تعا تفرج
هل حقًا الشعب السوري واحد؟
خطيب بدلة
كثيرًا ما يتردد، في الحوارات الصحفية، السؤال التالي: ماذا تريد أن تقول للشعب السوري؟ لو فكرنا قليلًا، لوجدنا أنه سؤال يفتقر إلى الذكاء والمهنية، ويستدعي سؤالين معاكسين، أولهما: مَن أنا حتى أقول، أو لا أقول شيئًا للشعب السوري؟ وثانيهما: هل تعتقد، بجد، أن هناك شعبًا، اسمه الشعب السوري؟
إنه أمر مؤسف، بالطبع، أن تجد هاجس الانتماء إلى الشعب السوري، موجودًا لدى جميع الأشخاص الذين يعيشون على الأرض السورية، فتراهم ماضين في ترداد شعار “الشعب السوري واحد”، وفي الوقت نفسه، نرى التناحر، والاقتتال، والتهاجي، وكل فئة أو شريحة، تعامل الشرائح الأخرى بكثير من التعالي، والاستصغار، والتوعد.
المرض الخطير، الذي أصاب معظم أبناء هذا الشعب، السوري، هو المكابرة، فهم ينكرون واقعهم، ويستنكرون أي خطاب يحثهم على تجاوز حالة التخلف المستعصية، فإن سألتهم عن سبب التناحر، والتباغض، ينبري كل فريق منهم لإلقاء اللوم على الجماعات الأخرى، متهمًا إياها بالخيانة، والعمالة، وبأنها هي التي بدأت الحرب علينا!
اليوم، أصبحت “اللغة الطائفية” شائعة في المجتمع السوري، إلى درجة أن كل سوري يتحدث، في مجلس ما، يضطر لأن يعلن، في مطلع حديثه، انتماءه الطائفي، ثم يسارع إلى نفي التفكير الطائفي عن نفسه، قائلًا: صحيح أنني من الطائفة الفلانية، ولكنني، كما تعلمون، أتعامل مع أبناء وطني الآخرين، المنحدرين من كل الطوائف الأخرى، بالمحبة، والاحترام، ودون خلفيات.. وأنت، عندما تسمع هذه النغمة، يخطر ببالك الطفل المريض الذي يتهرب من زيارة الطبيب، لأنه سيضطر، بعد زيارة الطبيب، لشرب دواء مر، ويتحمل دخول التحاميل في استه، ووخز الحقن في فخذيه.
لا بد من التذكير، هنا، بأنك يستحيل أن تقابل إنسانًا سليم الجسم، وصحته، كما يقول المصريون، زي البمب، ويحدثك عن صحته، ونشاطه الرائع، وأما المريض فيبلغ قمة السعادة حينما تسأله عن صحته، ويتدفق، ليحدثك عن الآلام، والأوجاع، والأطباء الذين عاينوه، والمخابر التي صورته، وحللت دمه.. والكلام نفسه ينسحب على مثالنا السابق، فلو لم تكن الطائفية تفتك بأبناء وطننا، لما قابلت شخصًا واحدًا يتحدث عنها، وهذا يوصلنا إلى فكرة، إذا تمعنا فيها، نستطيع الإجابة عن السؤال الخطير، المتعلق بوحدة الشعب السوري، وهي إزالة كل ما يفرق الشعب من الطريق، وأقصد هنا الانتماءات غير الوطنية، فأنت تستطيع أن تكون عربيًا، ومسلمًا، ومن العشيرة الفلانية، أو العائلة العلانية، ولكنك تنتمي، في المقام الأول، إلى سوريا.
هذه الفكرة، مع أنها الوحيدة القادرة على أخذ السوريين إلى بر الأمان، مرفوضة، مثل الدواء المر الذي يرفضه الطفل، فالعربي الذي سيضطر لتقديم المواطنة على كل الاعتبارات الأخرى، سيشعر بأنه خسر ميزة انتمائه لأكثرية عددية.. والمواطنة سترغم المسلم السني على التنازل عن مكتسبات يعتقد (واهمًا) أنه حصل عليها منذ الولادة، والخسارة نفسها سيشعر بها ذكور المجتمع.. فهل يعقل أن يتخلى عن مكاسبه، ويقبل بمبدأ المواطنة الذي يجعل المرأة تتمتع بالقدر نفسه من الأهمية، في هذا الوطن المعطاء؟
إنه طريق صعب، بلا شك، ولكنه الطريق الوحيد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :