
جنود أمريكيون يجرون دورية بالقرب من حقول النفط في السويدية بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا- 13 شباط 2021 (NBCNEWS)
جنود أمريكيون يجرون دورية بالقرب من حقول النفط في السويدية بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا- 13 شباط 2021 (NBCNEWS)
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
لم توضح إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، توجهاتها بشأن سوريا حال وصولها إلى البيت الأبيض، بل أظهر تجاهلها لسقوط النظام في سوريا، وهو الحدث الأكبر في الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة، أن سوريا تشكل حالة هامشية على جدول أولوياتها.
ولم تتطرق واشنطن للملف السوري بشكل معزول عن علاقاتها بدول الإقليم، إذ دائمًا ما جاء السياق السوري على لسان مسؤولين أمريكيين في إطار علاقة واشنطن بحليفتها أنقرة، أو إسرائيل، أو موقفها من الميليشيات المدعومة إيرانيًا في المنطقة.
وقبل أيام، ظهر توجه واشنطن عبر تسريبات نقلتها وكالة “رويترز” قالت فيها، إن الولايات المتحدة سلمت دمشق قائمة شروط تريد من السلطات السورية الجديدة تنفيذها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات.
ونقلت الوكالة، في 25 من آذار الحالي، عن مسؤول أمريكي ومصدر سوري مطلع، أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، ناتاشا فرانشيسكي، سلمت وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في اجتماع شخصي على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل، في 18 من آذار، قائمة المطالب الأمريكية.
ووفق ما نقلته “رويترز” عن مسؤولين أمريكيين اثنين، ومصدر سوري، ومصدرين في واشنطن، فمن بين الشروط التي وضعتها واشنطن، تدمير سوريا لأي مخازن متبقية للأسلحة الكيماوية، والتعاون في مكافحة الإرهاب.
كما قال مسؤولون أمريكيون ومصدر في واشنطن، إن من المطالب أيضًا التأكد من عدم تولي مقاتلين أجانب أي مناصب قيادية في الهيكل الحاكم في سوريا.
وطلبت واشنطن تعيين ضابط اتصال للمساعدة في الجهود الأمريكية للعثور على الصحفي الأمريكي المفقود في سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن، أوستن تايس.
الوكالة نقلت عن مسؤولين أمريكيين وأحد المصادر في واشنطن، أن من بين المطالب الأخرى التأكد من عدم تولي مقاتلين أجانب مناصب قيادية بالهيكل الحاكم في سوريا.
وركزت التصريحات الأمريكية على دعم الأقليات وإدانة التطرف الإسلامي، لكنها لم تقل الكثير بخلاف ذلك، ما ترك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل العقوبات، وما إذا كانت القوات الأمريكية ستظل منتشرة في الشمال الشرقي.
رغم أن واشنطن لم تقل الكثير حول سوريا مؤخرًا، فإن حقيقة وجود نحو ألف جندي أمريكي في سوريا، يقلل من فرضية أن سوريا غير مهمة للولايات المتحدة، إذ لا تزال القواعد الأمريكية في سوريا، وتشكل حجر أساس في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” التي تقول واشنطن إنها مستمرة.
وفي الوقت نفسه، يمكن اعتبار أن أهمية سوريا تراجعت مع تراجع النفوذ الروسي فيها، وفق ما تراه الخبيرة السياسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس.
إيفا قالت لعنب بلدي، إنه منذ توصل واشنطن وموسكو لاتفاقيات أدت إلى تقسيم مناطق النفوذ في الجغرافيا السورية، حيث تمركز الجيش الأمريكي في شرق الفرات والتنف خلال إدارة ترامب السابقة، بينما وسّعت روسيا نفوذها على ما تبقى من سوريا، انخفضت أهمية سوريا.
وحتى بعد سقوط نظام الأسد، لا تزال سوريا بعيدة عن صدارة أولويات الإدارة الأمريكية الحالية، في ظل الحرب الدائرة في غزة، والعملية العسكرية ضد “الحوثيين” في اليمن، والملف النووي الإيراني، وفق كولوريوتيس، وهو ما يُبرر بطء ردود الفعل الأمريكية تجاه تطورات الساحة السورية.
ولفتت إلى أن دبلوماسيين “متوسطي المستوى” هم من يتولون التواصل بين واشنطن ودمشق اليوم، وهو مؤشر يصب في سياق الأهمية المنخفضة لسوريا في البيت الأبيض.
من جانبه، يرى الباحث مدير قسم تحليل الدراسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير العبد الله، أن سوريا لا تُعدّ في الوقت الراهن من أولويات السياسة الأمريكية، إذ تندرج ضمن ملفات إقليمية أوسع تتعلق بالعلاقات مع إيران، ومكانة إسرائيل في الشرق الأوسط، والسياسات الأمريكية تجاه دول الخليج وأمن الطاقة، إضافة إلى العلاقة مع تركيا، ومسألة محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وقال العبد الله لعنب بلدي، إن السياسة الأمريكية تجاه سوريا تنطلق من جملة اعتبارات، في مقدمتها: الحفاظ على أمن إسرائيل، وضمان عدم تحول الجنوب السوري إلى مصدر تهديد لها، إلى جانب ممارسة الضغط على إيران لمنعها من إعادة وجودها العسكري مجددًا في المنطقة.
كما تُعدّ سوريا جزءًا من الترتيبات الإقليمية الجديدة التي تسعى إدارة ترامب إلى فرضها، خاصة في إطار مشاريع السلام مع إسرائيل، فضلًا عن أنها ورقة تفاوضية في العلاقة مع كل من تركيا وروسيا.
منذ خروج التسريبات التي نقلتها “رويترز” حول شروط واشنطن في سوريا للعلن، لم تعد الخطوات التي ستؤدي إلى رفع العقوبات عن سوريا مجهولة، إذ وضعت الولايات المتحدة شروطًا لذلك، رغم أنها لم تعلن عنها رسميًا، لكن الهدف النهائي لواشنطن في المنطقة، وسوريا جزء منها، يعتبر أبعد من الملفات المطروحة.
ويعتقد الباحث سمير العبد الله، أن الولايات المتحدة تراقب سلوك الإدارة السورية الجديدة، وتهدف من خلال سياستها تجاه دمشق لضمان عدم تحول سوريا إلى تهديد لإسرائيل، ومعالجة ملف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عبر حلول سلمية وتفاوضية، بالإضافة إلى ضمان حماية الأقليات.
وفي حال التزمت الإدارة السورية بهذه الشروط، فمن المرجح أن تُبادر واشنطن إلى تخفيف العقوبات تدريجيًا، وفتح قنوات تواصل جديدة، بما يفضي إلى إعادة تشكيل العلاقات بين الطرفين، لكن ذلك يظل مرهونًا بقدرة الإدارة السورية على التحول من عقلية الجماعات الجهادية إلى عقلية إدارة دولة.
من جانبها، ترى إيفا كولوريوتيس أن الإدارة الأمريكية سلكت في الملف السوري ثلاثة مسارات، الأول والأساسي هو منع سوريا من أن تصبح بؤرة صراع جديدة في الشرق الأوسط، خصوصًا أن ترامب وصل إلى البيت الأبيض برؤية واضحة لإنهاء الصراعات، ودفع حكومة نتنياهو لتوقيع اتفاق مع “حماس” (رغم انهيارها مؤخرًا)، كما تعمل إدارته جاهدة لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وفي إطار تصور إدارة ترامب لإنهاء الصراعات في المنطقة، قبلت بأحمد الشرع لقيادة سوريا رغم خلفيته، ودفعت قوات “جيش سوريا الحرة” المتمركزة في قاعدة “التنف” شرقي سوريا نحو منطقة تدمر، بالتنسيق مع العمليات العسكرية التي قادها أحمد الشرع، كما تعاملت مع أحداث الساحل بهدوء، ودفعت المفاوضات بين دمشق و”قسد”، والتي أفضت لاتفاق وقعه أحمد الشرع ومظلوم عبدي.
أما المسار الثاني، فهو مسار “مكافحة الإرهاب”، ففي الأيام التي تلت سقوط نظام الأسد، نفذت واشنطن عشرات الغارات الجوية في البادية السورية مستهدفة مواقع تنظيم “الدولة”، كما كثّفت عمليات الاغتيال ضد قادة حاليين وسابقين في تنظيم “حراس الدين” التابع لـ”تنظيم القاعدة” في شمالي سوريا، رغم إعلان الفصيل عن حل نفسه.
ووصفت كولوريوتيس المسار الثالث بـ”الأكثر تعقيدًا”، فهو مسار العقوبات الاقتصادية التي لا تزال مفروضة على سوريا، ورغم إمكانية تخفيف هذه العقوبات مع مرور الوقت، لا يزال رفعها الكامل يتطلب تنازلات أكبر من الإدارة السورية الجديدة، أهمها قضية الجولان والعلاقات السورية- الإسرائيلية.
لم تترك إسرائيل سقوط النظام السوري حدثًا عابرًا في خارطة المنطقة التي تحاول تشكيلها منذ أكثر من عام، بل دخلت عسكريًا على الخط، وضربت أهدافًا في عموم المحافظات السورية، كما توغلت بريًا جنوبي سوريا في محاولة للضغط على دمشق، وهو ما لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
تنظر إيفا كولوريتوس إلى تحركات إسرائيل في سوريا على أنها تخضع لتوافق أمريكي- إسرائيلي تجاه سوريا، وفق ما قالته لعنب بلدي.
وأضافت أنه رغم الدعم الأمريكي لإسرائيل في سوريا من حيث “حماية أمنها”، تبقى السياسة الأمريكية منفصلة عن السياسة الإسرائيلية في سوريا، وتجلى ذلك في دعم واشنطن للاتفاق بين “قسد” والإدارة السورية الجديدة، وهو أمر لم ترغب فيه إسرائيل.
ولفتت إلى أن إسرائيل كانت تخطط وترسم خرائطها بناء على فكرة إبقاء شرقي سوريا منفصلًا عن سلطة دمشق، بحسب معلومات قالت الخبيرة اليونانية إنها حصلت عليها مؤخرًا، دون ذكر مصدرها.
المعلومات التي أشارت إليها إيفا كولوريتوس تركزت حول خطط متداولة في وزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيليتين حول ما يُسمى “ممر داوود”، الذي يربط شمالي إسرائيل بمنطقة السويداء والتنف، ويمتد نحو الشرق السوري.
وبينما تعتبر الحكومة الإسرائيلية الإدارة السورية الجديدة “حكومة غير شرعية” وتصف مسؤوليها بـ”الإرهابيين”، تُبقي وزارة الخارجية الأمريكية قناة دبلوماسية مفتوحة مع دمشق لتقريب وجهات النظر.
ولفتت الخبيرة إلى أن من الضروري بالنسبة لإدارة أحمد الشرع الاستفادة من الانفتاح الدبلوماسي من إدارة ترامب للدفع نحو تفاهمات بين دمشق وواشنطن، بهدف تهدئة الإجراءات الإسرائيلية في جنوبي سوريا، إذ يمكن لواشنطن أن تلعب دور الوسيط لمنع أي خطوات تصعيدية أخرى من قبل حكومة نتنياهو، التي شجعتها نجاحاتها ضد إيران خلال عام 2024.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى