسائل الترفيهية والتعليمية والتربوية”، مؤكدةً “نحاول الحصول على دعم لاستمرار المجلة وتحويلها لمجلة شهرية، وبعون الله مستمرون في العطاء”.

“حنطاوي” تحاول تعويض الطفل

“للأسف أكثر من مجلة للطفل صدرت سابقًا، إلا أنها بدأت بالتوقف منذ سنة تقريبًا.. ربما سياسات الداعمين أو الجهات المانحة لهذه المجلات وغياب الحل البديل”، يقول عروة، مشرف الأنشطة في مجلة حنطاوي.

تصدر “حنطاوي” بشكل شهري وتطبع وتوزع داخل سوريا، في مناطق مخيمات ريف إدلب الشمالي والجنوبي وريف حلب، بحسب عروة، وخصصت لليافعين من عمر الـ 11 سنة حتى الـ 16.

ويضيف مشرف الأنشطة، “تجارب صحافة الطفل في سوريا شهدت عدة مجلات ناجحة ومتفوقة على الصعيد البصري وعلى صعيد المضمون… من المحزن توقف هذه المجلات لأسباب تتعلق بالدعم”.

وفي استبيان سابق لـ”حنطاوي”، استهدف الشريحة العمرية المستهدفة من قبل المجلة، تبين أن 80% من هذه الشريحة الموجودة في سوريا يجنَّدون أو يذهبون إلى جبهات القتال.

وتحاول المجلة “إعطاءهم فسحة تريهم الوجه الآخر من الحياة، ولا سيما أن هؤلاء الأطفال كانت أعمارهم بين 4 إلى 8 سنوات عند مطلع الثورة، ولم يكن لديهم بناء الوعي، لذلك يتم استهدافهم (في التجنيد)”.

غراس“: لا يمكن سدّ فراغ المجلات المتوقفة

صدرت “غراس” كأول مجلة للطفولة في مدينة حلب، في تموز 2014، من قبل مؤسسة “غراس لرعاية الطفل وتنميته”، ووصلت إلى العدد 27.

تتوجه المجلة للأطفال من 6 إلى 14 سنة، وتتناول عددًا من المواد المنوعة التعليمية والترفيهية والتربوية.

تحدثت عنب بلدي مع رئيسة تحرير المجلة، فاتن أبو اللبن، وتقول “أصدرنا حديثًا عددين باللغة العربية والتركية كي توزع للأطفال السوريين داخل الأراضي التركية، إلا أنها لم تلق نجاحًا إلى الآن ولا نعلم مدى استمراريتها”.

“تغطي المجلة حاليًا مناطق الشمال السوري والمخيمات الحدودية الشمالية، وريف حماة وحلب وإدلب، بالإضافة إلى مدينة أورفة التركية”.

تضيف رئيسة التحرير “تعتمد المجلة في تمويلها على مشاريع الحماية والتعليم الموجودة في مؤسسة غراس القائمة عليها، والتي كان لها الأثر الأكبر لبقائها، كونها لا تعتمد على التمويل الخارجي”.

تتضمن مجلة الأطفال صفحة للغة الإنكليزية تعلّم الطفل مبادئها وقواعدها، وصفحتين مغامرات وخيال، وزاوية منوعة تحت اسم “هل كنت تعلم؟”، إضافةً إلى صفحة تتحدث عن الأطفال السوريين ضمن موجات النزوح.

تتابع أبو اللبن “نعتمد الكتابة في هذه الصفحة عن حياة الطفل السوري حاليًا سواء في المخيم أو البيت أو أي مكان إقامة مؤقتة، ونسلط الضوء فيها على معاناة الأطفال لكن نختمها بأمل، ليخرج منها الطفل كبطل القصة… رسالتنا هي أنه رغم الألم ورغم الصعوبات والظروف لكن في النهاية يوجد أمل”.

تتعرض المجلة لعدة عوائق، بحسب رئيسة التحرير، إلا أن أكثرها هو مساحة التوزيع، “لا يمكننا أن نوسع هذه الرقعة، فالتغطية تطال فقط مخيمات الشمال وأحيانًا المراكز التي نستطيع أن نصل إليها”.

“لم تكن غراس بموضع المنافسة تجاه المجلات الأخرى المقدمة للأطفال، إنما في موقف التعاون لتغطية احتياجات الطفل الخاصة بالداخل السوري، فدور المجلات المخصصة للأطفال هو دور مكمل، إذ تغطي كل جهة منطقة معينة، لا يصل للأطفال سواها، في ظل غياب المدارس والتعليم”.

وأسفت أبو اللبن لتوقف المجلات “لأننا نعجز عن تغطية الشاغر الذي تركته حاليًا، سواء من الناحية الجغرافية أو الناحية المادية، ونتمنى لو أفسح المجال للتعاون، أو أن يعودوا بشكل أقوى، فالخاسر الوحيد من هذه العملية هو الطفل السوري، فلم يبقَ له من الفرح سوى المجلات التي تعدّ بمثابة الهدية”.

خطوات صغيرة“: ندعو للالتفات إلى تجارب الطفل

بدأت مجلتا “خطوات صغيرة” و”حنين”، كمشروعين تطوعيين ضمن مؤسسة “خطوات للتنمية الاجتماعية”، التي تعمل في مجال التعليم، وتوزّع خمسة آلاف نسخة من كلّ مجلة.

المهندس هاني شويخ، من مؤسسي “خطوات للتنمية الاجتماعية”، ومدير التحرير في المجلتين، يقول “لم تكن صحافة الطفل قبل الثورة السورية أولوية حتى عند المثقفين، لأن ثقافة الأطفال كانت هامشية واقتصرت على المدرسة ونطاق التعليم الرسمي، الذي يعتبر تعليمًا تقليديًا لا يترك حيزًا لتفعيل المعلومات بشكل إبداعي”.

“لم نشهد انحسار الصحافة الموجّهة للطفل في سوريا، بل على العكس كانت هناك مجلتا أسامة وشامة، إضافة إلى نشوء مجلات عديدة بعضها يتمتع بمحتوى مميز لا يقلّ جودة وقد يتفوق أحيانًا، لكن مع الأسف من حيث الانتشار فهي لا تصل إلى شرائح واسعة بسبب المشاكل المرتبطة بالتمويل، كون هذه المجلات توزع مجانًا”.

وكغيرها من مجلات الأطفال، تواجه “خطوات صغيرة” مشاكل مادية تحول دون طباعة وتطوير المجلة، إلا أن الشويخ أكّد أن “العاملين فيها لديهم إصرار كبير على ضرورة الاستمرار، إدراكًا منهم لأهمية المجلة في ترميم بعض القيم الاجتماعية التي دمرتها الحرب، وإبعاد الأطفال عن جوّ العنف”.

كما دعا إلى “الالتفات أكثر لدعم هذه التجارب لدورها في بناء شخصية الطفل معرفيًا وروحيًا وسلوكيًا”.


لمن يلجأ الطفل السوري لـ
تفريغ انفعالاته؟

دراسات وأبحاث عدة شدّدت على الدور الأساسي لـ “صحافة الأطفال”، وأكدت على أنها أداة من أدوات تشكيل الطفولة، لما لها من دورٍ بالغ في تنمية الطفل عقليًا واجتماعيًا، وتكوين عاداته ونقل القيم والمعلومات والأفكار له والإجابة على كثير من تساؤلاته.

وتلعب مجلات الأطفال دورًا في مجال الترفيه والتوعية والتربية والدعم النفسي وبثّ روح الأمل، في ظل تبعات الحرب التي تمر بها مختلف الأراضي السورية، فقد أثرت وألقت بأضرارها على الحياة اليومية للشعب السوري بمختلف شرائحه، وخاصةً الأطفال أصحاب الضرر الأكبر.

في 21 تشرين الأول 2016، نشرت منظمة “يونيسيف” تقريرًا قدّرت فيه أنه مايزال أكثر من 1.7 مليون طفل خارج المدرسة في سوريا، و1.3 مليون طفل آخرين معرضون لخطر التسرب.

وفي حديث سابق مع عنب بلدي، أشارت مديرة الإعلام في المكتب الإقليمي لـ”يونيسيف” في عمان، جولييت توما، إلى انخفاضٍ طفيفٍ في الرقم، الذي كان بداية 2015 أكثر من 2.1، لكنها أكدت أن “الرقم مايزال كبيرًا، والصورة بشكل عامٍ ليست جيدة”.

وتقف عدّة عوامل وراء إجبار الأطفال على البقاء خارج المدرسة، منها تصاعد العنف، والنّزوح، وتفاقم الفقر، إلى جانب النّقص في الموارد التي يحتاجها نظام التعليم.

واحدة من بين ثلاث مدارس في أنحاء سوريا غير صالحة للاستخدام، بحسب تقرير “يونيسيف”، إما بسبب الأضرار الّتي تعرّضت لها أو دمارها الكامل، أو بسبب استخدامها لأغراض أخرى مثل إيواء النّازحين من مناطق أخرى أو لأغراض عسكرية.

عنب بلدي اتجهت إلى تفسير الآثار النفسية التي تعود على الطفل السوري في الداخل المحرر بشكل أساسي، بعد أن اعتادت شريحة واسعة على المجلات كـ “بديل تربوي وتعليمي وترفيهي وثقافي”.

المعالج والمدرب النفسي محمود عثمان اعتبر أن “الأثر الرئيسي الذي يعود على الطفل السوري في ظل غياب الكتابة الخاصة به، هو اللجوء لخيارات بديلة كمجلات الكبار أو الأجهزة الإلكترونية، التي تضرّ أكثر من أن تفيد، كونها غير موجهة لفئة الصغار”.

سعت مجلات الأطفال إلى خلق عالم خاص بالطفل يعوّض غياب المدرسة عن حياته بتعليمه مهارات القراءة والكتابة، وبعض الفنون التي تشغل ذهنه بما يناسب عمره ونفسيته، كما عملت لتدريبه على طرق إبداعية لـ “التفريغ الانفعالي”، مع دعم روحه بقيم إنسانية وضرورية له في وقت الصراعات والنزاعات.

يضيف عثمان “الصحافة يمكن أن تقدم الكثير في زمن الحروب، وفي ظل غياب التعليم الرسمي، من خلال نماذج يحتذي بها بقية الأطفال كالقصص الهادفة والألغاز المحفذة للذكاء”.

ويعتمد إقبال الطفل على هذه المجلات، بحسب المعالج النفسي، على المنطقة التي تنتشر فيها، إذ “يتوقع أن يستخدمها الطفل في الأماكن التي تنقطع فيها الكهرباء والانعدام التام لاستخدام الأجهزة الإلكترونية من موبايلات ولابتوبات وغيرها”، إضافةً إلى “الشرائح السكانية ضعيفة الدخل، والتي تجد في المجلات خيارًا جيدًا للتسلية وإمضاء الوقت والتعلم في نفس الوقت”.

تردّد خلال حديثنا مع عدد من الصحفيين العاملين في مجلات الأطفال، أنها قد تعوّض ما يخسره الطفل من غياب المدرسة، وعدم استقرار الدوام في المناطق المحررة.

إلا أن المدرب عثمان يعتبر أنها “لا تنوب عن المدرسة، فالأخيرة نظام كامل قائم على تغذية الطفل بالمعرفة بمختلف الجوانب، عدا عن التفاعل مع زملاء الدراسة في الصف”.

ويوضح أن “الصحافة الموجهة يمكن أن تكون داعمًا، ومخففة من آثار غياب التعليم الرسمي، عن طريق رفدها بمختلف الأدوات التعليمية التي تنمي مهارات الطفل المعرفية والسلوكية”.


فادي القاضي - خبير في حقوق الإنسان والإعلام والمجتمع المدني في الشرق الأوسط

فادي القاضي – خبير في حقوق الإنسان والإعلام والمجتمع المدني في الشرق الأوسط

رحيل الصحافة المتخصصة خسارة كبيرة

فادي القاضي

مع الإقرار بأن المشهد الإعلامي السوري المستقل ليس في أفضل أحواله، وهو بالفعل يعمل الآن وينشط في ظل شروط معقدة وصعبة، منها ما هو موضوعي كالتوجه إلى جمهور لم يعُد يتركز جغرافيًا في بقعة واحدة محددة مترابطة، بفعل عوامل التهجير القسري واللجوء، وأيضًا بفعل هيمنة الحرب على بنية الحياة “المجتمعية”، إن جاز التعبير، بما يجعل من عمل الإعلام بشروط تقليدية مستحيلًا (كالتوزيع، والوصول الى الجمهور، وانتظام الصدور أحيانًا، وغياب عناصر السوق المحلي التي تجعل من الإعلان والاستثمار في الإعلام ممكنًا).

مع الإقرار بذلك كله، إلا أن خسارة بعض أنواع الصحافة المتخصصة، وبالتحديد تلك التي تُعنى بشؤون الطفل وتقدّم له خدمات الإرشاد والعناية في مجالات النمو والتثقيف والتعليم وأحيانًا العلاج والتأهيل النفسي، هي خسارةٌ لا يمكن تعويضها حاليًا، بالإضافة إلى أنها تشكل انتكاسةً للجهود التي تسعى إلى إنقاذ ما تبقى من الطفولة في سوريا.

تقدّمُ صحافة الطفل في هذا السياق خدمات ليس من الواضح كيف يمكن تعويضها، ففي الوقت الذي دأبت المنظمات الأممية والتابعة للأمم المتحدة على التحذير تباعًا من المخاطر التي يتعرض لها جيلٌ كامل من الأطفال بسبب الانقطاع عن التعليم في ظل التهجير واللجوء، وتعرّض البنية التحتية التعليمية (المدارس والمرافق) إلى دمار شديد بفعل الحرب، كانت صحافة وإعلام الطفل، بالرغم من تواضع أرقام توزيعه ونشره، بديلًا واقعيًا يمكن استخدامه لنشر المعرفة والتعليم في أوساط الأطفال في الحد الأدنى.

ومن شأن اختفاء الإعلام المتخصص، ومن ضمنه صحافة الطفل، أن يترك مساحات هائلة ستحتلها المعالجات الإعلامية المعنية بالشأن “السياسي”، وهو على أهميته الشديدة، إلا أن اعتبار أن الشأن السياسي يقتصر على التجاذبات بين الفرقاء السياسيين أو البحث في مشاريع الحل السياسي، هو خطيئة. لكن الواقع الراهن يشير الى أن رحيل الإعلام والصحافة المتخصصة له ثمنٌ سيدفعه الجمهور الذي يحتاج إلى بدائل تمده بالمعلومات والمعرفة التي تلزمانه للاستمرار في التعامل مع شؤون الحياة عمومًا في أرجاء مناطق التواجد السوري، والتي لم تعد تقتصر على الداخل السوري. إنها خسارة كبيرة.


مقالات متعلقة