فريق التحقيقات في عنب بلدي
مع محاولات التوصل إلى حلول في سوريا، طفت إلى السطح قضية دور المرأة في إحلال السلام أو في ترسيخه على الأقل، وتمكينها اقتصاديًا ومجتمعيًا، لكن هذه المصطلحات، على بساطتها، تخفي وراءها تعقيدات بحجم الملف السوري وتشابك خيوطه، والبحث فيها يستوجب طرق أبوابٍ موصدةٍ تحبس خلفها قضايا جدليةً، زادتها وطأة الحرب وارتفاع صوت السلاح تعقيدًا.
ثورة وفرط نشاط في إنشاء المنظمات والجمعيات النسائية والهيئات الحكومية واكبت الثورة، بعد عقودٍ من احتكار العمل النسوي لصالح مؤسسة النظام السوري، لكن أسئلة تحيط بهذا النشاط حول الجدوى منه، وقدرته على تكوين دورٍ فاعلٍ ومؤثرٍ للمرأة محليًا ودوليًا، وما الذي يقف في وجهه ويحرمه من النفاذ إلى الرأي العام.
تحاول عنب بلدي في هذا الملف الإحاطة بالنشاط النسائي في سوريا “المحررة”، للإجابة عما إذا كانت الثورة عززت دور المرأة السورية أم كبّلته، وللبحث عن مكامن الضعف وطرق التغلّب عليها.
قدّمت أكثر من 65 مؤسسة وجمعية (أنشئت بعد 2011) نفسها بأنها تعمل في مجال تمكين المرأة، تعليميًا واقتصاديًا وسياسيًا، ومناصرة حقوقها، وطغى مصطلح “إحلال السلام” أو المساعي للوصول إليه على أسمائها.
لكن هذه المؤسسات جوبهت بعدة عوائق، أبرزها العامل الأمني والقصف المستمر على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وهو ما حدّ من نشاطاتها وحريتها في الحركة، وغياب تسهيلات حكومية في ظلّ شلل أداء الحكومات المؤقتة المتعاقبة، وسيطرة سلطة أمر الواقع على بعض المناطق جعلت الجوّ العام يتجه نحو التحفّظ على عمل المرأة، إلى جانب غياب الخبرات والموارد بسبب انقطاع المرأة السورية عن العمل السياسي لعقود طويلة.
المرأة في عهد الأسد..
بين “الاتحاد النسائي” والسيدة الأولى.. تدجين فكري في بوتقة “البعث”
بوصفه “قائدًا للدولة والمجتمع”، احتكر حزب “البعث” الحاكم في سوريا العمل المدني والتطوعي للمرأة السورية، ليدور نشاطها في فلكه حصرًا، طيلة خمسة عقود مضت، فأحدث حافظ الأسد (الأمين العام للحزب) منظمات كانت بمثابة مداجن فكرية تتوافق مع المراحل العمرية، أقصت المنظمات المدنية الحرة، واحتكرت نشاط المرأة.
“طلائع البعث”، و”اتحاد شبيبة الثورة”، و”الاتحاد العام النسائي”، منظمات أسسها الأسد عقب وصوله إلى الحكم، ولعبت دورًا تعبويًا لتعزيز حُكمه، وإرساء مفاهيم “البعث”، ما انعكس سلبًا على المرأة والمجتمع السوري بشكل عام، وهو ما سار عليه نجله بشار الأسد فعزز المنظمات البعثية، وأفسح المجال لعقيلته (أسماء الأخرس)، دون غيرها، في تبوّء العمل المدني ضمن “الأمانة السورية للتنمية”، التي أسستها بعد استلام زوجها مقاليد الحكم.
الاتحاد العام النسائي
تأسس الاتحاد العام النسائي في سوريا عام 1967، ويعرّف نفسه بأنه منظمة شعبية للنساء في سوريا ذات شخصية اعتبارية، لكنه ارتبط بشكل وثيق بحزب البعث الحاكم، وعرف في الأوساط الشعبية بأنه كيان شبه رسمي يعزز سلطة الحزب في الأوساط النسوية.
اقتصرت نشاطات الاتحاد على “الرفيقات” الحزبيات في المدن والقرى السورية، من خلال فعاليات اجتماعية وتعليمية شابتها البيروقراطية التي وصفت بها أجهزة الدولة بشكل عام، واستثنى الاتحاد النساء السوريات المستقلات.
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لعب الاتحاد أدوارًا سلبية من خلال التمييز الحزبي والاجتماعي، فلفظت قيادته المرأة المحجبة لدواعٍ وصفت بالأمنية، واقتصرت إدارته على الأعضاء الفاعلين في “البعث” دون غيره، فأصبح نموذجًا مشابهًا لمؤسسات الدولة السورية آنذاك.
مايزال الاتحاد يمارس عمله بنفس الطريقة، إلا أنه ومع مطلع الثورة ضد النظام السوري زاد من وتيرة نشاطه التعبوي المنحاز للأسد وقواته، كما أردف الاتحاد القوات العسكرية بمقاتلات ضمن ميليشيا “كتائب البعث” و”الدفاع الوطني”، ولا سيما في محافظات دمشق وحمص واللاذقية.
الأمانة السورية للتنمية
دخلت أسماء الأسد، عقيلة رئيس النظام، العمل النسائي في سوريا عام 2001، بإشرافها المباشر على تأسيس “الأمانة السورية للتنمية”، وهي منظمة غير حكومية تعمل على “تمكين المجتمعات للأفراد إضافة إلى إشراكهم في الأعمال التنموية، حتى يستطيعوا أداء دورهم الكامل في بناء المجتمع وصياغة المستقبل”، بحسب تعريفها.
أقامت الأمانة عدة مشاريع تنموية بين العامين 2001 و2011، وتلقت دعمًا من منظمات أوروبية، وشملت المشاريع معظم الشرائح المجتمعية، فظهرت أكثر انفتاحًا وحداثة من الاتحاد العام النسائي، كما سعت لتكون أكثر استقلالية عن دوائر الدولة، وركزت نشاطاتها على تمكين المرأة والمجتمع.
لكن، ومع ذلك، شابت هذه المؤسسة سلبيات عديدة، أبرزها اقتصارها على حيز جغرافي ضيق، مثل حلب ودمشق واللاذقية وحمص، دون انفتاح على باقي المحافظات السورية، كما اهتمت بشكل خاص بالشريحة المجتمعية المقربة من النظام السوري، كبيئته الحاضنة في الساحل السوري.
ومنذ العام 2011 تقلص نفوذ الأمانة السورية للتنمية، بعد توقف الدعم الأوروبي نتيجة العقوبات المفروضة على النظام السوري، لكنها حصلت على دعم مالي من الأمم المتحدة، بحسب ما نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية في آب 2016، مؤكدة أن منظمتين تابعتين للأمم المتحدة عقدتا شراكة مع “الأمانة”، ودفعتا لها مبلغ 8.5 مليون دولار أمريكي.
كما تركز أداؤها خلال الأعوام الخمسة الماضية على توزيع المعونات المادية والعينية على المتضررين الموالين للنظام السوري، بعدما أقصت عمل جمعيات إغاثية في المناطق الخاضعة للمعارضة في محيط العاصمة، ومنعتهم من تحصيل دعم إغاثي من المنظمات الأممية، وفق معلومات سابقة حصلت عليها عنب بلدي، إلى جانب رعاية بعض الفعاليات والنشاطات، بهدف إظهار الوجه المدني للنظام السوري.
“القبيسيات” أكثر تأثيرًا
تؤكد “أم وسيم”، وهي دمشقية مطلعة على دوائر صنع القرار في حركة “القبيسيات”، انشقت عنها وتقيم في ألمانيا حاليًا، أن عدد النساء المنضويات في الحركة تجاوز حاجز الـ 100 ألف في دمشق وحدها، وتشدد الأجهزة الأمنية على تأمين وتسهيل أي فعالية لهنّ في العاصمة أو باقي المدن السورية، نظرًا لتحريم هذه الجماعة الخروج عن النظام السوري وتأييده، ونبذ أي خطاب معادٍ له.
نشأت حركة “القبيسيات” الدينية بشكل علني في دمشق العام 2005، إلا أن وجودها الفعلي قد يعود لتسعينيات القرن الفائت، ويرتبط اسمها بمؤسستها “الحاجة منيرة القبيسي” تلميذة الشيخ صلاح كفتارو، وهو نجل مفتي الجمهورية السابق أحمد كفتارو.
ووفقًا لمعلومات حصلت عليها عنب بلدي من “أم وسيم” وسيدات أخريات غادرن عالم “القبيسيات”، فإن هذه الحركة الدينية هدفت إلى تطويع الشارع الدمشقي لتأييد النظام السوري وشرعنة أي عمل يقوم به، مقابل تسهيل النظام لنشاطاتها وعملها الدؤوب على استقطاب “المريدات” في سوريا، وفق خطاب ديني سلس يعادي “التطرف” ويمنع “الخروج عن الحاكم”.
دخلت القبيسيات عالم السياسة خلال الثورة السورية، فأعطيت “الحاجة منيرة” مرتبة معاون وزير الأوقاف بمرسوم جمهوري في العام 2014، وشاركت نساؤها في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، ومثلتهن فرح حمشو، قريبة رجل الأعمال المعروف محمد حمشو، في دليل واضح على تبعية الحركة الدينية للنظام الحاكم.
تنتشر الحركة أيضًا في مدن حمص وحماة واللاذقية وحلب، إلى جانب وجود لها في الأردن ولبنان، وتستقطب زوجات وأبناء الطبقة الثرية من تجّار وصناعيين ومسؤولين في أروقة النظام، ممن يرى فيها نموذجًا دينيًا رائدًا، بحسب ما وصفت “أم وسيم”.
وتقول راوية الأسود، وهي سيدة مجتمع وناشطة في مجال الطفل والمرأة، إن النظام السوري ما كان ليسمح بأي عمل نسوي بشكل تنموي وحر، وهو أمر مفروغ منه، لأن من أهدافه الأساسية محاربة العقول الحرة التي تتجه إلى تنمية المجتمع المدني، بل عمل على تدمير أي إنسان يتجه بفكرة تعطي للمجتمع زخمًا من الثقافة والأخلاق التي تميزنا كسوريين.
وتشدد السيدة، التي أسست مع صديقاتها منظمة “سوريات عبر الحدود” في ظل الثورة السورية، أن العمل التطوعي بمفهوم نظام الأسد كان بمثابة “بث السموم لدى البنات والشباب”، وتختم بالقول “هذا ما نراه تمامًا عند الطبقة الموالية من إصرار على التأييد، نتيجة للأفكار البشعة التي أدخلها الأسد في عقولهم”.
حكومتان للمعارضة تفشلان في تعزيز دور المرأة.. الثالثة تبحث عن “شخصية مناسبة”
منذ تأسيس الحكومة المؤقتة للمعارضة السورية في أيلول 2013، برئاسة أحمد طعمة، لم تنجح تشكيلتان حكوميتان لها، بتعزيز دور المرأة في الداخل السوري، فكانت الحكومة تدير على مدار سنتين المكاتب من خلال وزاراتها في الخارج، الأمر الذي اعتبره مراقبون عائقًا أمام أي نجاح، ليس على مستوى المرأة بل على كافة الأصعدة.
وعقب محاولة قادها غسان هيتو، وفشلت في تشكيل أول حكومة للمعارضة، تسلّمت حكومة أحمد طعمة الأولى الدفة، ووضعت ملف المرأة بعهدة وزارة الثقافة وشؤون الأسرة، التي تناوبت على حقيبتها شخصيتان هما: الدكتورة تغريد الحجلي، عضو المجلس الوطني السوري، والدكتورة سماح هدايا (كانون الثاني 2015 حتى أيار 2016). إلا أن دور الوزارة كان ضعيفًا في الوصول إلى المرأة ورفع سويتها مجتمعيًا، وفق القائمين عليها.
في الأيام الأولى من تموز 2016، ولدت حكومة جديدة ترأسها الدكتور جواد أبو حطب، لكنها ألغت وزارة “شؤون الأسرة”، واستبدلتها بهيئة مازال القائمون عليها يبحثون عن شخصية أنثوية “مناسبة” لقيادتها، ساعين إلى إبراز دور الحكومة في دعم المرأة، بعد أن حُصرت المحاولات في منظمات ومراكز مدعومة محليًا أو خارجيًا.
وبصفتها كيانًا يفترض أن يمثل السوريين، نسلط الضوء على دور الحكومة السابقة بتشكيلتيها في الوصول إلى المرأة السورية، ومساعي الحكومة الحالية في هذا الصدد، في ظل قصور مهني ومؤسساتي ومعرفي بدا جليًا في إدارة وزاراتها ومؤسساتها ونواحٍ أخرى.
رئيس الحكومة: الجميع يتحدثون عن المرأة ولا أحد ينصفها
يعتبر القائمون على الحكومتين، السابقة والحالية، أن صعوبات ومعوّقات عدة مازالت حتى اليوم تقف عائقًا في وجه العمل الحكومي، وبالتالي التأثير على تطّور سير الوزارات والمكاتب، أبرزها التمويل ورفض الشارع السوري.
وتعتبر الدكتورة سماح هدايا، وزيرة الثقافة وشؤون الأسرة السابقة في الحكومة المؤقتة، أن الحكم على عمل الحكومة يأتي تبعًا للزمن والفترة والظرف، ورأت في حديثها إلى عنب بلدي أن دور الحكومة لم كافيًا لأنها لم تُموّل كما يجب، “تعاملنا مع منظمات كثيرة لدعم مديريات الداخل، ولكن وجدنا أنهم يميلون للتعامل مع جهات أخرى، ويرفض معظمهم العمل عندما يسمع بوزارة الحكومة المؤقتة”.
وتدعم تصريحات رئيس الحكومة الحالية، الدكتور جواد أبو حطب، رؤية هدايا، فهو يرى أن “الحكومة رواتبها زهيدة، ولذلك يتوجه الجميع إلى المنظمات التي تمنح رواتب أكبر”، وأكد لعنب بلدي أن الحكومة الجديدة لم تحصل على تمويل حتى بعد شهرين من تأسيسها في تموز 2016.
عوائق أخرى وقفت في وجه نشاط المرأة في الحكومة، بحسب أبو حطب، وأبرزها الخوف من التعرض للمساءلة والانتقادات في ظل الاتهامات بالفساد التي توجه إلى الحكومة، ودللّ على حديثه بقوله “زوجتي تعمل طبيبة نسائية في الداخل السوري، ولا تريد أن تعمل ضمن مؤسسة حكومية على خلفية ما سبق”.
وتحدث خبراء عن فشل الحكومة السابقة في العمل، ووقوعها في روتين ومطبات متكررة، وهذا ما أثر على الوزارات ومن ضمنها شؤون الأسرة، وتوافق الأستاذة نعمات أحمد، التي عملت ضمن الوزارة مع هدايا، وتوقفت منذ بداية عام 2015، على ما سبق بأن المشكلة كانت في نقص التمويل، وتزيد على ذلك سوء بيئة العمل وضعف الإمكانيات في مناطق الداخل.
نشطت وزارة الثقافة وشؤون الأسرة في الحكومة السابقة خارج سوريا، مقارنة بتركيزها على الداخل السوري، واكتفت بالعمل من خلال مديرياتها الخمس في سوريا، على تعزيز دور المرأة، ونجحت بتطوير حالات فردية، تعاملت معها الوزيرة هدايا بشكل مباشر، على حد وصفها.
وجود منظمات “تملك أجندات معينة وتحاول تناول دور المرأة وفق أجنداتها، أثر وسيؤثر في المستقبل سلبًا على المرأة”، بحسب هدايا، إلا أنها لم تنكر دور بعض المنظمات الإيجابي في هذا الخصوص، كما ترى أن الثورة “أحدثت زلزالًا” في مجال التأثير على دور المرأة، رغم أنها أكدت أن تطويره مرتبط بآلية التنفيذ، “ليس بمجرد أنا أريد تمكين المرأة”.
ويرى الدكتور أبو حطب، أن المرأة في سوريا هي الثورة، إلا أنها أهملت في مجالات عدة حتى اليوم، “الجميع يتحدثون عن المرأة ولكن لا أحد ينصفها”، ويشير بحكم دراسته الطب البشري في جامعة دمشق، باختصاص جراحة عامة وقلبية، أن المرأة تعاني من إهمال شديد في رعايتها الصحية على سبيل المثال، ولذلك تضع الحكومة موضوع حماية المرأة ضمن أولوياتها.
وتعود هدايا لتتحدث عن خبرات واسعة اكتسبتها المرأة في ظل الثورة، من خلال إدارتها لأعمال أو مراكز، كما أن المرأة التي حملت عبئًا أكبر وخاضت صعوبات تجعلها لا تقبل لنفسها أن تكون تابعة أو خارج المجتمع، “بل ستتبوأ مراكز سياسية وثقافية فهي لم تعد تستطيع الرجوع إلى الوراء كما كانت”.
نعمات أحمد، التي تعمل حاليًا ضمن قسم حماية المرأة في منظمة “حياة”، وتحمل ماجستيرًا في الإرشاد النفسي للأسرة، ترى أن الثورة أثرت سلبًا على المرأة، إذ أفقدتها زوجها وأولادها وفرقت عائلتها، إلا أنها منحتها القوة، فسدّت مكان الرجل في أكثر من مجال، وانتقلت من عملها كربة منزل، لتقود ورشات ومنظمات.
وبحكم تواصلها مع مديريات الحكومة السابقة الخمس في الداخل السوري، اعتبرت أحمد أن التثقيف المجتمعي والتمكين المهني تطور إلى حد ما، إلا أن المديريات في الداخل تفتقر إلى الخدمات والإمكانيات.
حكومة أبو حطب تستبدل الوزارة بـ “هيئة”
تبحث الحكومة الحالية عن كوادر لتدير ثماني وزارات وعشر هيئات، من ضمنها هيئة الأسرة ودعم المرأة، وهي مؤسسة بديلة للوزارة التي كانت في الحكومة السابقة.
يأتي ذلك في الوقت الذي خلت فيه الحقائب الوزارية من تمثيل نسائي بشكل كامل، وعزا شادي الجندي، مدير مكتب الإعلام والعلاقات العامة في الحكومة، السبب لصعوبة التنقل والوضع الميداني في سوريا، كون الحكومة الجديدة تعمل في الداخل.
ولم تتعمد الحكومة غياب النساء عن كوادرها، وفق الجندي، بينما يبحث أبو حطب والقائمون على الحكومة عن الشخصيات النسائية المناسبة التي تعمل في الداخل، والتي لديها قدرة قيادية ومؤهلات أسوة بباقي أعضاء الحكومة، وفق تعبير رئيسها، الذي فضّل الوزير على الوزيرة باعتباره “قادرًا على المواجهة في الفترة الأولى، والتي تحتاج إلى صبر وحنكة في التعامل”.
ومن المفترض أن ينتهي تشكيل الهيئات مع نهاية تشرين الأول المقبل، بحسب الجندي، على أن تضع كل هيئة خططها للعمل ضمن الرؤية العامة لاستراتيجية الحكومة، بعد أن تتشكل وفق آليات ترشيح من المجالس المحلية وبعض الجهات الأخرى.
وفي هذا الخصوص ترى الوزيرة السابقة هدايا، أن إلغاء الوزارة والاكتفاء بتشكيل هيئة “أمر خاطئ”، مؤكدةً “أعضاء الحكومة الجديدة يحترمون دور المرأة، ولكن ربما لا يضعون في حسبانهم أهمية وجودها وتعزيزه ضمن الحكومة، ويجب أن يغيروا هذه النظرة”.
ما مدى تمثيل المرأة السورية في المنظمات والهيئات الحكومية؟
غابت الإحصائيات الرسمية التي تعنى بشؤون المرأة السورية في الداخل السوري، فلا الحكومة ولا المنظمات والمراكز المختصة بتوثيق الانتهاكات، تملك أرشيفًا توثيقيًا كاملًا، كما هو الحال في بقية القطاعات السورية المتضررة.
لكن منظمات مستقلة اعتمدت على تنظيم استبيانات ومسوحات أو دراسة عينات من النساء في سوريا، وأقر جميع من تحدثت إليهم عنب بلدي من شخصيات حكومية، ومدراء منظمات ومستقلين أن الإحصائيات في الداخل السوري لها أهمية كبيرة في كافة المجالات.
منظمة “مواطنون لأجل سوريا”، وهي منظمة مدنية غير ربحية، تهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات شاملة ومُحدّثة عن كلّ النشاطات المدنيّة والناشطين والحركات في سوريا مع الجهات الداعمة من المغتربين، أحصت، في آخر تحديث اطّلعت عليه عنب بلدي، 67 منظمة تقدّم نفسها على أنها تعمل في مجال تمكين المرأة وتتخصص بدعمها ومناصرة حقوقها، من أصل 835 منظمة مجتمع مدني أحصتها “مواطنون لأجل سوريا”.
26 منظمة من أصل 67 أنشئت في الحسكة شمال شرق سوريا، تتبعها حلب بسبع منظمات، ثم دمشق وريفها بست منظمات.
وخلال بحث عنب بلدي في واقع المنظمات في المحافظات السورية، تبيّن أنه يوجد مزيد من الجمعيات لم تدرج بعد في بيانات “مواطنون لأجل سوريا”. وتقدّم المنظمة إمكانية التصحيح والإضافة لجداولها.
كما تمكنت بعض المنظمات النسائية من تشبيك عملها في أربع شبكات هي: شبكة المرأة السورية (شمس)، ومبادرة نساء سوريات من أجل السلام والديمقراطية، واللوبي النسوي السوري، وملتقى المرأة الثقافي في القامشلي.
وتعمل هذه الشبكات على زيادة التنسيق بين المنظمات وتحسين التبادل الثقافي وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة وتعزيز التأثير، أو لأهداف أخرى تصبّ في ذات المنحى، كتطوير مشاركة النساء في المفاوضات السورية.
وفي بحثٍ أجرته منظمة “أنا هي” وملتقى “حنين الثقافي”، على عينة من 100 مكتبٍ لمنظمات سورية في غازي عنتاب التركية، بلغ عدد النساء العاملات في هذه المنظمات 2863 من أصل 9310 أي بنسبة 20%.
وخلص البحث، الصادر في آذار 2016، إلى أن عمر النساء العاملات في هذا المجال يتراوح بين 20 إلى 30 سنة، بمعدل 99%، بينما تصل نسبة مشاركة المرأة في القرارات القيادية إلى 12%، مقابل 88% تغيب فيها المشاركة.
أما على صعيد القرارات الاستراتيجية، فتنخفض نسبة مشاركة المرأة إلى 5%، في العينة المدروسة.
كيف أثرت سلطة الفصائل العسكرية على نشاط المرأة في الشمال السوري؟
أسهمت السلطة العسكرية بخلفية دينية للفصائل المقاتلة شمال سوريا، بتكريس الجو العام المتحفظ على نشاط المرأة وحريتها وتقييد مساهمتها في أدوارٍ قيادية في المجتمع، لكن النشاط النسائي الذي تشهده محافظة إدلب، مثالًا، يدلّل على أن المرأة نجحت في كسر بعض التقاليد وتغلّبت على الضغوط التي تحيط بها.
في مدينة إدلب، بعد سيطرة المعارضة عليها في آذار 2015، زادت النشاطات الداعية إلى الالتزام بالحجاب، بدعمٍ من الفصائل، وهو ما يظهره قرار هيئة “جيش الفتح” للدعوة والإرشاد، نهاية تشرين الأول من العام ذاته، بفرض الحجاب وضرورة الابتعاد عما وصفها بـ “الألبسة الفاضحة” و”المكياج” ومنع بيعها في المحلات.
ورغم أن القرار لم يطبّق ولم يلتزم المواطنون بحذافيره، إلا أن لجانًا دعوية نسائية تابعةً لـ”الفتح” حاولت فرضه، كما انتشرت حواجز لفصيل “جند الأقصى” في شوارع المدينة لمنع “التبرج”، في الوقت الذي توزّعت لافتات في شوارع المحافظة تطالب المرأة بالالتزام باللباس “الشرعي”.
لم يكن ذلك إجباريًا ولم تطبق عقوبات “صارمة” لفرضه، بحسب عدة نساء في إدلب، لكنّه ساهم في تكريس عادات وتقاليد في المجتمع، وثقافة حملها بعض الشرعيين الخليجيين، تحدّ من نشاط المرأة.
“مشكلة الطائرة” هي الأساس
تعتبر رانيا قيسر، وهي ناشطة في مجال التمكين المجتمعي ومديرة معهد “شاين” للتدريب في معرة النعمان، أن واقع المرأة لا يرتقي إلى المستوى الذي تستطيع أن تقدمه، موضحةً أن “سقف المرأة محدود، وموجودة في أماكن معينة فقط، لا تستطيع أن تساهم في خدمة الناس، بحسب القدرة والكفاءة التي تملكها، ولا تستطيع أن تتوسع”. هذا الشق السلبي، من وجهة نظر قيسر، لكن الإيجابي هو أن “المرأة مستمرة، تعمل، وتناضل، وتجاهد، وتربي”.
وتدير الناشطة معهد “شاين” (السوري الإنساني للتمكين الوطني)، وهو مرخصٌ من إدارة إدلب ومعتمدٌ في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقدّم خدمتين رئيسيتين: التعليم والتدريب، والإغاثة.
وتربط قيسر عودة النشاط وتطور دور المرأة بإيقاف “مشكلة الطائرة” (غارات الطيران الحربي المستمرة في المناطق المحررة) أولًا، لأنها تخلق توترًا وخوفًا لدى النساء وتمنعهن من النزول إلى الشارع.
كما لا يمكن أن تخترق المرأة سوق العمل وتنافس الرجل، في وسطٍ معدومٍ اقتصاديًا وتندر فيه فرص العمل، لذلك فالأولوية هي لصالح “إنشاء الجيل”، بحسب قيسر التي تقول “المسؤولية على المرأة السورية اليوم عظيمة جدًا، نحن نشهد الآن على ولادة أمة جديدة، هذه الولادة لن تكون بالصورة الصحيحة إلا إن كانت المرأة سليمة العقل والمنهج”. وتؤكد على ضرورة تمكين المراة وتحفيزها، وتسليمها الوسائل الصحيحة للتربية، وكيف تستطيع تعزيز القيم والمبادئ عند الطفل بطريقة صحيحة.
لا يجوز اختصار قضية المرأة في الحجاب
وتشير الناشطة المدنية إلى مسألة النقاب والدعوات إلى الحجاب في المناطق المحررة، بالقول “بإمكانك أن تحجبي كل النساء ليكنّ منقبات، ولكن إن كان قلبهن غير صالح فلن يصلح المجتمع. نحن لن نرى التطور الفكري الذي نريد ونصبو إليه وخرجنا بالثورة من أجله، قبل مرور ثلاثة أجيال، ولكن هناك فرصة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إصلاح الأم”.
وتخلّل حديثنا إلى قيسر التركيز على أن المعهد، الذي تديره، يعمل في نطاق شرعي ويفصل بين الشباب والفتيات في الحضور، ويستفيد من “خبرات الغرب” بما يخدم الواقع السوري في “إطار الشرع”.
سماح هدايا، وزيرة الثقافة السابقة في الحكومة المؤقتة، تؤكّد أن مما وقف في وجه تعزيز دور المرأة لباسها، الذي يؤخذ حتى اليوم كإشكالية في الصراع، في ظل تعدد السلطات التي تحكم المدن والمناطق في سوريا.
ودعت هدايا إلى ألا يكون وضع وخلع الحجاب عثرة في حرية المرأة ودورها، “فهو موضوع جزئي، وما دامت تقوم بأداء إنساني ووطني، فقيمتها تنبع من مواقفها وأرائها وعملها وليس مما ترتديه”.
إدارة “الفتح”: لا يوجد مضايقات
عنب بلدي توجهّت بهذه التساؤلات إلى إدارة “جيش الفتح” في إدلب، والتي نفت أن يكون هناك تضييق على نشاطات النساء على اختلافها.
ويقول مازن حميد، وهو إداري في “جيش الفتح”، إن “إدارة الجيش لها اهتمامات تخص دور المرأة ونشاطاتها، وهي تسعى لتقديم المساعدة اللازمة، وفق شروط لا تخالف المبادئ الشرعية الإسلامية”.
وبحسب القيادي، فإن الإدارة “لا تعارض أو تقف عائقًا في وجه أي نشاط يكون له أهداف تعود بالفائدة على الأهالي”، مستدلًا بالعديد من النشاطات النسائية الموجودة في مدينة إدلب، ومنها “معهد للعلوم الشرعية المخصص للنساء، وكل أعضائه (الإداريات والمدرسات) نساء دون أي مشاكل”.
مدرّسة: ينفذون الأوامر “تحت الفصل السابع”
مدرّسة في إحدى الثانويات في إدلب مطلعة على عمل اللجان النسائية لضبط المخالفات، أفادت عنب بلدي أنها شهدت صدامات عديدة بين الطالبات وداعيات “غير مؤهلات للدعوة، ولا يملكن أدنى مقومات الداعية من علم شرعي وأساليب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة”، بحسب توصيف المدرّسة.
وأكّدت المدرّسة (التي فضّلت عدم ذكر اسمها) أن الداعيات “كنّ يجبرن الفتيات على الالتزام بلباس حسب توصيفهن له بأنه اللباس الشرعي الوحيد، وكل شيء خلافه يعتبر سفورًا، حتى حصلت مشادات بينهن بالأيدي، كن لا يتقنّ أسلوب الحوار والإقناع وكأنهن ينفذون أوامر عسكرية ملزمة تحت البند السابع”.
أثر ذلك سلبيًا على حركة الفتيات وعملهن، بحسب المدرّسة، ناقلةً عن إحدى الفتيات قولها “أشتاق للحياة المدنية التي سلبت مني، أشعر أنني مجبرة على كل شيء”.
ونفت المدرّسة أي حالات اعتقال لنساء، سوى قصة روتها إحدى الداعيات عن فتاة تعدت عليهن (الداعيات) بالضرب، وحاولت أن تنتزع حجابهن، وكالت لهن المسبات والشتائم أمام الناس، مما اضطرهن إلى استدعائها إلى المحكمة لـ “سوء تصرفها”.
المدرّسة امرأة منقبة ولبست النقاب مقتنعةً بأنه فرض من الله، ولم تجد حرجًا في التنقل والعمل، ولم يحد النقاب من أي نشاط لها أو من نجاحها وتميزها في عدة مجالات، وفق ما تنقله لنا، مشيرةً إلى “نماذج كثيرة من نساء نجحن وتميزن وهن يرتدين النقاب، خاتمةً “المسألة ليست بالنقاب، وإنما الإكراه على الشيء يجعل الإنسان ينفر منه، ولو دعوت الشخص بأسلوب حسن مدعم بالحجج والبراهين، ربما تختلف ردة فعله كليًا”.
أول مؤتمر نسائي في إدلب.. ومشاركة في إدارة المدينة
في تجربة هي الأولى من نوعها، دعت منظمة “بارقة أمل” النسائية معظم المنظمات ومؤسسات المجتمع المدني النسائية في محافظة إدلب، لتنظيم أكبر مؤتمر نسائي، بهدف التنسيق لتشكيل “حلقة سلام” في إدلب المدينة.
“حلقة سلام” مشروع تطوعي نسائي مكون من ثمانية أعضاء، هدفه إقامة مكاتب نسائية في دوائر إدارة المدينة لتسيير أمور النساء بشكل عام، وفاقدات المعيل كزوجات الشهداء والمعتقلين بشكل خاص، بهدف الوصول لحقوقهن دون المرور ببيروقراطية العمل الإداري. ويدعم المشروع شبكة “أنا هي” النسائية العالمية.
صبا النقر (24 عامًا)، إحدى أعضاء حلقة سلام، تقول “خلال عملنا واجهنا بعض المشكلات فكان لا بد من وجود شركاء معنا في المشروع لتجاوزها”.
وتهدف حلقة سلام للعمل في خمس دوائر حكومية تابعة لإدارة المدينة التابعة لهيئة الفتح في مدينة إدلب، وتم اختيار الدوائر الخمس الأكثر أهمية للعمل (التربية، والنفوس، والتعليم العالي، والصحة، والإغاثة). وتضع في خطتها أن تشمل بقية الدوائر، وقد قام أعضاء الحلقة بنشر الفكرة عبر أوساط النساء وطرحها على إدارة المدينة، ولاقت قبولًا لدى الطرفين.
تقول ندى سميع، مديرة منظمة بارقة أمل في إدلب، إن موعد المؤتمر كان يوم قصفٍ شديد “لم أستطع إلغاء المؤتمر بعد أن حجزنا المكان وحضرنا له، فتوقعت أن تحضر مجموعة قليلة من النساء، لكن عدد الحضور تجاوز 200 امرأة”.
وتعتبر سميع أن في ذلك مؤشرًا على تحدي النساء للطيران وكل الظروف “لإثبات أنفسهن أنهن موجودات في هذه البلد”.
في نهاية المؤتمر تطوعت 12 فتاة للعمل في هذا المشروع، ما دفع المنظمة (بارقة أمل) لتنظيم دورات تدريبية لهن في الشفافية والعمل الجماعي لتأهيلهن للعمل ضمن تلك الدوائر.
أكثر من 250 امرأة شاركن من مختلف مؤسسات المجتمع المدني في المؤتمر، وقدمت كل منهن تعريفًا بمؤسستها وبعملها والخدمات التي يمكن أن تقدمها في سبيل إنجاح هذه الفكرة.
ومن المنظمات التي حضرت: ركين، وبنفسج، وهيئة الإغاثة العامة، وجمعية البر، معًا نصنع القرار، وبشر الصابرين، وغيرها.
تقول إيمان الشامي، مسؤولة الدعم النفسي في منظمة ركين، “لا بد من اجتماعات كهذه، كل فترة لكي يتم تنسيق العمل فيما بينهم للعمل بشكل متكامل”.
وتحاول منظمة “أنا هي” الراعية لحلقة السلام هذه، سحب التجربة على بقية المحافظات، فدعمت، بحسب إحصائيات حصلت عنب بلدي عليها من القائمين على المنظمة، 37 مبادرة في هذا المجال داخل سوريا وفي دول الجوار، واستطاعت 15 منها بناء شراكات محلية.
ورشات للارتقاء بواقع المرأة وتأهيلها
تحاول عدة منظمات أنشئت بدوافع ذاتية الارتقاء بالمرأة السورية والتغلب على فارق الخبرات والتعليم الأكاديمي في سوريا، بتدريبات مكثفة في تخصصات متعددة: ثقافية وتعليمية واقتصادية تشغيلية.
ندى سميع، مديرة منظمة “بارقة أمل” في إدلب، تقول لعنب بلدي، إنها كانت مطلوبة للنظام السوري وزوجها شهيد ففقدت كل شيء، وسيطرت عليها حالة من اليأس، لكنّ شعورًا تولّد عندها بضرورة التغيير، لتبدأ بمساندة قريبتها، بإنشاء أول منظمة نسائية تطوعية في مدينة إدلب، بعد تحريرها.
وتحاول “بارقة أمل” إبعاد المرأة السورية عن منظمات الإغاثة، التي تضيع وقتها في تأمين السلة الغذائية، بعدما ساهمت مجموعة من النساء المثقفات في تأسيسها، بهدف الوصول إلى مجتمع مثقف والارتقاء بالنساء، خاصة اللاتي فقدن المعيل وأصبحن بحالة نفسية سيئة.
المفاجئة، بحسب سميع، هي أن عدد طلبات الانضمام لعضوية المنظمة وصلت إلى 40 طلبًا، خلال يومين، من مختلف الفئات العمرية والثقافية.
وتقدم المنظمة اليوم تدريبات مستمرة، استدلت على نجاحها بتغيير حياة النساء برواية قصصٍ حصلت مع الفريق، كامرأة لم تخرج من بيتها على مدار سنة كاملة، بعد اعتقال زوجها، لكنها أصبحت اليوم عضوًا فاعلًا في المنظمة، الأمر الذي ينسحب على عدة نساء نجحن في كسر حاجز المجتمع الشرقي بأن “زوجة المعتقل لا تخرج كي لا تختلط بالرجال”.
وتؤكّد مديرة المركز على الإقبال الواسع على التدريبات، فالإدارة تضطر لتأجيل بعض التدريبات، رغم تكرار القصف على المدينة، إلا أنها تشتكي من قصورٍ في العوامل اللوجستية والتجهيزات، لأن “القدرة المالية تلعب دورًا كبيرًا”.
“مراكز منظمتنا تتوزع في أحياء المدينة الشعبية”، وتشير سميع إلى أن كثيرًا من الرجال عرضوا بيوتًا لاستثمارها من قبل المنظمة، معتبرةً أن هذا دليل على أن الفكرة سليمة ولها دور في تعزيز أواصر المجتمع.
مديرة المنظمة لم تكن تعيش حالة الراحة هذه التي تحدثنا بها اليوم قبل البدء بالعمل النسائي، وتقول “وجدت محبة الناس لي زادت، ندى سميع كانت لديها حالة نفسية سيئة، مؤكدةً “الآن أنا امرأة قوية عندما أشاهد فرحة طفل حين يتلقى هدية أو درسًا، تزداد ثقتي بنفسي وأستطيع أن أتحدى العالم كله ولدي رغبة أكبر في العطاء”.
إلى الجنوب، تبدو التجربة أكثر تبلورًا في ريف إدلب، فتتحدث مزنة الجندي، مديرة مركز “النساء الآن” في معرة النعمان، عن تجربة الفريق المستمرة منذ آذار 2014.
ويمتلك المركز قسمًا للدعم النفسي، بفرعين، الأنشطة والاستشارات الفنية، ويقدم الدعم النفسي للأطفال والفتيات حسب الفئات العمرية، من ثلاث سنوات وحتى 18 سنة، إلى جانب تقديم استشارات نفسية خاصة لأي امرأة أو طفل بمراجعة المرشدة النفسية في المركز، التي تقترح حلولًا وتعمل على استرخاء نفسي للمراجع، أو تطلب الإحالة إلى الطبيب المختص.
أما القسم الثاني فهو مخصصٌ للورشات التدريبية، لتلافي صعوبة الانتقال إلى تركيا، ونظّم تدريبات في إدارة المشاريع التنموية، والإدارة المالية، واستراتيجيات التعليم الحديث، والزراعات المنزلية للاكتفاء الذاتي، وغيرها.
ويطمح فريق إدلب، المكون من 16 سيدة، في خطته المقبلة إلى تخديم منطقة الريف الشرقي لمعرة النعمان، المغيب عن مشاريع تمكين المرأة، وفق الجندي.
و”النساء الآن من أجل التنمية” هي منظمة سورية غير حكومية، أسستها في حزيران 2012 في باريس، الصحفية السورية والكاتبة سمر يزبك، وتعمل على دعم المرأة السورية في الداخل ودول الجوار.
وتعمل المنظمة في الغوطة الشرقية أيضًا، على تأهيل المرأة مهنيًا ووضعها في سوق العمل، من خلال دورات في الأعمال اليدوية والتدريبات التوعوية والثقافية، “لتستفيد المرأة بصقل شخصيتها، وبالتالي يصبح لديها حافز في العمل ويصبح عقلها أكثر انفتاحًا”، وفق خلود دمشقية، مديرة المركز في بلدة مسرابا.
“حالات عدة بدأنا معهن من تحت الصفر وأصبحن الآن يجابهن الواقع”، تقول دمشقية وترى أن تأهيل المرأة يؤثر أيضًا في اتخاذ قراراتها بخصوص عائلتها، كتزويج بناتها في عمر مبكر على سبيل المثال.
ويدير مركز في الغوطة دورة “قيادات نسائية”، وتتضمن خمس ورشات عمل تركز على مهارات التواصل، وإدارة فرق العمل، والتربية على السلام، والمهارات الحياتية، وحل المشكلات واتخاذ القرارات، وتستهدف جميع الفئات، وتحدثت دمشقية عن نساء انقطعن لفترة طويلة عن الدراسة، إلا أنهن حصلن على شهادة التعليم الأساسي هذا العام.
يُخرّج فريق “النساء الآن” الذي يعمل في مسرابا وحزّة، حوالي 400 امرأة، كل ثمانية أشهر، جميعهن يحتجن تدريبات مستمرة لصقل ما تعلمنه، وترى مديرة المركز أن المرأة في الغوطة تعمل ضمن أدوار محددة، بينما تتنحى عن أخرى.
وفي استطلاع للرأي بين المستفيدات حول أداء هذه التدريبات، طغى التأكيد على الفائدة “الكبيرة” التي تحققها السيدات من خلالها، والانتقال بهنّ إلى مراحل متقدمة اقتصاديًا وثقافيًا وتوعويًا، لكن الانتقادات تمثلّت بغيابها عن بعض المناطق وعدم تعميم التجارب على المناطق المعزولة نسبيًا، أو بغياب الدعم عن بعض النشاطات والمشاريع التي تقترحها السيدات كنتاجٍ لتدربياتهن.
نشاط نسائي واسع في حلب وتمثيل في مجلسها
تستقطب الأحياء الشرقية في مدينة حلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، نحوعشر منظمات تعنى بشؤون الأسرة. ونالت المرأة الحلبية قسطًا من الدعم النفسي والاجتماعي والمهني والثقافي، من خلال برامج وورشات أعدتها هذه المنظمات، كما أبدى المجلس المحلي في المدينة جانبًا من الاهتمام بالمرأة، من خلال مكتب أنشئ خصيصًا لها.
مكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة حلب
وتحدثت عنب بلدي إلى السيدة أسماء العبد الله، مديرة مكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة حلب، موضحة أن المكتب أنشئ مطلع العام 2016، وتركزت نشاطاته على كافة جوانب المرأة، من ندوات تثقيفية وتوعوية بالنسبة للنساء، ودورات عن المعتقلات والناجيات من سجون النظام، ومقترحات بخصوص إنشاء مراكز دعم لهن، وإقامة مكاتب للمرأة في مجالس الأحياء.
وتوضح العبد الله أن مكتب المرأة أنشأ ثلاثة مراكز لتوعية للنساء من أعمار 15 سنة فما فوق، في المناطق الشرقية والوسطى والغربية، وتعنى بتعليم النساء الحاسوب واللغة الإنكليزية والإسعافات الأولية ومهارات أخرى (تصفيف الشعر، الخياطة، الأشغال اليدوية).
تخرجت 150 متدربة من المراكز الثلاثة في حزيران من العام الجاري، على أن يتم تخريج دفعة جديدة خلال أيلول الجاري، بحسب أرقام المكتب.
الهدف الأساسي من المراكز النسائية في حلب المحررة “ترفيهي تعليمي”، بحسب وصف العبد الله، فعدا عن محو الأمية وتقوية اللغات وتكنولوجيا المعلومات، فإن الهدف الأول هو ملء فراغ المرأة بأشياء مفيدة، ومعالجة المشاكل النفسية وضغوطات الحياة، وتقديم الإرشادات والنصائح اللازمة في شتى المجالات.
ينشط مكتب المرأة في المجلس المحلي بالإشراف على ورشات تتعلق ببناء الثقة لدى المرأة، ومحاضرات عن الزواج المبكر، وحقوق وواجبات الزوجة، والعنف الأسري، ويعمل حاليًا على إنجاز دراسة خاصة بدار العجزة والمسنين، ونسبة النساء فيها وأعمارهنّ وكيفية التعامل معهنّ.
مركز “دارنا” الاجتماعي
هو مركز لكل العائلة، كما عرّفه مديره سالم الأطرش، يقدم خدمات عديدة على صعيد الأسرة، وخصوصًا في مجال المرأة، لمساعدتها وتمكينها، ويركّز عمله على الأسر الفقيرة، والتي فقدت معيلها.
وتحدث السيد سالم عن بعض الفعاليات التي يقوم عليها المركز، “لدينا 60 امرأة تتعلم الخياطة شهريًا، وأنشأنا روضة أطفال، بحيث تستطيع المرأة التي لديها أطفال بين 3- 6 سنوات أن تضع أطفالها في الروضة ريثما تتعلم الخياطة”.
يتخصص المركز أيضًا بإنشاء دورات محو الأمية، وتعليم اللغة الإنكليزية، وبرامج الحاسوب، للمرأة الحلبية، كما ساهم بعرض أفلام سينمائية هادفة، وورشات بالتعاون مع منظمات أخرى لتمكين المرأة ومعالجة بعض الاضطرابات النفسية جراء الحرب أو الاعتقال.
جمعية “نساء سوريا”
تهتم جمعية “نساء سوريا” بالجانب الإنساني للمرأة، باعتبارها “أم الشهيد وزوجته وأخته وابنته”، بحسب توصيف مديرتها هناء قصاب، فأنشأت عدة مراكز، نذكر منها: مركز تعليم النساء تصفيف الشعر، مركز تعليم الخياطة، ودورات محو الأمية.
وأوضحت قصاب أن نشاطات الجمعية تتضمن بشكل دوري جلسات توعوية عن ظاهرة الزواج المبكر، والعنف ضد النساء، وساعات ترفيهية للنساء المسنات في ظل ظروف الحرب، لكنها أشارت إلى بعض الظروف التي تعيق العمل، كالغارات الجوية التي كانت سببًا بتدمير مراكز الجمعية سابقًا، بالإضافة إلى شحّ الدعم، وفق ما ذكرت.
ورأت السيدة هناء أن الثورة السورية أعادت للمرأة السورية ثقتها بنفسها، وأعطتها القوة والجدارة لتثبت شخصيتها، وختمت بالقول “استطعنا أن ننشئ جمعية بكادر نسائي أثبت وجوده على الأرض، بينما في زمن النظام كان هذا الأمر مستحيلًا”.
درعا.. المرأة إلى جانب الرجل في شتى المجالات
تختزل المرأة الحورانية الصورة المشرقة للمرأة في ظل الثورة السورية، فشاركت إلى جانب الرجل في الأعمال التطوعية والخدمية، وقد ساهمت فعليًا في المشافي ومراكز الدفاع المدني والجمعيات المدنية المتنوعة، وفي المحاور المتقدمة من المعارك ضد قوات الأسد.
وحول هذا الموضوع، حاورت عنب بلدي عددًا من النساء الفاعلات في درعا المحررة، إلى جانب مسؤولين في بعض القطاعات الخدمية في المحافظة.
الدفاع المدني في درعا
تعتبر مؤسسة الدفاع المدني في محافظة درعا رائدة في مجال العمل التطوعي، ورفدت مراكزها بمتطوعات من النساء، وهو ما يحدثنا عنه عبد الله السرحان، مدير الدفاع المدني في المحافظة، موضحًا وجود 24 متطوعة على مستوى المحافظة.
ويلفت السرحان إلى أن عمل النساء يختلف عن الرجال في المؤسسة، فهناك مهام خاصة لهن وفق اعتبارات “المجتمع المحافظ”، وهناك حالات تتطلب وجود النساء فقط في حالات إسعافية معينة، بينما عمل الرجال يتلخص بالتوجه إلى مناطق القصف وحالات التدخل السريع وإنقاذ العالقين.
وعن فرص تطوع النساء في الدفاع المدني، يقول السرحان “حاليًا لا يوجد شواغر لعمل المرأة في الدفاع المدني في درعا، لكن مستقبلًا سيكون هناك إعلان عن قبول متطوعات جدد، ضمن شروط ومعايير معينة للانضمام إلى كوادرنا”.
تطوعت الشابة عبير موسى في الدفاع المدني عقب إصابة زوجها، ووقوفها عاجزة عن إسعافه، فكان ذاك هو المحفز لدخولها هذا المضمار، وتقول “تشجعت بالانضمام إلى فريق الإسعاف في الدفاع المدني، وخضعت لدورات طبية وإسعافية وتعلمت كيفية التعامل مع المصابين والجرحى”.
لا تنكر عبير بعض المشاكل التي مرت بها عقب إعلان تطوعها، والصعوبات العائلية بالتوفيق بين العائلة والعمل، لكن تشجيع والدها وتحفيزه كان له الدور الكبير في استمرارها بعملها، موضحة عن عمل النساء في الفريق “المرأة يتركز نشاطها في الإسعاف والأمور الطبية، لكن للرجل أدوارًا مختلفة في الإنقاذ وانتشال المصابين والضحايا من تحت الأنقاض وإطفاء الحرائق”، وختمت قائلة “يجب أن تكون المرأة يدًا بيد مع الرجل في جميع مضامير العمل”.
المرأة ركزٌ أساسي في القطاع الطبي
وهنا تشابه درعا مثيلاتها من المحافظات السورية والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، والتي شهدت استنزافًا واضحًا للطاقات الطبية والصحية جراء عوامل الحرب والهجرة المرافقة، فدعمت المرأة استمرار القطاع الطبي في عمله رغم الظروف المحيطة.
وأوضح الدكتور عبد الرحمن المسالمة، مدير مشفى درعا البلد الميداني، أن وجود النساء في المشافي المدنية والميدانية ضروري جدًا، لأن قسم النسائية والأطفال والصيدليات والتمريض وغرف العمليات تحتاج إلى كادر نسائي من الخبرات، مضيفًا “لدينا في مشفى درعا البلد كادر نسائي مدرب بشكل جيد”.
وأشار المسالمة إلى أن الوضع الطبي في سوريا جديد على كل الكوادر الصحية، من ناحية العمليات والإصابات اليومية، كما أن غالبية الكوادر الصحية في بداية الثورة لم يكن لها خبرة في التعامل مع هذه الحالات، وتابع “استطاعت كوادر النساء أن تتدرب بشكل جيد على جميع الحالات، بما فيها الإسعاف الداخلي والخارجي والعلاج الفيزيائي والمخابر”.
وقدّم الطبيب المسالمة شرحًا بسيطًا عن دور المرأة في المشفى الذي يديره “لدينا سيدة تشرف على قسم المخبر الذي يعد الأول على مستوى المحافظة، ولدينا أربع ممرضات في قسم الإسعاف، إلى جانب وجود ممرضات في قسم العمليات، كما تشرف النساء بشكل كامل على قسم النسائية”.
وعن تأهيل الكوادر الطبية النسائية، أكد المسالمة أن المعاهد والكليات والمدارس الطبية هي الأفضل، لكن لضرورة غيابها خلال الحرب “قمنا بتأهيل الكوادر النسائية في المحافظة بأكثر من طريقة، فأرسلنا كوادر للتدريب في دول الجوار ليستفيدوا من الخبرات هناك ونقلها للفتيات هنا، ولدينا أيضًا نظام تعليم داخلي في المشفى يقيم دورات تأهيلية بشكل مستمر، ونقيم محاضرات أسبوعية للذكور والإناث في المشفى بشكل عام، وللأهالي أيضًا”.
فرح أبازيد، شابة ممرضة في مشفى درعا البلد الميداني، شددت بدورها على أهمية العنصر النسائي في الثورة السورية، ولا سيما في المجالات الطبية، موضحة صعوبة تحصيل الخبرات الكافية في التعامل مع إصابات الحرب غير المسبوقة، وقالت “الدورات التمريضية ليست كافية بسبب الافتقار للمادة النظرية، والمعلومات التي تعطيها المدارس وكليات التمريض العلمية”.
وبينما أبدت فرح أسفها على نقص الكوادر الطبية، حضت الأهالي على إفساح المجال أمام بناتهن لتعويض الاستنزاف الحاصل في شتى المجالات “وجب على المرأة أن تساعد الرجل وتقف إلى جانبه يدًا بيد في ظل الثورة السورية”.
منظمة “رؤى” لتمكين المرأة
وهي منظمة مدنية إنسانية غير ربحية، تعمل في الجنوب السوري وتهتم بشؤون المرأة السورية في كافة المجالات، وتعمل على تمكينها وتمكين مشاركتها لبناء الأسرة والمجتمع، بحسب ما أوضحت السيدة ملاك الرفاعي، مديرة العلاقات العامة في المنظمة.
تتمیز المنظمة بالعمل المؤسساتي، وتتألف من 13 مكتبًا يعنى بالخدمات والدعم النفسي والتعليم والصحة وشؤون الأسرة والخدمات والإعلام، وتهدف إلى الوصول لأكبر عدد ممكن من النساء ومساعدتهن في تخطي هذه المرحلة من الأحداث الجارية في المنطقة، والارتقاء بها إلى مستوى المشاركة والمبادرة في بناء المجتمع، والانتشار على قدر واسع في الجنوب السوري، بحسب الرفاعي.
بدأت المنظمة عملها بكيانها المؤسساتي نهاية العام 2015، ومقرها الرئيسي مدينة طفس، وتنشط في مناطق عديدة من محافظتي درعا والقنيطرة، ونفذت العديد من المشاريع التي تنوعت بين الصحية والاجتماعية والنفسية والتعليمية والإغاثية، وتفعيل الزيارات واللقاءات للنساء في المنطقة، بتوضيح فكرة الاندماج ومشاركتها في المجتمع.
اعتبرت السيدة الرفاعي أن منظمة “رؤى” مثّلت فرصة لإبراز مهارات المرأة ونشاطها، في ظل هيمنة الطابع الذكوري على معظم منظمات وجمعيات المحافظة، فلم تواجه “رؤى” أي إشكالية حقيقية منذ تأسيسها، باستثناء بعض العوائق المادية، فكانت هناك سهولة في الزيارات والمقابلات وتقديم المشاريع، وتابعت “تم استقبالنا في المجتمع بالتحفيز والثناء على هذه الخطوة، والترحيب من المجلس المحلي ومجلس المحافظة والمنظمات الشقيقة”.
بروفايل
وضحة الحريري.. المرأة التي شاركت في تحرير اللواء 52 في درعا
أبرزت الثورة السورية الدور المهم للمرأة على الساحة السياسية والإعلامية، كما برز دورها واضحًا في النشاطات المدنية داخل سوريا وخارجها، لكن يبقى هناك جانب لا يراه الإعلام، جانب لا يقل أهمية، أسهمت فيه المرأة بصمودها وثباتها، في صمود وثبات الثورة بأكملها.
وضحة طالب الحريري، امرأة تشابه بقصتها آلاف السيدات السوريات، فالسيدة البالغة من العمر 75 عامًا، لم تكن خريجة جامعية، ولم تعقد ندوات تتحدث فيها عن البعد الاجتماعي أو الاقتصادي للثورة، بل اختارت أن يكون صمودها على تراب أرضها وبين جدران منزلها، هو الدور الذي تشارك فيه بالثورة.
جربت السيدة وضحة “قهر اللجوء” في مخيم الزعتري في الأردن لأسابيع قليلة، قبل أن تعود إلى درعا تحمل شعار “الموت ولا المذلة”، وفي الوقت الذي اختار فيه مئات الآلاف من رجال وشباب سوريا اللجوء إلى الخارج، كانت السيدة وضحة صامدة في درعا.
استقرت السيدة في منزلها في بلدة الصورة في ريف درعا الشرقي، وذاقت البلدة كما غيرها من قرى وبلدات ريف درعا الشرقي من ويلات القصف الصادر عن اللواء 52، والذي أودى بحياة المئات من المدنيين على مدار خمس سنوات، قبل أن تبدأ فصائل المعارضة في حزيران 2015، معركة لتحرير اللواء، لتتمكن الفصائل من السيطرة عليه في معركة لم تدم أكثر من يوم واحد.
فور انتهاء المعركة، تفاجأ المقاتلون بامرأة سبعينية، ترتدي الزي الحوراني الشهير، تسير بين الآليات العسكرية، تحمل “الراحة الدرعاوية” لتوزعها على المقاتلين فرحًا بالتحرير. يقول حسام أبو طالب، أحد عناصر المعارضة المشارك في تلك المعركة “كانت طائرات النظام مازالت تحلق في الأجواء والقصف لم يتوقف، شكلت رؤية الحاجة وضحة حينها دافعًا معنويًا كبيرًا، ذكرتنا وهي تتجول بيننا وتوزع الحلوى، أن هذه المعركة كانت من أجلها هي وأمثالها”.
استطاعت عدسات الإعلام التقاط منظر الحاجة وضحة، وهي تتجول بين الدبابات وتوزع “الراحة الحورانية” على المقاتلين، ووصفها الإعلام حينها بأنها “المرأة التي تمثل الثورة”، وقيل عنها إنها “المرأة التي شاركت المقاتلين جنبًا إلى جنب في معارك التحرير..”، تحولت الحاجة وضحة إلى ما يشبه “الأيقونة” للمرأة الدرعاوية الثائرة.
لكن هذه الأيقونة لم يكن لها إلا أن تتزين بمشهد ختامي درامي، فبعد أقل من أسبوع على تحرير اللواء 52، شن الطيران الحربي التابع لقوات الأسد غارة على بلدة الصورة، مستهدفًا منازل المدنيين، ومنهم منزل الحاجة وضحة، لتصاب بإحدى شظايا الصواريخ الفراغية، لتصبح “الشهيدة وضحة طالب الحريري”.
تشابه هذه القصة مئات غيرها، إذ تشير إحصائيات مكتب “توثيق الشهداء” في درعا إلى أن أكثر من 1009 امرأة قتلنَ منذ منتصف آذار 2011 وحتى نهاية آب 2016. وأوضحت الإحصائيات أن القصف المدفعي والصاروخي تسبب بوفاة 459 امرأة، بينما تسببت الهجمات الجوية بوفاة 292 امرأة، في حين أقدمت قوات الأسد والميليشيات المتحالفة معها على إعدام 35 امرأة، كما تشير إحصائيات محلية إلى وجود أكثر من 220 امرأة من محافظة درعا معتقلات في سجون النظام.
“سوريات عبر الحدود”.. تجربة نسوية ناجحة دون اهتمام حكومي
أربعة أعوام انقضت، ومنظمة “سوريات عبر الحدود” مستمرة في تقديم الخدمات للمنكوبين داخل وخارج سوريا، من خلال دعم غير مشروط وغير مسيس، لتكون واحدة من أولى المؤسسات الخيرية التي أفرزتها الثورة.
تنوع نشاط “سوريات” في الأردن وتركيا والشمال السوري المحرر، ليشمل الفعاليات الاجتماعية والتعليمية للنساء والرجال والأطفال على حد سواء، وهو ما أطلعتنا عليه السيدة راوية الأسود، مؤسسة المنظمة.
بدأت راوية الأسود مع عدد من صديقاتها أولى نشاطات المنظمة في تشرين الأول من عام 2012، فأنشأن مراكز للتعليم والاستطباب، وورشات خياطة للنساء، ومساهمات في مجال دعم الطلبة الجامعيين السوريين في بلدان اللجوء. مؤخرًا أسست راوية مشروعًا جديدًا حمل اسم “سوريات للتعليم”.
إعادة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة
أبصر مشروع “سوريات للتعليم” النور العام الفائت، وتركز نشاطه في منطقة أوبين بريف اللاذقية الشمالي، بعدما نزح إليها الآلاف من أهالي المناطق المنكوبة جراء المعارك في ريف اللاذقية، فساهم في إنشاء مدارس جديدة، من “هنغارات” كبيرة كانت قد تبرعت بها الأمم المتحدة، وإعدادها وإصلاح حافلات تبرعت بها جهات خيرية لنقل الطلبة من عدة مخيمات في الشمال، وتابعت السيدة راوية “استطعنا إعادة عدد كبير من التلاميذ إلى الدراسة، من شرائح الأطفال وحتى الثانوية”.
نجح المشروع، الذي يشرف عليه فريق مختص، في توفير رواتب للمدرسين، بحسب ما هو متعارف عليه في المناطق المحررة، وخلال هذا العام أسس الفريق لجنة لاختيار الكادر التدريسي بحسب الكفاءة، وأسهم أيضًا في إصلاح بعض المدارس الموجودة في المنطقة وتأهيلها وتشغيلها من جديد، بحسب الأسود.
وأوضحت السيدة راوية، أن المشروع يسعى حاليًا لتأمين الدعم والرعاية النفسية للطالب والطفل، وإدخال هذه المادة عن طريق اختصاصيين يتواصلون مع الطلبة ويدعمونهم نفسيًا، باعتبار أن الأطفال يمرون بحالة غير طبيعية، نظرًا للمآسي التي عايشوها من فقد العائلة والتشرد وعدم الاستقرار.
عراقيل أمنية تعيق عمل “سوريات”
رغم حصولها على ترخيص للعمل في الأردن، إلا أن عراقيل أمنية تسببت مؤخرًا بتوقف نشاط “سوريات عبر الحدود” بشكل جزئي، ريثما تحصل المنظمة على موافقة أمنية جديدة تتيح لها استئناف عملها، كما أوضحت السيدة راوية.
وسلطت مسؤولة المنظمة الضوء على إشكالية حقيقية يعيشها الأطفال السوريون في الأردن، وهي تسرب المئات منهم عن المدارس، على أطراف مدينتي المفرق وإربد، وبعضهم تجاوز عشرة أعوام، وتركز نشاط المنظمة قبيل توقفه على إعداد برامج محو أمية لهؤلاء الأطفال، والتواصل مع منظمة “Save the children” البريطانية، والتي هيأت بعض المعالجين النفسيين للعمل مع الأطفال وتأهيلهم، فبعضهم يعملون ويعيلون عائلاتهم، ما يشكل صعوبة بسحبهم ووضعهم على مقاعد الدراسة.
وعملت المنظمة مؤخرًا على تحصيل منح لطلاب الجامعات، وخلال العام الماضي غطت نفقات 30 طالبًا سوريًا، كانوا قد وصلوا للسنة الأخيرة في الجامعة وانقطع عنهم الدعم، وتخرجوا جميعًا الآن، بحسب الأسود، مشيرة إلى أن “سوريات” مازالت تقدم المنح المالية لـ 11 طالبًا جامعيًا، بالتعاون مع منظمة كندية.
عن دور الحكومة المؤقتة
اقتصر الدعم المادي لـ “سوريات عبر الحدود” على التبرعات الأهلية والأصدقاء بشكل عام، بعدما اكتسبت ثقة مطلقة لنجاح أعمالها، كما تحدثت الأسود، مؤكدة أن أربع سنوات من العمل لم تكن كفيلة باهتمام الحكومة المؤقتة أو الائتلاف المعارض، وقالت “لا أعرف شيئًا عن الحكومة المؤقتة ولا أثق بعملهم حتى”.
ورأت السيدة راوية أن أبرز المشاكل التي اعترضت الثورة السورية هي أن “من تسلق العمل السياسي أناس غير أكفاء وغير صالحين للعمل”، وتابعت “من جلس كوزير لم أرَ أي أثر إيجابي له، رغم الإمكانيات التي توفرت للحكومة المؤقتة في بادئ الأمر”.
تعرضت راوية للعديد من المشاكل خلال عملها كناشطة وقائمة على جمعية، وتمنت أن تلقى اهتمامًا ومساعدة من الحكومة المؤقتة ولو بشكل معنوي، وأضافت “لم تساهم الحكومة المؤقتة في مساعدة المنظمات السورية رغم الضغوط المادية المستمرة”.
واستطردت الناشطة السورية في انتقادها دور المعارضة في المجال التنموي والاجتماعي “أسسنا مشغلًا لنحو 30 عائلة سورية في الأردن، عانينا في تصريف البضائع وتقديم الدعم المادي، ومشاكل أخرى. المرأة السورية بحالة ضياع من خوفها على أطفالها وعدم مقدرتها على تأمين سبل الحياة لهم وحرمانها من الدعم المعنوي. أين الحكومة والائتلاف من المرأة السورية، ماذا قدموا لها؟”.
ووقفت الأسود على تجارب مرت بها في عملها، وقالت “كنت أحزن عندما نطلب الدعم النفسي للأطفال أو الجرحى أو النساء من منظمات أجنبية، فتدرب بدورها كوادر أردنية تساعد في هذا الموضوع، أين الكوادر السورية التي كان على الحكومة المؤقتة والائتلاف تدريبها؟”.
جملة تساؤلات طرحتها الناشطة السورية، استنتجت من خلالها التقصير الكبير للحكومة المؤقتة والمعارضة السياسية في المجال التنموي، وتساءلت “لماذا لم ينشئوا منظمة للدعم النفسي في كل دول اللجوء ويدربوا كوادر سورية؟، لدينا طلاب تخرجوا في هذا المجال لماذا لم يستثمروهم بشكل جيد؟”، وتابعت “لماذا لم ينشئوا تجمعًا نسائيًا؟، لماذا هناك عدة أطراف خارجية تساهم في هذا الاتجاه، والحكومة لم تلتفت للمرأة في سوريا وخارجها؟… هذا أمر محزن جدًا”.
المرأة السورية حالة مشرّفة
خلصت راوية الأسود من خلال تجاربها إلى أن المرأة السورية أثبتت إبداعًا ووطنية منقطعة النظير، ابتداءً من دفعها أولادها وزوجها وأشقائها ليخرجوا في المظاهرات، ووقوفها وراءهم في الصف الثاني للخوض في هذه التجربة الصعبة والمريرة.
ورأت أن المرأة السورية مارست دورًا عظيمًا خلال مراحل اللجوء والنزوح، بتحملها صعوبة هذه المرحلة وحفاظها على نفسها وأطفالها في المخيمات، وإصرارها على العمل في شتى المجالات لتمنع نفسها عن العوز ومرارة الحاجة، وأضافت “المرأة السورية سقفها عالٍ تشرّف جميع السوريين”.
صنّفت راوية نفسها بالدرجة الثانية خلف المرأة في الداخل السوري، وقالت “نحن عشنا في الخارج وطورنا أنفسنا، ودخلنا في مجال تغيير التفكير الذي أنشأنا عليه الأسد، وتعلمنا ما هي خدمة المجتمع المدني وتطويره، وما هو العمل التطوعي. من في الداخل لم يتعلموا هذه الأمور في زمن الأسد، لكنهم قدموا وضحوا وأبدعوا في شتى المجالات.. أفتخر بهم وأتعلم منهم”.
وأوصت مسؤولة “سوريات عبر الحدود” بضرورة وجود تنظيم حر للمرأة في سوريا، وليس “اتحادًا نسائيًا كالذي عند النظام أو كنساء دي ميستورا”، بل يمثّل “المرأة السورية الحقيقية، العنصر الأساسي في المجتمع، ابتداء من المزارعة التي تساعد زوجها”، وكشفت في نهاية حديثها لعنب بلدي أنها تسعى مع بعض زملائها لإنشاء تنظيم نسائي يكون “مشرفًا للمرأة السورية”، بحسب تعبيرها.
تجارب فريدة شهدتها لتمكين المرأة
الغوطة الشرقية تغصّ بالمراكز النسائية وتفتقر للكوادر المؤهلة
غزت المنظمات والمراكز النسائية مدن وبلدات الغوطة الشرقية، مخترقة مجتمعًا يصنف بأنه محافظٌ بكافة المقاييس، ويعترض على عمل المرأة ودخولها معترك الحياة العملية، لكن بعض النساء وصلن إلى إدارة مراكز ومؤسسات عدة، بينما مثّلت أخريات مكاتب نسائية في منظمات كبرى عاملة في الغوطة.
وفي ظل السعي لإشراك المرأة بشكل أكبر في العمل المؤسساتي والإداري، شهدت مدينة دوما على وجه الخصوص تجربة فريدة، بتشكيل مكتب للمرأة تابع للمجلس المحلي فيها، والذي وضع على عاتقه العمل لتطوير دورها، ويحاول حتى اليوم تعميم التجربة لتصل إلى مجلس محافظة ريف دمشق، وتشارك فيها المجالس المحلية لجميع المدن والبلدات.
مكتب المرأة في مجلس دوما المحلي
بدأت كوادر مكتب المرأة في دوما عملها مطلع عام 2015، وكانت باكورة تلك الأعمال مؤتمرًا ضم جميع الفعاليات التي تديرها أو تعمل فيها نساء، بالتعاون مع مركز “شام” الحقوقي، وجاءت الخطوة لتعزيز دور المرأة في العمل المؤسساتي ضمن المجالس المحلية، وفق بيان ريحان، رئيسة مكتب المرأة في المجلس المحلي لدوما.
ورعى المجلس دورات إدارة وتنمية بشرية بداية تأسيسه، شملت 24 سيدة، توظفت منهن ثلاث في المجلس المحلي لمدينة دوما، إضافة إلى نشاطات وحملات مناصرة للتعليم مستمرة بالتشارك مع جهات مختلفة، وأبرزها حملة “صحتك بإيدك”، التي استمرت على مدار شهر كامل (نيسان 2016)، واستهدفت المدارس والمراكز النسائية والمساجد، وشاركت فيها منظمات عدة، كمديرية الدفاع المدني والهلال الأحمر ومنظمة “النساء الآن”، و”اليوم التالي”.
مطلع عام 2016 وقّع المجلس المحلي لمدينة دوما، مذكرة تفاهم مع منظمة “تمكين”، وغدا لمكتب المرأة مقعد منفصل ضمن لجنة المجلس، التي أشرفت على إعداد المشاريع وتحضيرها ومشاركتها مع “تمكين” وبدأت ببعضها، بحسب ما شرحت ريحان في حديثها إلى عنب بلدي.
وأشارت ريحان إلى بعض التجارب في الغوطة الشرقية لمكاتب المرأة في المجالس، لكنها غير فاعلة.
تحضيرات لإطلاق لجنة المرأة ضمن مجلس المحافظة
تعميم تجربة مكتب المرأة على المجالس طرح إلى العلن، في خطوة ترى ريحان أنها ضرورية لتعزيز عمل المرأة في الغوطة، لذلك تواصل مكتب مجلس دوما مع بعض المجالس الأخرى، وشُكّلت لجنة للمرأة ضمن مجلس محافظة ريف دمشق، وهي عبارة عن لجنة مؤقتة مهمتها وضع رؤية كاملة، لتأسيس مكتب خاص أو نقابة أو هيئة للمرأة ضمن المجلس بشكل دائم، وفق ريحان.
وتجتمع بعض الناشطات “الفاعلات” ضمن الغوطة الشرقية في كافة الاختصاصات، مع أخريات في الغوطة الغربية وعرسال والقلمون ومنطقة وادي بردى، وتقول ريحان إن الفكرة لم تتبلور بشكل كلي، بعد تنظيم ثلاثة اجتماعات لوضع نظام داخلي، على أن تُرشّح بعضهن ويُنتخبن بشكل ديمقراطي ضمن اللجنة في مجلس المحافظة.
عشرات المنظمات العاملة في الغوطة سعت كوادرها إلى تمكين المرأة وتفعيل دورها المجتمعي، وللوقوف على عملها التقت عنب بلدي بعضها ممن تديرهن نساء، وشرحت القائمات على المنظمات ما يقمن به في هذا الخصوص.
مركز “نساء الغوطة” للتدريب والتأهيل
بدأ مركز “نساء الغوطة” عمله في حزيران 2014، ويعنى بتقديم الرعاية للمرأة والطفل، ضمن الظروف الاستثنائية التي يعيشها أهالي الغوطة، وفق مديرته هدى خيتي، التي أقرت بأنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد النساء اللواتي يحتجن إلى دعم في الغوطة.
“نحاول دعم من يأتي إلى المركز أو من نزوره من مراكز في المناطق النائية”، تقول خيتي لعنب بلدي. وتعمل كوادر المركز ضمن تسعة أقسام: المكتبة، الدعم الاقتصادي، الكمبيوتر، الاستشارة الاجتماعية والنفسية، التنمية البشرية، الاستشارة القانونية، اللغة العربية، اللغة الإنكليزية، اللغة الفرنسية.
ويعمل ضمن قسم الاستشارات القانونية محامية، تقدم الدعم القانوني للسيدات اللواتي يعانين من مشاكل قانونية، بينما يرعى قسم التنمية البشرية دورات تهم المرأة كالإسعاف والتمريض والمعالجة الفيزيائية، بينما تدير مهندسة قسم إدارة المشاريع الذي يدعم مهارات التواصل والتفكير الإبداعي والريادة لدى المرأة.
قدّم المركز خلال سنتين من عمله 18 دراسة كاملة لمشاريع تتعلق بالمرأة وقادتها نساء، وتحدثت مديرته عن أن كادره كان مديرًا وجهة مراقبة لكل مشروع في بداية عمله، كما نظّم محاضرات لتأهيل المرأة وحملات توعية حول سرطان الثدي ومشاكل تنظيم الأسرة، إلا أن خيتي أكدت أن التغيير طال حالات فردية ولم يكن جذريًا.
لم يعمل المركز بشكل مستقل بل تعاون مع عدة فعاليات نسائية، وفق ما رصدت عنب بلدي، أبرزها مكتب المرأة في المجلس المحلي، ومؤسسة “الأمل المشرق” التي أوجدت فرص عمل لبعض الحالات الفردية من النساء، ومكتبة “بيت الحكمة” وغيرها.
وترى خيتي أن صعوبات العمل في الغوطة، تكمن بالدرجة الأولى في الوضع الأمني، “بطبيعة الحال السيدات تخاف أكثر من الرجال، وغالبًا ما تبدأ الدورات بأعداد كبيرة، إلا أن الأعداد تنخفض وتتسرب الكثيرات بسبب القصف”، إضافة إلى أنه “ليس كل الرجال يسمحون لزوجاتهم بحضور الدورات”.
تعتبر مديرة المركز أن “الأداء السيئ” للائتلاف الوطني السوري المعارض، الذي رُخّص المركز من قبله، ربما يؤثر على العمل “من خلال مشاكل التبعية”، إلا أنها تؤكد أن “العمل أهم من الاسم”.
ولا يحظى الائتلاف السوري بشعبية كبيرة في الغوطة الشرقية، إذ يعتبر المواطنون أنه فشل في التخفيف من محنتهم.
ولفتت خيتي إلى مشكلات أبرزها الزواج المبكر، الذي ترعى منظمات مختلفة حملات توعية بخصوصه في الغوطة، داعية إلى تعريف المرأة أولًا بالحقوق المدنية قبل تأهيلها لتكون في الصف الأول، وترى أن الغوطة رغم أنها تعيش ظروفًا متغيرة إلا أن مراكزها النسائية تعمل ضمن ثوابت.
وطالبت خيتي بأن توجه المراكز النسائية أنظارها إلى المناطق النائية في الغوطة، كحارتي “الديرية”، و”الحجارية” وغيرها، والعمل تدريجيًا وفق المستوى الفكري لكل منطقة، معترضة على “تمركز المنظمات التي تعنى بالمرأة ضمن مناطق محددة دون أخرى”.
فريق “الأمل” الإنساني
تدير فريق “الأمل” الإنساني، رزان خبية، وهي مهندسة موظفة في المجلس المحلي لمدينة دوما، وتقول إنه أنشئ حديثًا لمعالجة ومتابعة الأطفال أصحاب البتور في الغوطة الشرقية.
وترى خبية، في حديثها إلى عنب بلدي، أن مشاريع النساء اللواتي يعملن في الغوطة، “تعزز وجود أفكار إبداعية للمرأة في الغوطة”.
يدير الفريق مجموعة من النساء “المبدعات”، كما وصفتهم خبية، يتابعن الأطفال المعوقين، لتأمين أطراف صناعية ودعمهم نفسيًا وعلاج مشاكلهم، وتعتبر مديرة الفريق أن دور المرأة في الغوطة برز في المجالين التعليمي والطبي، “وكان لها بصمة في هذين المجالين بشكل كبير، إلا أن دورها في المجالات الأخرى كان محدودًا”.
منظمات أخرى تساهم في تمكين نساء الغوطة
عشرات المنظمات التي تهتم بتمكين المرأة في الغوطة، وتعمل فيها نساء، رصدتها عنب بلدي، وشملت اهتماماتها مجالات مختلفة، منها منظمة “اليوم التالي” التي انطلقت عام 2012، لتسلط الضوء على قضايا سيادة القانون والعدالة الانتقالية، كما يقود كادرها مشروع “مسؤولية التواصل”، للتعريف بأهم القضايا التي غيبها “نظام البعث” خلال فترة الحكم، وفق القائمين عليها.
أحد أبرز النشاطات احتضنته قاعة مجلس محافظة ريف دمشق، في بلدة حمورية، آب 2016، وعرض للمرة الأولى في الغوطة على مدار ساعتين، فيلم “سوفر جيت”، الذي يحكي قصة امرأة بريطانية، ناضلت للوصول إلى حقوقها المدنية والسياسية عام 1912، تلته نقاشات بين الحاضرات، وتجاوز عددهن 25 امرأة، من خلال إسقاط أحداث الفيلم على واقع المرأة في الغوطة الشرقية.
ويرى ثائر حجازي، مسؤول التواصل في المنظمة، في حديثه إلى عنب بلدي أن التركيز على نشاط المرأة يزداد تدريجيًا في الغوطة الشرقية، من خلال التوجه إلى التحرك “بعيدًا عن العمل التقليدي الذي ينمطه المجتمع لتبرز المرأة دورها ويكون أكثر إيجابية”.
مديرة مكتبة “بيت الحكمة”، خولة كريم، تعتبر أن المرأة في الغوطة تنقصها ثقافة كالرجل، وهذا يضع عبئًا عليها لزيادة توعيتها وتحويلها من عاملة إلى فاعلة، إلا أنها تؤكد أن دور المرأة ازداد نشاطًا “مع المزيد من الحرية وتفرغ معظم الرجال للقتال على الجبهات”.
نساء يشغلن مهام متعددة في الغوطة
من خلال ما رصدته عنب بلدي داخل أروقة المراكز والهيئات النسائية في الغوطة، تكرر دور بعض النساء في أكثر من عمل على مستوى دعم المرأة، بعدما ندرت الكوادر المؤهلة.
فبيان ريحان تعمل كمديرة لمكتب المرأة في المجلس المحلي لدوما، ومسؤولة تواصل في منظمة “اليوم التالي”، ومدربة في مجال التنمية البشرية مع منظمة “النساء الآن”، وتدير القسم النسائي في مركز “شام” الحقوقي.
وتؤكد ريحان أن الغوطة تضم نساءً عاملات، ولكنها تعاني من نقص “الفاعلات”، عازية السبب لمعوقات حدت من نشاط المرأة، أبرزها “تأمين لقمة العيش بدلًا عن زوجها المعتقل أو الشهيد”، وتضيف “مازلنا نتعرض للمضايقات من قبل جاهلين لا يقدرون حتى اليوم أهمية ما نقوم به، لكن هناك تعاونًا بالجهود مع بعض قادة الفصائل، وكان لي تجربة مع جيش الإسلام”.
بدورها تعمل هدى خيتي، إضافة إلى إدارة مركز “نساء الغوطة”، كرئيسة لقسم الدعم النفسي في مشفى “حمدان”، وتدير نشاطات أخرى، وترى أن العمل القيادي في الغوطة محصور بالفئات ذات التحصيل العلمي العالي، “تتكرر النماذج التي تقود أكثر من عمل وتراهم يظهرون في مؤسسات ومراكز عدة”.
فتحت المراكز والمنظمات النسائية في الغوطة المجال أمام المرأة لتشعر بوجودها، وفق الناشطة بيان الخليل، وتعتقد أن دور المرأة تطور “فأكثر من امرأة كانت تضرب وتعنف وتكتم ما تمر به، ولكنها الآن تتحدث وتطالب بحقوقها وتعرض مشاكلها على أصحاب الخبرة”.
بيان ريحان.. من تنظيم الخرائط إلى قيادة نساء الغوطة
رغم أنها لم تستطع الحصول على شهادة تخرّجها من كلّية الجغرافيا في جامعة دمشق، إلا أنّ الالتحاق بالعمل الثوري كان الأهمّ بالنسبة لها، كما شكّل الاعتقال نقطة تحوّل في حياتها، ونقلها من تصميم الخرائط، إلى المشاركة في تنظيم المظاهرات السلمية، ودعم الثورة السورية عبر أنشطة عدّة، على المستويات التنظيمية والإدارية.
تشغل بيان ريحان اليوم، منصب رئيسة مكتب المرأة في المجلس المحلي لمدينة دوما، وتعمل كمدربة في مجال التنمية البشرية في منظمة “النساء الآن”، إضافة إلى عملها مسؤولة التواصل في منظمة “اليوم التالي”، ومديرة للقسم النسائي ضمن مركز “شام” الحقوقي للإحصاء والتوثيق.
وكون مدينة دوما، من أوائل المدن السورية الثائرة في وجه النظام السوري، وجدت ريحان نفسها منخرطة تلقائيًا في الحراك السلمي، على اعتبارها ابنة عائلة “ذات تاريخ نضالي”، يمتد إلى أيام الاحتلال الفرنسي، وتحمل إرثًا من المقاومة ورفض الظلم، يعود إلى نحو مئة عام، كما تقول.
أسست ريحان عام 2012 تنسيقية “ثائرات”، لتكون أوّل تجمّع نسوي لنساء سوريات، في الغوطة الشرقية، ووزعت الأدوار على العاملات في التنسيقية، لينشطن في العمل الطبي، بهدف إنقاذ الجرحى والمصابين خلال المعارك والقصف.
كما شاركت في تأسيس مجّلّة “ثائرات”، خلال العام ذاته، ونشطت بتوزيعها في دمشق وريفها، إلا أنّ عملها في إدارة التنسيقية والإشراف على المجلّة عُلّقا في 25 أيلول 2012، وهو تاريخ اعتقالها على يد أجهزة النظام السوري، حيث تعرّضت للتعذيب الجسدي، والنفسي، قبل أن يطلق سراحها إثر عملية مبادلة مع جنود وضباط إيرانيين.
عام 2014 تلّقت ريحان، مع مجموعة من ناشطات دوما، دعوة من رئيس المجلس المحلي آنذاك، أكرم طعمة، لمناقشة إحدى المشاريع التي كنّ قد اقترحنها سابقًا على المجلس، وأسفر الاجتماع عن دعوتها للعمل ضمن المجلس.
“في البداية كانت هناك صعوبات كبيرة كوني السيدة الوحيدة في المجلس”، تقول ريحان لعنب بلدي، مضيفةً أنّ دعم بعض زملائها في العمل ساعدها على تخطّي أولى العقبات، والوقوف بوجه المعارضين لمشاركتها في العمل الإداري.
وتشير ريحان إلى أنها اصطدمت مرارًا بمنتقدين ومحاربين لعملها، إذ استُثنيت وزميلاتها الناشطات في العمل الثوري، من عمل التجمعات الإدارية والسياسية المحدثة، والتي تضمّ الفاعلين وأصحاب السلطة في المنطقة، ما يعني بالنسبة لها عوائق “أكبر من الحرب”، وفق تعبيرها.
ومن خلال اطلاعها على أنشطة المؤسسات الثورية، ترى ريحان، أنّ قسمًا كبيرًا من هذه المؤسسات “مازالت تعمل وفق أسلوب النظام”، المتمثل في المحاباة بالعمل والمحسوبيات، معتبرةً أنّ إحدى كبرى المشاكل التي تواجه العمل المؤسسي هو النشاط الإغاثي وليس الإنساني، فضلًا عن ضعف التنسيق والابتعاد عن التكامل.
وتؤمن ريحان، بضرورة وجود المرأة ودورها في إعادة بناء سوريا المستقبل، نظرًا لاعتقال أعداد كبيرة من الرجال، فضلًا عن استشهاد قسم كبير منهم، الأمر الذي يفرض على النساء السوريات مسؤولية كبيرة، دفعت بهنّ لشغل الكوادر الطبية والتعليمية في مناطق واسعة، من الأراضي السورية “المحررة”.
استطاعت المرأة الألمانية عقب الحرب العالمية الثانية، النهوض ببلادها وإعادة بنائها على كافّة المستويات، ولا بد للحرب السورية أن تضع النساء إلى جانب الرجال، “في موقف تكامل، وليس تحدّ، بهدف مواجهة النظام وبناء سوريا”، وفق ريحان.
مجلس المحافظة يخلو من التمثيل النسائي
المراكز النسائية تغيب عن حمص.. المرأة تنشط طبيًا وإنسانيًا
يختلف واقع المرأة في حمص عن بقية المحافظات، كونها تعيش في مناطق محاصرة بشكل كامل، بدءًا من مدن وبلدات ريفها الشمالي، وانتهاءً بحي الوعر، إذ تخلو تلك الرقعتان الجغرافيتان من المراكز النسائية المتخصصة، إلا أن حالات فردية برزت هناك واقتصر عملها في المجالين الطبي والإنساني على وجه الخصوص.
لا تمثيل للمرأة في الكادر الإداري لمجلس محافظة حمص، كما تخلو مكاتب المجلس في الداخل السوري منها، عدا عن بعض النساء ضمن مؤسسة الدفاع المدني في حي الوعر، وعزا مدير مكتب المشاريع في مدينة غازي عنتاب التركية، زكريا المولية، لعنب بلدي السبب لـ “الظروف الصعبة وانعدام الأمان”، رغم محاولات لاستقطاب المرأة كممثلة ضمن المجلس في بعض المكاتب، على حد وصفه.
ولخصوصية الوضع داخل تلك المناطق، يتردد المواطنون بذكر أسمائهم بمن فيهم النساء والرجال، خوفًا من هدنة أو تطور يفك عنهم الحصار، ويجعلهم مضطرين للعيش ضمن مناطق سيطرة النظام، ما دعا إلى ذكر قصصهم في هذا الملف بأسمائهم الأولية أو ألقابهم.
لا مراكز نسائية في حمص
شاركت المرأة الحمصية في الحراك الثوري في المدينة، وأسعفت الجرحى، كما عملت في مجالات التعليم والدعم النفسي، ووصف الناشط رضوان الهندي مشاركتها في حديثه إلى عنب بلدي قائلًا: “حاولنا تحييد النساء عن الحراك الثوري خوفًا عليهن، إلا أن مشاركتهن تطورت تدريجيًا، واقتصر في النهاية على العمل في مجالات محدودة”.
لا إحصائيات دقيقة عن عدد النساء العاملات في ريف حمص الشمالي وحي الوعر، إلا أن ناشطي المنطقتين قدّروهن بالمئات، ويرى معظمهم أنه النساء عملن في ظروف عشوائية، ولم يتلقين دعمًا باستثناء حالات نادرة، إذ تتقاضى المرأة العاملة في حمص مبالغ زهيدة تصل إلى 25 ألف ليرة سورية (ما يعادل 50 دولارًا).
ورصدت عنب بلدي توجهًا نحو المجالين الطبي والإنساني في قرى ريف حمص الشمالي، ويرى الناشط مهند البكور، أن المناطق السابقة تفتقر للكوادر المتخصصة، وهذا ما جعل للعاملين في المجال الطبي، وخاصة النساء، دورًا كبيرًا.
أعمال فردية لنساء في حمص غابت عن الإعلام
عايشت الخمسينية أم منير، حصار حمص القديمة، وخرجت إلى حي الوعر عام 2014، لتعايش الحصار مرة أخرى، إلا أنها استمرت بعملها البسيط الذي تمثل بالطهي للمقاتلين، وهذا ما عملت به معظم نساء الحي، كما تقول لعنب بلدي.
بينما ترى ياسمين “أم جهاد”، التي تعمل في مجال التمريض والإسعاف الميداني، أن المرأة نصف المجتمع، إلا أنها لم تأخذ حقها وفرصتها حتى اليوم.
المرأة في حمص كانت مؤثرة رغم أنها لم تظهر على الإعلام، وفق ياسمين، وتعتبر أن الخوف من الاعتقال أحد أبرز أسباب غيابها، “لم تظهر المرأة في حمص إلى العلن كما يجب، إلا أنها استطاعت التأثير في المجتمع بشكل واضح، إذ عملت في المجالات الإغاثية وما تزال، كما شاركت في مجال التعليم وساهمت فيه بشكل جزئي”.
تباينت آراء ووجهات نظر الشارع الحمصي حول دور المرأة وعملها في ظل الثورة بشكل كبير، وفق ما رصدت عنب بلدي، وبينما رأى بعضهم أنها كانت وسيلة ضغط استخدمها النظام السوري ضد المعارضة، اعتبر آخرون أن مشاركتها كانت أمرًا ضروريًا، كما أنها استطاعت تقديم خدمات لم يتمكن الرجال من تقديمها.
رغم محدودية المجالات التي عملت بها المرأة في حمص، إلا أن حالات فردية برزت إلى الساحة، واقتصرت على مشاركات خجولة ضمن منظمات ومؤسسات رعت بعض الفعاليات الثقافية في المنطقتين، وهذا ما جعل المحافظة من أقل المحافظات السورية إسهامًا في تعزيز دور المرأة.
مها أيوب.. رباها والدها على الثورة “حتى آخر نفس”
“علمني والدي أن نكون أصحاب حق بما أنزل الله، لذلك ثُرنا منذ البداية”، تصف مديرة مكتب راعية الطفولة والأمومة في مدينة الرستن، مها أيوب مشاركتها في الثورة السورية، وتقول إن دور المرأة الثوري لم يأت من فراغ.
عملت أيوب كمديرة روضة أطفال قبل الثورة، لتتفرغ مع بعض مربيات الروضة، وتؤسس مكتب الرعاية الذي يهتم بالمرأة والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، أيار من عام 2012، ومنذ ذلك الوقت تعمل ابنة الكاتب الراحل عبد الرحمن الكنج أيوب، داخل المركز.
تنحدر أيوب من عائلة “ثائرة”، فهي أخت الناشط محمود أيوب، الملقب أبو سلطان، والذي قتل في الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية، إثر حملة النظام السوري على الرستن.
ويضم المكتب 19 شخصًا بينهم خمس نساء، يعملون بشكل تطوعي حتى اليوم، على تأمين مادة الحليب للأطفال دون عمر السنة، كما تقول أيوب لعنب بلدي، ويؤمّن المكتب الدعم والرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة بكافة الفئات العمرية، كما يكفل 80 طفلًا يتيمًا بالتعاون مع مؤسسة “حمزة الخطيب”.
صعوبات جمة تحدثت عنها أيوب، أبرزها الحصار المفروض على الرستن وباقي مدن وبلدات ريف حمص الشمالي، ما يمنع دخول المواد الغذائية والحليب والمستلزمات الخاصة بالمعوقين، وتضيف أيوب أن كادر المكتب يدفع مبالغ لتهريب تلك المواد بهدف مساعدة حوالي 1200 طفل رضيع دون السنة، و1300 معوّق، وفق سجلات المكتب.
“لولا دعم بعض الأشخاص وعملنا لكان الوضع أسوأ مما هو عليه، كسوء ما نعيشه يوميًا جراء القصف والبراميل والحصار”، تصف أيوب نموذج عملها وكادر المكتب وترى أنهم “أبطال مجهولون يقدمون لهؤلاء الناس إنسانيتهم قبل خدماتهم”.
تعرّض المكتب، كغيره من المراكز الحيوية في المدينة، للقصف مرات عدة، ما أدى إلى مقتل مربيتين عملتا فيه سابقًا، وهما المربية نوال بكور، والمربية مريم الدالي، وتشدد أيوب على استمرار عملها وكادر المكتب “حتى آخر نفس”، مؤكدة أنها تعرضت لتهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مرة.
وترى أيوب أن الرستن مدينة تستحق أن ينظر العالم الحر لها نظرة “تقدير وتبجيل”، مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والدولية بالنظر إلى أوضاع النساء والأطفال الذين يعيشون في المدينة.
تعمل النساء بشكل فردي ضمن المراكز والمنظمات المنتشرة في ريف حمص الشمالي رغم قلتها، بينما يرى أهالي المدينة أن أولئك النسوة يحملن من الإنسانية الكثير في جعبتهن، ليكنّ أعضاء فاعلات ضمن مجتمع يخنقه الحصار منذ سنوات.
المرأة في الجزيرة.. نشاط ملحوظ يقابله استغلال
تعيش المرأة في الجزيرة السورية وضعًا متفردًا في ظل تعدد المكونات التي تعيش في المنطقة، فنشطت عشرات المنظمات والمؤسسات النسائية بشكل واضح، واشتركت النساء في مناصب سياسية حسّاسة، ما جعلها تتحمل المسؤولية بشكل مؤثرٍ وفاعل مقارنةً ببقية المحافظات.
وانخرطت المرأة الكردية مؤخرًا في الحياة السياسية، وأنشأت إلى جانب الرجل العديد من الجمعيات والمؤسسات، كما شكّلت هيئات متخصصة بشؤون المرأة، قدّرتها جمعية “مواطنون من أجل سوريا”، بحوالي 28 منظمة وهيئة نسائية.
ومع فرط النشاط النسائي في الحسكة، برزت نواحٍ من الاستغلال للمرأة، تمثّلت بتجنيد العشرات منهن إجباريًا، ضمن صفوف الأذرع العسكرية المقاتلة لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، أبرزها “وحدات حماية المرأة”، وقوات “أسايش”. ويرى بعض المواطنين أن “الإدارة الذاتية” استغلت المرأة الكردية كواجهة لتمرير بعض الممارسات والقرارات غير القانونية.
ومنذ عام 2012 بدأت تظهر إلى العلن هيئات نسائية عملت على تمكين المرأة في مجالات مختلفة، ما دعا المجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، لإصدار المرسوم رقم “7” خلال جلسته العاشرة، التي عقدها في شهر أيار من عام 2014، ألزم بترخيص الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني قبل بدء عملها في “مقاطعة الجزيرة”.
المرأة بعين “الإدارة الذاتية”
يرى العاملون في الإدارة الذاتية، التي أعلن عنها مطلع عام 2014، أن دور المرأة الكردية اختلف قبل وبعد انطلاق عمل مكاتبها على الأرض، ما أوصلها لتمثيل المجتمع الكردي في مجالات عدة.
وأعلن عن “الإدارة الذاتية” رسميًا، شمال شرق سوريا، في آذار 2016، معتمدةً ما قالت إنه نظام حكمٍ فيدرالي، ويشكل عمادها حزب الاتحاد الديمقراطي.
وتقول وليدة حسن، رئيسة مكتب حقوق الإنسان في الإدارة، إن المرأة لم يكن لها دور في المجتمع، بل كانت مهمشة ولا تملك القرار سواء في المنزل أو العمل، وتعتبر، في حديثها إلى عنب بلدي، أنها كانت تعاني من ضغوطات في العمل، “إلا أن الإدارة مكنتها من أن تلعب أدوارًا أساسية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية”.
وترى الإدارة أن الأمر مختلف عما عايشته المرأة الكردية في ظل حكم حزب البعث، الذي اعتمد على سياسة إقصاء وتهميش المكونات المجتمعية في سوريا، وطال التأثير المرأة بالدرجة الأولى، “في ظل العادات والتقاليد والذهنية الذكورية المتسلطة، التي وقفت عائقًا أمام تطور المرأة، فبقيت حركة المجتمع بطئية بهذا الخصوص”، وفق تعبير حسن.
وقدّرت رئيسة مكتب حقوق الإنسان نسبة تمثيل المرأة في مديريات ومؤسسات “الإدارة الذاتية” بـ 40%، مشيدة بدور المرأة في “ثورة روج آفا”، وفق تعبيرها.
المرأة تشترك في العملية العسكرية والأمنية
وأفاد مصدرٌ مطلعٌ (رفض كشف اسمه) عنب بلدي أن أكثر من خمسة آلاف امرأة وفتاة تقاتل ضمن “وحدات حماية المرأة”، إلى جانب “وحدات حماية الشعب”، وهي الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي. وغدت مقاتلات رموزًا لغيرهن بعد مقتلهن، على غرار إيمان عنتر وفيان ميركان.
نسرين عبد الله، المتحدثة باسم “وحدات حماية المرأة”، ترى أن مشاركة المرأة في العملية العسكرية والأمنية، “دليل على انفتاح فكري اجتماعي وتعبير عن مسؤوليتها في حماية المجتمع والمرأة معًا، مؤكدة أن “تجربتنا في روج آفا (شمال شرق سوريا)، أثبتت بأن أي ثورة تتضمن مشاركة المرأة بهذا المستوى سيكون ضمانًا لانتصار تلك الثورة”.
مشاركة المرأة الكردية بدت واضحة من خلال وجودها ضمن رئاسة المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي، متمثلة بهدية يوسف، التي تشارك منصور سلوم في رئاسة المجلس، وهنا ترى حسن أن الإدارة منحت المرأة دورًا سياسيًا “لم يسبقها إليها أحد”.
لم تكن تجربة التمثيل النسائي مقتصرة على “الإدارة الذاتية”، فقد مثّلت المرأة أحزابًا كردية أخرى معارضة لسياسات الإدارة، أبرزها “المجلس الوطني”، وهو أحد أبرز الأجسام السياسية الكردية في سوريا، ويعترض على سياسة حزب “الاتحاد الديمقراطي”.
وترى لافا محمد، من “الوطني الكردي”، أن المرأة أثرت بدرجة كبيرة في المجتمع الكردي خلال الثورة، منذ بداية انخراطها بالمظاهرات، مرورًا بتعرضها للاعتقال، معتبرةً أن غياب حل للوضع في سوريا “أدخل المرأة في مجال العمل والسياسة والإعلام إلى جانب الرجل، وتفانت لنيل حريتها وحرية وطنها”.
استغلال وتجنيد إجباري
القاضي إبراهيم الحسين، عضو رابطة المستقلين الكرد السوريين، يحلّل الأسباب التي دفعت بالمرأة في الجزيرة السورية إلى الواجهة، ويقول لعنب بلدي “المعروف أن حزب العمال الكردستاني يصنف ضمن التيارات اليسارية في العالم، ولذلك لم يكن غريبًا أن ينحو فصيله السوري، المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي، ذات المنحى الذي اتبعه الحزب الأم، لذلك عمد خلال تكريس سلطته المسماة الإدارة الذاتية إلى الظهور بمظهر علماني صريح متخذًا سلسلة من المظاهر التي تدعم ذلك، ومنها إشراكه المرأة في القيادة حيث تكون قيادة كل منظمة من منظماته العديدة المتفرعة عنه قيادة مشتركة بين ذكر وأنثى”.
وأكد الحسين أن “الإدارة الذاتية أرادت من خلال ذلك مخاطبة العقل الغربي لكسب الدعم الدولي، وتقديم حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه على أنه نموذج مختلف عن كل الفصائل والتيارات المعارضة السورية الأخرى”. لكنّ القاضي يستدرك “لعل تفعيل دور المرأة نقطة كانت ستحسب له لولا تململ الأوساط الشعبية الكردية من خطوة إشراك النساء في القتال وخاصة الفتيات الصغيرات، إذ جند الحزب الكثير من النساء في فصائله العسكرية المتعددة واستخدم صور مقاتلاته بشكل ذكي ضمن سياسة إعلامية، كما قلنا تهدف لكسب الدعاية لدى الغرب”.
“القلق في المجتمع الكردي اتسع عندما تعددت حالات اختطاف القاصرات وإرغامهن على ارتداء اللباس العسكري، بدلًا من توفير فرص التعليم لهن”، بحسب الحسين، الأمر الذي اندرج ضمن أسباب الهجرة التي دفعت العائلات الكردية للهروب بشكل ملحوظ من مدنهم نحو تركيا وكردستان العراق، خوفًا من التغرير بالفتيات القاصرات أو خطفهن وإرغامهن على العسكرة.
ويعتقد الحسين أن “هذا الحزب (الاتحاد الديمقراطي) غير صادق في احترامه الذي يدعيه للمرأة، مستدلًا باعتداء عناصره على إعلامية أنثى تحمل جنيناً في بطنها، ومنعها من دخول بلادها، مؤكدًا أنه سبق ذلك عدة اعتداءات على نساء مناهضات لسياسات الحزب.
وأثناء إعداد هذا التحقيق، منعت حواجز قوات “أسايش”، الذراع الأمنية للاتحاد الديمقراطي، الإعلامية في شبكة “روداو” رنكين شرو، من دخول سوريا لزيارة أقاربها، واعتدى العناصر عليها رغم علمهم بأنها حامل، وفق بيان رسمي لـ “روداو”، مساء 22 أيلول.
الكاتبة الكردية، نسرين تيللو، التي تقطن في ألمانيا حاليًا، توافق الحسين برأيه، فتجربة المرأة الكردية “مريرة” وفق رؤيتها، وتضيف أن المرأة “استغلت بشكل كبير في ظل الظروف الراهنة، إذ ارتدى الاستغلال ثياب الثورة”.
وتعتبر أن النساء يعجزن عن إظهار مواقفهن بشجاعة وجرأة وحرية، “فالقوة هي التي تسيطر على المشهد في ظل الخليط المتناقض المسيطر على الأرض، ما يجعل الجميع في حالة كأنهم يسيرون على أرض مزروعة بالألغام”.
بعيدًا عن السياسة والقتال في الحسكة
تعمل عشرات النساء الكرديات ضمن منظمات إنسانية، تختص بعضها بدعم المرأة بشكل كامل، وتقود أخريات أعمالًا مهنية مختلفة، وهنّ نسبة لا بأس بها وتتركز في مدن وبلدات ريف الحسكة.
نارين متيني، من مواليد منطقة الهلالية في مدينة القامشلي، ترأس مكتب العلاقات في “تيار المستقبل” الكردي، وتدير منظمة “شبكة المرأة الديمقراطية”، ومركز “المرأة” الذي تأسس في القامشلي في تشرين الثاني من عام 2012.
“نناضل من أجل توعية المرأة وتمكينها وتحررها في كافة المجالات السياسية والثقافية والاجتماع، كي تستطيع أن تتبوأ مركز القرار وتشارك في شتى مجالات الحياة”، تقول متيني لعنب بلدي، إن المركز الذي تديره ينظم دورات في مجالات مختلفة، “كوافير نسائي”، تمريض، كمبيوتر، ويعمل على تأهيل المرأة في المجال القانوني والمدني والعدالة الانتقالية.
في مجال الحياة العملية، تعمل شذا الناصر كمحاسبة في شركة “النور” لمستلزمات الكمبيوتر في مدينة القامشلي، وهي واحدة من بين المئات اللواتي دخلن سوق العمل، وتقول لعنب بلدي إنها لمست “نسبة مقبولة” من النساء العاملات بأمثال هذه المهن، “معظمهن يحملن شهادات جامعية أو تخرجن من المعاهد، إلا أنهن يحصلن على رواتب متدنية لا تتجاوز أحيانًا 20 ألف ليرة سورية”.
زاهدة حسين (28 عامًا)، تعيش في ريف الحسكة وتعمل يوميًا في تعبئة التبن ضمن ورشة مؤلفة من 14 فتاة أخرى، وترى في حديثها إلى عنب بلدي أن عملها جاء نتيجة الظروف التي تمر بها المنطقة، وتردف “أعيش في منطقة نائية مع حوالي 128 فتاة أخرى يعملن في مهن مختلفة أغلبها تتطلب جهدًا شاقًا”.
“طلعتي حيط يا بنتي وبينسند فيكي”
الإمكانيات الاستثنائية في المرأة العاديّة
ظهرت المرأة السوريّة في الدراما من خلال العديد من الشخصيات والنماذج، لكنّ أكثرها حضورًا هي تلك المرأة البسيطة المدبّرة، التي تحتفظ بكل شيء لا لقيمته الحالية، ولكن للزومه مستقبلًا. من تستطيع تقديم أفضل مائدة لأيّ ضيفٍ مُفاجئ مهما كانت محتويات مطبخها. توزّع راتب زوجها على أيام الشهر ببراعة محاسب، وتعيد تدوير ثياب قديمة لمناسباتٍ مقبلة.
كانت هذه الحبكات الدرامية تبدو مبالغةً قليلًا قبل الثورة، وهو ما تغيّر بعدها بكل تأكيد، إذ إن أي مقارنة لهذا النموذج مع ما بذلتْه المرأة من جهود لتوازن الأسرة والحفاظ عليها خلال الحرب سيجعل الدفة تميل إلى صالح سيدات المنازل اليوم، عدا عن جهودهنّ عميقة الأثر في دعم الثورة والنشاط ضد ظُلم الأسد.
قوانين طوارئ
لم تكن عائلة السيدة ميساء معتادة على الطعام “البايت”، إذ كانت تطهو يوميًا طبقًا جديدًا كمعظم العائلات السوريّة، لكن وبعد توقف معظم مظاهر الحياة في حمص، ومن بينها عمل رب الأسرة، كان على السيدة ميساء اتخاذ تدابير جديدة لتتمكن العائلة من الاستمرار، تقول “من لا يرحم لا يُرحم، أنا أعرف أحوال زوجي، توقّف عن العمل خلال كل سنوات الثورة ونحن نصرف من القليل الذي ادخره للأيام السوداء، وهكذا وضعتُ قوانين جديدة، تتناسب مع حالة الحرب”.
شملت قوانين طوارئ السيدة ميساء تقليل عدد مرات الطبخ أسبوعيًا من سبع طبخات مختلفة إلى طبختين فقط، تمتدّ كل منهما إلى ثلاثة أيام، “بهذه الطريقة نوفّر الكثير من مستلزمات كل طبخة، ومن الغاز اللازم للطبخ، ونُمضي اليوم السابع في الأسبوع بطبق بسيط كالبيض المقلي أو الحمّص، أحد قوانيني أيضًا هو الاستعاضة عن لحم الغنم بلحوم الدجاج في الطعام بشكل كبير، لفارق السعر بينهما”.
امتدّت قوانين السيدة ميساء لتطال كيفية الحفاظ لأطول مدة على الملابس، وإعادة تدويرها، وتوفير الدفاتر المدرسية لأبنائها، “في السابق كانت بداية المدرسة تتمثل باصطحاب زوجي لأبنائنا إلى المكتبة، حيث ينتقون ما يشاؤون من الأقلام والقرطاسية، أما الدفاتر فكان يشتري رُزمًا تكفيهم عامًا كاملًا وتزيد، الحال مختلف جدًا اليوم”.
حاليًا، بعد انتهاء العام الدراسي، تقوم السيدة ميساء بتجميع الأوراق غير المستخدمة من دفاتر أبنائها، وضمّها إلى بعضها كدفاتر جديدة، وتضيف “يستخدم أبنائي هذه الدفاتر كمسودّات في العام التالي”.
صناعة الأمان
عندما نتكلم عن دور المرأة في الأسرة، لا يمكن أن نتجاوز بذلَ نساء الغوطة الشرقية وتضحياتهنّ مقابل الحفاظ على لمّة الأسرة، تحت أي سقف، وبأيّ ظروف كانت، السيدة أم محمد (34 عامًا) أمٌّ لثلاثة أطفال تبذل لأجل طفولتهم كل جهد “لم نغادر الغوطة منذ عام 2012، يحمل أبنائي الكثير من الذكريات السيئة مثل قصف الطيارة لمنزلنا أثناء تناول وجبة الإفطار، ومجزرة الكيماوي، والحصار والجوع، لكنني أحرص على أن يحملوا بالمقابل ذكريات جميلة عن طفولتهم، وأبذل ما بوسعي لإسعادهم”.
في قبو البناء، حيث تُمضي أم محمد وأبناؤها معظم نهاراتهم وأحيانًا لياليهم، زيّنت أم محمد رُكنًا خاصًا، تقول “القبو مستودع في الأساس، لكنني هيّأتُ إحدى زواياه، وأحضرتُ لوحًا وطباشير ليكتب أبنائي ويرسموا، زيّنته برسماتهم وما تبقى من ألعابهم، وأضأناه بالليدات للتخفيف من عتمته ما أمكن، عندما يشتدّ القصف أحكي لهم الحكايات، نقرأ القرآن معًا، ننشد ما نحفظه من الأغاني، وأرسمُ لهم لينشغلوا بالتلوين، أحاول أن أعوضهم ما استطعت عن أجزاء طفولتهم الضائعة، وأمانهم المبعثر”.
تغيّرت حياة المرأة كليًا
تقول السيدة أم محمد إن حياة المرأة في الغوطة تغيّرت كليًا، وتضيف “لا أعني أن حياة الرجل لم تتغير، جميعنا ندفع من صحتنا وحياتنا وأعصابنا ثمن الحرب، لكن روتين حياة المرأة هو الأكثر تأثرًا بالحصار”.
تشرح كلماتها “قد تكون طبيعة الطعام تغيّرت علينا جميعًا، لكن أسلوب الطهي تغير أيضًا، أمضي ساعات أمام النار حرصًا على عدم انطفائها وأذكيها بالحطب لأصنع الطعام، الخُبز كان يأتينا جاهزًا، بينما أعدّه اليوم مرورًا بكافة مراحله كالعجن والتقريص والتخمير والرقّ والخَبز، أبتكر وسائل لحفظ الأطعمة لعدم وجود برّاد، أغسل الملابس على يدي بأقل القليل من الماء، تنظيف المنزل أيضًا تغيّرت أدواته، مع ذلك نحن حريصات على إشباع عائلاتنا، نظافة منازلنا وثيابنا، لمّة العائلة ودفء المنزل، رغم كل شيء”.
امرأة بألف رجل
في أول عامين للثورة كان منزل السيدة أم حُسام في ركن الدين مقصدًا لكلّ ثائر ومطلوب، وكل نازحٍ وهارب من الموت، تقول الآنسة ماريّا، إحدى المتظاهرات اللاجئات لمنزل أم حسام في بداية الثورة، “عندما تنفضّ المظاهرات ونهرب من الأمن، كان منزل أم حسام ملاذًا لنا، أحيانًا نُضطر لترك الكاميرات واللافتات لديها، لم تكن تمانع على الإطلاق”.
وتضيف ماريّا “لا يسعني أن أصف نشاطاتها الثورية، كانت سيّدة بألف رجل”.
لم يكن أبو حسام يوافق زوجته على نشاطاتها الثوريّة، فهو يخاف النظام، ولا يمتلك قوّة شخصيتها عند المرور على الحواجز أو الحديث مع العناصر، تقول أم حسام “لديّ خمسُ بنات وابن، ابني يشبه أباه في كل شيء، لم يشارك بالثورة ويخافُ من ظلّه، لذا هرب إلى لبنان أواخر عام 2012، أمّا بناتي فهنّ جميعًا مثلي شجاعةً ونُصرةً للحقّ، وهنّ من يقفن إلى جانبي عندما أرغب بإيواء أحد في منزلنا رغم رفض زوجي”.
ادفعي ثمن نشاطاتك الثوريّة
بعد أن بدأت الشكوك تحوم حول أم حسام ومنزلها، وخفّت وتيرة المظاهرات في دمشق بشكل كبير، فكّرت بالسفر للمرة الأولى، “صار الأمن يحومون حولنا، لاحظنا تدقيقًا زائدًا عند مرورنا على الحواجز مع أننا نساء، وهنا فكّرت بالسفر لتركيا، لكن زوجي عارضني بالطبع، فهو لا يعيش إلا في دمشق، وأنا المسؤولة عن نتائج نشاطاتي الثوريّة”.
لم يكن لدى أم حسام الكثير من الوقت، فهي تعلم أن يوم اعتقالها لم يعد بعيدًا، وهنا اتخذت قرارها بالسفر مع بناتها، “استلزم مني قرار السفر الكثير من التفكير، ليس لدينا مصدر دخل إذا سافرنا، لكنني أخشى على بناتي ونفسي من الاعتقال، لهذا توكّلت على الله، ودفعتُ ما أملكه للسفر إلى تركيا واستئجار منزل في ولاية اسكندرون”.
في تركيّا، أخذت أم حسام قرارًا بفتح صالون حلاقة للنساء مع بناتها الخمس لتأمين مصدر دخلٍ لهنّ، وبالفعل استأجرت محلًا بالقرب من منزلها “كنتُ قد عملتُ سابقًا في فترة صباي في صالون حلاقة نسائية، واكتسبتُ هناك المبادئ الأساسيّة كالقص والسيشوار والمكياج، وموديلات الحفلات البسيطة، كان عليّ أن أعتمد على هذه المهارة لكسب الرزق، ليس لديّ حلٌ آخر”.
تُعيل أم حسام اليوم بناتها الخمس، ويتكفل صالون الحلاقة بتكاليف معيشتهنّ كاملة، تضيف بلهجة واضحة الرضا “نحن في تركيا منذ عامين أصبح الصالون خلالهما مصدر رزق مستقرٍ نوعًا ما، زوّجت ابنتيّ الكبيرتين لعائلتين سوريتيّن هنا، الحمد لله على كل حال”.
ابنتي سندي
لم تكن عائلة آلاء تسمح لها بالعمل بشهادتها، من معهد تقانة الحاسوب، قبل الثورة، إذ رأوا أن عمل المرأة في بيتها فحسب، لكنّ الثورة والحرب غيرتا كل شيء، بما في ذلك تفكير أهل آلاء تجاه عملها، عن ذلك تقول “استُشهد والدي وأصيب أخي الأصغر، تركنا منزلنا في جوبر ونزحنا إلى التلّ، بعدها أصبح أخي مطلوبًا للنظام بسبب تخلّفه عن العسكرية، ولم يبق للعائلة مصدر رزق واحد أمام إعاقة أخي نتيجة لإصابته”.
لم تجد آلاء فرصة عمل بشهادتها في مدينة التل، وهنا انتقلت للعيش في بيت عمّتها بدمشق للعمل في شركة باختصاصها الدراسيّ، “الحمد لله أنني أرد جميل أهلي، صحيحٌ أننا نعيش في مكانين مختلفين ولا أراهم بشكل دائم، إلا أنني أرسل لهم راتبي وأكفيهم الحاجة وسؤال الناس”.
تقول آلاء إن هناك الكثيرات مثلها حولها، وتضيف “شباب سوريا اليوم ما بين الهجرة والاعتقال، ما ترك الحمل على عاتق نساء العائلات، معظم الشركات قائمة على الموظفات اليوم، بالإضافة إلى سهولة تنقّل الفتيات أمنيًا مقارنة بالشباب”.
وتشير آلاء إلى أن معظم زميلاتها في الشركة يعملن لإعالة أهاليهنّ ولو بشكل جزئيّ، وتضيف”عندما أرسلتُ لأهلي راتبي للمرة الأولى، سمعتُ من أمي ما لم أتوقع سماعه في حياتي، من بين دموعها قالت لي: (طلعتي حيط يابنتي وبينسند فيكي)”.
المرأة في سوريا بعين الخبرة الحكومية
فعليًا، لا يمكن الحكم على دور المرأة بشكل حقيقي وكامل، في ظل التغيرات التي تطرأ باستمرار على الأرض السورية، وترى وزيرة الثقافة والأسرة السابقة، سماح هدايا أن حراك المرأة حاليًا “مجزوء” عن الدولة، وعن منظومة القوانين والمرجعيات الاجتماعية والقانونية والدستورية، “لذلك نحن بحاجة إلى دعم الحراك النسائي وعمل المرأة كإنسان وككائن معادل للرجل، والجندرة جزء من الموضوع، إلا أن الأهم هو الاهتمام بموضوع الإنسان بشكل أشمل”.
وتعتبر الوزيرة السابقة أن مستقبل المرأة في سوريا، مرتبط بعدة أمور أبرزها الدلالة على أدوارها ضمن الدستور، وليس فقط الحديث عن توسيع تمثيلها ضمن المنظمات أو الهيئات، “وهذا يرتبط بعدة أمور، أولها: هل نؤمن نحن بدور المرأة، أم فقط نتعامل على ضرورة أن يكون هناك نساء ضمن الهيئات السورية؟”.
أما نعمات أحمد، التي عملت في الوزارة حتى 2015 وتنشط في منظمة للمرأة حاليًا، فدعت إلى تنظيم العمل ووضع خطة لدعم مديريات الأسرة الحالية لوجستيًا، وتزويدها بكافة الخدمات، إضافة إلى رصد احتياجات الداخل السوري والعمل على أساسه ضمن برامج تثقيفية ومهنية، “وهذا يحتاج إلى خبراء وأشخاص عمليين وليس منظرين، والأهم مما سبق تلبية الاحتياجات الطبيعية لكي تحس المرأة بالأمان أولًا”.
توصف الحركات النسائية في سوريا، رغم أنها اندفعت إلى الأمام بشكل كبيرعما كانت عليه في السابق، بأنها “هشة”، في ظل غياب الهيئات والشبكات الراسخة القادرة على التأثير.
“الصحفيات السوريات”: عوائق كثيرة في وجه المرأة السورية
تتعرض النساء السوريات لعدة مصاعب وعوائق تقف في وجه الارتقاء إلى المستوى المطلوب لدور المرأة.
وفي لقاء مع عنب بلدي فنّدت رولا أسد، المديرة التنفيذية لشبكة الصحفيات السوريات، العوائق الرئيسية في وجه المرأة داخل سوريا، وفي مقدمتها العامل الأمني. فتعدد حملة السلاح يؤثر على النساء أكثر من الرجال، كونهن غير مشاركات في الأعمال القتالية، إذ يتعرضن لعوائق كحرية الحركة ابتداءً، سواء في المناطق الأكثر تشددًا كالنظام السوري وتنظيم “الدولة”، إلى المناطق التي فيها مساحات أكبر للحركة، والواقعة تحت سيطرة المعارضة.
العائق الثاني، هو الموارد المالية القليلة، وتعزو أسد ذلك إلى أن المجموعات النسائية داخل سوريا لا تملك خبرة كافية، لتقديم مشاريع وطلب تمويلها من المنظمات الكبرى التي تقدم منحًا مالية، وبالتالي عدم ثقة هذه المنظمات بإرسال أموال، لأنها تفترض أنها يمكن أن تصل إلى مجموعات مسلحة، وتصرف بطريقة غير صحيحة، لغياب آليات التدقيق. وألقت باللوم على المنظمات الكبرى التي لا تملك الرغبة بالاستثمار بالحراك المدني في سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، لا توجد خبرات إدارية كافية، بحسب مديرة الشبكة، التي أشادت بالأفكار والمشاريع “الرائعة” في الداخل، لكنها تفتقر لتقديم الأوراق المالية والميزانيات والتدقيق. وأشارت إلى أن المنظمات التفتت مؤخرًا إلى ذلك وبدأت ببناء القدرات في هذا المجال.
الأسباب الثلاثة السابقة متعلقةٌ ببعضها، لكن سببًا أخيرًا يضاف إليها، هو عدم الإيمان بدور النساء بشكل حقيقي من كل الأطراف المحلية (المجالس المحلية مثالًا)، إلى جانب تنميط دور المرأة، كأن يقتصر على الطبخ والأعمال اليدوية، وهو ما تعتبره أسد فشلًا دوليًا ببرامج التمكين الخاصة بالفئات المهمشة، مستدلةً بالأعمال التي تقدمها النساء السوريات اللاجئات، والتي لا يمكن أن تنافس الأسواق المحلية، لذلك تباع في أوروبا مثلًا، بأسعار غالية، ليعود بالتالي دافع “الشفقة” للشراء.
كما أن هذه النشاطات في المجمل غير متراكمة، وهي متعلقة بالتمويل، فإن وجد هذه السنة، ربما يتوقف السنة المقبلة.
وتعمل شبكة “الصحفيات السوريات” على تحسين صورة النساء في الإعلام السوري المحلي، خاصة أن الصورة النمطية السائدة للنساء السوريات اليوم مرتبطة باللجوء وتبعاته من استغلال وعنف وتشويه، بحسب توصيف الشبكة في موقعها الرسمي.
وطالبت مديرة الشبكة بإعادة النظر ببرامج التمكين من المنظمات الدولية، والاستفادة من التجارب السابقة في العراق والبوسنة وفلسطين، المشابهة لواقعنا، داعيةً إلى ضرورة التغلب على ما أسمتها “كليشة العادات والقيم”، التي تعتبر أن المرأة غير الرجل في المجال العام، مؤكدةً أن “هذا الصراع طويل، ويحتاج حراكًا داخل المجتمع، ونقدًا وردّ فعل حتى تتمكن النساء من لعب دورهن”.
حقوق المرأة في دستور الأسد دعاية سياسية
منصور العمري
جاء الرسول الكريم بتحريم جريمة وأد الأنثى، فهل يقتصر وأد الأنثى على دفنها حية عند ولادتها لأنها أنثى، أم أن حرمانها من حقوقها وتغييبها بمنعها من القيام بدورها الأساسي في المجتمع، هو شكل آخر لوأدها؟
تكثر المقولات والأمثلة في لغتنا العربية عن فضل المرأة وأهمية دورها في المجتمع، ولكن جميعها تفقد معناها على أرض الواقع.
شاركت المرأة السورية في الحراك السلمي منذ آذار 2011، وخرجت إلى جانب الرجل في شوارع ومدن سوريا للمطالبة ببلد حر وحياة كريمة. ولم يكن لهذا الحراك الشعبي أن يستمر لولا دور المرأة فيه، والذي تراوح من تحضير الطعام للمقاتلين وتمريضهم ورعاية الجرحى، وإعالة الأسر، حتى إن بعض النسوة حملن السلاح والتحقن بالجبهات. ورغم تطور دور المرأة في المجتمع المدني إثر الثورة السورية، إلا أنها وكعادتها تنسى نفسها، وتقدم كل ما لديها لتثبت ذاتها، دون أن تولي أحدًا أكثر الجوانب في نضالها أهمية وهو المطالبة بحقوقها وجعلها أمرًا واقعًا.
رغم تنوع وكثرة الشعارات التي رفعتها الثورة السورية، إلا أنها خلت من المطالبة بحقوق المرأة أو كادت. كما أنه لا يوجد أي إحصائيات رسمية متعلقة بالمرأة، كمشاركتها في القوى العاملة أو دوائر اتخاذ القرار أو الالتحاق بالتعليم وغيره.
تعرضت المرأة لما تعرض له الرجل في سوريا، من جميع أنواع الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ضد الخارجين عن سطوته، بما فيها الاعتقال والتعذيب والاعتداءات الجنسية والقتل، بل أيضًا أصبحت هدفا لأجهزة مخابرات الأسد في أخذها رهينة لإجبار قريبها الرجل على تسليم نفسه.
تفاوتت مدى الحريات الممنوحة للمرأة في سوريا قبل الثورة لعدة اعتبارات من بينها الانتماء الديني أو القومي، من بينها الحق في تعلم الدين، وحرية اختيار الزوج بغض النظر عن انتمائه الديني وغير ذلك. لم تختلف كثيرًا هذه الاعتبارات بعد قيام الثورة السورية، إلا أنها أصبحت أكثر غيابًا في ظل الوضع الكارثي في سوريا، بحيث تحولت الأولويات إلى البقاء على قيد الحياة، والحصول على الطعام والدواء.
يضم الدستور السوري الذي أصدره نظام الأسد لعام 2012 مادتين متعلقتين بالمرأة:
المادة 23: “توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع”.
المادة 33: البند 3: “المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
إلا أن التناقضات في الدستور السوري بما يخص المرأة وتحفظات حكومة الأسد على “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، يجعل المادتين في الدستور السوري عبارة عن كلام فارغ، وغير قابل للتطبيق بحكم الدستور السوري ذاته، فكيف لا يحق لرئيس الجمهورية السورية مثلًا اختيار المهنة ونوع العمل، أو مكان سكنه أو إقامته إلا بموافقة الزوج إن كانت امرأة. وهو ما ينفي حق المرأة في الترشح لرئاسة سوريا، خاصة وأن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية مطروحة بصيغة الذكر، ومن بينها “ألا يكون متزوجًا من غير سورية”. قد تكون هذه الصياغة مبررًا لحرمان المرأة من الترشح لرئاسة الجمهورية فيما بعد.
حقوق المرأة في الاتفاقيات الدولية وتحفظات نظام الأسد
تعد “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، إحدى أهم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة، والتي تعرف التمييز ضد المرأة أنه: “أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من إثارة أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل”.
صادقت الحكومة السورية على اتفاقية سيداو “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، إلا أنها قدمت مجموعة من التحفظات عليها:
تحفظات حكومة نظام الأسد على الاتفاقية:
المادة 9 البند 2: “تمنح الدول الأطراف المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما”، حيث رفضت منح المرأة حقًا متساويًا كالرجل في منح الجنسية لأطفالها.
المادة 15 البند 4: “تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم”. رفضت منح المرأة حق اختيار مكان سكنها وإقامتها.
المادة 16 الفقرات: “نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه”، “نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفى جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول”، “نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفى جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول، “نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل”، “لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرًا إلزاميًا”.
والمادة 29 التي تلزم الدولة الطرف في الاتفاقية بتنفيذ تعهداتها: “يعرض للتحكيم أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية لا يسوى عن طريق المفاوضات، وذلك بناء على طلب واحدة من هذه الدول. فإذا لم تتمكن الأطراف، خلال ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الوصول إلى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم، جاز لأي من أولئك الأطراف إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقًا للنظام الأساسي للمحكمة”.
تفرغ هذه التحفظات الاتفاقية من هدفها الأساسي في المساواة الكاملة مع الرجل، وتخول الحكومة السورية بعدم الالتزام بتطبيق البنود التي تحفظت عليها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :